المقالاتسمير عادل

الانتفاضة واهم التحديات امام الطبقة العاملة بمناسة الاول من ايار

سمير عادل

أخذَ دور الطبقة العاملة يتطور ويزداد خطورة ليس فقط من الناحية الاقتصادية والمادية فحسب، بل من الناحيتين الاجتماعية والسياسية ايضا.. واخذت الطبقة العاملة الان تتميز كطبقة اجتماعية شيئا فشيئا وتزداد خطورة هذه الطبقة كلما تطورت الصناعة عندنا وتقدمت- جريدة صوت الاهالي سنة ١٩٤٣ العدد ١988شباط)- الحركة العمالية في العراق د اميرة حسين الكريمي-

مدخل تأريخي:

نستغل مناسبة يوم الاول من ايار، لنتحدث عن اهم المعوقات والتحديات امام تطور نضالات الطبقة العاملة، وتحولها الى حركة عمالية مقتدرة، بإمكانها ان تأثر على المعادلة السياسية في العراق، لا لصالح العمال فحسب، بل لصالح عموم الشرائح الاجتماعية والمحرومة في المجتمع.

تحدثنا في مناسبات مختلفة عن الانتفاضة ودور النساء، وعن الانتفاضة ودور العاطلين عن العمل، و عن الانتفاضة ودورها في فرض التراجع على الاسلام السياسي…الخ، ولكننا لم نتناول دور الطبقة العاملة فيها والمعوقات التي حالت دون سيادة افقها على الانتفاضة. لقد شارك العمال في الانتفاضة، شأنها شأن بقية الشرائح الاجتماعية الاخرى التي رأت في انتفاضة اكتوبر املا بتغيير واقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بيد ان السؤال الذي يطرح نفسه هل ظهر العمال كطبقة اجتماعية مستقلة تجذب بقية الشرائح الاجتماعية الاخرى تحت افاقها وتطرح بديلها السياسي؟ والجواب على هذا السؤال اذا كان بالنفي، فهو يقودنا بالتالي الى دراسة الاسباب التي حالت دون ظهور العمال كطبقة لها مطالبها الاقتصادية والسياسية في الانتفاضة بقسمه العامل في الانتاج ويقود كامل الطبقة العاملة بما فيها العاطلين عن العمل .

اذ ان اننا نؤمن كاشتراكيين عميق الايمان ان اية انتفاضة وتحولها الى ثورة اجتماعية وسياسية لا يمكن ان تنتصر دون مشاركة الطبقة العاملة بآفاق سياسية مستقلة ولها بديلها. واذا ما عدنا الى الموازنة التي اقرتها الطبقة الحاكمة بجميع مستوياتها من البرلمان والحكومة، ونقصد موازنة هذا العام ٢٠٢١ التي استندت الى الورقة البيضاء، وهي موازنة معادية لحد النخاع للطبقة العاملة وتعمل على زيادة مساحة افقار المجتمع، فالاستنتاج المادي بكل سلاسة ودون اي عناء يثبت صحة ما اشرنا اليه، وهو غياب دور العمال السياسي والاجتماعي كطبقة موحدة في المجتمع وخلال ايام الانتفاضة وبعده

ان المقطع الذي اوردنا في بداية المقال وهو مقتبس من دراسة ماجستير قدمتها الدكتورة اميرة الكريمي، يدحض بشكل لا لبس فيه بل ويخرس كل ادعاءات المثقفين اشباه اليسار من عدم وجود الطبقة العاملة في العراق. فالمقطع المذكور يشير بشكل قاطع ان البرجوازية في العراق بعد الانتهاء من الانتداب البريطاني عام ١٩٣٢ بدأت بتشريع قانون التعريفة الكمركية، وتأسيس المصرف الزراعي – والصناعي لينفصلا عام ١٩٤٠ الى مصرفين، وشيدت عشرات المصانع في قطاع المطابع والطابوق والسكائر والغزل والنسيج والحبوب والصناعات الانشائية والقطنية. كما ويؤكد المقطع اعلاه على ظهور الطبقة العاملة في العراق اجتماعيا وسياسيا، وعلى خطورة دورها على البرجوازية التي تمثلت آنذاك بالبرجوازية الكبموادورية المرتبطة بالاستعمار البريطاني والبرجوازية المحلية او الوطنية التي كانت تناضل من اجل حصة اكبر لها في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (١) . وشهدت الساحة السياسية في العراق آنذاك سلسلة من الاضرابات العمالية التي ظلت بارزة كواحدة من معالم تاريخ العراق الحديث، وهي الاضراب الثاني للسكك في شباط من عام ١٩٣١ واضراب ضد رفع سعر الرسوم البلدية في حزيران من نفس العام، واضرابات عام ١٩٣٣ ضد رفع اسعار الكهرباء، واضرابات عمال كاورباغي ١٩٤٦ التي اسقطت وزارة العمري واضرابات عمال K3 عام ١٩٤٨ واضرابات عمال السكائر ١٩٥٣ واضراب عمال النفط في البصرة ١٩٥٢، وعشرات الاضرابات العمالية الاخرى. فالبرجوازية قبل منتصف القرن الماضي اعترفت بالدور المتنامي للطبقة العاملة وخطورتها عليها، بينما نجد اليوم ان ملامح تلك الحركة او ارث هذه الحركة لا تجده على الساحة السياسية والاجتماعية. وهنا نقصد ظهور العمال كطبقة اجتماعية وسياسية تلقي بثقلها على المشهد السياسي العراقي.

ما تعرضت اليها الطبقة العاملة:

لا شك ان النظام البعثي لعب دورا عظيما في قمع الحركة العمالية في العراق، فبعد ثلاثة اشهر من تاريخ سيطرة حكومة البعث، كما نوهنا في اكثر من مناسبة اي في ٥ تشرين الثاني ١٩٦٨ ذهبت الى قمع اضرابات عمال الزيوت النباتية بشكل شرس ووحشي، كي تبعث برسالة واضحة للحركة العمالية وقادتها، وسعى ذلك النظام بقطع الارث الثوري النضالي والتاريخي للطبقة العاملة واجتثاثه من جذوره، ولقد نجحت في مساعيها الى حد ما. ولا نريد اعادة ما فصلنا بها عن الطبقة العاملة بعد حقبة الثمانينيات والتسعينات وبعد الاحتلال التي جاءت في الورقة التي قدمناها بمناسبة اضرابات عمال الزيوت النباتية والمنشورة في العدد (٦) من مجلة المد. بيد ان النقطة التي نود الاشارة اليها، ان الطبقة العاملة في العراق لم تنفصل عن ارثها النضالي والثوري فقط، بل ايضا ان الظرف الموضوعي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع تغير واثر بشكل سلبي على الوجود العددي والنوعي للطبقة العاملة، هذا اضافة الى تأثيره الكبير على وعيها الطبقي وتشويهها بشكل كبير، وهي؛ ثلاثة حروب بما فيها الاحتلال والحصار الاقتصادي والحرب الاهلية الطائفية وداعش. لقد تدمرت البنية التحتية للمجتمع، وان الطبقة العاملة الصناعية التي ظهرت في العراق منذ مطلع القرن الماضي تأثرت بشكل كبير بذلك الظرف، وان قسما كبيرا من الصناعات توقفت منذ الحرب العراقية -الايرانية مثل الحديد والصلب والبرتوكيمياويات والورق، ولحقتها في سنوات الحصار الاقتصادي مصانع تجميع السيارات والجرارات في مجمع الاسكندرية وتراجعت الصناعات المحلية في قطاعات مختلفة.

وبعد الاحتلال وبخطة جهنمية ناجحة قادها بول بريمر رئيس الادارة المدنية للاحتلال قام بالحيلولة دون اعادة تأهيل البنية الصناعية للعراق، حيث اصدر قرارات تقضي بعدم تزويد المصانع بالطاقة الكهربائية وعدم تقديم اية تمويلات مالية لها الى جانب تمديد قرار تحويل العمال الى الموظفين لمجلس قيادة الثورة وهو منع اي شكل من اشكال التنظيم العمالي، والتي تفضي اي تلك القرارات الى سياسة الخصخصة لمصانع القطاع العام الذي تقدر ب ٢٠٠ مصنع. وطبعا نضيف الى ذلك ان الحروب ساهمت بشكل كبير الى هجرة الملايين من االعمال من الذين نجوا من الحروب بحثا عن حياة امنة، ليتغير القسم الاعظم من البنية الاجتماعية للطبقة العاملة. اما القطاع الوحيد الذي بقت فيه طبقة عاملة صناعية هو قطاع الطاقة وهي النفط والغاز والكهرباء، التي شهت منذ عام ٢٠١١ احتجاجات منظمة واستطاع عمال النفط في البصرة من تأسيس لجنة منتسبي النفط وتمكنت من انتزاعها لعدد من المكاسب واهمها الحصول على الارباح. واندلعت احتجاجات عمالية في الصناعات الميكانيكية في الاسكندرية والصناعات الجلدية في بغداد والنسيج في الكوت والموصل وعموم وزارة الصناعة والمعادن منذ ٢٠٠٨ من اجل الغاء التمويل الذاتي وعدم تأخير الرواتب، ولكن لم تتبلور عنها اشكال تنظيمية تعبر عن وحدة العمال وقيادة نضالاتهم. طبعا لابد من ذكر على وجود اتحادات عمالية قامت بتأييد ودعم تلك الاحتجاجات ومساعيها من اجل توحيد العمال وقيادة نضالاتهم، الا انها بمجرد انتهاء تلك الاحتجاجات، انتهت معها صلة تلك الاتحادات بالعمال، ولم تظفر عنها اشكال تنظيمية تربط العمال بتلك الاتحادات، بنفس القدر عدم تشكيل منظمات عمالية مستقلة ومتجذره داخل العمال.

المعضلات الرئيسية التي تواجه الطبقة العاملة:

ان احدى المعضلات التي تواجهها الطبقة العاملة اليوم في العراق هي وضعها الاقتصادي. ان الهجمة الاقتصادية التي يتعرض لها العمال في العراق اكبر بكثير من حجم المقاومة التي تبديها سواء على الصعيد التنظيمي او على الصعيد الاجتماعي. وقبل ان نفصل في ذلك، لابد من الاشارة لمعطيات تلك الهجمة التي تتجسد اولا في: سياسة الحكومات الاقتصادية ومنذ النظام السابق اي البعثي وكي تتنصل من مسؤوليتها تجاه العمال وعموم المجتمع، شرعت بقانون التمويل الذاتي، وعلى العمال ان ينتجوا في تلك المصانع ويبيعوا منتجاتهم ويحصلون على قوتهم اليومي من بيع الانتاج. فاذا كان النظام البعثي شرع ذلك القانون لتحميل اوزار الحصار الاقتصادي على الطبقة العاملة، فأن النظام الذي جاء بعد الاحتلال مضى بنفس السياسة كي يمهد لبيع المصانع والمعامل بسعر الخردة الى القطاع الخاص وحصر العراق في تقسيم  الانتاج الرأسمالي العالمي بإنتاج النفط على صعيد الصناعات الثقيلة. وليس هذا فحسب بل فتحت اسواق العراق امام التجارة الحرة بحيث ادى الى ان تكون اسعار السلع المستوردة ارخص بكثير من السلع المحلية المنتجة. ان هذه السياسة الجهنمية  وجهت ضربة استباقية الى كل من يفكر بتدوير عجلة انتاج المصانع التي لن تكون قادره على منافسة السلع المستوردة، هذا اضافة الى ان الاموال التي خصصت في الموازنات المتعاقبة للحكومات منذ الاحتلال ولحد الان  لدعم المصانع والمعامل عبر تمويل خططها التشغيلية، لم تتجاوز ٢٪، والسخرية تكمن ان موازنة الاوقاف الشيعية والسنية في موازنة الكاظمي هي الاعلى من التخصيصات المالية لوزارة الصناعة، وهي التي تبجحت اي حكومة الكاظمي بأنها ستأهل اعادة تشغيل المصانع والمعامل للقضاء على البطالة. ولكن هذا ليس كل ما في قصة الوضع الاقتصادي المزري للطبقة العاملة. ثانيا: فالبطالة التي وصلت الى اكثر من ١٢ مليون عاطل عن العمل حسب احصاءات الحكومة، وتزداد هذه الارقام سنويا حيث ينظم الى سوق العمالة ما يقارب نصف مليون او اكثر من الخريجين هو، العامل الاخر يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي ومع هذا لم تكتمل الصورة بعد، ثالثا: فالنظام السياسي الحاكم وكجزء من النظام الرأسمالي العالمي وتماشيا مع سياسات المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تعبر بشكل مخلص عن سياسة الرأسمالية المعاصرة وهي الليبرالية الجديدة، التي تتلخص من تنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع، ولذلك نجد ان تعيين العاطلين عن العمل في جميع القطاعات بشكل اجور او عقود وليس على الملاك الدائم، واشير اليه بشكل واضح في موازنة الكاظمي، وكما نعرف ان الغاية منها ليس فقط اعطاء تحت الحد الادنى للأجور لأولئك العمال المتعاقدين بل ايضا للتنصل من دفع بدلات الخطورة في قطاعات التي يتعرض العمال فيها الى خطر الحوادث المميتة، وبدل السكن والاسرة والشهادة والضمان الاجتماعي والحقوق التقاعدية.

بعبارة اخرى ان الطبقة العاملة في العراق بسبب اوضاعها الاقتصادية التي اقل ما يوصف بأنها كارثية، هذا اذا اضفنا لها الموازنة الجديدة والتي خفضت من سعر العملة المحلية وفرضت الضرائب على رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين ورفع اسعار المحروقات، فأنها اي الطبقة العاملة في خندق دفاعي بالكاد تدافع عن بقائها الآدمي.

والمعضلة الاخرى هي غياب الامن وسياده المليشيات والفوضى محل الدولة بالمعنى المطلق للكلمة. فالعمال الى جانب انشغالهم بالحفاظ على حياتهم وحياة اسرهم من الفوضى الامنية والسياسية العارمة التي تضرب المجتمع منذ اكثر من عقد ونصف، فانهم ايضا في اي مكان في القطاع الانتاجي الحيوي معرضين الى تصفيات جسدية واختطافات في حال اي اعتراض يؤثر على الشريان الاقتصادي لهذه القوى التي تدير السلطة في العراق. وان هذه الاوضاع ساهمت في  خلق اجواء من الخوف والرعب في صفوف المجتمع والعمال كجزء من المجتمع.. ومع هذا كانت هناك اعتراضات عمالية عظيمة في قطاعات مختلفة ولكنها لم تذهب الى اقصى ما يمكن مثل تنظيم اضراب في قطاع النفط.

اما المعضلة الثالثة وهي انقطاع الارث التاريخي النضالي بين ماضي الطبقة العاملة وحاضرها. أن هذا الارث مرتبط بنقل التجربة النضالية الى الاجيال الحاضرة للعمال والاستلهام من خبرتها وارثها الثوري . ان اي متتبع لتاريخ نضالات الطبقة العاملة وكما اشرنا فهي قد تجاوزت في محطات كثيرة النضالات الاقتصادية، ولعبت دور سياسيا مهما، وكانت جزءا من المعادلة السياسية.

والمعضلة الرابعة، ضعف الاشكال التنظيمية للعمال، وعلى الرغم ان التجمعات العامة للعمال في المصانع وللعاطلين عن العمل في ساحات التظاهر نتجت عنها قيادات ميدانية وممثلين معبرين عن المطالب الاقتصادية هي واحدة من النقاط القوية ومبعث امل في هذه الاعتراضات، الا انها لم تثمر الى اشكال تنظيمية ثابتة تداوم بلقاءاتها واجتماعاتها وتجمعاتها لدراسة والتباحث لدفع نضالاتها الى الامام.

والمعضلة الخامسة ان الطبقة العاملة في القطاعات الحيوية مثل النفط والكهرباء وعموم القطاع الانتاجي، لم تأخذ على عاتقها قضية العاطلين عن العمل كجزء رئيسي من قضيتها، وان البرجوازية وعن طريق وجود البطالة ستدق اسفين في صفوف العمال عبر سوق المنافسة على العمل. وليس هذا فحسب بل وبسبب الاوضاع الانفة الذكر لا تجد وجود صلة مترابطة بين الاقسام الاجتماعية للعمال ونضالاتها. فالاحتجاجات التضامنية  تكاد تكون غائبة مع القطاعات الاخرى، في حين ان التاريخ النضالي للطبقة العاملة يشهد عشرات الاحتجاجات التضامنية مثلما حدث مع اضراب عمال نفط كاورباغي  ١٩٤٦ وعمال النفط في البصرة في ١٩٥٢ واضراب عمال السكائر في ١٩٥٣. وليس عند هذه الحدود بل التضامن الجماهيري داخل المجتمع هو الاخر كان موجودا بقوة، مع تلك الاضرابات، حيث قدم الاهالي كل اشكال الدعم المالي من التبرعات وتوفير الطعام والماء واشكال من الدعم اللوجستي. ويجدر بالذكر ان اضرابات K3 التي تحدثنا عنها، فالعمال قاموا بمسيرة من مدينة الحديثة حتى بغداد حيث قطعوا مسافة ٢٠٠ كلم وهم وسط اهازيج ودعم الاهالي في المناطق التي يمرون بها.

اما المعضلة السادسة، فالنضالات الاقتصادية على سبيل المثال لم تتجاوز الاطر الفئوية، في حين ان المطالب المرفوعة مثلا هي واحدة في احتجاجات الخريجين والدراسات العليا والعاطلين عن العمل بشكل عام وعمال العقود والاجور. فالتعيين على الملاك الدائم هو المطلب الرئيسي لكل تلك الاقسام الاجتماعية من الطبقة العاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى