
عادل احمد
– ادلى انتوني اغيلار بشهادة موثوقة وهو موظف سابق بمؤسسة غزة الإنسانية والتي تشرف عليها كل من أمريكا وإسرائيل ب “التواطؤ في جرائم الحرب” مشيرا الى ما شاهده خلال عمله في توزيع المساعدات الى أهالي غزة في فلسطين لمدة ستة أسابيع فقط، بانه لا ينسجم مع المهمة الإنسانية التي تدعيها المؤسسة المذكورة. واعترف بانه بعد ان رأى كل الجرائم بحق الأطفال والنساء الجياع ومن ثم قتلهم بدم بارد في مكان استلام المساعدات والمواد الغذائية! ترك عمله ورجع الى أمريكا ولا يريد ان يكون جزء من كل هذه الجرائم..
– أشارت ” هيومان رايت ووتس” أيضا بأن نظام المساعدات الإسرائيلية في غزة هو مصيدة للموت! وتستخدم إسرائيل سياسة التجويع الممنهج كسلاح في الحرب، وهذا ما يشكل، جريمة ضد الإنسانية تتصل بالإبادة الجماعية… ” ان النساء والأطفال الذين اضعفتهم قسوة الجوع وارهقتهم أوضاعهم الصحية، يقطعون مسافات طويلة تحت اشعة الشمس الحارقة، وينتظرون بساعات طويلة في ظل قصف مستمر وإطلاق نار كثيف، على امل العودة بكيس طحين او بعض المكرونة لأحبائهم ـ الا ان الكثيرين قد لا يعودون الى منازلهم، مخاطرين بحياتهم في سبيل لقمة العيش تكاد تكون بعيدة المنال.. تقرير من بي بي سي”.
– ان المرضى في مستشفيات قطاع غزة يواجهون الموت بسبب نفاد الوقود وانقطاع الكهرباء، وقد خرج ٢٢ مستشفى حتى الان عن الخدمة. ان أكثرية مستشفيات قطاع غزة تعاني من شحة كبيرة في الوقود والمستلزمات الطبية ومخزونات الدم بالإضافة الى التدفق الكبير للجرحى بسبب القصف المستمر من قبل الجيش الاسرائيلي وكذلك حديثي الولادة.. لا توجد مياه صالحة للشرب، والامراض والاوبئة تنشر الى حد كبير، وهذا ما أدى ويؤدي الى الموت البطيء لآلاف من أهالي غزة باستمرار وخاصة الاطفال..
– قتل أكثر من ستين ألف فلسطيني في غزة وجرح مئات الالاف من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ ودفنت الالاف تحت الأنقاض ودمرت ٩٠٪ من البنيات والعمارات السكنية وتعيش الناس تحت الجدران والسقوف المدمرة وتحت الخيام وفي الأماكن الترابية..
ان هذه هي الصورة المصغرة على ما يجري داخل غزة، فهناك ملايين من القصص المأساوية، لكل شخص ولكل عائلة ولكل فلسطيني بما يجري في غزة من اجل البقاء.. وهناك ملايين من القصص الموجعة والمؤلمة يشاهدها ويرويها لنا المراسلون يوميا عبر قنواتهم والتي لا تحتمل، وفي كثير من الأحيان تذرف الدموع وتوجع القلب، مسببة الألم لمليارات من البشر على هذا الكوكب!
ان حكام الدول الغربية وامريكا في مقدمتها لا تخفي مساعداتها الدائمة لإسرائيل ودعم آلتها لحربية من السلاح والمال والدفاع عنها في المؤسسات الدولية والأمم المتحدة، و كذلك قالها المستشار الألماني صراحة بان اسرائيل تقوم بالاعمال القذرة نيابة عن العالم الغربي الديمقراطي ولا يخفي ترامب صداقته الدائمة لإسرائيل والمجرم بنيامين نتنياهو والدفاع عنه حتى في المحاكم الدولية التابعة لهم.. وان حال حكام العالم العربي ليس اقل من العالم الغربي ولا يقوموا الا بإصدار بيانات الشجب الخجولة ولا تتجاوز كلمات مفرغة من المحتوى ولكل دولة تبحث عن مصالحها ضمن مأساة غزة ولا تعير أي اهتمام بمصير ملايين من البشر تحت القصف والدمار والجوع الممنهج …
ان هذا هو الجانب المأساوي مما يحدث في غزة، وهناك جانب اخر والذي وقف بوجه البربرية الإسرائيلية والأمريكية والغربية وهو الضمير الإنساني في جميع انحاء العالم.. مع بدايات القصف الإسرائيلي بداءت الاحتجاجات المليونية في انحاء العالم وانتشرت التظاهرات في أكثرية المدن العالمية بوجه الهمجية والبربرية الإسرائيلية والوقوف مع الفلسطينيين الأبرياء على الرغم من وجود حركة حماس الإسلامية في القطاع. ان تعاطف الرأي العام العالمي مع القضية الفلسطينية والتنديد بالعمل العسكري وفرض الحصار المميت الإسرائيلي على غزة هو الوجه الحقيقي للضمير الإنساني للشعوب في العالم الغربي خلافا لمواقف وسياسات حكوماتهم.. رأينا كيف تعاملت الشرطة والقوات الأمنية للحكومات الغربية مع المتظاهرين وكيف فصلت الأساتذة والطلاب في مهد الديمقراطية الغربية الامريكية في الجامعات بسبب التظاهرات المؤيدة لقضية الفلسطيني.
ان محصلة الاحتجاجات والتظاهرات العالمية بالضد من بربرية إسرائيل أتت بعض ثمارها اذ أولا أصبحت الدولة الإسرائيلية منبوذة عالميا وتوصف بحكومة قتل الأطفال وتجويع الشعب الفلسطيني وتوصف بحكومة البربرية وان هذه الصفة والصورة تبقى في اذهان عشرات الملايين لعشرات السنين كما بقيت صورة هتلر والنازيين حتى اليوم كبربري القرن العشرين.. وكذلك من نتائج التظاهرات العالمية، انشقاقات بين النخب السياسية الغربية وكذلك بين السياسيين الإسرائيليين على درجة القساوة والنهج البربري لنتنياهو وحكومته ووزرائه الفاشيين أمثال بن غفير وسموتريش وكاتس وغالانت.. بدء معتنقو اليهودية التنديد بحكومة نتنياهو وحتى اعتبار الحركة الصهيونية العنصرية بانها لا تمثل اليهود البسطاء.. ان الاحتجاجات بمنع رسو السفن السياحية الإسرائيلية في الجزر اليونانية هو رد فعل الناس على قتل الأطفال الفلسطينيين.. وكذلك بدأت الدول العالمية بالعد التنازلي للاعتراف بتأسيس الدولة الفلسطينية بجانب إسرائيل..
تخيل لو لم توجد التظاهرات والاحتجاجات ونهوض الضمائر الإنسانية في يومنا هذا ولا توجد التظاهرات والاحتجاجات العمالية ولا يوجد المدافعين عن الحريات ولا يوجد الشرفاء ومحبي الحرية كيف سيكون العالم الرأسمالي الحالي؟ ان ما يحدث في غزة هو انعطاف سياسي في الصراعات والتوازنات العالمية، وان من اجل اعادة تقسيم العالم وتوازن جديد لنهب الثروات بين اللصوص العالميين، لا يبالون لا بمصير الأمم ولا بمصير الانسان على الاطلاق. نحن جزء من هذا الضمير الإنساني
ونقف بوجه البربرية اينما تكن.