المقالاتتوما حميد

العراق والصراع مع “وباء” السرطان!

توما حميد

الجزء الأول

السرطان يثبت اخفاق النظام الصحي الرأسمالي خاصة في بلد مثل العراق!

ليس الهدف من هذه المقالة تقديم معلومات أو ارشادات طبية بخصوص مرض السرطان، إذ يمكن الحصول على المعطيات وأفضل الارشادات من موقع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية مثلا. ان الهدف من هذا المقال هو التصدي للجانب الطبقي والسياسي لموضوع السرطان وخاصة في العراق وما يمكن استنتاجه حول الاعتقاد عن تحول السرطان في العراق الى وباء. يؤكد موضوع مرض السرطان على مستوى العالم والعراق بان هذا المرض مثل أي قضية كبيرة أخرى تواجه البشرية هي قضية طبقية وتؤكد على ان النظام الرأسمالي ونمط انتاجه المستند على الإنتاج من اجل الربح، قد أصبح عائق جدي امام تطور البشرية ومواجهة هذه المشاكل. كما يؤكد موضوع السرطان في العراق بان الإسلام السياسي هو اقل حركة سياسية قادرة على إدارة مجتمع طبيعي، يسود فيه نوع من النظام، بغض النظر عن طبيعته، فحتى عصابات تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية ومافيات ايطاليا بإمكانها فرض نوع من النظام على المجتمع أفضل من حركات الإسلام السياسي.

السرطان قضية طبقية عالمية!

السرطان هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة على مستوى العالم بعد امراض القلب والاوعية الدموية حيث ادى الى وفاة 10 ملايين شخص تقريبا في عام 2020 أي بنسبة وفاة واحدة من 6 وفيات. اغلب الوفيات الناجمة عن السرطان، حالها حال الوفيات نتيجة الامراض القلبية والاوعية الدموية، او الامراض المتنقلة او امراض الرئة الخ يمكن تفاديها لولا ممارسات النظام الرأسمالي من التسبب في التلوث بأنواعه والمخاطر المهنية وفرض أنماط حياة غير صحية والفقر وقلة الخدمات وإنتاج مواد غذائية وبضائع مسرطنة من اجل الربح مثل مواد التجميل والتبغ والمشروبات الغازية والكحولية والكثير من الأطعمة المصنعة والمعالجة والتي تحتوي على مواد حافظة وتلك التي تؤدي الى السمنة الخ. يعتقد بان ما يصل الى 50% من حالات السرطانات يمكن تفاديها.  اذ ان ثلث الوفيات نتيجة السرطان هي بسبب التدخين، والسمنة وتعاطي الكحول وقلة الخضروات والفواكه في الطعام وقلة ممارسة النشاط البدني وهي عوامل تتأثر بشكل كبير بعوامل طبقية مثل قلة الوعي والمعرفة والتعلم وطبيعة العمل والفقر الخ.

رغم التقدم في المعرفة وتحسن خطط الوقاية من السرطان في بعض البلدان وتحسن العلاج ومستوى الشفاء مع الوقت الا ان معدل تشخيص السرطان يرتفع مع الوقت.

يعود  بعض ارتفاع معدلات الإصابة الى النمو السكاني وشيخوخة السكان، وتحسن تقنيات التشخيص، وحتى تحسن الوعي وجودة الاحصاءات ولكن جزء كبير منه يعود الى زيادة التعرض لعوامل الخطر والتي الكثير منها لها أسس طبقية مثل المخاطر المهنية، وعوامل أخرى مثل النظام الغذائي غير الصحي وقلة الرياضة وتلوث البيئة.

تسجل الولايات المتحدة أعلى نسبة للإصابة بالسرطان عالميا حيث تبلغ حوالي 600 حالة لكل 100 الف نسمة ويعود قسم منها الى ارتفاع معدل التشخيص وزيادة معدل كبار السن، ولكن القسم الأعظم تعود الى حقيقية ان الولايات المتحدة تمثل اقرب نموذج للنظام الرأسمالي، حيث يسود معدل عالي جدا من عدم المساواة، وتجبر الطبقات الفقيرة بألف طريقة وطريقة على تبني نمط حياة غير صحي مرتبط بالسرطان مثل قلة الوعي و ساعات العمل الطويلة وتلك الى تشجيع تناول الطعام السيئ مثل الاكلات السريعة والمشروبات الغازية من خلال الإعلانات التجارية التي تؤدي الى السمنة، الى زيادة الضغط النفسي بشكل عام و الى السماح للشركات الاحتكارية الى تسميم الهواء والماء والتربة تصل في مناطق معينة الى حد الفضيحة.

ما أود توضيحه هنا هو ان حتى عوامل الخطورة التي تبدو كاختيار فردي مثل التدخين وتعاطي الكحول واتباع نظام غذائي غير صحي وقلة الرياضة في الحقيقية لها أسس طبقية مثل قلة الوعي والتعلم، والفقر، وضيق وقت الفراغ والضغط النفسي الخ.

من جهة أخرى ان الزيادة الأكبر في نسبة السرطان تحدث في الدول الفقيرة والاهم ان اكثر من 70% من وفيات السرطان تحدث في تلك الدول. ويعد تغير نمط المعيشة في تلك الدول السبب الأساسي لهذه الزيادة مثل الانتقال من الريف الى المناطق الحضرية (العشوائيات) وقلة الزراعة المنزلية وزيادة معدلات التدخين وتغير نوعية الغذاء وارتفاع معدلات السمنة وقلة الحركة البدنية

ومن المعروف بان بعض الامراض الفيروسية والبكتيرية التي هي عوامل خطر للإصابة بأنواع معينية من السرطانات تحث بمعدلات عالية في الدول الفقيرة، فمثلا التهاب الكبد بي وسي تودي الى سرطان الكبد وفيروس الورم الحليمي البشري يؤدي الى سرطان عنق الرحم كما تردي بكتريا الملوية البوابية الى سرطان المعدة ويؤدي فيروس نقص المناعة الى الإصابة بمجموعة مختلفة من أنواع السرطان. اذ شكلت 13% من السرطان التي شخصت في عام 2018 على نطاق العالم نتيجة الإصابة بأحد هذه الامراض المعدية وهي كلها قابلة للوقاية منها الى حد كبير. 

كما ان نسب عالية من الإصابات والوفيات هي بسبب قلة استراتيجيات التوعية و الوقاية والتشخيص المبكر والعلاجات اللازمة والحصول على رعاية صحية جيدة.

مأساة العراق مع السرطان في ظل عصابات الإسلام السياسي!

قبل كل شيء يجب ان نؤكد بالرغم من إن هناك قناعة واسعة وادلة بان مرض السرطان في العراق يزداد بسرعة وهناك من يعتقد بانه تحول الى وباء، الا انه من الصعب جدا اعطاء رأي راسخ حول شيوع امراض السرطان في العراق ونسبة الوفيات بهذه الامراض ومعدل الزيادة بسبب عدم وجود قاعدة معلومات شاملة وعمليات مسح لحالات السرطان وانواعه ونسبة الوفيات في كل انحاء البلاد.  فيرجح بان الكثير من المرضى وخاصة من المتقدمين في العمر يموتون حتى دون الوصول الى تشخيص، كما لا يتم توثيق الكثير من الحالات لأسباب مختلفة، فمثلا نصف الحالات يتم علاجها في القطاع الخاص وهذه الحالات لا تُضمّن في الإحصاءات. فرغم تسلط العصابات الإسلامية والقومية على مصير العراق منذ 2003، لم تتمكن من خطو خطوة واحدة في هذا الميدان الذي هو الخطوة البدائية في مسيرة أي مجتمع لمواجهة مشكلة السرطان، بل هناك تراجع مستمر.

مقارنة العراق مع البلدان الأخرى!

يمكن فهم الوضع في العراق او أي بلد اخر أكثر من خلال المقارنة مع بقية دول العالم، ولكن اجراء مقارنة بين الدول هي عملية غير بسيطة فمثلا وجود نظام طبي متطور يعني وجود خدمات طبية متطورة لتشخيص حالات اكثر ويعني وجود نظام لإحصاء ومسح وتسجيل حالات السرطان والوفيات بهذه الامراض وهذه الأمور قد تضع الدولة في مرتبة أسوأ بالمقارنة مع دولة تفتقد مثل هكذا نظام متطور.

فمثلا تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية بانه بلغ سكان العراق في 2020،  40222503 وكانت نسبة الإصابات بالسرطان في تلك السنة 33873 وعدد الوفيات بالسرطان 19786 وهذا يعني بان نسبة الإصابة بمرض السرطان لكل مئة الف نسمة كانت 84.21 ومعدل الوفيات بمرض السرطان كانت 49.19  لكل مئة الف نسمة.   ويحتل العراق المرتبة 93 من قائمة دول تضم 183 دولة.

في حين ان معدل الإصابة بمرض السرطان في اغلب الدول المتقدمة هو بين 300 -400 لكل مئة الف نسمة و معدل الوفيات تزيد عن 200 وفاة لكل 100 الف نسمة. ان قسم من هذه النسب العالية من الإصابات في الدول المتقدمة هي بسبب وجود عدد اكبر من سكان الكبار السن (65 سنة) فما فوق فمثلا تشكل هذه الفئة العمرية حوالي 16% من السكان في استراليا بينما تشكل هذه الفئة العمرية ما نسبته 3.1% في العراق. اننا نعرف بان التقدم في العمر هو أكبر عامل خطورة للإصابة بالسرطان، لذا فان طول معدل العمر في بلد معين تؤثر على معدل الإصابة مما يضعه في مرتبة أسوأ عند المقارنة مع بلد فيه معدل العمر أقصر، لأنه بشكل عام ، يكون كبار السن أكثر عرضة لخطر الإصابة بالسرطان. كما ان أنواع السرطانات المنتشرة في البلد ومدى خطورتها يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار عند المقارنة بين الدول، فمعدل الإصابة بالسرطان في بلد مثل استراليا عالي اذا اخذنا بنظر الاعتبار الإصابات بسرطانات الجلد ولكن معدل الوفيات بهذه الامراض منخفضة جدا. فمثلا يصاب حوالي 750 ألف شخص بمرض سرطان الجلد سنويا في حين يموت حوالي 2000 شخص فقط بهذه السرطانات في السنة الواحدة. لهذه الاسباب من المهم ان يكون المقارنة بين نسبة الإصابة والوفيات ومعدل الزيادة على مستوى نوع السرطان وبين نفس الفئات العمرية.  ولكن هذه العوامل لا تفسر هذا الاختلاف الكبير، اذا ان هناك اختلاف كبير حتى عند دراسة نسبة الإصابة والوفيات بين نفس الفئات العمرية. ان اهم سبب هو ان في الدول المتطورة يتم تشخيص عدد أكبر من الحالات، وحتى يتم الافراط تشخيص سرطانات بطيئة النمو، أي تشخيص السرطانات التي لن تؤدي الى وفاة المريض، سرطانات يموت المريض معها وليس بسببها. في المقابل في بلد مثل العراق لا يتم تشخيص او توثيق الكثير من الحالات.

في وضع مثل هذا، أي عدم وجود مسح شامل لحالات السرطان وربما انخفاض نسبة التشخيص، فان أي حديث عن مدى شيوع السرطان هو عمل تخميني او مستند على ادلة حكائية او ادلة ناقصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى