الابحاث والدراساتريبوار احمد

اختلافاتـــنا ِبمَ نختلف عن الحزب الشيوعي العراقي؟

ريبوار احمد

تم كتابة هذا البحث في أب 2003

مع توسع النشاط العلني للحزب الشيوعي العمالي في مدن وسط وجنوب العراق وظهوره النشط على الساحة العراقية كقوة متدخلة, راديكالية وماركسية, وتوجه أنظار قطاعات واسعة من الجماهير نحو سياساته و طروحاته, سواء في مدن العراق أو على صعيد البلدان ووسائل الاعلام العربية, يبرز السؤال التالي: ما هي اختلافات الحزب الشيوعي العمالي العراقي عن الحزب الشيوعي العراقي ؟. تشكل ضرورة الإجابة على هذا السؤال, دافع قيامنا اليوم ببحث مثل هذا الموضوع. هنا, يجب التأكيد على إن الإجابة ستكون مختصرة ومركَزة، وستؤكد على الخلافات الأكثر جوهرية. للإجابة على هذا السؤال, يجب أن أقول مسبقا بأن هذين الحزبين يختلفان في كل شيء. إلا إن ما أشير إليه هنا من خلافات, لا يمثل سوى المحاور الرئيسية وبعض الأمثلة والنماذج السياسية والتاريخية والعملية لدور ونشاط الحزبين، إلا إن واقع الخلافات أوسع من ذلك بكثير ولا يمكن حصر كل صغيرة وكبيرة في هذا المقال.
 
حركتان مختلفتان …..
 
إن أكثر الخلافات جوهريةً بين هذين الحزبين هو كونهما ينتميان إلى حركتين مختلفتين. الحزب الشيوعي العراقي هو حزب الحركة القومية _الإصلاحية (و القومية هنا مستخدمة بالمعنى الواسع للكلمة أي ما يطلق عليه بالإنكليزية Nationalism, وليس بالمعنى الضيق الشائع في الأدب السياسي العربي)، فهو كما يشير شعاره الرئيسي (( وطن حر وشعب سعيد)) يركز، كأي حزب قومي آخر على (تحرير الوطن). وفيما يتعلق بـ(سعادة الشعب ), بيَن الحزب الشيوعي في برنامجه وطروحاته انه يعني بهذه السعادة؛ تامين وتطور الصناعة والاقتصاد القومي والوطني، و إن بديله الاقتصادي هو رأسمالية الدولة. استنادا إلى رؤية الحزب الشيوعي العراقي, فان الشعب الذي يتألف من الطبقة الرأسمالية المستغِلة والطبقة العاملة المستَغلة, وكذلك الجماهير المحرومة، سيعيش سعيدا في ظل وطن متحرر واقتصاد رأسمالي متطور. تأسس الحزب الشيوعي العراقي منذ أوائل عقد الثلاثينات من القرن الماضي من اجل تحقيق هذا الهدف وضمن الخط السوفييتي البرجوازي الذي ساد في الاتحاد السوفيتي وبعد انهيار ثورة اكتوبر الاشتراكية, وتمكن من فرض نفسه على الحزب الشيوعي الروسي منذ نهاية عقد العشرينات من القرن الماضي. بكلمة أخرى, ان الحزب الشيوعي العراقي هو حزب احد تيارات الشيوعية البرجوازية الذي تأسس من اجل تحقيق هدف برجوازي في مرحلة محددة، مستفيدا من اعتبار ومكانة الشيوعية.
أما الحزب الشيوعي العمالي فهو جزء من الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة ضد النظام الرأسمالي. هذه الحركة التي انبثقت وتناضل في سبيل عالم يخلو من القمع, والانقسام الطبقي, والحرمان, والمصائب المرافقة للعالم الراهن. إن هذه الآمال والأمنيات تشكل الأسس التي يرتكز عليها الحزب الشيوعي العمالي العراقي. تأسس هذا الحزب في 21تموز 1993 استنادا إلى تعاليم ماركس, وهو خط ماركسي بلور منصور حكمت أسسه الفكرية والسياسية. الخط الذي يشكل امتداداً تأريخياً لتقاليد كومونة باريس وثورة أكتوبر. قبل تأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، برزت الحركة الشيوعية العمالية لأول مرة كحركة متميزة على الصعيد الاجتماعي في كردستان العراق وفي سياق حركة مجالس آذار 1991. منذ ذلك التاريخ وحتى قيام الحزب, كانت الشيوعية العمالية تتألف من مجموعة من الفرق والمنظمات السياسية التي كانت تقود النضال الاحتجاجي للعمال والفئات الاجتماعية المحرومة.
أكد منصور حكمت قائد الشيوعية العمالية الذي قام استنادا إلى المنهج الماركسي بتحليل العالم المعاصر، وصاغ برنامج الثورة العمالية وتنظيم المجتمع الاشتراكي في خضم العالم المذكور, و أكد بأنه يستخدم “الشيوعية العمالية” كما استخدم ماركس كلمة “الشيوعية” من اجل تمييزها عن أشكال الشيوعية البرجوازية الأخرى التي راجت في هذه الأيام.
 إن الهدف الذي يسعى له الحزب الشيوعي العمالي العراقي لا يتحقق إلا عن طريق الثورة الاشتراكية للطبقة العاملة, وقلب النظام الرأسمالي, وإلغاء الملكية الخاصة, والعمل المأجور, وتنظيم مجتمع قائم على أساس الملكية الاجتماعية، الذي يختفي في ظله الانقسام الطبقي للمجتمع، حيث لا يضطر الإنسان إلى العمل من اجل كسب قوته اليومي, بل إن هذا القوت وكل رفاه الإنسان يتم تأمينه من قبل المجتمع وسيعمل الكل من اجل رفاه المجتمع.
 
 تفسيران مختلفان للحرية والاشتراكية
 
يرى الحزب الشيوعي العراقي, كأي حزب قومي, بان الحرية تعني تحرير الوطن من القوى التي يرى أنها احتلته، و يرى كذلك بان سعادة الشعب تتحقق بتحرير الوطن.  إننا نشهد تفاهة هذه الرؤية، فأوطان عديدة في كل أنحاء العالم تحررت من كل أشكال سيطرة الدول المحتلة، ولكن القسم الأعظم من مواطني هذه الأوطان لا يزالون محرومين من كل أشكال الحرية والسعادة, بل يعانون من أشكال عديدة من الظلم والاستغلال والحرمان. تختلف رؤية الحزب الشيوعي العمالي للحرية تماما عن هذه الرؤية. فهي تعني التحرر من سلطة راس المال ومن علاقات عبودية العمل المأجور للمجتمع الراهن وتعني التحرر من الظلم والتمييز الديني والقومي والجنسي وكل أشكال التمييز. إن هذه الحرية لا يمكن إن تتحقق إلا عن طريق إلغاء الملكية الخاصة والعمل المأجور.
إن الاشتراكية استنادا إلى الحزب الشيوعي, كما في الأحزاب البرجوازية الأخرى, وبغض النظر عن ماهيتها من وجهة نظرهم، هي هدف خيالي, بعيد المنال, و يتحقق بشكل عفوي, من خلال تطور المجتمع و تقدم عجلة التأريخ, و هي ليست إلا سلعة دعائية يستخدمونها لتحميق الطبقات المستغَلة. إن الهدف الواقعي للحزب الشيوعي, أو بشكل أدق اشتراكية الحزب الشيوعي وبالشكل الوارد في برنامجه أوكما يتم التركيز عليه دائما, هو في الواقع عبارة عن مجتمع رأسمالي متطور، تمثل الدولة الديمقراطية البرجوازية الوطنية بناءه الفوقي.
ولكن الاشتراكية في منظور الحزب الشيوعي العمالي, هي هدف واقعي ومصيري, اي يجب ويمكن تحقيقه اليوم في المجتمع الراهن، حيث تتوفر كل المستلزمات الموضوعية الاقتصادية لبنائها، و تحقيقها مرهونة بالارادة والممارسة الراهنتين للإنسان. فاذا تمكنت الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمدافعة عن المساواة في الوقت الراهن من تنظيم نفسها حول حزبها الطليعي, واذا ولجت الميدان من اجل تحقيق هذه الرسالة التاريخية، عند ذلك يمكن أن تتحقق السعادة والرفاه لكل أفراد المجتمع في ظل النظام الاشتراكي.
إن التطور الصناعي، والإنتاجي، اللذان هما حصيلة لجهود الإنسان وصلا إلى مرحلة, يمكن معها في وقتنا الراهن, تحقيق مجتمع ينعم بالرفاه والاشتراكية في أكثر الدول المتخلفة في العالم, بمعنى مجتمعٍ خالٍ من الاستغلال والانقسام الطبقي والعمل المأجور استنادا إلى مبدأ (من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته). إن البناء السياسي لهذا النظام هو عبارة عن حكومة عمالية تتجسد في جمهورية اشتراكية. وبمعنى آخر هي عبارة عن دولة مجالس، سوفييتات الجماهير.
 
رؤيتان مختلفتان للإصلاح
 
إن جل ما يدعيه الحزب الشيوعي العراقي من أهداف لإجراء إصلاحات في حياة الجماهير والطبقة العاملة لا يتجاوز بعض الإصلاحات المحدودة وأجراء بعض التحسينات الناقصة في مستوى حياة الجماهير. بينما يناضل الحزب الشيوعي العمالي من أجل أجراء أعمق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في حياة جميع المواطنين في نفس الوقت الذي يناضل من أجل تنظيم الثورة الاشتراكية. أنه يرى بأن الرأسمالية طالما بقيت حاكمة، فأن أجراء تلك الإصلاحات تخدم التطور المتسارع للثورة العمالية وقيام المجتمع الاشتراكي.
ولكن الإصلاحات التي يطالب الحزب الشيوعي كانت من الأساس هشة لذلك لم يتمكن طوال تاريخه السياسي من تحقيقها على الصعيد الواقعي ولم يتمكن من أجراء أي تغيير أو تحسين في حياة المواطنين وفي المجتمع.
نقول إصلاحات هشة لأنه في بلد مثل العراق, المعروف بكونه أحد بلدان ما يسمى بالعالم الثالث, لا توجد أية أرضية لأجراء مثل هذه الإصلاحات البرجوازية، لسبب بسيط هو أنه في هذه البلدان تكون السلطة البرجوازية المنسجمة مع الاقتصاد الرأسمالي، بالضرورة سلطة دكتاتورية دموية ، وهذا ما يتعارض مع الإصلاحية البرجوازية، الأمر الذي يضعف من أمكانية توفير أرضية مناسبة لإجراء إصلاحات برجوازية كما يحدث في أوربا. أن الإصلاحات الوحيدة التي لها أرضية واقعية هي التي تنبثق نتيجة لضغط يسار المجتمع والحركة العمالية والتي يجب فرضها بالقوة على البرجوازية، ولهذا السبب أيضاً نقول بأن النضال من أجل أجراء إصلاحات وتحسين الأوضاع للشيوعية العمالية، له أساسه الواقعي، ذلك لأن الحزب الشيوعي العمالي يعمل على فرضها على البرجوازية من خلال توسيع الضغط السياسي والاجتماعي للطبقة العاملة والجماهير المحرومة ويسار المجتمع بشكل عام.
 اختلاف السنن والتقاليد السياسية والعملية:
يعمل الحزب الشيوعي بشكل دؤوب، ولاجل تحقيق الأهداف البرجوازية التي وضعها لنفسه، على تشكيل تحالفات وائتلافات متعددة، ومن اجل ذلك لا يتورع عن التحالف أو الائتلاف مع اعتى القوى الرجعية البرجوازية واكثرها عداءا للحرية. فبعد سقوط النظام الملكي، وفي الوقت الذي كان الحزب الشيوعي يتمتع بنفوذ كبير، وكانت الطبقة العاملة منظمة وتمتلك إمكانيات كبيرة، وفي الوقت الذي كان بامكانه أن يمد يده لاستلام السلطة السياسية، دعم الحزب الشيوعي السلطة البرجوازية لعبدالكريم قاسم.( وبهذه الخطوة منع العمال أيضا من الوصول إلى السلطة). وبعد انقلاب البعثيين عام 1963، شن النظام الدموي حملة شرسة على الحركة العمالية واليسارية وقتل المئات من اليساريين،  ومنهم العديد من أعضاء الحزب الشيوعي نفسه، الأمر الذي كان يفرض على الحزب الشيوعي العراقي أن يتخندق مع العمال واليسار ضد تلك الهجمات ويواجهها، إلا انه بررها بمختلف الذرائع وفيما بعد دخل مع السلطة الشرسة بتحالف طويل الأمد، ولسنوات ائتلف معها وصور نظامها الفاشي بأنه يناضل من اجل الاشتراكية، الأمر الذي ساعد في تثبيت هذه السلطة.
وبعد أن ضيق البعث الخناق عليه، وبدأ بحملة واسعة من الملاحقات ضده، التجأ الحزب الشيوعي إلى كردستان وبدأ بتشكيل الائتلافات المتعددة مع الأحزاب القومية الكردية التي كان يحاربها أثناء فترة تحالفه مع البعث. وخلال الـ 12 سنة الماضية حاولت كل القوى البرجوازية الوصول إلى السلطة من خلال التعلق باذناب السياسة الأانسانية لأمريكا، عمل الحزب الشيوعي مع كل هذه الأطراف والقوى القومية منها وكذلك العصابات الإسلامية، دخل معها بائتلافات وتحالفات عديدة وزج بنفسه في المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تنظمها وزارة الخارجية الأمريكية ومؤسساتها التجسسية من اجل خدمة سياساتها ومؤامراتها في المنطقة. وفي كردستان شارك في سلطة المليشيا العسكرية التابعة للأحزاب الكردية القومية_العشائرية و ذلك من اجل الحصول على بعض الامتيازات ليس الا. واستمر بدعم تلك السلطة الميليشياوية العشائرية غير الشرعية، وفي سياق تأييده الأعمى للسياسات الرجعية لتلك الأحزاب كان مستعدا أن يوقع على أوراق بيضاء وادار ظهره لكل آمال ومطالب واحتجاجات الحركات الاجتماعية المتعددة التي برزت بوجه تلك السلطات وأحزابها وممارساتها اللأانسانية والمعادية للحرية. وبهذا المعنى يكون قد شارك بدوره في كل المصائب والدمار والويلات التي فرضتها تلك الأحزاب على جماهير كردستان ،بل انه ائتلف حتى مع المجموعات الرجعية والارهابية الإسلامية. وفي هذه السياق، ومن اجل خلق الأرضية المناسبة لمثل هذه التحالفات، لم يمتنع الحزب المذكورعن فضح سياسات وممارسات القوى الرجعية البرجوازية فحسب، بل انه كان على استعداد للحجب والتغطية على المحتوى السياسي والطبقي الرجعي لكل جرائمهم.
أما الحزب الشيوعي العمالي العراقي فقد ركز دائما على استقلالية صفوف الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وعمل على فصل هذه الصفوف على الصعيد السياسي والتنظيمي عن القوى والحركات البرجوازية وعلى تعبئتها حول السياسية الشيوعية والاهداف الطبقية الواضحة والمستقلة للطبقة العاملة. وفي نفس الوقت عمل بشكل دائم على نقد سياسات وممارسات مجمل القوى البرجوازية وفضح محتواها الرجعي و اللاإنساني ومن خلال توضيح رؤية العمال والكادحين لها، وعلى عدم إفساح المجال لامرار هذه السياسات عليها بل دخل الحزب في حالة من الصراع الدائم مع القوى المذكورة على حقوق ومطالب العمال والجماهير وواجه العديد من الصعوبات على هذا الطريق، وضحى في هذا السبيل.
الحزب الشيوعي العراقي هو حزب انتهازي، هوعلماني مع العلمانيين، ديمقراطي مع الديمقراطيين، قومي مع القوميين بل وإسلامي مع الإسلاميين. انه علماني استنادا إلى برنامجه ومنهجه، ولكن على الصعيد السياسي والعملي، لا يمثل العلمانيين بأي شكل من أشكال، يخفي الحقائق عن الجماهير ويراعي أو يجامل العادات والتقاليد والانظمة الرجعية الدينية بل يدافع عنها. وبعكس ماركس الذي قال ( الدين أفيون الشعوب)، أعلن الحزب الشيوعي وفي سياق مجاملته للقوى الإسلامية والرجعية بان الإسلام هو دين ثوري وتحرري وعلق ميدالية الدفاع عن العدالة على صدور قادة الحركات الإسلامية المستبدة وتحجج بالعديد من الحجج الواهية والسخيفة كاحترام “مقدسات الناس” للمشاركة بحرارة و حماس في العديد من المناسبات الدينية.
وتماما بعكس ماركس الذي يقول (ليس للعمال وطن)، يدعو الحزب الشيوعي العراقي العمال إلى التضحية بأرواحهم من اجل تراب الوطن ويدعو إلى تقديس الهوية القومية المصطنعة وبهذا يجعل من العمال والجماهير الكادحة جيشا احتياطيا للحركة القومية. كان يدعم سياسة التسامح الطبقي بين العمال والبرجوازية لذا كان يدعو العمال إلى المساومة والتخلي عن مصالحهم لصالح البرجوازية “من أبناء جلدتهم” والى الصراع مع عمال القوميات الأخرى وتناسي المصالح الطبقية المشتركة لعمال جميع القوميات.
ولكن الحزب الشيوعي العمالي، واستنادا إلى ماركس، فهوحزب أقصى اليسار (الماكسيماليست) وحزب راديكالي؛ ينتقد الدين، و يعادي بشدة العنصرية، الأبوية(البطرياركية)، وهوحزب متطرف في إنسانيته وفي مطالبته بالمساواة. انه يواجه بجسارة كل أشكال الرجعية وعدم المساواة ويكشف كل الحقائق للجماهير، ويعلن بصراحة ووضوح عن موقف الشيوعية من الدين ودوره بوصفه خرافة واداة خداع ووسيلة من وسائل التفرقة وفرض الحرمان وعدم المساواة في المجتمع. انه يعتبر القومية ونزعتها عار على الإنسان بينما يؤكد في المقابل على الهوية الإنسانية المشتركة. وعلى مستوى تصنيف الإنسان، لا يعترف إلا بالتقسيم الطبقي أي: العمال والبرجوازية. انه بهذا المعنى يرفض تقسيم الإنسان على أساس القومية، الدين، الجنس، العنصر… إن كل تلك الخصائص ليست فقط على مستوى المواقف السياسية بل لقد نظم الحزب نضالا عمليا واسعا على هذه الصعيد.
 
جبهتان اجتماعيتان مختلفتان “اليمين و اليسار”
اذا ادعى الحزب الشيوعي يوما ما باليسارية او تعلق بشكل ما بالشيوعية فانه اليوم يقف بشكل صريح في يمين المجتمع وقد نفض عن نفسه كل تلك الادعاءات. حيث قام بتغير كل منهجه السياسي خلال اواخر عقد الثمانينات وبداية التسعينات في خضم التغيرات العالمية الكبيرة، وكما قلنا سابقا فان هذا الحزب، كان حزبا قوميا- اصلاحيا تابعا لاحدى الكتل العالمية خلال مرحلة العالم ثنائي الاقطاب. وبانهيار الكلتة السوفيتية ونموذج راسمالية الدولة تأزم الحزب الشيوعي كباقي اشقائه من الاحزاب في العالم الثالث وفي اوروبا الشرقية وقامت مجموعة من الاحزاب المذكورة اما بحل نفسها او بتغيير اسمائها وركبت الموجه الديمقراطية. كان على الحزب الشيوعي العراقي أن يتبع نفس المسار وقد فعل ولكن باسلوب مختلف. فقد تعلق في تلك الفترة 1991 باذيال السياسة الامريكية وخططها المتعلقة بالساحة السياسية في العراق واحتل لنفسه موقعا ذليلا في هامش السياسة الامريكية ضمن خلافاتها مع النظام البعثي الحاكم. ولذلك فانه لم يعد يرتبط قيد انملة باليسار والعمال والشيوعية حتى وان رفع الاف الرايات الحمراء المزينة بالمطرقة والمنجل، انه يفتقر الى ابسط خصائص اليسار وتموضَع بوضوح في جبهة اليمين.
وفي الواقع فان قومية ووطنية الحزب الشيوعي هي قومية هزيلة وهشة ولذلك فان سياساته القومية والوطنية تطغى عليها التناقضات والمراوغة والرياء. فهو ينطبق من جهة مع القومية العربية ويتحالف لفترة مع اعتى الاحزاب القومية العربية شوفينيةً . ومن جهة اخرى، ينسجم مع الحركة القومية الكردية ويتحالف مع احزابها العشائرية في فترة اخرى. في حين ان هذين التيارين (القومية العربية والقومية الكردية) هما في صراع و اقتتال دائمين مع بعضهما البعض خلال عشرات السنوات المنصرمة. لذلك لم يتمكن الحزب الشيوعي ان يضمن اي موطأ قدم خاص به حتى في هذه المناورات ايضا،ً مما ادى به الى فقدان النفوذ الهزيل الذي كان يحصل عليه في فترات مختلفة.
اما الحزب الشيوعي العمالي فانه يمثل جبهة اليسار في المجتمع على مختلف الاصعدة، وهو الذي يرفع راية اليسار والعامل والشيوعية وقد بلور قطبا راديكاليا وماركسيا جسورا طموحا (ماكسيماليستياً) في المجتمع العراقي، وهو يقود اليسار على الصعيد الفكري، السياسي، والعملي. وفي مواجهته للقطب اليميني في المجتمع العراقي، فانه يدافع عن بديل اليسار التحرري واهدافه.
بعض النماذج من المواقف السياسية والعملية المختلفة :
ما اشرت اليه سابقا يمثل اهم الخصائص السياسية والاجتماعية المتميزة لكلا الحزبين وعلى اساس هذه الاختلافات الجذرية، اتخذ كلا الحزبين مواقف مختلفة تجاه المسائل والاحداث المتنوعة، ساذكر فيما يلي بعضاً منها.
• ايد الحزب الشيوعي، ككل الاحزاب البرجوازية الاخرى حرب الخليج الثانية الدموية واللأانسانية التي شنتها امريكا من اجل فرض سيطرتها على العالم بحجة اعادة سلطة مشايخ الكويت. هذه الحرب التي ادت الى ما ادت اليه من عمليات القتل الجماعية لسكان العراق و سيادة العنجهية الامريكية على العالم. في حين وقفت الشيوعية العمالية بكل قوتها ضد الحرب، واعلنت بانها في الوقت الذي تناضل فيه من اجل اسقاط نظام البعث، تؤكد بان تحرر المجتمع العراقي لا يمكن ان يكون حصيلة لهذه الحرب الدموية، ذلك ان الاهداف اللأانسانية للسياسة الامريكية في تلك الحرب تكشف هذه الحقيقة.
• ايد الحزب الشيوعي منذ البداية، وبشكل مباشر وعلني سياسة الحصار اللاانسانية وتجويع جماهير العراق، مرة اخرى بحجة ان سياسة التجويع والابادة الجماعية لجماهير العراق ستؤدي الى اضعاف النظام. الا ان تزايد ضغط الراي العام ضد النتائج اللانسانية للحصار فرض عليه تراجعا محدودا ليتخذ موقفا وسطيا وانتهازيا تمثل بمطالبته برفع مشروط للحصار وقال بـ( رفع الحصار عن الشعب العراقي وتشديد الضغط على الدكتاتورية). وكان هذا يكشف عن امل الحزب المذكور بكون ان امريكا ستضعف النظام وستقيم بالتالي نظاما ديمقراطيا من جهة، كما لم يكن لهذه السياسة معنى عمليا ملموسا من جانب اخر. وفي خطوة ثالثة وبعد ان تزايدت الاثار الرهيبة للحصار على مختلف الاصعدة  وبعد ان تعرضت امريكا نفسها وكذلك حلفائها الغربيين الى ضغط شديد من الراي العام العالمي، اجرى الحزب الشيوعي تغييرا انتهازيا اخرا على موقفه وقال بالرفع غير المشروط للحصار عن “شعب العراق”. كانت المعارضة اليمينية تدعي بان القرار 986 قد رفع الحصار عن “شعب العراق” وابقاه على النظام فقط. وكان ظاهر موقف الحزب الشيوعي مؤيدا للجماهير، الا ان محتواه كان مخاتلا ومتجنبا لطرح شعار واضح وصريح تجاه مسالة محددة هي الحصار الاقتصادي  المفروض على العراق.
الا ان الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي ادانا تلك السياسة منذ اليوم الاول بوصفها سياسة لا انسانية ووقف ضدها. وناضل الحزب  طوال 12 عاما على مختلف الاصعدة وفي جميع انحاء العالم من اجل تعبئة الراي العام العالمي ضدها ومن اجل رفعها.
•  مع تصاعد التهديدات الامريكية بشن حرب الخليج الثالثة والهجوم على العراق، اتخذ الحزب الشيوعي هذه المرة ايضا، موقفا انتهازيا، حيث تخندق مع بقية الاحزاب المؤيدة للسياسة الامريكية بل شارك الاحزاب المذكورة خططها، واستعد بكل جهوده من اجل قطف ثمار الحرب المذكورة، الا انه اعلن للراي العام الداخلي وبشكل خجول بانه لا يرغب كثيرا  في شن هذه الحرب، وكان في الخارج يصور موقفه وكانه، مع الحركة المعادية للحرب وبانه يعارض قيامها ولكن دون ان يمارس نشاطا فعليا ضدها. وفي نفس الوقت، شارك فرع كردستان للحزب المذكور، بمستوى سكرتيره وقيادته، في مؤتمر لندن للقوى القومية والاسلامية، وخدم وزارة الدفاع والخارجية والمخابرات الامريكية، باشراف امريكا وبريطانيا، ووقع على البيان الختامي لمؤتمره، هذا البيان المغرق في الرجعية الدينية، القومية والعشائرية والابوية، والذي كان بمثابة سند تأييد تلك القوى القومية للحرب الامريكية التي شنتها من اجل هذا الهدف. الا ان الحزب الشيوعي العمالي قد ادان وبقوة السياسة الحربية لامريكا وكذلك الحرب ووقف ضدها. كان الحزب الشيوعي العمالي هو الوحيد المعادي الحرب والذي نشط في اوساط الجماهير في الداخل وكان قوة فعالة في الحركة المعادية للحرب في الخارج.
• بعد سقوط نظام البعث وسيطرة القوات الامريكية والبريطانية على العراق أيد الحزب الشيوعي العراقي كباقي الاحزاب الاخرى و بحجة اسقاط النظام، الاحتلال الامريكي “للوطن”..! بل انه الان يؤيد وان بشكل خجول، بقاء هذه القوات في العراق. وفيما يتعلق بالسلطة السياسية العراقية القادمة، يتطلع الحزب الشيوعي صوب الحصول على كرسي من كراسي الحكم في ظل تبلور ادارة امريكية (ديمقراطية) ومن خلال التحالف مع مجمل الاحزاب القومية والاسلامية والعشائرية والرجعية ومن خلال تاييد برامجهم المتمثلة بالفدرالية القومية والدستور القومي_الاسلامي _العشائري.
     في حين يناضل الحزب الشيوعي العمالي من اجل الخروج الفوري للقوات الامريكية البريطانية من العراق، واقامة سلطة الجماهير المباشرة، سلطة غير قومية وغير دينية، سلطة مدنية ومتمدنة تنظر بعين متساوية الى حقوق ومكانة جميع سكان البلاد ولاتاخذ بعين الاعتبار الهوية القومية، الدينية والجنسية والعنصرية وتمثل ارادة الجماهير وبامكانها تامين الخبز والامان والحرية للجميع. ان أفضل سلطة لتأمين كل ذلك هي الجمهورية الاشتراكية، فهي لا تكتفي بتامين كل تلك الامور بل انها تنهي ايضا كل المشاكل والعقبات وتقضي من الاساس على كل اشكال الظلم والاستغلال.
 استنادا الى ما ذكرته من خلافات اساسية وبعض من المواقف السياسية المختلفة لكلا الحزبين، يتبين بانه ليس هناك اية تشابه او تقارب بينهما. ولكن هناك تشابه كبير، خاصة على الصعيد السياسي والانسجام العملي بين الحزب الشيوعي والقوى البرجوازية الاخرى. ولذلك فانه وعوضا عن السؤال الموجه الينا: ماهي خلافاتكم مع الحزب الشيوعي؟ يجب ان يطرح سؤال منطقي وصحيح على الحزب الشيوعي وهو ما هي خلافاتهم مع الاحزاب البرجوازية الاخرى، التي تتحدث ومعها الحزب المذكور طبعا في هذه الايام، على سبيل المثال عن تاييد بقاء القوات الامريكية والبريطانية وعن الحكومة الائتلافية والفدرالية ودمج الدين مع الدولة والتعليم؟
 
استنتاجات  :
اخيرا فاننا نتوجه الى يسار المجتمع ونقول بان العراق يمر بمرحلة جديدة وان الساحة السياسة العراقية مفتوحة بوجه الحركات الاجتماعية ومنها طبعا الشيوعية والعمالية واليسارية. ان الحزب الشيوعي قد اتخذ في سياق هذه المرحلة، ومنذ فترة طويلة موقعه المباشر والصريح ضمن الجبهة اليمينية في المجتمع، جنبا الى جنب امريكا والقوى القومية والاسلامية وفقد كل صبغة يسارية وشيوعية. ان راية اليسار والشيوعية بدءا من الثورة العمالية حتى الحرية والمساواة والاصلاح الواقعي ايضا يرفعها الحزب الشيوعي العمالي في الاوضاع الراهنة.  بلور هذا الحزب منذ 10 سنوات اسسه السياسية والاجتماعية وصاغ كل اهداف وامال اليسار في برنامج وسياسة واضحة ومدونة ومعلنة وهو يقف راسخا في ميدان المواجهة منظما صفوفه حول ذلك البرنامج وتلك السياسة. ولذلك فمن المناسب، بل من الضروري، على كل الذين يعتبرون انفسهم جزءا من يسار المجتمع ويشاركون اليسار والطبقة العاملة اهدافها، وياملون قيام عالم افضل، ان يمعنوا النظر بواقع الحزب الشيوعي الراهن ومكانته السياسية والاجتماعية وبعيدا عن اي تعصب تنظيمي وبغض النظر عن علاقاتهم التاريخية معه وان يفصلوا منهجهم عن هذا الحزب كما فعل العديد من ناشطي اليسار والشيوعية وانظموا الى الحزب الشيوعي العمالي خلال الــ 10 سنوات الماضية. فخلال الفترة المذكورة توجه الينا العديد من الذين يعتبرون انفسهم فعلا جزءا من اهداف وامال يسار المجتمع وكانت تحركهم اهداف انسانية ومساواتية  وانظموا الى صفوف حزبنا وبدأوا بذلك تدوين تاريخ جديد لهم. والرفيق حكمت كوتاني الوجه البارز والمعروف للحركة العمالية والشيوعية العراقية كان نموذجاً مشهوداً على ذلك حيث احتل في سياق عملية سريعة موقعاً قيادياً في حزبنا.
في هذه الاجواء المفتوحة فان الموقع الذي تحتله اية قوة واى شخص هو امر واضح للعيان. الحزب الشيوعي جزء من جبهة اليمين وامريكا والقوى البرجوازية الاخرى. واذا كان بامكانه سابقا ان يضفي على نفسه طابعا اخرا وان يتعلق باليسار والشيوعية حتى عام 1991 فان تاريخ هذا الحزب قد تغير منذ ذلك العام. ولم يعد امتدادا لتاريخه السياسي السابق لانه فقد كل صبغة يسارية واصبح تماما جزء من اليمين وصار يدور في فلك السياسة الامريكية واتخذ في كل الميادين سياسات يمينية. ولذلك لم يعد الحزب الشيوعي العراقي قوة يسارية اطلاقا و لا يدور في فلك اليسار والشيوعية. ان لليسار والشيوعية قيادتها ولذلك لا يضطر اليساريون بعد الان ان يلجاوا الى العمل مع الحزب الشيوعي بسبب غياب هكذا بديل. ان الاهمية المتميزة للحزب الشيوعي العمالي هو في كونه فصل وميز صفوف اليسار. ان هذا الحزب هو جزء من جبهة المساواة والعمال والانسانية وهو يقود نضالهم من اجل عالم افضل ومجتمع اشتراكي.
انني ادعو الشيوعيين و اليساريين للانظمام الى هذا الحزب وأتخاذه وسيلة لنضالهم ولتقويته والسير به نحو الانتصار. ان انتصار اليسار والشيوعية والعمال والامال الانسانية مرهون بانتصار هذا الحزب.
——————————–
 
ملحق
تأصل انعدام الموهبة
رد على كريم احمد سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني
 
ما تقراونه هو نموذج للجدل الدائر بيننا وبين الحزب الشيوعي، انه رد على مقابلة اجراءها كريم احمد، احد القادة المخضرمين للحزب الشيوعي العراقي والسكرتير الحالي للحزب الشيوعي الكردستاني، كان قد اجراها مع احدى الجرائد التي تصدر بالكردية (ميديا). نشرهذا الرد بالكردية، ننشره كملحق “لخلافاتنا” لانه يوضح جانبا من هذه الخلافات.
في الواقع لم يكن لا كريم احمد ولا الحزب الشيوعي مرشحين لأكتب عنهما في الوقت الراهن. ففي الاوضاع الراهنة لم يكن لاي منهما لا الاولوية ولم يكن دورهما قد جاء بعد، وكذلك لم يكن لاي منهما المكانة السياسية التي تستوجب الكتابة عنهما. ولكن الحديث المبتذل والفارغ الذي نطق به كريم احمد في مقابلته لجريدة (ميديا) العدد 128 اليوم 1-8-2002  قد ابتلاني بهذا العمل المقرف.
فالحديث المذكور هو غريب حقا، ليس لانه فارغ من اي محتوى ولا يحمل الحد الادني من الذكاء الطبيعي، وليس لانه مبتذل وليس بذي القيمة، وكذلك ليس لانه مليء بالحقد على الحزب الشيوعي العمالي فحسب بل لان كل ما نطق به كريم احمد حتى ذلك الجزء غيرالمتعلق بالحزب الشيوعي العمالي العراقي لا يبدو وكانه صادر عن امريء قد شاب شعره في العمل السياسي (والحزبي) ويحتل موقع السكرتير في حزب يبلغ من العمر 68 عاما. كنت اعرف مسبقاً بان كريم احمد يفتقر الى الموهبة ولكن لم اكن اتوقع ان يكون بهذه الدرجة. لذلك استغرب الان من حزب عمره يقارب ثلاثة ارباع القرن ان يوجه من قبل هكذا شخص وان يقف خلفه صف من الكوادر والاعضاء والقادة.
يفتتح كريم احمد حديثه بالقول بان: علاقاتنا مع الحركة الاسلامية والحزب الشيوعي العمالي العراقي غير جيدة لانهما متطرفان..! لنضع جانبا انه بهذه العبارة يضع الحركة الاسلامية التي هي عميلة ورجعية، ارهابية، ومعروفة باصدارها الفتاوي، ومعاداة النساء والانسانية مع الحزب الشيوعي العمالي الذي يتطرف في الدفاع عن الحرية والانسانية وعن التمدن والمساواة في كفة واحدة ولكن كونه يعيد هذه العبارة السمجة التي اطلقتها من قبله اكثر القوى الرجعية واليمينية والعشائرية تخلفا من ضمن القوى السياسية في كردستان، لن تبقي له من هذا شيئا. ان ما يتعلق بنا من حديثه ليس من بنات افكاره، بل تكرار غبي لاتهامات تلك القوى. انه يتهمنا بالتطرف ولكن اكثر القوى القومية المتخلفة في هذا المجتمع سبقت كريما بذلك. او يقول لنا باننا نستفز الناس بقولنا كيف يجوز للرجل ان يتزوج من اربعة نساء في الوقت الذي لا يحق للمراة ان تتزوج من اربعة رجال، فليكن للمراة نفس الحق. هذا ايضا ليس من اقواله، فقد سبقه ملالي الجوامع ب 7-8 سنوات في اطلاق هذه الأقاويل و الاباطيل، ويقول ايضا بان هؤلاء برفعهم شعار دكتاتورية البروليتاريا انما يناصرون الدكتاتورية ويعادون الديمقراطية، ان هذا الاتهام ايضا هو اعادة للشعار المخادع الذي اطلقته امريكا والكتلة الغربية قبل 10-15 عاما نتيجة لانهيار الكتلة الشرقية (الكعبة السابقة لكريم) و طبلت له كثيرا. وكذلك حين يصرح بانه في كردستان لا يوجد راسماليون ولا عمال، انما يعيد  الاقوال القديمة التي اطلقها القوميون المعادون للعمال قبل 30 عاما في مواجهتهم لليسار والشيوعيين وهو ايضا قرار بعثي صدر قبل 16 عاما حول بموجبه العمال الى موظفين وقال بان ليس للعمال وجود في العراق! استنادا الى كل ذلك وبغض النظر عن محتوى ما صرح به هذا السكرتير الهمام  نتسائل بم تتجسد موهبة هذا الرجل حينما يردد فقط اكثر العبارات الرجعية والبالية لاكثر الرجعيين المعادين للشيوعية والطبقة العاملة ولا يكلف نفسه عناء اضافة ولو كلمة واحدة من عنده.!
بهذه الحال يحاول تقييم منصور حكمت ويقول بانه غير متوازن. هذه العبارة تشبه الحكم الصادر عن ميزان الملا محمد الشهرزوري. كان هذا احد الملالي القرويين الذي نشر كراسا بعنوان (داروين في ميزان الذكاء) وقد بين الشهرزوري استنادا الى عقله والى ميزانه هو بان داروين  ليس انسان غير ذكي فحسب بل انه احمق!.
وكان من المقرر ان يصدر كراسا ثانيا بعنوان “ماركس في ميزان الذكاء”. من نافلة القول ان نقول بان عناوين كراريسه كافية لفهم مستواه العقلي ودقة ميزانه. يبدو ان الادوات التحكيمية التي اصدر بها كريم حكمه على منصور حكمت تشبه الى حد كبير ادوات الملا الشهرزوري. ولذلك فاننا كنا سنرتاب بمنصور حكمت نفسه لو لم يتوصل الى اصدار حكمه المذكور عليه.
 كيف يسمح رجل قضى جل عمره المديد في العمل السياسي والحزبي ويحتل موقع سكرتير حزب، لنفسه ان يتفوه بهذه الكلمات اللامسؤولة. فهو يتهم حزبنا بان يكون للمراة حق الزواج من اربعة رجال، لان للرجل نفس الحق. ان هذه تكرار تافه لاختلاق العصابات الاسلامية ضدنا. ان لجوء كريم احمد الى الجعبة المهترئة للاسلاميين دليل واضح يفضح تخلفه هو. من المؤكد ان الاسلاميين كانوا على علم بان الحزب الشيوعي العمالي يعادي تعدد الزوجات ويطالب بمنعه. انهم كانوا يدركون ذلك ولكن من اجل ذر الرماد في العيون اختلقوا ذلك الاتهام الذي يتفوه كريم احمد به الان!. الا ان الاسلاميين لم يكونوا بهذه السذاجة، فهم رغم اختلاقهم للتهمة المذكورة، الا انهم لم يدونوها في اي بيان او جريدة، لم يعلنوها بشكل مدون ومكتوب، بل اكتفوا بترديدها في خطب الجمعة ومن خلال تحريض بعض الملالي المأجورين.
والان حينما يردد سكرتير الحزب الشيوعي، هذه العبارة انما يدل على كونه اما قد بلع الطعم وصدق ملالي الجوامع، او انه يرغب بأخذ دور ملالي الجوامع بنفسه. و نخيره نحن بين هذين الدورين…فليختار هو الذي يرغب به ويريحه.
انه يصور طرحنا للمسالة الكردية بكونه طرحا خاطئا، ويقول بانهم، اي الحزب الشيوعي العمالي، يعتبرون بان خدمة المسالة الكردية والحركة التحررية الوطنية الكردستانية هي خدمة للراسمالية. ان طرحنا للمسالة هو انها احدى المسائل المهمة في المنطقة وتتطلب حلا مناسبا، وان الحل هو الاعتراف بحق شعب كردستان بتقرير مصيره. ومن اجل ذلك يجب اجراء استفتاء حر في كردستان لكي يقرر سكانها مسألة بقائهم ضمن الدولة المركزية في العراق او الانفصال عنها وانشاء دولة مستقلة. ان ما تقرر عليه جماهير كردستان يجب ان يعتبر حلا يجب تنفيذه، ونقول ايضا بانه في الوقت الراهن وطالما بقي البعث بوصفه نظاما فاشيا للحركة القومية العربية حاكما فاننا نعتبر الانفصال وانشاء دولة مستقلة هو الحل المناسب.
والان نتسائل ونقول هل بامكان هذا المعلم الموهوب ان يقول لنا ما هو وجه الخطا في هذا الطرح؟
ولكن المهم هو ان المسالة الكردية وما يسميه الحركة التحررية الوطنية الكردستانية، هما مسالتان مختلفتان تماما، فالسياسة التي نتبناها وندعو لها تمثل افضل حل للمسالة الكردية، ولكن الحركة التي يشير هو اليها هي حركة قومية، اسلامية، عشائرية متخلفة وابوية (بطرياركية) بعيدة عن التقدمية والتمدن، ولا تحمل اي طابع تحرري وهي حولت المسالة الكردية ومنذ عشرات السنين الى وسيلة واداة للمساومة السياسية مع القوى والدول الرجعية في العالم وفي المنطقة. تهيمن هذه الحركة منذ 10 سنوات على السلطة السياسية في كردستان وتديرها استنادا الى القوانين البعثية- الاسلامية. ان سجل اعمالها وممارستها خلال العشر سنوات الماضية واضحة للعيان وانه يحرمها من كل الصفات التحررية ويثبت عدم حقانيتها.
فيما يتعلق بدكتاتورية البروليتاريا، يجب ان اشير بان حزبنا وحركتنا لم يستعملا هذا المصطلح لا في برنامجها ولا في ادبياتها ووثائقها، ليس لاننا ارتددنا عنها كما هو كريم احمد، بل لانه قد تم تشويهه. ان ما نحاوله هو ان نبين نفس المحتوى ولكن بشكل اكثر وضوحا. ولذلك نقول(الحكومة العمالية) او (الجمهورية الاشتراكية) ولكن رغم ذلك فاني سادافع عن دكتاتورية البرويتاريا بوجه هؤلاء الموهوبين والمنطقيين جداً.
انني على شك بانه قد فهم محتوى دكتاتورية البروليتاريا، ذلك ان الجناح اليميني للبرجوازي يحاول مخادعاً تصوير دكتاتورية البروليتاريا بانها قمع الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. لكن كريم احمد والحزب الشيوعي العراقي يدعيان بانهما ناضلا من اجل دكتاتورية البروليتاريا لمدة طويلة وانهما تحولا عنها عندما تحولت الديمقراطية الى موضة العصر. ان كريم احمد يفسر دكتاتورية البروليتاريا بالضبط مثل يمين البرجوازية. ولكن الحقيقة هي ان هذا المصطلح او كما نسميه الحكومة العمالية هي ارقى اشكال الحرية والديمقراطية وبمعناها الشائع. ففي ظلها تتوفر الحرية السياسية غير المقيدة، حرية الاعتقاد والنقد حتى لاكثر الافكار والاتجاهات السياسية رجعية. ان دكتاتورية البروليتاريا تعني حكومة الجماهير بوسيلة مجالسهم، انها تعني الحرية والمساواة للجميع. ولكن بامكاننا ان نتسائل لماذا استعمال مصطلح دكتاتورية البروليتاريا لهذا النظام المتحرر. ان الجواب هو كما اوضحه ماركس وانجلز ولينين، بان كل دولة هي عبارة عن دكتاتورية طبقة ضد طبقة اخرى. وطالما بقيت الدولة فانها لا تتجاوز هذا المحتوى. كل اشكال الدول المعاصرة: الديمقراطية البرلمانية، القومية، الملكية، الاسلامية، العسكرية…عبارة عن دكتاتورية البرجوازية ضد الطبقة العاملة والجماهير ولفرض النظام الراسمالي وعبودية العمل الماجورعن طريق نظام الانتخابات او القمع والاستبداد والاعدام والتعذيب. الحكومة العمالية هي ايضا دكتاتورية الطبقة العاملة من اجل فرض الحرية والمساواة والرفاه لجميع السكان. وهي حكومة تعمل على الغاء صفة العامل الاجير و الراسمالي و لخلق المساواة بين جميع المواطنين ولمشاركة الجميع في العمل الاجتماعي من اجل حياة هادئة ومرفهة. ان البرجوازية لن تتخلى طواعية عن الاستغلال، انها لا تقبل الحرية والمساواة والغاء التركيب الطبقي للمجتمع والغاء صفة الاجير والراسمالي، لذلك يجب فرضها عليها، ومن اجل فرض مثل هذا النظام فاننا وبعكس الديمقراطية البرجوازية التي يتغنى كريم احمد بها لن نلجا الى القمع واحكام الاعدام والى  الحكم المؤبد  وردهات التعذيب ولا الى مصادرة الحرية السياسية من اية قوة وجهة سياسية وحتى من اي فرد.
انه لامر عجيب حقا ان لا يبرز من صفوف الحزب الشيوعي كادر او عضو واحد يواجه هذا القائد الهام سائلا اياه اذا كانت كردستان تخلو حقا من العمال اذن، لماذا اسستم قبل 68 عاما حزبكم الشيوعي….!!؟؟
وهل سنفتري على سكرتير الحزب الشيوعي اذا قلنا بانه خادم مخلص للراسمالية..!!؟؟ انه ينكر مثل القوميين العشائريين ومثلما فعل قرار 1987 الصادر عن نظام البعث وجود مئات الالوف من العمال الذين يعملون يوميا في خدمة الراسمالية في معامل السمنت والسكر والسجاد والمرمر والحلويات وخدمات البلدية والكهرباء والشركات الاخرى وكذلك عمال البناء والزراعة وعشرات المجالات الاخرى.
لماذا لا يستطيع هذا المحترم تمييز مئات الالوف من العمال و الجماهير الكادحة في كردستان عن تلك الاقلية الطفيلية التي تسيطر على ثروات وخيرات هذا المجتمع، ويغمض عينيه عن اولئك الراسماليين الغارقين  في النعيم على حساب الاكثرية الساحقة من العمال والجماهير؟. حقا اذا كان لعمال كردستان “عونا” مثل هذا المفكر الشيوعي الفذ، كريم احمد، فانهم ليسوا بحاجة الى “فرعون” ..!
 ان هذا “الشيوعي الثوري” يعادي من بين كل فئات وطبقات وقوى كردستان، الاقطاعية فقط .والسبب لانه لم يبق للاقطاعية وجود!؟ علما بانه يقصد، استنادا الى ما يقوله؛ “الاقطاعية وليس الاقطاعيين”. ان كل مشاغله وهمومه لا تتجاوز التوسل وطلب الرحمة من الراسماليين لمعالجة المعضلات التافهة بين الزمر والعصابات الاسلامية والعشائرية فيما بينها و بين دول المنطقة المتهورة. او كما يقول هو يجب ان نعالج مشكلة حزب المحافظين مع الجمهورية الاسلامية او كونهم وقعوا في مشاكل في منطقة زنكنة مع هذه  الزمرة او تلك، انه يحلم ليلا ونهارا بان يعثر على زمرة مثل الرابطة الاسلامية ليشكل معها جبهة او ائتلافا.
اليس من حق الجميع ان يتسائل بم ترتبط هذا المشاغل بالعمل الشيوعي او بشكل ادق ما هو الطابع الشيوعي لمشاغل كريم احمد هذه؟
تتركز جل مشاغل ومواهب وهموم هذا الرجل في التملق للحكام والمسؤولين، هذا ما يوضحه تاريخه الذي يمتد لعشرات السنين الماضية. فمن وصل الى السلطة ومن مارسها، بغض النظر عن طبيعة تلك السلطة وجد هؤلاء يعرضون خدماتهم السخية عليها، حتى وان مارست السلطات المذكورة شتى اشكال القمع والاستبداد بحق الشيوعيين واعدمت المئات من كوادرهم واعضائهم بالجملة، والانكى من ذلك ان الحزب الشيوعي كان يصر رغم كل ذلك على تلك الخدمة المجانية الى ان تطردهم السلطات و تفرض عليهم الاختباء والاختفاء عن الحياة العامة.
بدءاً من النظام الملكي، مرورا بالانظمة الاخرى التي تلاحقت على السطة السياسية ووصولا الى البعث، لم يتوانى هؤلاء عن التعبير عن الاخلاص لها وعرض خدماتهم المجانية عليها، وايجاد مختلف التبريرات النظرية والسياسية لاثبات وطنية تلك السلطة وذلك النظام. الا اذا اصرت تلك السلطة او السلطات على ملاحقاتهم وعلى عدم افساح المجال لهم. ان ما يجري في عروق كريم احمد هي نفس تلك الدماء، وان مجمل مواقفه واحاديثه وصداقاته وعداواته تستلهم دوافعها من ذلك المبدا الثابت ابداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى