مر تقريبا شهر ونصف على الانتخابات في العراق، ولم ترَ النور او أي بادرة لتشكيل حكومة حتى وان كان صوريا. ان كل الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية باختلاف اشكالها لم تخرج باي نوع من الحلول فيما يخص توزيع الحصص والادوار… ولم تخدم الانتخابات باي شكل من الاشكال تقارب او توافق كل هذه الجهات وبقت مشاكلهم وعدم قدرتهم السياسية لتجاوز محنتهم وازمتهم السياسية وحتى الوجودية … وكذلك لم يحصل في أوضاع الجماهير بعد الانتخابات أي تحسن او تغير ملموس من كل النواحي ولم يفتح أي باب لتوضيح الرؤية نحو مستقبل معلوم…
كل هذه الاستنتاجات كانت متوقعة ومعروفة خاصة بالنسبة للجماهير الواعية ولهذا لم يعلقوا امالهم لا بالانتخابات ولا بالقوة المقاطعة للانتخابات المشاركة في كل العملية السياسية قبل الاحتلال وما بعده. وانما التوجه كان نحو مقاطعة كل العملية السياسية واظهرت النتائج الانتخابات صحة هذا التوجه. واما بالنسبة لبقية الجماهير والتي لم تحسم امورها بعد مع كل العملية السياسية فان تعليق امالها على هذه القوى لم يكن كما كانت في الانتخابات السابقة وصوتت لأسباب عديدة ولكن لم يكتشف حتى الآن البديل او طرق أخرى لحسم امورها مع الكتل السياسية الفاشلة في العملية السياسية … ولهذا شاركت في الانتخابات ولكن بإقبال ضعيف. ان هذه…تعد بداية النهاية للعملية السياسية في العراق وتتجه نحو احتمالين قويين وهو اما مواجهة اشرس اشكال القمع الدموي والقتل وعملية الاغتيالات وفرض ابشع أنواع السلطة من اجل ادامة هذه الأوضاع، او نحو انتفاضة جماهيرية مرة أخرى، ولكن هذه المرة إضافة الى عدم التوهم باي طرف من اطراف الكتل السياسية كما حصل في انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩ وكذلك إضافة الى حسم عامل التنظيم وتوحيد الصفوف والتي لم يكن تتمتع بها الاحتجاجات والانتفاضات السابقة .
يقول شكسبير في تاجر البندقية: ” ليس كل شيء يلمع ذهبا..” ونحن جربنا تقريبا كل الأشياء التي كانت تلمع ( أي ادعاء) الأحزاب الشيعية الفارغة في مساعدة المستضعفين والأحزاب السنية والقومية العروبية والتي تنادي بأمجاد الأمة العظيمة والأحزاب الكردية والتي تعتاش على المشكلة القومية والظلم القومي، ولهذا خاب الظن لا بالذهب وحده ولا بأشباه الذهب وانما في الواقع كان التعبير عن الكرم، من مستنقعات الطبقات المسيطرة الغنية والبورجوازية والرأسمالية ومصالحها غير الإنسانية … ولا يلتقي عفن هذه المستنقعات ابدا مع الذهب الامع، وانما تحجب لمعان الذهب. لهذا تضيف الجماهير الى خبرتنا معرفة وماهية وجوهر جميع هذه الكتل والأحزاب مع اهدافها وامانيها من الطبقة العاملة وسائر الكادحين ومحرومي المجتمع. راينا جميع الأحزاب الشيعية واعمالها وراينا الفقر والجوع والبطالة وراينا كيف يتم كتم الأصوات وقمع الاحتجاجات من قبل هذه الأحزاب، عندما ينهض ما يطلق عليه هم بالمستضعفين بالمطالبة بحقوقهم وراينا كيف يتم الاستيلاء على جميع المداخيل الاقتصادية والثروات لخدمة ميليشياتهم المسلحة وتوديع مليارات المسروقة في البنوك العالمية. وكذلك الأحزاب السنية والقومية سوى القاعدة وداعش او المشاركين في البرلمان، لم يفعلوا اقل ما فعلت الأحزاب الشيعية بحق المواطنين … والأحزاب الكردية أيضا فعلو ما فعل اقرانهم من الاحزاب الشيعية والسنية وطمس المشكلة القومية الكردية وظلمها في مشكلة توزيع وحصص الاكراد من الأموال في الحكومات المتعاقبة وتعاني الجماهير في كردستان أسوأ المعاناة تحت حكومتهم المحلية الكردية تحت اسم حكومة إقليم كردستان.
واليوم بعد مرور اكثر من أربعين يوما على انتخاباتهم يكشف للمرة الالف بان الجماهير في وادٍ وكل هذه الأحزاب في وادٍ اخر وظهر الى العلن بان كل من هذه الأحزاب والكتل السياسية هي مصدر كل الويلات والمآسي التي يواجهها المجتمع في العراق. وأثبتت هذه الانتخابات بان ليس المفر من الخروج من كل هذه المأساة الا بكنسهم جميعا وزجهم في قفص الاتهام، لا يوجد حل اخر غير الحل الثوري والجماهيري ولا يوجد مخرج من كل هذه الأوضاع الا بالخروج من مستنقع ما يسمى بالعملية السياسية. اثبتت الانتخابات الأخيرة بان حتى على قلة من الناس المتوهمين او عديمي الخبرة او من لديهم توهم جزئي بكل هذه الأحزاب، ليس الانتخابات او الكتل السياسية قادرة على تغير الأوضاع وانما تتفاقم يوم بعد يوم وتزداد معاناتهم بوجود واستمرار كل هذه الكتل في السلطة السياسية.
الجماهير العمالية والكادحين بحاجة إلى انتفاضة أخرى ، بحاجة الى سلك طريق اخر ثوري وطريق اخر من الإرادة وطريق اخر من التنظيم المستقل عن صفوف هؤلاء المجرمين والقتلة، طريق اخر من الوحدة والإرادة الموحدة لبناء عالم افضل. اثبتت تجربة الانتفاضات في سودان بان اللجان المنظمة في المحلات السكنية قادرة حتى اجبار اكثر الأنظمة العسكرية استبدادا للرضوخ لمطالبهم. ان التعلم من الدروس والتجارب في السودان وهي تجربة حية وقريبة امام عيوننا لكي نسلك نفس الطريقة في تعاملنا مع اوضاعنا السياسية في العراق. ان لجان المقاومة او اللجان المحلية للمواجهة مع الأنظمة العسكرية هي تجربة فريدة في يومنا هذا. ان اللجان المقاومة متكونة من النساء و فعالي الحركة النسوية وفعالي الحركة العمالية ونشطاء ونقابات مهنية متنوعة ونشطاء شباب العاطلين و… من اجل الوقوف بوجه العسكر هي التجربة نحتاجها نحن في العراق بوجه المليشيات المسلحة من الإسلاميين والقوميين والحشد الشعبي. ان التعلم من هذه التجربة وتطبيقها بشكل اخر في العراق وخاصة في كردستان والتي لها تجربة أخرى في الحركة المجالسية في عام ١٩٩١. واليوم بعد انتخاباتهم الفاشلة وبعد ان شارك اقل من ٢٠٪ من المواطنين في انتخاباتهم سيكون تنظيم الجماهير في اللجان المقاومة او في اللجان الثورية مهمة سهلة وتتطلب هبة ثورية بقيادة الثوريين لإنجاحها. ان حل الأوضاع في العراق مرهون برحيل ونسف كل العملية السياسية وليس تجميلها في كل مرة وهذا ما نريده وما يجب عمله.