توما حميد
عُقد مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الثامن والعشرون للتغيير المناخي في دبي في الفترة بين 30 تشرين الثاني حتى 13 كانون الأول لمناقشة سبل الحد من التغير المناخي والتصدي لعواقبه.
تعقد هذه المؤتمرات سنويا، حيث تشارك الوفود من كل دول العالم، وعادة دون أن يتم إنجاز المزيد. ولكن وصل مؤتمر هذه السنة الحضيض في حين ان عام 2023 كان العام الأكثر حرارة في تاريخ الإنسانية.
اذ عقد المؤتمر في دولة الامارات العربية، والتي هي واحدة من عشر اكبر منتجي للنفط وواحدة من أسوأ الملوثين للبيئة في العالم. وترأس مؤتمر المناخ، “كوب 28” سلطان الجابر وهو مدير شركة أبو ظبي الوطنية للنفط.، وقد شارك عدد قياسي من وفود منتجي الوقود الاحفوري في المؤتمر، حيث شارك 2456 شخص على صلة بصناعة الوقود الأحفوري، أي لوبي لهذه الصناعة في محادثات المناخ في دبي. يجب ان لا يكون عدم اتخاذ قادة النظام الرأسمالي خطوات جدية لمواجهة تغير المناخ موضع دهشة. ان الفشل في كل هذه المؤتمرات هي ليست للأسباب التي يصدع الاعلام الرأس بها.
ان السبب الرئيسي متعلق بالنظام الرأسمالي نفسه. ان المنطق الذي يحرك الرأسماليين في النظام الرأسمالي هو ليس البيئة او مستقبل البشرية وصحتها، ولكن هي الأرباح ويتم مكافأة الرأسماليين ومدراء الشركات الرأسمالية لا على الاهتمام بالبيئة أو صحة الانسان أو رفاهية المجتمع و.. الخ، بل على تحقيق الأرباح. ولهذا ليس من العجب أن يقوم رئيس شركة نفط أو أي وقود احفوري اخر بالوقوف في وجه المحاولات الساعية الى التخلي عن الوقود الاحفوري، لان الوقود الاحفوري هو ما يحقق له الأرباح. لهذا، في النهاية، لا يمنح النظام الرأسمالي ككل الأولوية لحاجات البشرية ولحاجة كوكبنا، بل يعطي الأولوية لمصالح حفنة صغيرة في المجتمع.
تستخدم هذه الحفنة الأرباح من اجل ادامة تراكم الثروات والأرباح.
فالأغنياء يريدون ان يبقوا أغنياء، وهذا يتم بالمحافظة على الوقود الاحفوري كمصدر للطاقة الرخيصة والإبقاء على التكنولوجيات المضرة طالما كانت مربحة.
ان تركيز الثروة في ايدي اقلية صغيرة من المجتمع يؤدي الى تركيز القوة في أيديهم أيضا، بما فيها القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن مظاهر تركز القوة في ايدي قلة هو من يحضر هذه المؤتمرات أي يتم دعوتهم اليها ويتمكن من تحمل تكاليف السفر والمسكن وغيرها، اي جماعات الضغط -اللوبيات التي تمثل الصناعات المربحة.
ان تواجد كل هؤلاء اللوبيات في المؤتمر هو ليس له أي ربط بالعلم وما يجب القيام به من اجل انقاذ البشرية من مخاطر التغير المناخي، بل من اجل التحكم بالنقاشات في هذه المؤتمرات، والتحكم بما سيناقش في نشرات الاخبار ووسائل الاعلام بهدف منع مناقشة المسائل المهمة وإبعاد الأنظار عن مخاطر الوقود الاحفوري والتركيز على المسائل الثانوية. وبالتالي، يتم غرق الاعلام بالمسائل التي تهم الرأسماليين، والتي ليس لها ربط بالعلم. في الحقيقة حتى العلم يخضع بأشكال مختلفة لمنطق الربح.
في البداية، كانت جهود شركات الطاقة الاحفورية تتركز على انكار الحقائق، ومن ثم، انتقلت الى خلق التشوش في أذهان الناس وخلق نوع من الشلل السياسي، والان يتم التركيز على الطريقة “العقلانية” و “الواقعية” للتعامل مع الموضوع، بمعنى “الانتقال الى الطاقة النظيفة دون الاضرار بالاقتصاد، والوظائف والمستوى المعيشي للناس”. اذ ان انكار التغير المناخي لم يعد يقنع الكثير من الناس الذين يشاهدون مظاهر التغير المناخي باعينهم في كل يوم.
في حين يؤكد العلماء على أن وتيرة التدابير العالمية حاليا لا يمكنها أن تحقق الأهداف المتفق عليها مثل الإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة دون 1.5 درجة مئوية، بل نتوجه الى زيادة بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول 2100 ، وهو معدل كارثي. ويؤكد العلماء على ان على دول العالم أن تتحرك بسرعة أكبر وتتخذ إجراءات أقوى من أجل تجنب تأثير كارثي للتغير المناخي.
ان مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي هي مهرجانات للدعاية والتضليل وضمان عدم اتخاذ أي خطوات تضر بمصالح الرأسمال. ولكن مؤتمر” كوب 28″ كان أسوأ من كل المؤتمرات السابقة. اذ من المتوقع أن توسع الشركة النفطية التي يديرها رئيس هذا المؤتمر، سلطان الجابر، إنتاجها بسرعة هذا العقد. كما بينت وثائق حصلت عليها البي بي سي بأن الإمارات تخطط لاستخدام دورها كمضيف لمؤتمر الأطراف 28 لإبرام صفقات جديدة للنفط والغاز.
وهذا هو ما نتوقعه من النظام الرأسمالي في مراحله النهائية، اي فساد مفضوح يحكم كل أوجه حياة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ان مواجهة التغير المناخي بشكل جدي يتطلب قبل كل شي الإطاحة بهذا النظام الذي يحكمه منطق الربح والذي يتطلب نمو اقتصادي مركب بمعدل 2-3% سنويا على حد أدني حتى يتفادى الازمة وهو شيء يفوق قدرة هذه الكوكب على تحمله. ولكن النضال من اجل الحد من التغير المناخي لا يمكن تأجيله الى حين الإطاحة بالنظام، لهذا يجب تكثيف النضال من اجل اجبار قادة هذا النظام على اتخاذ خطوات جدية في هذا الميدان. هذا العمل يتطلب قبل كل شي فضح هذا الفساد المستشري وحملات التحميق المستمرة في مجال التغير المناخي.