تشهد مصر منذ فترة بوادر للحركة الاحتجاجية والتظاهرات في وقت وجود الاستبداد والقمع الوحشي والسلطة الحديدية للجيش وزج المعارضين والمنتقدين لنظام السيسي والجيش. ان الثورة المصرية التي أدت الى إلاطاحة بحكم حسني مبارك ومن ثم الإطاحة بالإخوان المسلمين كانت حدثا عظيما في الشرق الأوسط وتمكن من خلالها الشعب المصري الشعور بالإرادة والتغيير والقوة ولكن كان التوهم بالجيش من اهم نقاط ضعف الثورة المصرية والتي توقعوا فيها ان يقف الجيش بجانب الشعب والثورة على الرغم من ان حسني مبارك كان من ابناء المؤسسة العسكرية المصرية بدءا من جمال عبدالناصر والسادات والطنطاوي والسيسي ولكن التوهم بالمؤسسة العسكرية أدى الى انقلاب العسكر على الثورة ومن ثم قمع كل مظاهر الثورة ورموزها وشخصياتها وفعاليها السياسيين والقيام بأنشاء النظام الاستبدادي والديكتاتورية الذي بيض وجه نظام حسني مبارك واستطاع عن طريق قمع المعارضين بالسلطة الاستبدادية من تبني سياسات صندوق النقد الدولي والتي تمثل السياسة التقشفية وتوسيع البطالة والجوع عشرات الأضعاف ما قبل الثورة والتشدد في العمل وإطالة ساعات العمل بالأجور المتدنية ورفع الدعم عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين من الوقود والخبز والمواد الغذائية الضرورية اليومية.. ان فرض الاستبداد والقمع وازدياد البطالة والجوع بعد الانقلاب على الثورة المصرية من قبل السيسي والجيش المصري بحجة محاربة الإخوان المسلمين لم يكف لإخماد روح الثورة والإرادة الثورية للشعب المصري وأصبح الإعلام والرشاوي والدعم السخي السعودي والإماراتي لسلطة الجيش ومشاريعها تصب في قمع اكثر لروح الثورة والتي فقدت وتيرتها ولكنها لم تخمد والآن نرى بوادرها في الشارع من جديد وهذه المرة بعد تجربة الشعب وخاصة الطبقة العاملة المصرية والجماهير الكادحة اثر توهمهم بالمؤسسة العسكرية الاستبدادية .
ان الثورة المصرية كانت ثورة حقيقية بجانب الثورة التونسية والتي تميزت عن مثيلاتها في سورية واليمن والبحرين لان كانت ثورة شعبية من اجل تنحي رئيس السلطة الحاكمة حسني مبارك ولم تتنازل عن هذا المطلب حتى اخر لحظاتها حتى أدت الى سقوط مبارك ومن ثم مجيء الإخوان المسلمين عن طريق الانتخابات لانهم كانوا الجهة الوحيدة المنظمة سياسيا من بين صفوف كل الطبقة البرجوازية المصرية في ذلك الوقت ولكن بعد فترة قصيرة بدأت الثورة من جديد على الإخوان المسلمين والتي يقدر المشاركون فيها بثلاثين مليون متظاهر نزلوا الى الشوارع بالرغم من استلام السلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية ولكن كانت روح الثورة أقوى ومتجسدة بالروح والإرادة الثورية والشعور بالقوة ومن اجل التغيير.. واستطاعت ان تسقط حكم الإخوان وتنحيتهم على المشهد السياسي ولكن مع الاستمرار بالتوهم بالمؤسسة العسكرية والتي استمدت قوة الجيش من الثورة على الإخوان المسلمين والأوهام المستمرة للشعب بالعسكر والجيش. ولكن قوة الجيش كانت بدرجة من الغرور ، استطاع من خلالها قمع كل مظاهر الثورة وكل الاحتجاجات بالحديد والنار وتمكن عن طريق هذا القمع الاستمرار بتطبيق سياسات صندوق النقد الدولي والتي هي في الحقيقة صندوق التجويع والفقر للجماهير وصندوق الحرمان.. ولكن الاستياء عند الجماهير المحرومة من سياسات السيسي والجيش كانت مستمرة تارة بالشكل المخفي وتارة بالشكل العلني وأصبحت في الفترة الأخيرة تظهر الى العلن بالقرب من ميدان التحرير والأماكن الأخرى في بعض المدن المصرية.
ان اندلاع الثورة مرة أخرى في مصر على وشك البدء ، وان بوادرها يمكن تلمسها في التظاهرات والاحتجاجات اليومية والأسبوعية في أماكن المتفرقة ، ان القوة الشبابية المحرومة هي المحرك الرئيسي في اندلاع الثورة و التي لا تجد غير الثورة لتلبية حاجاتها الإنسانية للبدء بالحياة الجديدة ،لان السلطة الحاكمة منشغلة بتقوية المؤسسات العسكرية ومشاريعها الاقتصادية والمالية والعسكرية واستخدام أموال والمساعدات الاقتصادية سوى من قبل الصندوق النقد الدولي ام من حكام السعودية والإمارات لمشاريع لا تتعلق بحاجات الجماهير المحرومة وانما تخدم حركة الرأسمال العام للطبقة البرجوازية وتنمية اقتصادها.. وان هذه الأوضاع لا يمكن ان تستمر وخاصة ان الشعب المصري لم يبتعد من ثورته التي أطاحت بمبارك ومرسي في اقل من السنتين ان إرادة الشعب لم تتحطم على الرغم من القمع والاستبداد لحكم السيسي ولهذا بوادر توسيع رقعة الشرارة الثورية مرة أخرى باتت احتمالا كبيرا ولكن في حال اندلاعها تصبح المؤسسة العسكرية المصرية هدفا كبيرا لسقوطها بيد الشباب الثوريين والطبقة العاملة المصرية والتي لم تجن شيئا في ثورتها السابقة غير الفقر والجوع اكثر اثر توهمها بالسلطة العسكرية ومؤسساتها.. ولكن هذه المرة تضيف تجربتها السابقة الى الثورة الحالية المتوقعة والتي لها تجربة مع الإخوان المسلمين في السلطة ومن بعد تنحيتهم من السلطة وكذلك التجربة مع المؤسسة العسكرية على الرغم من تغير وجوهها من مبارك والطنطاوي والسيسي فأن جميعهم أبناء هذه المؤسسة وحماة ركائزها الأساسية ومشاريعها الاقتصادية والتي تسيطر على اكثر من نصف المشاريع الاقتصادية والمالية في هذا البلد. وهذه المرة لديهم تجربة الثورة في السودان المجاورة أيضا والتي تقاسمت البرجوازية المدنية السلطة مع المؤسسة العسكرية السودانية بالنصف الكامل نتيجة توازن القوى الشعبية مع العسكريين وضعف التنظيم العمالي ومنظماته.. ان كل هذه التجارب سوف يكون لها الحسبان والثقل في الثورة المقبلة في مصر. من اليوم فصاعدا على الطبقة العاملة المصرية ان تتحرك من مكانتها وموقيعتها وثقلها ومطالباتها وتأثيراتها على مسار الثورة وعدم الانجرار وراء المطالب العمومية فقط وانما تبحث عن مطاليبها الخاصة في خضم التناقضات والصراعات البرجوازية اثناء الثورة القادمة والآتية .