لماذا هذا الهلع من البعثيين!!
سمير عادل
أكثر من عشرين عاما على اسقاط النظام البعثي على أثر الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، وما زالت الشلة الإسلامية، التي جاءت تحت حراب المارينز ودبابات برامز وطائرات أباتشي ليتم تنصيبها على رقاب جماهير العراق، ترتعب من اسم البعث والبعثيين.
أكثر من عشرين عاماً من تنصيب الأحزاب الإسلامية الشيعية وتياراتها في السلطة، حيث شكلت مليشيات مختلفة، أخرها كان (الحشد الشعبي) عندما فشلت في تأسيس “الدولة” بالمعنى الأمني والعسكري، وعقيدة ذات هوية وبغض النظر عن محتواها، إذ تبخرت “الدولة” أمام ٢٠٠ عنصر من عصابات داعش في حزيران من عام ٢٠١٤، تاركة ورائها ما لذَّ وطاب من آلة القمع العسكرية التي أنفق عليها المليارات من الدولارات من قبل الأمين العام للحزب الدعوة الإسلامية ورئيس الوزراء نوري المالكي والوكيل الحصري للاطار التنسيقي الحالي(تحالف من الأحزاب الإسلامية والمليشيات التابعة لولاية الفقيه).
أكثر من عشرين عاما وما زال شبح البعث يطاردهم في منامهم وأحلامهم ويقظتهم، ويرتعبون من صورة للنظام البعثي على الموبايل أو يحملها شخص أو يرسمها شخص ما، بل وانهم ومن شد ما ينتابهم من (البعث فوبيا) يتخيلون طواحين الهواء بعثيين، مثلما كان يتخيله دون كيشوت الذي جاء في رواية ميغيل سرفانتس.
ومصدر هذا الهلع والخوف من البعث ليست جرائمه، بحقهم، وبحق المعارضين الذي كان في مقدمتهم الشيوعيين، منذ أن نظموا لهم حفلة عرس الدم في انقلاب ٨ شباط، ١٩٦٣، وفتحت بيوت اجداد قسم ممن هم اليوم في السلطة، مقبرة للشيوعيين مثل محمد مهدي الخالصي وغيره، محتميا بفتوى محسن الحكيم (الشيوعية كفر والحاد) الذي كان يشغل منصب المرجع الشيعي الأعلى حينها، وبدعم المخابرات والبريطانية والأمريكية. وليس مصدر ذلك الهلع أيضا عقدة الشعور بالذنب تجاه البعث، عندما شرعوا القوانين مثل “اجتثاث البعث”، وبموجبه قطعت أرزاق آلاف من الذين أرغموا بدخول حزب البعث للحصول على وظيفة، أو ذريعة لإبعاد المخالفين وتصفيتهم سياسيا.
إنَّ الهلع من البعث، وبعد أكثر من عقدين من الزمن يكشف دون أي لبس ولا مواربة، تلك الهشاشة السياسية والمكانة الاجتماعية لهذه الجماعات وسلطتها المليشياتية الجائرة والفاسدة. والحق يقال أنَّ هذه الجماعات لم تذخر جهدا أو مسعى لتجذير تيارها وترسيخه في ارض المجتمع العراقي، فقد قامت بعمليات القتل والتصفيات الجسدية وشراء الذمم والزبائنية، والتطهير الديموغرافي، وتفتق خيالهم في سن القوانين أو تسخيرها في خلق الذرائع للترويج لأفكارها وعقيدتها مثل معاقبة أصحاب “الفيديوهات الهابطة” دون أي مسوغ قانوني واي معيار، ومحاكمة كل من يستخدم مصطلح “الجندر” والمثلية”، أو الأنفاق الهائل على المواكب الدينية واستغلال مناسباتها، ومحاولة لخلق تحريك مشاعر شعبوية حول مسألة حرق القرآن، وغير ذلك، لكن المعطيات الواقعية تثبت بأن تلك الجماعات فشلت في احتلال مكانة ما داخل المجتمع وفي صفوف الجماهير. ولذلك نجد أنَّها مرتعبة ليس من البعث وحسب بل من أي راي معارض.
ولا يمكن تحليل هذا الرعب، من (بعبع البعث) الذي يجتاح صدور هذه الجماعات من منطلق نفسي وانتقامي، أو في أفضل الأحوال بأن هذه الجماعات تحاول إشغال الجماهير وجرها الى مكان آخر للتغطية على فسادها ونهبها وجرائمها بحق جماهير العراق. نعم هذا التحليل يمكن الوصول إليه كتحصيل حاصل، ولكن لا يمكنه فك لغز ذلك الرعب، اذ يسقط أي ذاك التحليل في السطحية والابتذال، وبالتالي لا يمكن البناء عليه، ومن ثم لا يمكن وعي الأرضية السياسية والاجتماعية التي نقف عليها لطي صفحة أكثر حثالات المجتمع سياسية واجتماعية وكنسها من التاريخ.
ثلاثة مسائل تجعل سلطة الإسلام السياسي الشيعي الحاكم ترتعب من البعث، الأولى أنَّها تدرك بشكل واعي بأن من اسقط النظام البعثي يمكنه من جديد إسقاطها، فاذا كان الأول تيار سياسي اجتماعي ومتجذر وممثلا للتيار القومي العروبي في العراق والمنطقة، ومع هذا دفن في مكان ما من التاريخ، فإنَّ الإسلام السياسي الشيعي الذي لم يستطع أن يتحول الى تيار معتبر اجتماعياً، بالرغم من سيطرته على السلطة وله بعد إقليمي وداعم له وهو الجمهورية الإسلامية في ايران، يخشى من ذات المصير، واكثر ما زاد من درجة ومساحة هذا الرعب هو شبح إعادة طالبان الى السلطة بعد عشرون عام من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، فالخوف كل الخوف من إعادة نفس السيناريو في العراق، وخاصة بعد حرب إسرائيل على غزة والمساعي لإعادة صياغة معادلات سياسية في المنطقة. وهذا يثبت صحة ما نذهب إليه وهي هشاشة المكانة السياسية والاجتماعية لهذا الجماعات التي لن تستطيع أن تحكم ليوم واحد دون دعم دول لها والتفنن باستخدام آلة القمع.
بيد ان هذا ليس كل اللوحة، فما يعزز هذا الشعور أو يرفع من درجة (البعث فوبيا) عند هذا الجماعات، والذي يعد العامل الثاني هي كابوس انتفاضة أكتوبر، على الرغم من إشراف مستشاري الحرس الثوري الإيراني على قمع الانتفاضة عبر قناصة المليشيات الموالية لها، من أعلى أسطح البنايات، إلا أنَّ العشرات من مقرات الأحزاب الإسلامية حرقت في قلاع هذه الجماعات ومخابرات الجمهورية الإسلامية، والجميع ولوا هاربين إلى ما وراء الحدود باتجاه حدود (البوابة الشرقية للامة العربية). الم تكن هذه البوابة نقطة مواجهة دموية بين التيار القومي البعثي الذي قاده صدام حسين والتيار الإسلامي الذي تزعمه الخميني! وكل ما دار من حلقات سياسة وأمنية وعسكرية وعمليات التصفية للقادة والضباط الجيش والبعثيين بعد احتلال العراق من قبل المخابرات الإيرانية، وكان يخبأ الغرض الرئيسي منه وهو تصفية ذلك التيار القومي باي شكل وباي ثمن، لان الجماعات المنتمية الى تيار الخميني، يدركون أنَّ منافسهم هو التيار القومي العروبي ومن الممكن له أن يزيحهم في أي لحظة كانت، وبنفس السيناريو الذي تم إزاحة غريمهم الأول.
أمّا العامل الثالث، فهو فشل هذه الجماعات من قلع جذور المدنية والتحضر من عمق تاريخ المجتمع العراقي، بالرغم من أنها قد صبت كل مساعيها في تحويل العراق الى مكب لنفايات الأفكار الرجعية والعفنة والمنفصل عن التاريخ الإنساني، فهي لا تؤمن سوى بالغيبيات ومحاولة لأسر مخيلة المجتمع بانتظار الخلاص الأبدي والذي يسمونه (مهدي المنتظر)، للحيلولة دون أن تمتد يد الجماهير الى سلطتها وانتزاعها منها ومحاسبتها على كل فسادها ونهبها، بنفس القدر تدرك أنَّ مأثرها وخلال عشرون عاما من سلطتهم لم تقل إجراما عنما فعله النظام البعثي، فاذا كان البعث (طب ساكت) كما يقول اللهجة المصرية، فان سلطة هذه الجماعات لن تكن في افضل حال منه، وهي ما تدركه جيدا.