نادية محمود
الحركة النسوية والقيادة النسوية
في إحدى المحاضرات التي قدمت في إحدى الدورات التنظيمية النسوية لتحالف أمان النسوي جرى التطرق الى موضوعة القيادة النسوية، فأثار هذا الموضوع قلق وتساؤل عدد من المشاركات، بل حتى المُحاضرة تجنبت إستخدام هذه المفردة، مستبدلة إياها بمصطلح آخر مثل “الكوادر النسوية”.
هنالك فارق كبير بين المصطلحين. كما تم إيضاحه في الجزء الاول بضرورة تدخل النساء في الصراع السياسي حول السلطة من أجل ان يحققن التغيير لإيجاد دولة ومجتمع يضمن لهن حقوقهن، وحقوق كل الفئات المضطهدة في المجتمع، لابد من وجود قيادة نسوية قادرة على رسم برامج عمل نسوي، وحراك أو حركة نسوية، و مبادرات نسوية قادرة على إلهام النسويات وزجهن بالعمل، وعلى إمتداد فترة زمنية طويلة تقتضيها متطلبات النضال النسوي.
الا أنه، وللاسف، تكاد تكون مفردة “القيادة النسوية” غائبة عن التداول الى حد كبير، أو في أحسن الاحوال، توضع هذه المفردة، كمرادفة للهيمنة، أو السيطرة على الخرين/ يات. بل جرى تلويثها وإضفاء ما ليس له علاقة بها اليها ، حالها حال مفردات ومفاهيم سياسية اخرى مثل مصطلح التنظيم.
ولكن لماذا الخشية من الحديث عن ضرورة وجود قيادة نسوية؟ ومن اين جاء هذا الرعب؟ الا يقتضي كسر سلسلة حلقات قمع المرأة واضطهادها والتمييز ضدها والذي تتظافر لفرضه قوى النظام الرأسمالي النيوليبرالي- مع النظام الأبوي الذكوري، الا يقتضي التدخل الفعال لاحداث التغيير السياسي من أجل تحقيق العدالة الجندرية والمساواة، وجود قيادة نسوية؟
انه لمن المستغرب فعلا وحقا أن يجري الحديث عن تمكين النساء، وعن الكوتا النسوية في المجالس النيابية، وعن ترشيحهن واحتلالهن لمقاعد نيابية ،والقيادة النسائية في ميدان اقتصاد السوق وريادة الأعمال والقيادة الإدارية في مؤسسات الدولة، ولكن الحديث عن القيادة للحركة النسوية، يصبح غريبا بل ومشكوكا فيه!
لايمكن أن يكون هناك نضال نسوي بدون وجود قيادة نسوية،فالحركة النسوية مثلها أية حركة اجتماعية أخرى هي رد فعل على وجود ظلم معين في المجتمع، وهذه الحركة تسعى الى التصدي لهذا الظلم وانهائه، أيا كانت الفئة والطبقة او الجنس، وأيا كان نوع الظلم الذي تتعرض له. لقد ولدت الحركة النسوية من أجل إزالة التمييز الجنسي القائم على أساس النوع الإجتماعي،و لو لا وجود قيادات نسوية، ووجود شخصيات قادرة على طرح رؤية وتحليل وعرض مشروع للتصدي لذلك الظلم لما وجد ولما كان بالامكان ولادة هكذا حركة.
إنّ القيادة تتجسد في المبادرات النسوية التي تقوم بها النسويات، وعبر أعمال كبيرة كانت أم صغيرة، تستهدف إحداث تغيير،وتحول في قضية، أو تحدي تتعرض له النساء. أن مبادرات الشابات مثلا لإنهاء تحجيب الطفلات دون سن الرشد، أو الحملات التي تقوم بالتصدي لجرائم التحرش، أو للضغط على الشرطة المجتمعية لتقوم بحماية النساء، أو أي عمل آخر هدفه إحداث تغيير في وضع النساء نحو الأفضل، ونحو ما يكسب لهن حق ممتهن، هي أشكال من وجود قيادة نسوية.
ألقيادة النسوية تعني وجود فرد أو جمع لديهم إيمان راسخ بضرورة وبامكانية التغيير وإحداث تحولات في أوضاع النساء الراهنة، والعمل باتجاه ذلك التغيير والتحول. تفترض القيادة إمتلاك رؤية وتحليل وطرح مقترحات وحلول وإيجاد مشاريع وإيجاد مصادر، وخلق علاقات، وبناء إنسجام، تسهم بدفع الحركة النسوية نحو أهدافها. القيادة النسوية ترسخ الأمل والثقة بإمكانية التغيير، مهما كانت السياقات كالحة وباعثة على التشاؤم.
بالتاكيد القيادة النسوية مرتبطة بنوع المدرسة النسوية، فاذا كانت المدرسة النسوية تمثل مصالح النساء من الطبقات العليا في المجتمع، واللواتي يتحدثن عن إحقاق الحقوق الاجتماعية والأقتصادية والسياسية دون المساس بالأسباب الجذرية والحقيقية لاضطهاد المرأة، يمكن أن يحتل تنظيم وقيادة النساء أمرا ثانويا وغير مهمٍ بالنسبة لهن. ويصبح تجاهل وإهمال النساء أمرا شائعا بينهن، ولا يلوين على تنظيمهن وتعبئتهن من أجل التغيير. بعض منظمات المجتمع المدني النسوية على سبيل المثال، لا تولي بالضرورة أهمية لتنظيم النساء، والى قيادتهن، فعملها يقتصر على تنفيذ مشاريع معينة ومؤقتة موجهة تنفذ لصالح النساء، ومع انتهاء المشروع المقرر، ينسى أمر هؤلاء النساء.
الّا أن حركة نسوية من المدرسة التقاطعية أو الاشتراكية ترى أن الإضطهاد الحقيقي للمرأة هو مسالة طبقية، يعد تعبئة وتنظيم وقيادة النساء والحركة النسوية في مختلف القطاعات حول مختلف الحقوق، أمورا أساسية وضرورية.
فاذا كانت المدرسة النسوية التي تتبعها النسويات هي مناهضة للنظام الرأسمالي وتعدّه، جنبا الى جنب النظام الذكوري الابوي، هو سبب أساسي لاضطهاد المرأة، ستحتاج بالضرورة الى وجود قيادة نسوية، وجود المتحدثات باسمها، والمدافعات عنها، واللواتي يفكرن بشكل استراتيجي بمصير النساء وبحياتهن ومعاناتهن ويعملن من أجل إحداث التغيير في وضع النساء.
القيادة لا تعني الإستئثار والتفرد بصنع القرارات وتجاهل وإهمال الأصوات النسوية الأخرى، كما يروج له، بالعكس وعلى النقيض تماما، أن القيادة تأتي كنتيجة لقبول إعتبار وتأثير مجاميع نسوية أو نسويات وإقرار بأدوارهن النسوية والسياسية وحصولهن على ثقة رفيقاتهن من النسويات، يأتي كتحصيل حاصل وليس أمرا يفرض بالأوامر أو التوجيهات. قد تتخذ القيادة أشكالا فردية، أو جماعية، عمودية أو أفقية، الا أن هذا يحتل مرتبة ثانوية، ما هو مهم هو إقرار الناشطات النسويات بأهمية وجود قيادة نسوية لحركتهن ولنضالهن من أجل تحقيق تغيير حقيقي وجذري.
الا أن شيطنة القيادة والتنظيم لم ياتي بشكل أعتباطي، بل هي سياسة وخطة القوى الرجعية، التي تريد الإبقاء على الفرقة والشرذمة، وما مقولات من قبيل ” المرأة عدو المرأة” هي من أجل دق أسفين بين النساء.
قد لا يهم كثيرا عدم وجود قيادة نسوية في منظمة غير محكومة تقوم على إقامة مشاريع ممولة وتنفيذها، ولكن بالنسبة لمنظمات تناضل من أجل تحرر المرأة وتستهدف تغيير القوانين، مواجهة البرلمان، رفض الدستور، هي في جوهرها منظمات سياسية. بهذا الإعتبار ولهذا السبب هي منظمات تحتاج الى قيادة. أي تراجع أو مراوغة مع هذه الحقيقة، هو وضع العصي في عجلات تقدم هذه الحركة.