المقالات

“اضطهاد المراة” ضرورة طبقية راسمالية!

فارس محمود

ي 1910، اي قبل قرن وعقد من الزمن، حوّل دعاة التحرر والمساواة (8) اذار الى  يوم ورمز الاحتجاج على ظلم المراة. ان (8) اذار هو جزء لايتجزأ من النضال المساواتي والاشتراكي للنساء والعمال لنيل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية. لقد اضفى هذا اليوم مسحة انسانية عميقة على نضال البشر، وفرض وعياً عميقاً في المجتمع تجاه استغلال المراة وحقوقها. انه مكسب الحركة الاشتراكية والنضال العمالي لاكثر من قرن وعقد.

بعد كل هذا التاريخ المديد والنضالات الباسلة للحركات النسوية والعمالية والاشتراكية في انحاء العالم، لازالت المكانة العامة لاغلبية النساء فيما يخص الاجور، ظروف العمل، حقوق الامومة، الضمانات الاجتماعية والصحة مبعث اسف جدي. الاضطهاد الجنسي، العنف، المكانة الدونية في المنزل والعمل والمجتمع، العمل المنزلي البليد والمدمر و…. تمثل ملامح اساسية للمجتمع البشري المعاصر للاسف.

ان السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا مر كل هذا التاريخ مع هذا النضال الدؤوب وحركاته الاجتماعية المتنوعة، لازال وضع المراة على هذا الحال الماساوي والكارثي؟!

يرد دعاة البرجوازية: “الى ترون المراة وقد اعتلت اعلى المناصب؟!”، “الا ترون النساء في البرلمانات والوزارات ومؤسسات الدولة والقرار؟!”، “الم تروا تاتشر، غاندي، كلنتون، اولبرايت، ورايس وتانسو تشيلر و…..؟!”، والادهى من ذلك يحسبون علينا عالية نصيف وحنان الفتلاوي ونساء اللويا جركا في برلمان افغانستان (!!) كمنجزات ومكاسب لوضع المراة.

لاقل شيء بهذا الخصوص، وتراه واضحاً في عدد من الشعارات والمطاليب التي ترفعها نساء الطبقات العليا في المجتمع بهذه المناسبة، ويؤكدن على ضرورة ان يفسح لهن مجال اوسع في الحكومة والبرلمان والوزارات وغيرها. ان هذه ليست مطاليب النساء. ان هذه مطاليب فئة قليلة جدا ومحدودة لاربط لها بهموم ومطاليب ومعاناة الاغلبية الساحقة من النساء. ليس لهن مشكلة حول ماهية حكومة معادية حتى نخاع العظم للنساءن بل ان شكواهم لاتتخطى حصتهن من هذه الحكومة، وليس لطبيعة قوانين السلطة وقراراتها التي يقروها اي مشكلة لديهن. ويكذبن حين يتحدثن عن ان مطاليبهن هذه حتى يغيرن وضعية المراة!! لاتمر هذه الترهات على احد!  

ان تبوأ حفنة من النساء المراكز الحكومية ليس دلالة ولامعيار قط على مساواة المراة او اقترابه منها. ان كان التحرر هو نيل حصة من الربحية الناجمة عن الاستغلال الاقتصادي، فهو ليس بتحرر. المساواة في نيل المناصب السياسية في عالم يستند الى اللامساواة هو ليس بمساواة. اذ بسهولة يمكن رؤية انه امام هذا العدد الضئيل من المتبؤات للمناصب، فان هناك ملايين الاضعاف من النساء الذين يغطن في الفقر، البطالة وانعدام الحقوق.

 لايمكن تامين تحرر المراة ومساواتها عبر مساواة مكانتها مع مكانة الرجل الذي هو نفسه يغط باللامساواة وانعدام الحرية.

طالما ان على اغلب المجتمع ان يبيع قوة عمله كي يعيش، لايمكن الحديث عن حرية الانسان، الحرية بمعنى التحرر من العوز، الضغوطات الاقتصادية والحرمان. حين يحرم الانسان من سكن لائق، غذاء صحي، مدارس، وصحة لن تكون الحرية سوى صورية، لا اكثر.

كما ليس لبقاء هذا الظلم اي علاقة بالبايولوجيا والطبيعة. ان النظام السائد اليوم هو نظام الملكية الخاصة، الربح، الاستغلال، نظام الراسمال. ان صيانة التقاليد والاخلاقيات الذكورية والدينية المناهضة للمراة ليس نابع من طبيعة المجتمع على العموم او عاداته وتقاليده عموما، بل من حاجات طبقة لها مصلحة مادية في تابيد المكانة الدونية للمراة. ان العمل المنزلي نموذج بارز على ذلك. انه عمل مضني وبليد للمراة من اجل ان يضمن الراسمالي اعادة العامل لانتاج نفسه (وابنائه عمال المستقبل)، للعمل في اليوم التالي. انه عمل غير مدفوع الاجر، عمل تنصل عن دفعه الراسمالي للمراة، عبد العمل المنزلي. ولهذا، المصلحة الاقتصادية للراسمالي واضحة في هذا النمط الاجتماعي، ولهذا يدافع عنه بالف طريقة وطريقة، ويعده من بديهيات التنظيم الاجتماعي “الفطري” للمجتمع.

ولهذا، ان بقاء اضطهاد المراة بالضد من تطلع البشرية، هذا البقاء الذي يروج له الجامع والمسجد والكنيسة والاف المنظرين والدعاة هو مطلب الراسمالية وحاجتها. ابان الازمات، تتجه اول الحراب تتجه صوب الهجمة على المراة وحقوقها ومكاسبها، وتلعب الترسانه الدينية البالية دورا اساسياً في هذا الهجوم. ان هذه الترسانه باقية لايام مثل هذه.

 اليوم، واكثر من اي وقت مضى، النساء هن القسم الاغلب المبتلاة بالجوع، الفقر، البطالة، الحرمان و… الخ. حين تلقي نظرة على العالم، تحس ان المصائب اعلاه ظاهرة نسوية بكل معنى الكلمة. المراة اكثر من يدفع ثمنها. فجراء الحروب واعمال القتل الطائفية وانفلات ضوابط مجتمع عادي ومتعارف، هناك اكثر من مليون ارملة في العراق. ان هذا يعني كل مسؤوليات هؤلاء العوائل تقع على المراة ذاتها في اوضاع وخيمة من الناحية الاقتصادية ونفض السلطة ايديها عن كل مسؤولية تجاه المجتمع. ان عشرات الملايين من النساء من يجبرن على سلوك بيع الهوى في ظروف غاية في الوحشية من اجل تامين معيشة عوائلهم في العالم. ناهيك عن شيوع ابشع ماساة في بلدان مثل العراق وايران، ماساة تجارة النساء والبغاء الاسلامي المسمى بزواج المتعة، زواج القاصرات والخ من مصائب من المخزي ان تكون موجودة في عالم حقق كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي وتعاظم ثروات البشرية.

ان (8) اذار هو اليوم الذي يجب فيه ايقاف عجلات هذا العالم المقلوب الذي يتعكز على ظلم المراة وسحقها. ينبغي ارساء عالم اكثر انسانية، عالم اشتراكي، عالم يستند الى ان تحرر المراة هو اساس تحرر المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى