الابحاث والدراساتسمير عادل

الحزب الشيوعي العراقي وموضوعة التحالفات في نقد تحالفات الحزب الشيوعي العراقي

سمير عادل

اقدم هذه الورقة الى صف من الشيوعيين والماركسيين الذين يوجهون نقدهم الى تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع التيار الصدريانها ورقة نقدية للبنية الطبقية والسياسية لذلك النوع من النقد الذي يدور في نفس حلقة المدافعين عن صحة سياسات الحزب العراقي.

ان الشيوعيين الذين يتبنون منهج ماركس يوجهون نقدهم دائما من زاوية مصالح الطبقة العاملة. ان الحفاظ على الصف المستقل للطبقة العاملة وتقوية حصانتها الفكرية والسياسية وتسليحها بافاق منفصلة عن افاق الطبقة البرجوازية هو العمل الروتيني والدوؤب للشيوعيين

من هذا المنطلق يجب النظر الى جميع ميادين المجتمع التي تحاول البرجوازية ببسط هيمنتها الفكرية والسياسية عليها، لديمومة سلطتها السياسية واستغلالها الطبقي السافر. ان القمع ليس هو الوسيلة الوحيدة التي تكرس به البرجوازية سلطتهامبادئ النشاط الشيوعيكورش مدرسيالمد العدد7″ ، بل التميع الفكري والسياسي للطبقة العاملة وبث التفرقة القومية والدينية والعرقية ونشر الاوهام حول الليبرالية والديمقراطية هي من الوسائل الفعالة لا تقل اهميتها عن سياسة القمع التي تمارسها في مراحل تاريخية معينة. فالثانية تمارس بشكل روتيني ويومي عبر الوسائل الاعلام المختلفة والمؤسسات ومراكز الدراسات والاقلام المأجورة بينما تمارس الاولى في اوقات محددة من مراحل تطور الصراع الطبقي.

*****

ان  موضوعةالتحالفاتفي التكتيكات السياسية للشيوعيين هي اكثر المسائل التي جرى عليها التشويهات من قبل التيارات البرجوازيةالوطنيةوالبرجوازية الصغيرة. وليس هذا فحسب بل جرى تشويه تعاليم لينين بشكل سافر وحرفها عن مسارها كي تتلائم مع سياساتها ومنهاجها العملي لتعبئة سائر فئات المجتمع من اجل تحقيق برامجها الاقتصادية والسياسية. فموضوعة تحالفالعمال والفلاحينعند لينين اشتق منها عشرات التنظيرات الفكرية للوي عنق الماركسية وتكيفها مع مصالحها الطبقية، وبالتالي الاستنتاج منها بشكل مغرض لتأسيس ما سميت بالجبهات الوطنية والقومية البرجوازية وجر الطبقة العاملة تحت افاقها.

صحيح ان التكيتكات السياسية وفي كل مرحلة سياسية مهمة جدا وهي تكشف عن المحتوى الطبقي لاي حزب سياسي، وانها حلقات مهمة لتخطي المسارات السياسية التي لا تاـي بتمنيات الشيوعيين ابدا بل تفرضها البرجوازية تارة، واخرى تفرضها واقع الصراع الطبقي، بيد ان الموضوعة الاصلية في كل التكيتكات السياسية بالنسبة للشيوعيين، هي الحفاظ على الصف الطبقي المستقل للطبقة العاملة وتخدم ابدا تحقيق اهدافها ولا تحرفها عن مسارها النضالي نحو تحقيق الثورة الاشتراكية.

ولطالما شغلت مسالة التكتيكات السياسية بال الشيوعيين في خضم الصراع الطبقي الذي يعلمنا ماركس وانجلز فيالبيان الشيوعيتارة مستتر الذي يكون في اوقات الهدوء وركود المجتمع، وتارة علني في منعطفات سياسية وتاريخية والتي تصل ذروتها في الوضع الثوري وايام الثورة وتجاه القوى والتيارات السياسية في المجتمع حول المسائل المختلفة في المجتمع من اجل تحقيق الاهداف السياسية بما تخدم مصالح الطبقة العاملة، في اوقات الثورة وفي اوقات الهدوء والركود الثوري. تلك المسائل هي اسقاط النظام السياسي في الوضع الثوري ومراحل الثورة مثلما حدث في الثورين المصرية والتونسية وما يحدث اليوم في الثورتين السودانية والجزائرية،و حول الحريات السياسية وقضية المرأة والدستور والحريات الفرديةالخ

بيد ان المسلم بها في جميع المراحل التاريخية، يجب ان تقربنا التكتيكات السياسية من السلطة السياسية، ويجب ان تخدم بالتالي مصالح الطبقة العاملة ونضالها. فمثلا في ايام الصراع الطبقي المستتر، فان تحقيق الحرية السياسية دون قيد او شرط وتعبئة المجتمع حول الشعار والمطلب المذكور من شأنه ان يخدم نضال الطبقة العاملة وتفتح الاجواء على حرية التنظيم وكل اشكال الاعتراضات بدءا من كتابة المذكرات وجمع التواقيع والوقفات الاحتجاجية والتجمعات العامة ومرورا بالاضرابات والاعتصامات وانتهاءا بتشكيل منظماتها الجماهيرية المستقلة.

*****

ان موضوعةالتحالفاتمع القوى القومية والاسلامية ليس محصورا بالحزب الشيوعي العراقي، بل هو سياسة منهجية ومحورية تصب في استراتيجية الاحزاب الشيوعية التقليدية التي كانت تدور في الفلك السوفيتي. وهي موضوعة مرتبطة بالحقبة الستالينية بشكل خالص، سنأتي عليها لاحقا، لا تمت بأية صلة من قريب او من بعيد بماركس وانجلز ولينين. انها سياسة من اجل المشاركة في السلطة او الحصول على سهم منها. وهي تعبر عن المحتوى الطبقي والاسس الطبقية التي تستند عليها تلك الاحزاب. لننظر على سبيل المثال وليس الحصر الى الحزب الشيوعي السوداني، حيث شارك في تحالفقوى الحرية والتغيير“. ومعلوم ان هذا التحالف الشعبوي هو لفيف من الاحزاب والقوى السياسية البرجوازية وليس لديها مشكلة بالوصول الى اتفاقية مع المجلس العسكري، ووصلت بالفعل الى اتفاقية مشاركة بالسلطة. وانسحب الحزب الشيوعي السوداني من التحالف بعد فشل اللجنة التحقيقية في توجيه الاصابع الاتهام الى المجلس العسكري في حادثة ساحةكولومبياالتي قتلت مليشيات جنجويد وذبحت العشرات من المتظاهرين ورمت جثثهم في مياه نهر النيل. انسحب الحزب الشيوعي السوداني من التحالف المذكور بعد ان اصبح هناك فصل واضح بين الجماهير السودانية وتحالف الحرية والتغيير. اي ان الحزب الشيوعي السوداني انسحب خوفا على انحسار نفوذه السياسي والمعنوي وليس لانه وجد ان هذا التحالف هو جبهة برجوازية جاءت لانقاذ المجلس العسكري والطبقة البرجوازية الحاكمة في السودان من براثن الثورة التي اندلعت من اجل الحرية والخبز والمساواة.

نقد اخلاقي دون محتوى طبقي:


ان مجمل الانتقادات السياسية لتحالفات الحزب الشيوعي لا يتجاوز النقد الاخلاقي. ومن شأن الانتقادات الاخلاقية في جميع الميادين المجتمع المختلفة ان تخلق حال من الاحباط والياس واعطاء تصور غير واقعي وغير مادي عن الظاهرة السياسية او الاجتماعية او الفكرية وبالتالي يحرم القسم الواعي والماركسي من الطبقة العاملة بتشخيص الاسس المادية لتلك الظواهر للتعامل معها من زواية مصالح الطبقة العاملة.
لقد سادت خلال هذه الفترة ظاهرة نقد تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع التيار الصدري في قائمة انتخابية واحدة للمشاركة في الانتخابات التشريعية السابقةولا يخفي على احد بأن التحالف المذكور شكل ضررا كبيرا على نفوذ الحزب الشيوعي وعمل على تعميق الخلافات في صفوفه، وادى كذلك الى ترك العديد من اعضائه صفوف الحزب بسبب ذلك التحالف الذي لم يجنِ منه الحزب الشيوعي العراقي سوى مقعدين في البرلمان، وكان يحصل عليهما دائما وفي جميع الانتخابات السابقة دون اي  عناء.

والجانب الاخر ان سياسة التحالف هذه التي تعتبر من المحاور الاصلية التي تصب في استراتجية الاحزاب الشيوعية عموما والحزب الشيوعي العراقي خاصة للمشاركة في السلطة، ليس حصرا ايضا على قيادة الحزب اليوم او محصور بشخص امينه العام او سكرتير اللجنة المكزية، وليس محصور بأجتهاد فردي لاي من شخوص المتواجدين في قيادة الحزب. انها سياسة مركزية ومحورية وجزء من استراتجية الاحزاب الشيوعية المذكورة للمشاركة في السلطة او نيل حصة منها كما ذكرنا. على العموم ان هذه السياسة التي تتبعها الاحزاب الشيوعية التقليدية ليس لها اية علاقة مباشرة وغير مباشرة بمصالح الطبقة العاملة وكانت دائما معادية لها وتعمل على ذر الرماد في صفوف العمال وتحويلهم الى ذيل للبرجوازية وتمرير سياسة الاخيرة عليها. وسنعرض امام القارئ اهم الاحداث التاريخية وسياسات الحزب الشيوعي العراقي لصيانة تحالفاتها الجبهوية.

الحزب الشيوعي العراقي والقومية المحليةالوطنية“:

لا يمكن تحليل او فهم تحالفات الاحزاب الشيوعية التقليدية دون معرفه الاسس الطبقية التي تستند عليها والاهداف والمصالح الطبقية التي يتعبقونها. فلم يكن الحزب الشيوعي العراقي الوحيد على سبيل المثال تحالف مع القوى القومية عشية انقلاب تموز 1958 ومن ثم العسكر والبعث عام 1973 بل سبقه الحزب الشيوعي المصري الذي قبل حل نفسه وانظم الى الاتحاد الاشتراكي الذي كان يقوده عبد الناصر، والتحالف بين الحزب الشيوعي السوري والبعث السوري والعشرات من الامثلة الاخرى.

في موضوعالحركات الاحتجاجية بين الدولة المدنية والدولة العلمانيةالمنشور في مجلةالمدالعدد ٧ وكذلك على شكل كراس مستقل عام ٢٠١٧ وقبل اعلان تحالف السائرون بأكثر من عام، تحدثنا بالتفصيل عن الاسس المادية التي ادت الى تقارب بين تيار اسلامي مثل التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي والذي نتج عن ذلك التقارب تحالف سائرون

ان معضلة منتقدي الحزب الشيوعي العراقي وتخبطاتهم النقدية تكمن بأنهم ينظرون الى الحزب الشيوعي العراقي من منظار اخلاقي له تاريخه الناصع بالنضال ضد الاستعمار والامبريالية، وانه كان دوما حليف ومناصرللفقراء والمعدومينويغض النظر عن ماركسيته او الخندق الطبقي الذي يقف فيه. وهي في الحقيقة  محاولة للوي عنق الحزب او طمسه طبقيا او انتزاعه فكريا وسياسيا من واقع طبقة وتصويره عنوة بأنه يدافع عن  طبقة اخرى غير طبقته. وان منطلقات تلك الانتقادات والتوقعات ايضا تاتي من عملية مسلمة بها سلفا هو بتبني الحزب الشيوعي العراقي الادبيات الماركسية  من جهة وحمل اسمالشيوعيةالمرتبط تاريخيا بالبيان الشيوعي لماركسانجلز الصادر عام ١٨٤٨

اما من يتفحص تاريخ الحزب الشيوعي العراقي بعيون بماركسية ومنهج فكري ماركسي فهو لم يكن تاريخا ولو لحظة معينة هو تاريخ النضال من اجل الاشتراكية ومن اجل دكتاتورية الطبقة العاملة، وانهاء العمل المأجور وسلطة راس المال، لا على الصعيد العملي ولا على صعيد القرارات الصادرة من كونفراسته الحزبية ومؤتمرات. لقد سخر جهدا فكريا وسياسيا عظيما كسائر الاحزاب الشيوعية الاخرى في تبرير سياساته غير الشيوعية ولا تمت بصلة بمصالح المستقلة للطبقة العاملةويمكن ان نقول ان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي هو تأريخ النضال ضد الاستعمار وكان مدافعا شرسا عن مصالح البرجوازية الوطنية، وعلى اساس هذه البنية الطبقية التي كان يقف عندها الحزب الشيوعي صاغ جميع سياساته الجبهوية.

فهد معلم وقائد البرجوازية الوطنية:

 ان جميع منتقدي الحزب الشيوعي يتفقون على مسالة واحدة دون اي اختلاف، بأن الحزب الشيوعي العراقي انحرف عن خطه السياسي بعد اعدام فهد ورفاقه حازم وصارم، وتحول الى حزب برجوزاي. وفي الحقيقة ان قيادات الحزب الشيوعي العراقي براء مما اتهموا به، فهم كانوا اشد المخلصين للسياسات التي شرع بها فهد

وسنتناول في قسم من هذا البحث ما كتبه مؤسس الحزب يوسف سلمان يوسف المعروف بفهد بأسهاب لتوضيح واثبات بأن سياسات الحزب التي لم تتجاوز الاطرق القومية المحليةالوطنيةغير مرتبطة بالشخوص او القيادات التي اتت بعد اعدام مؤسس الحزب.

 لنتصفح كراسالبطالة اسبابها وعلاجهالمؤسس الحزب فهد الصادر عام 1946، فهو يعلل احدى اسباب البطالة وجود البضاعة الاجنبية في الاسواق العراقية، في حين ان البطالة هي ظاهرة ملازمة للنظام الرأسمالي وغير مرتبطة ابدا بوجود البضاعة الاجنبيةفالبطالة والكساد كانا يضربان بريطانيا وفرنسا والمانيا وسبب اول ازمة اقتصادية كبرى في العالم وهو عام ١٩٢٩ وسميت بالكساد الكبير في الادبيات الاقتصادية، وكانت الصناعات في تلك البلدان وطنية خالصة لا يعتريها اية شوائبان فهد بشكل صحيح يحلل من زاويةان البطالة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالنظام (الاجتماعيالاقتصادي) القائم في قطرنا الذي تؤلف اقتصادياتهالاجنبية والوطنيةجزءا من الاقتصاد الراسمالي العالميالبطالة اسبابها وعلاجهافهد.
ولكن عندما يبحث عن الحلول ويعطي البديل فهو يتحول الى برجوازي قومي محليوطني” “ اذ يقولولو كان نفطنا بأيدي وطنية امينة او بأيدي وطنيةاجنبية مشتركةعلى اساس العدل والتساوي لما كان في العراق ازمة البطالة القائمة اليومويستطرد ايضاان الكفاح ضد البطالة يجب ان يقترن بالكفاح في سبيل التصنيعالصناعة الوطنية لا الاجنبية…” ولا يقف فهد عند هذا الحدود بل يبرز في علاجه للبطالة ويرفع راية الحرب ضد الاقطاع التي كانت تقف بقاياه عائقا امام تطور الصناعة الوطنية والراسمالية الناشئة في العراق حيث يقول في نفس الكراس المشار اليهبعد الهيمنة الاستعمارية يأتي دور الاقطاع بأعتباره من اهم العوامل المسؤولة عن تأخر التطور الصناعي في القطر وبالتالي عن مشكلة البطالة وتشديدها بسبب الاستثمار الفضيع الذي يعانيه الفلاح والذي يجعله عاجزا عن شراء ابسط الضروريات من المواد الصناعية وبهذا يعني ان السوق الداخلية قد فقد مجالا واسعا لتصريف بضائعها… “  اي يدرك بعيون برجوازية ان العائق الاخر اما تطور السوق الراسمالية الوطنية هو الاقطاع الذي شخصه بالفعل فهد في كراسه المذكور. فالبرجوازية الوطنية بحاجة الى التخلص من الهيمنة الاستعمارية على اسواقها وبالتالي بحاجة الى تهيئة المستلزمات الضرورية لنمو تلك الاسواق. فالانتاج بحاجة الى اسواق للتصريف. وفي كراس اخر حمل عنواننحن نكافح في سبيل منعلينا ان نتخلص من سجن المنطقة الاستريلينية في بناء صناعة وطنية فنحرر تعاملنا التجاري مع جميع الاقطار العربية ونستثمر رؤوس اموالنا التي جمدتها ارتباطاتنا بالمنطقة الاسترلينية في بناء صناعة وطنية..”

ان استعراضنا لهذه الفقرات ويمكن الاستشهاد بالعديد منها ايضا من قبل القارئ، كي نبين بشكل لا يقبل اللبس ان الاسس الطبقية الاقتصادية التي وقف عليها الحزب الشيوعي العراقي ومثل مصالحها هي البرجوازية الوطنية الصاعدة والتي كانت تعاني من  منافسة البضاعة الاجنبيةومن خلال هذه الاسس التي استند عليها يمكن فهم السياسات  التي انتهجهالقد مثل الحزب الشيوعي العراقي اقصى يسار البرجوازية الوطنيةفأذا كان حزب الاستقلال او حزب الوطني الديمقراطي هما ايضا مثلا البرجوازية الوطنية وصاغا مع الحزب الشيوعي العراقي اول جبهة عشية الانقلاب العسكري عام ١٩٥٨، الا انهما كانا يعتبران الجناح اليميني لتلك البرجوازية، او كما كان يسميها فهد الاصلاحية. ولذا كان الصراع بين اجنحة البرجوازية تلك وظهور ممثلين سياسين اخرين لها على الحلبة السياسية الذي تمثل بالعسكر، ظهر وبرز في الانقلابات العسكرية لعام 1936 و1941 و1958 و1963 حتى عام انقلاب البعث في عام ١٩٦٨.

ان اي حزب سياسي وعلى اساس البنية الطبقية التي يقف عليها والمصالح الطبقية التي يمثلها ،يصوغ تكتيكاته السياسي.. ويعرف لينين التكتيك السياسي في كراسهمهمات الاشتراكيين الديمقراطيين الروسبسلوك الحزب السياسيوسلوك الحزب الشيوعي العراقي يكشف عن توجه الطبقي البرجوازي الوطني بشكل لا لبس فيه في جميع المنعطفات والمراحل السياسية والتاريخية منذ تاسيسه وحتى يومنا هذا والتي سندرجها في هذا البحث.

وكانت جميع سياسات الحزب الشيوعي العراقي ترتكن على اساس تحقيق مصالح الطبقة البرجوازية الوطنية او بما يمهد الطريق ويزيل المعوقات امام طموحها الاقتصادي والسياسي التي تتلخص بالحصول على سهم اكبر من السوق الراسمالية المحلية اذا لم نقل الاستحواذ عليه. ومن هنا تنظر البرجوازية الوطنية ليس في العراق فحسب بل على صعيد جميع البلدان التابعة للامبريالة كما يسميها منصور حكمتخصائص تطور الانظمة الراسماليةايران نموذجااو البلدان التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الى الطبقة العاملة. وتقوم بتعبئتها وتجنيدها لصالح مشروعها السياسي والاقتصادي،  فهي تعمل على تعبئة جميع فئات الشعب او لنقل جميع الطبقات وخاصة الطبقة العاملة التي لها مصالح منفصلة عنها، في حربها ضد الامبريالية والاستعمار من اجل مصلحتها الطبقية، وتظهر للمجتمع بأنها صاحبة الكل وتمثل مصالح الكل، وتسعى فكريا وسياسيا في تميع الصف الفكري والسياسي للطبقة العاملة ومطالبها واهدافها المستقلة لتحقيق تلك المصلحة الطبقيةان جوهر النظام الراسمالي الذي يعلمنا ماركس هو انتاج فائض القيمة، وان الامبريالية والاستعمار مرحلة متطورة للنظام الراسمالي كما يعلمنا لينينالامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية، يغيب بشكل كلي عن فهد وعن قادته ويصب جام غضبه على الاستعمار كونه ينهب الثروات وسبب تخلف الشعب وسبب البطالة وسبب عدم وجود استقلال اقتصادي وسبب وجود السلع الاجنبية في الاسواق دون اي رقيب وسبب ضعف الصناعة الوطنية. ان هذه الظواهر هي صحيحة ولكن لا تكشف عن جوهر النظام الراسمالي القائم في العراق الذي يعتبر هو نظام تابع للدول الامبريالية في تلك الفترة، وان جوهر استثمار العامل، انتاجه لفائض القيمة لا يتغيير بتغيير مالك الرأسمال سواء كان وطنيا او بريطانيا وفارسيا وتركيا وسويديا مثل اصحاب شركات النفط التي كانت تعمل في العراق في منتصف القرن المنصرم.

الخصيصة الطبقية للحزب الشيوعي العراقي:

كتب فهد في تقريره الى الكونفرس الحزبي الاول المنعقد عام ١٩٤٤  “الى ان نضال الطبقة العاملة من اجل قضاياهم الخاصة مرتبطة في مرحلتنا هذه كل الارتباط بالحركة الوطنية التحرريةفأنتكاسات الحركة العمالية في بلادنا كانت نتيجة لانتكاسات نضال الشعب في الحقل الوطني والنضال من اجل الديمقراطية ولعدم فهم هذا الارتباط الرئيسي بين حركة العمال والحركة التحررية الديمقراطية.”- دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقيزكي وساعد خيري– ” التشديد منياي بمعنى اخر تسخير كل شيء من اجل مصالح البرجوازية الوطنية. فالحركة الوطنية التحررية كانت تقودها البرجوازية الوطنية من اجل انهاء الهيمنة البريطانية على مقدرات وثروات العراق. ولاحقا سيتوضح بشكل اكثر سياسة الحزب الشيوعي العراقي وموقفه مرة من الهجمة الشرسة لحكومة العسكر في ١٩٥٩ على الطبقة العاملة مباشرة،  واخرى اثناء القمع الوحشي لنظام البعث لعمال الزيوت النباتية في ٥ تشرين الثاني من عام ١٩٦٨. كلا الموقفين نبعا من دفاعهما عن التحالف الجبهوي الوطني الذي يصون مصالح البرجوازية الوطنية المتمثلة سياسية اذنذاك بحكومة العسكر وبنظام البعث.

*****

لنعود الى الوراء قليلا كي نتتبع سياسة الحزب الشيوعي العراقي تجاه الوضع السياسي في كل مرحلة ،التي هي امتداد لنفس السياسة في عهد العسكر والبعث. في انقلاب عام ١٩٣٦ الذي قاده العسكري بكر صدقي وشكل حكومة ضمت شخصيات معادية للاستعمار والهيمنة البريطانية السياسية والاقتصادية على العراق مثل جعفر ابو التمن وكامل الجادرجي وحكمت سليمان، نجد تاييد الحزب الشيوعي العراقي للانقلاب الى الحد نظم مظاهرة جماهيرية تايده. وطالما كان الانقلاب معادي للانكليز فأوتماتيكيا قام الحزب الشيوعي العراق بتاييده. اما كم ان هذا الانقلاب او المنعطف السياسي يخدم نضالات الطبقة العاملة، اهدافها، مصالحها، فليس في حسابات الحزب الشيوعي العراقي. لنذهب الى الانقلاب العسكري عام 1941 حيث تأمل الحزب الشيوعي العراقي خيرا من الانقلاب وبعث فهد سكرتير الحزب انذاك برسالة الى رشيد عالي الكيلاني الذي جاء لتشكيل الحكومة، وكان الانقلاب مدعوما من قبل المانيا الهتلرية، الا انه كان معاديا للوجود البريطاني في العراق، حيث يقول فهد في رسالتهيؤمن الحزب وقد عبر عن ايمانه هذا بوضوح فيالشرارةبضرورة الاعتماد المطلق على قوة الشعبوبهذه الروح وبحكم احساسه بواجبه الوطني كان الحزب الشيوعي يشعر بأنه مدعو لان يعرض على فخامتكم رأيه بشأن بعض الامور التي هي ضارة بالحركة الوطنية…..” ” ان هناك مسألة المساعدات الاجنبية لقد صرحتم مرارا ان الحركة الوطنية مصانه من اية تشويهات اجنبيةنفس المصدر السابق

اي بمعنى اخر ان الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد لم يكن يؤيد الانقلابات العسكرية فحسب طالما هو ضد النفوذ البريطاني بل كان يعرض على قادتها المشورة والنصيحة ويعطي لهم الافق والبرنامج السياسي. هذا جانب والجانب الاخر يؤكد في كل تحركاته وسياساته على بوصلته الرئيسية وهيالحركة الوطنيةاي حركة البرجوازية الوطنية الطامحة والصاعدة وفي خضم صراعها مع الامبريالية العالمية. اما المحتوى الطبقي للانقلاب العسكري والحكومة التي شكلها وعلاقته ببقاء الملكية، والذي كان من الناحية المبدئية يجب فضح الانقلاب العسكري وتعريته وتوضيح اسس طبيعته الطبقية المعادية للطبقة العاملة واية حركة ثورية في المجتمع. ولم يمض فترة قصيرة على الانقلابين العسكريين الا وكشف عن وجه المعادي للحريات السياسية والطبقة العاملة وبأعتراف الحزب الشيوعي العراقي. بمعنى اخر ان فهد لم يكن ينظر الى الماهية الطبقية الى الانقلاب العسكري او الحكومة التي تنبيق منها، وعلى اساسها من الممكن وبكل سهولة ان يستنتج الماركسي انه معادي للطبقة العاملة والحريات لاسياسية ام لا، الا انه كان ينظر بمنظار البرجوازي الوطني الى كل حركة سياسية في المجتمع، وعلى اساس ردود فعلها يأتي تعاطي الحزب الشيوعي معها سلبا او ايجابا. وان هذا يفسر سر تخبطات الحزب الشيوعي العراقي صعودا ونزولا في سياساته وتقييماته. وهذا ليس على الصعيد المحلي بل على صعيد الاستنتاجات السياسية العالمية، فمثلا وفي جميع ادبياته يشير الى ان العدو الاول هو الاستعمار ويقصد البريطاني تحديدا في العراق ويناضل ضده ويعتبرها العدو الاول، وفجأة يسمي الدول الاستعمارية في لحظة من الزمن بالكتل الديمقراطية  حيث يقول كتاب دراسات في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي جاء في مقررات اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الذي عقد في كانون الاول 1943: موقفنا من الجبهة الوطنية الموحدة؛ انقسم العالم اجمع في هذه الحرب الضروس الى عسكرين متناقضين متحاربين حربا لا تعرف الرحمة والشفقة: 1) معسكر جبهة الشعوب الديمقراطية العالمية بزعامة الاتحاد السوفيتي العظيم.. بالاتفاق مع الكتلتين الديمقراطيتين البريطانية والامريكية وبالاشتراك مع جميع شعوب العالم….2) معسكر النازية، الفاشية …” التشديد مني. اي ان الاستعمار البريطاني ولاحقا الامريكي يتحولا الى كتلتين ديمقراطيتين بين ليلة وضحاها. ياالعجب.

 وفي الميثاق الوطني الذي اقره الكونفرس الحزبي الاول عام 1944 حدد الحزب الشيوعي بأن العدو الرئيسي هو الاستعمار. اما كنه الاستعمار الاقتصادي والسياسي وهو تعبير عن مرحلة متطورة من التطور الراسمالي الذي شرحه لينين في كتابهالامبريالية اعلى مراحل الراسماليةفليس في وارد الحزب الشيوعي العراقي. او لنقل بلغة اخرى انه صراع البرجوازية الوطنية من اجل اقتطاع اكثر ما يمكن من حصتها من استثمار العامل الذي كان فائضه المطلق من العمل يذهب الى جيوب الشركات البريطانية والاجنبية الاخرى في تلك الفترة. وهنا درجة استثمار العامل سواء كان من قبل الشركات الاجنبية او من قبل الشركات العراقية الناشئة لا تدخل في سياسات الاحزاب البرجوازية الوطنية، ولكن توجيه انظار العمال الى ان سبب بؤسهم وفقرهم هو وجود الاستعمار البريطاني من اجل تعبئتهم ضد النفوذ االسياسي وبالتالي الاقتصادي البريطاني المهيمن على السوق العراقية. فعدو العامل ومن زواية النظرية الشيوعية التي ارسى اسسها ماركس وانجلس ليس الاستعمار كما يصوره الحزب الشيوعي العراقي بل العمل المأجور والراسمال سواء كان عراقيا خالصا او اجنبيا. وان اي متتبع لنشوء الراسمالية في العراق وتكوين الطبقة العاملة وتدشين نضالاتها الاقتصادية منذ عام 1917 ومرورا بمساعي العمال في سن اول قانون عمل في 1927 وانتهاءا بتتويجها سياسيا التي دشنت عام 1931 “الطبقة العاملة العراقيةكمال مظهر”  نجد انها نضجت وولدت منها حركة عمالية مقتدرة منذ زمن باكر وكانت الاحزاب البرجوازية الوطنية انذاك بما فيها الحزب الشيوعي العراقي عملت على جر الحركة العمالية سياسيا اليها ووضعها في بوتقتها وتحت رايتها. والجدير بالذكر في مراحل تاريخية ومحطات نضالية معينة فشلت تلك الاحزاب من جر الحركة العمالية تحت افاقها.

 لنتفحص بشكل سريع ما سمي بوثبة كانون عام 1948 والذي اجتاحت المدن العراقية وتحديد مدينة بغداد موجة عارمة من التظاهرات ضد معاهدة بورتسموث. فنجد بموازاة الاحزاب البرجوازية من الحزب الشيوعي العراقي والقوميين التي كانت منخرطة في تلك الاحتجاجات، هناك حركة عمالية مستقلة تدافع عن مصالحها بشكل منفصل عن مصالح البرجوازية الوطنية. فحدث اضراب عمال النفط في عين زالة في الموصل في شباط من نفس العام من اجل تشكيل نقابة، واضراب 2000 عامل في ميناء البصرة في 6 نيسان والتي حققت جميع مطالب العمال واضراب عمال النفط في مدينة الحديثة التابعة اليوم الى محافظة الانبار المعروف K3في في 23 نيسان  حيث شارك في الاضراب 3000 عامل من اجل حق التنظيم النقابي، الا ان الشركة لم تلبي مطالبهم وقطعت الطعام عنهم مما ادى الى تضامن اهالي المدينة معهم وقررو في تنظيم مسيرة يوم 13 ايار من المدينة الى بغداد وسار العمال مع اهالي المدينة 3 ايام حيث اعلنت الحكومة الاحكام العرفية في مدينة الفلوجة واعتقلت قادة الاضراب، وفي خضم هذه المعارك الطبقية اضرب عمال السكك في بغداد وعمال انشاء جسر الصرافية في بغداد تضامنا رمزيا مع عمال النفط في الحديثة. اي بمعنى اخر كانت هناك حركتان متمايتزتين في المجتمع العراقي، الحركة المناهضة ضد الاستعمار التي تقودها البرجوازية والحركة العمالية. وكما سنرى لاحقا كيف تقاطع افق الحركتين عام 1959 وبَيَنَ الخطوط الفاصلة بين مصالح الطبقة العاملة وبين مصالح البرجوازية الوطنية التي مثلها سياسيا وبشكل مخلص لاهدافها الحزب الشيوعي العراقي. ليس هنا المجال بالدخول في تفاصيل الحركة العمالية وتاريخها النضالي ومحطاتها المتعددة سنفصل هذه المسالة في بحث اخر ومنفصل.

التحالفات البرجوازية الجبهوية موضوعة ستالينية:

لم يدعو ماركس وانجلز ولا لينين الى تشكيل تحالفات جبهوية مع البرجوازية وبشكل متقصد ومدروس فحسب بل كانوا يحرصون دوما وفي جميع مراحلهم النضالية الفكرية والسياسية والتنظيمية على استقلالية الطبقة العاملة. لكن من اين اتت هذه الاستنتجاجات والتنظيرات حول تشكيل الجبهات الوطنية والقومية؟

لقد تحدث البيان الشيوعي الصادر عام 1848 عندما كان قسم من برجوازية البلدان الاوربية ضد الاقطاع والحكم المطلق والبرجوازية المحافظة كما في روسيا والمانيا وبولونيا وسوسيرا وفرنسا على سبيل المثال وليس الحصر، عن تأييد الشيوعيين للحركات الثورية. ففي فرنسا عملوا مع تيار برجوازي المعروف باسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضد البرجوازية المحافظة، وفي المانيا عملوا مع البرجوازية ضد الملكية الاقطاعية. ولخصوا موقفهم من المعارضةوالخلاصة ان الشيوعيين يؤيدون في كل قطر من الاقطار كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم. وفي كل هذه الحركات يضعون في المقدمة مسالة الملكية بأعتبار انها المسألة الاساسية في الحركة، مهما كانت الدرجة التي بلغتها هذه المسالة في تطورها” –التشديد منيفأذا كان اي حزب شيوعي يتبنى البيان الشيوعي كاساس مبدئي، فنجد الحزب الشيوعي العراقي يعمل بعكس ما جاء في البيان الشيوعي بل ويتناقض معه كليا. فكما اشرنا فأنه ايد الانقلابين 1936 و1941 وتحول الى مختار لقادة الانقلابيين. وبقت موضوعة الملكية بعيدة عن المناقشات وتناول الحزب الشيوعي العراقي في مواقفه وادبياته السياسية.

واكدا ماركس وانجلز في معرض نقدهما لبرنامجغوتاالمتفق عليه بين اللاساليين والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالمانيبسبب الميوعة الفكرية والسياسية واستخدام المفاهيم البرجوازية او التي تسخدمها،  الواردة في البرنامجنقد برنامج غوتاماركس، اكدا في رسائلهما الى قادة الحزب الالماني على الحصانة الفكرية والسياسية للطبقة العاملة بالرغم كان لاسال وجماعته لهم نفوذ داخل الحركة العمالية الالمانيةرساله الى براكهماركس، رسالة الى بيبلانجلز“. اي ما نريد ان نقوله كانا معلمي البروليتاريا يحرصان دوما على الاستقلالية الفكرية والسياسية للطبقة العاملة فما بالك اذا كان التحالف مع البرجوازية والدخول في جبهة معها.

لنذهب الى لينين ونتصفح كراسهمهمات الاشتراكيين الديمقراطيين الروسالصادر عام 1898، فيحدد لينين وعلى ضوءالبيان الشيوعيعلاقة الشيوعيين مع الاحزاب البرجوازية والمعارضة السياسية التي تمثلها. “فان هذه العلاقات انما تحددها بدقة كاملة المبادئ الاساسية للاشتراكية الديمقراطية المعروضة في بيان الحزب الشيوعي“. وحدد بدقة في نفس الكراسان العداء للحكم المطلق في جميع الطبقات الاخرى، في جميع الفئات والكتل الاخرى من السكان، ليس مطلقا (التشديد من لينين)، وديمقراطيتها تتطلع دائما الى الوراء. وليس في مستطاع البرجوازية ان لا تدرك ان الحكم المطلق يعيق التطور الصناعي والاجتماعي، ولكنها تخشى في اشاعة الديمقراطية بصورة تامة في النظام السياسي والاجتماعي.” وهذه هي النقطة الاولى التي استندت الاحزاب الشيوعية التقليدية عليها لاشتقاق التحالفات الجبهوية. فالبرجوازية الوطنية في كل البلدان التابعة للامبريالية تدرك ان الدكتاتورية والقمع والتي ارتبطتا بالانظمة السياسية التابعة للامبريالية عامل اعاقة في تطورها الصناعي والاجتماعي. وهذه الارضية هي التي جمعت الاحزابالشيوعيةمع سائر الاحزاب البرجوازية الوطنية في تاسيس التحالفات الجبهوية.

وكانت الموضوعاتتحالف العمال والفلاحينوحركة التحرر الوطنيوالثورة البرجوازية الديمقراطيةهي اكثر الموضوعات التي جرى التشويش عليها. وعلى اساس تلك الموضوعات نجد تنظيرات كثيرة بأسم الماركسية والشيوعية لتمريرها من اجل  صياغة التحالفات الجبهويةواشتق منها سياسات تضليلية لجر الطبقة العاملة اليها وتمويه الاهداف الطبقية التي تقف وراء تلك السياسات. ان جميع الاحزاب الشيوعية التقليدية اختبأت خلف تلك الموضوعات وبأسم الماركسية والشيوعية لجر كل فئات المجتمع تحت رايتها. هذا كان على الصعيد السياسي، اما على الصعيد الاقتصادي فرفعت راية الاقتصاد الوطني او التأميم وحماية المنتوج الوطني. وهكذا تحولت راية ماركس، البيان الشيوعي من القضاء على العمل المأجور والرأس المال وبناء المجتمع الاشتراكي الى التحرر من الاستعمار والامبريالية وتأميم النفط وحماية المنتوج الوطني. وتحول شكل الحكم من  الدكتاتورية السافرة للانظمة السياسية التابعة للدول الامبريالية الىالشرعية الثوريةوهي الاسم الحركي لشكل الحكم الوطني الجديد الذي تقودها البرجوازية الوطنية في قمع الطبقة العاملة وسلب الفائض المطلق منها، شعارصيانة الجمهوريةمثالا سنأتي عليه لاحقا.

ان القومية الروسية الصاعدة بعد انتصار تيار ستالين وازاحة جميع مخالفيه في روسيا الثلاثينات ولبناء جبهة عالمية لمواجهة الغرب وارساء السلطة القومية تحت يافطة الشيوعية والعمل على تمديد نفوذها الى خارج ما سمي بالاتحاد السوفيتي في منافسة وصراع مع الغرب وتقويض نفوذ الاخير، ابتكرت اي القومية الروسية موضوعة تأسيس الجبهات. او بشكل اخر العمل على خلق الانسجام السياسي في صفوف البرجوازية الوطنية الناشئة والمناضلة ضد الاستعمار. لقد لعب الاتحاد السوفيتي دورا كبيرا في تقوية النزعات القومية المحلية المعروفة بالوطنية عن طريق الدعم السياسي والمعنوي وفي حالات كثيرة تقديم الدعم المالي والعسكري لها. وفي عقد الثلاثينات كانت تواجه القومية الستالينية التي غلفت بشكل جيد بغلاف الشيوعية صعود التيار النازي في الالماني الذي كان يمثل خطرا كبيرا على الدولة القومية الستاليية الجديدة المترامية الاطراف تحت عنوان الاتحاد السوفيتي.

 لقد كان الاتحاد السوفيتي يسعى الى الحد من هيمنة النفوذ الغربي في العالم او الامبريالية الغربية عن طريق دعم البرجوازية الوطنية والقوميات المحلية تحت عنوان حركة التحرر الوطني. وكانت الاحزاب الشيوعية في الدول التي تحت الاستعمار والهيمنة الامبريالية العالمية الغربية التي بمجملها تشكلت تحت تأثير وآفاق القومية الستالينية دارت في فلكها ونفذت تلك السياسات بحذافيرها.

ففي المؤتمر السابع للاممية الشيوعية الثالثة المنعقد في موسكو عام 1935 صدر قراران تعمل الاحزاب الشيوعية كافة تحت شعار جبهة شعبية ضد الفاشية وجبهة وطنية ضد الاستعمارخط التشديد مني. اي ان الشعار الذي رفع ينسجم مع توجهات القومية الستالينية وبما تخدم توسيع نفوذها في العالم التي مهدت الى الحرب الباردة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانيةواعدت تنظيرات لتفويت الفرصة على منتقدي تلك ذلك الشعار، اولئك الذين يدافعون عن مبادئ البيان الشيوعي وتعاليم لينين بالدفاع عن استقلالية الطبقة العاملة، وهي اعداد الاتهام بالانعزالية على لسان جورجي ديمتروف في تقريره الى المؤتمران الانعزالية المكتفية بنفسها لا تريد ولا تستطيع ان تفهم قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي لا تتحقق من نفسها بصورة عفوي..” والتمهيد لاعداد تكتيك جديد يعمل على توحيد القوى البرجوازية تحت راية واحدة في كتابه الصادر عن الجبهة الوطنية في العام  1938ليصبح الشعار المذكور يحقق من جهة التصدي لصعود التيار النازي والفاشي في اوربا ومن جهة تقوض النفوذ الامبريالي الغربي في العالم عبر ضرب معاقلها الاستعمارية. وهكذا بعد صعود منحنى شدة الحرب العالمية الثانية واصبح خطر الحرب تهدد السلطة السوفيتية وبعد انتصارات الجيش الالماني على السوفيتي التي وصلت ذروتها عام 1943، دعي الى حل الاممية الشيوعية او الكومترن والدعوة الى تركيز العمل لجميع القوى العالم بالتصدي للنازية واضيفت تنظيرات جديدة للترسيخ الفكري والسياسي لموضوعة تشكيلالجبهات القومية والوطنيةمن قبل ستالين. وفي خضم التحولات العالمية الجديدة والانتصار الحاسم للقومية الروسية في الاتحاد السوفيتي لم يكن بحاجة الى اداة الاممية الشيوعية التي اسسها لينين بعد ثورة اكتوبر، بل واصبحت عائقا اما التحالف بين الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية لمواجهة المانيا الهتلرية، زلذلك حل ستالين الاممية الشيوعية التي فرغ من محتواها السياسي والفكري وبقت هيكل وعنوان وكان لابد من انهائها. ومنها تغيرت لهجة الحزب الشيوعي العراقي تجاهالاستعمارالبريطاني والتي سماه بالكتلة الديمقراطية.

 في حين ان لينين اتخذا موقفا واضحا ودون الدعوة الى تأسيس الجبهات مع البرجوازية في الحرب العالمية الاولى، بل اتخذ موقفا متمايزا بالضد من برجوازية بلاده والبرجوازيات القومية الغربية وفضح تفسخ الاممية الثانية التي اصطفت اغلبية قادتها واحزابها الاشتراكية الديمقراطية الى جانب برجوازية بلدانها والدفاع عن حربها اللصوصية كما سماها لينين، ودعى العمال الى توحيد صفوفهم وفصل افاقهم عن برجوازية بلدانها التي وقود حربها هم العمالوعلى رغم كل اهوال الحرب وويلاتها والجرائم التي ارتكبتها النازية والفاشية في اوربا والعالم، وعلى الرغم هي من اشعلت تلك الحرب الا انها لا تخفي ابدا الطابع اللصوصي للحرب بين ضواري الدول الامبريالية المتحاربة لاعادة تقاسم العالم.

وجاءت قرارات كومترن او الاممية الشيوعية، بما يتناسب مع واقع نضالات الطبقات البرجوازية الناهضة في البلدان تحت سيطرة الامبريالية، وتلقف الحزب الشيوعي العراقي الذي تشكل عام 1934 بعد ان كان اسمهلجنة مكافحة الاستعمار والاستثمارذلك القرار ليكون محورا اصليا في تكتيكاته السياسية. كتب فهد مقال تحت عنوانالجبهة الوطنية سلاح الانتصارانها سلاح الانتصار لانها ستنتقل الحركة الوطنية من مرحلتها الحالية مرحلة التحمس والعمل المبعثر الحرفيالى مرحلة النشاط الموحد….ان الجبهة ستكون شبه انقلاب في الحركة..” جريدة القاعدةدراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقيليأت بعد ذلك كراسالجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخيعام 1946 حسين محمد الشبيبي وهو القيادي المعروف باسم صارم عضو المكتب السياسي للحزب والشخص الثاني بعد فهد  ليقول فيهجبهة وطنية موحدة!، هذه هو شعار العاملين اليوم في كل بلد يريد الاستقلال او استكمال الاستقلال، انه سبيل العملية الوحيدة التي يجب ان يسلكها جميع العاملين في الحركة الوطنيةمقال كاظم حبيبجريدة العالم– 6 كانون الاول 2018. واستمر الحزب الشيوعي في سياسته تلك لتعبئة جميع القوى السياسية من اجل الاستقلال والسيادة الوطنية وقد كان واضحا بشكل جلي في جميع قرارات وادبيات الحزب. انظر مقال صارمالاستقلال والسيادة الوطنية وكتب مقدمته فهد حيث قال فيها ” ..ان مدلول الاستقلال والسيادة الوطنية اصبح اليوم يعني تحرير القطر، يما فيه ثروات مدفونة وظاهرة واستغلالها لصالح المصلحة العامة، لصالح تقدم القطر صناعيا وزراعيا ولمكافحة آفة الفقر والمرض والجهل وتمكين الشعب بكافة طبقاته دون تمييز ودون تحديد من ممارسة حقه في حكم نفسه بنفسه اي في اختيار شكل الحكم…” التشديد منيكما يؤكد فهد في كراسه الاخرمستلزمات كفاحناعلى النضال بأساليب حديثة ضد الاستعمار بعد ان يوضح معنى الاستعمار والاساس الاقتصادي وعلاقته بالراسمالية العالميةفعلى الشعب وعلى منظماته التي تضم طلائع الطبقات الشعبية التي حقا قولا وفعلا طرد هذا العدو الغاشم والتحرر والانفلات من انيابه السياسية ومخالبه الاقتصادية..” 

ان فهد مؤسس الحزب، ولا يختلف اي من منتقدي الحزب الشيوعي عليه، يؤكد كما يؤكد اقرانه من الكتاب البرجوازيين على الشعب وعلى حقوق الطبقات جميعا دون تمييز بين مصالح الطبقة العاملة ومصالح سائر الطبقات الاخرى.

ورب سؤال يطرح نفسه اليس من مصلحة الطبقة العاملة انهاء الاستعمار وبناء مجتمع حديث ومتطور ويتوفر فيه بنية تحتية متطورة وهي مقدمة لبناء مجتمع اشتراكي؟

دون ادنى شك ان مصالح الطبقة العاملة تقتضي تطور المجتمع وتحديثه وتوفير جميع المستلزمات والخدمات الحديثة، الا ان الافق السياسي للطبقة العاملة ليس هو نفس الافق السياسي للبرجوازية. ان عدو الطبقة العاملة هو العمل المأجور وراس المال وليس الاستعمار. وان الاستعمار هو مرحلة متطورة من مراحل تطور الرأسمالية. ولذلك النضال لانهاء العمل المأجور يفضي بالنهاية الى انهاء العلاقات الراسمالية والتي تعني بالنهاية نهاية الاستعمار. ويمكن للطبقة العاملة رفع لواء انهاء الاستعمار ولكن من موقع طبقي محدد وليس القفز على الطبقات.

 ديماغوجية الثورة البرجوازية الديمقراطية:

لقد انتهى الانتداب البريطاني للعراق عام 1932 واصبح العراق عضوا كاملا في عصبة الامم انذاك. اي انتهت فترة الاستعمار بشكله الكلاسيكي من العراق. وبعد سنتين من الانتداب يتأسس الحزب الشيوعي العراقي من رحملجنة الاستعمار والاستثمار“. وكما يقر مؤسس الحزب في كراسهالبطالة اسبابها وعلاجهابأن العراق هو جزء من الاقتصاد الراسمالي العالميان البطالة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالنظام (الاجتماعيالاقتصادي) القائم في قطرنا الذي تؤلف اقتصادياتهالاجنبية والوطنيةجزءا من الاقتصاد الراسمالي العالميالبطالة اسبابها وعلاجهافهد “. اي بمعنى اخر وكان فهد محقا في تحليله الاقتصادي للعراق بأن العلاقات الرأسمالية هي التي كانت سائدة في العراق. وعليه ان موضوعة الثورة البرجوزاية الديمقراطية تبطل مفعولها (التشديد مني). اي بعنى اخر كانت العلاقات الراسمالية هي التي كانت سائدة في العراق، الا ان ما يميز العراق الذي كانت مرتبطا بالسوق الرأسمالية العالمية، هو الراسمال الاجنبي هي المحرك الاساسي لتلك العلاقات وخاصة في مجال صناعة النفط. وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، بذلت مساعي كبيرة بتقوية الصناعة المحلية من قبل الحكومة، فلقد سنت قانون التعرفة الكمركية عام 1933 وفرض الرسوم على العديد من المواد الكمالية والاستهلاكيةالحركة العمالية في العراق 1932-1945-اميرة حسين الكريميوتطورت الصناعة منذ عام انتهاء الانتداب حتى عام 1945 الى 96 مشروعا، كما تأسس المصرف الزراعيالصناعي عام 1936 ليفصل المصرفين في عام 1940، لتمويل المشاريع الصناعية والزراعية. وكانت مشاريع انشاء المعامل السكاير والغزل والنسيج والمطابع  والطابوق احتلت المراتب العليا في تطور الصناعة المحلية، اي كان الراسمال المحلي او الوطني بدء ينمو بأطراد الا انه كان يعاني من منافسة شديدة مع بقية الصناعات الاجنبية وخاصة التشريعات والقوانين في تلك الفترة وبسبب النفوذ البريطاني في العراق حالت دون انشاء صناعات مختلفة، فاقتصرت على الصناعات الانشائية وعلى الصناعات التحويلية في الحبوب والتمور والقطنية. “اميرة حسين الكريمينفس المصدر السابق“.

واذا ما عدنا الى موضوعةالثورة البرجوازية الديمقراطيةالتي كان ينظر حولها الحزب الشيوعي العراقي لتضليل الطبقة العاملة وتشويه وعيها وجرها الى نضاله من اجل تحقيق مصالح البرجوازية الوطنية، فهي ديماغويجة سافرة ولا تمت بأية صلة بالبيان الشيوعي واطروحات ماركس ولينين حول تلك الموضوعة. فالعراق امسى واحد من البلدان الراسمالية، وحتى كانت الطبقة العاملة من ناحية نضالها الاقتصادي وحركتها السياسية لم تكن اقلا ثقلا ولا مكانة عن الطبقة العاملة في الدول التي سادت في علاقات الانتاج الراسمالي والنظام السياسي الراسمالي. فلقد كانت حركتها السياسية ووعيها القت بضلالهما على الوضع السياسي في العراق، انظر الى اضرابات: اضراب عمال السكك الثاني الذي جر المجتمع برمته ورائه في شباط  1931، واضراب ضد رسوم البلديات في حزيران 1931، واضراب ضد رفع سعر الوحدة الكهربائية عام  1933 – الطبقة العاملة العراقيةكمال مظهر احمد) وسن قانون عمل رقم 72 في 1936 – الكريمينفس المصدر السابقوسلسلة الاضرابات العمالية الميناء والسكائر والمطابع وكاورباغي وكي 3 ..الخ التي اجتاحت العراق في عقد الثلاثينات والاربعينات. ونورد هذين العقدين في بحثنا لان الحزب الشيوعي العراقي قد اكتمل تأسيسه وعقد كونفراسه الحزبي الاول وسن مثياقه الوطني ثم مؤتمره الاول، وثبت استراتيجيته وشعاراته وبوصلته السياسية والتي تلخصت كما اسلفنا بالذكر وهي ان العدو الاول هو الاستعمار، وابرام التحالفات الجبهوية للقيادة الحركة الوطنية وهي حركة البرجوازية الوطنية لانهاء هيمنة الاستعمار الاقتصادي وتحقيق السيادة الوطنية بشكل كامل.

واذا ما راجعنا بنود الميثاق الوطني فيما يخص تعامل الحزب الشيوعي العراقي مع السلطة السياسية القائمة انذاك ووثائق المؤتمر الوطني الاول الذي اقر نظامه الداخلي وعمل على صياغة اغلبية فقراته او اشرف عليها بشكل مباشر من قبل فهد ورفاقه صارم وحازم، فنجد ان الحزب الشيوعي العراقي لا يعدو  اكثر من حزب ديمقراطي او يناضل من اجل الديمقراطية البرجوازية وانهاء الاستعمار ولا يختلف عن سائر الاحزاب البرجوازية انذاك مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال..الخ. ففي الميثاق الوطني الذي اقره الكونفرنس الحزبي الاول عام 1944 اكد في فقرته الاولىنناضل من اجل سيادتنا الوطنية لنجعل استقلال قطرنا حقيقة لا لفظاوفي الفقرة الثانية تقولنناضل لايجاد حكومة تعمل لمصلحة الشعب وجهاز حكومي ديمقراطي لائق ونظام ديمقراطي صحيح في نظام حكومتنا، و برلمان ومجالس ادارة وبلديةاعادة الدستور العراقي وازالة القوانيين والمراسيم والتعديلات التي لا تتفق وروح الدستور الذي كسبه الشعب العراقي نتيجة ثورته عام 1920-1921″. ويقر الحزب في مؤتمره الاول الذي عقد 1945 على ما جاء في ميثاقه الوطني، ففي المادة الرابعة من النظام الداخلي التي تقولتستهدف الطبقة العاملة العراقية في نضالها الوطني تحقيق السياسدة الوطنية والحريات الشعبية الديمقراطية…”. اي ان النظام الداخلي الذي اقر تستمد روحه من الميثاق الوطني الذي يتلخص بالتأكيد على التخلص من الاستعمار والسيادة الوطني وتطوير الصناعة الوطنية والزراعة الوطنية وبرلمان حر ومستقل. وهذه هي نفس السياسات الاحزاب البرجوازية الوطنية الاخرى ومتلائمة مع الاسس الطبقية التي تستند عليها.

وهكذا وبشكل لا يحتاج الى الكثير من العناء والتحليل، ان موضوعة الثورة الديمقراطية البرجوازية التي ك لم تكن كما تطرق اليها ماركس ولينين كمرحلة معينية او محطة او مسار سياسي محدد تفرض على  الطبقة العاملة كي تمضي الى ثورتها الاشتراكية، بل كان الهدف النهائي والمحطة الاخيرة في استراتيجية الحزب الشيوعي العراقي. هذا اذا افترضنا ان السلطة السياسية في العراق لم تكن سلطة الطبقة البرجوازية ولم يكن العراق جزء من السوق الرأسمالية العالمية. الا ان الوقائع الاقتصادية ودرجة نضج البرجوازية السياسي كطبقة حاكمة وارتباطها بالبرجوازية العالمية تدحض موضوعةالثورة البرجوازية الديمقراطيةالتي نظر لها للمشاركة في انقلاب تموز 1958 بقيادة العسكر. فمستلزمات الثورة الاشتراكية كانت متوفرة على صعيد الظروف الموضوعية سواء بوجود الطبقة العاملة ووعيها السياسي وثقلها الاقتصادي ومكانتها الاجتماعية في المجتمع العراقي انذاك، او بوجود السلطة الطبقية القائمة على الملكية البرجوازية. فمثلا يورد كمال مظهر احمد في مصدره السابق ان ياسين الهاشمي الذي شغل مناصب حكومية مثل رئيس الحكومة في فترة ما وعضو في البرلمان وشغل منصب وزير المالية ووكيل لرئيس الحكومة عندما سن قانون رسوم البلديات، عشية انتهاء الانتداب البريطاني على العراق، حصل على امتياز يقضي بأحتكار صناعة السمنت في العراق، وكذلك ضم مجلس ادارة اول محلج اهلي عدد من السياسيين البارزين، هذا ماعدا سن قانون التعريفة الكمركية وانشاء المصرف الزراعي والصناعي كما اشرنا اليه. اي كانت البرجوازية التي كانت لديها مصالح اقتصادية لها تمثيل سياسي في السلطة. واذا ماعدنا الى الاضراب ضد رسوم البلديات، فأن شخصيات مثل رشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان وياسين الهاشمي هم من وضعوا اسس رسوم البلديات منذا عام 1926 في البرلمان. وهي ضريبة فرضت من قبل البرلمان بعد الاقرار عليه عام 1931 على جميع مصادر الحياة مثل الاكل والمشروبات والمياه والحيوانات..الخ.

وهنا لا بد من ذكر ان شكل السلطة في العراق هو شكل برجوازي، فيوجد برلمان وهناك انتخابات وملكية دستورية مثل سائر البلدان الاخرى التي فيها نفس النظام السياسي كبريطانيا وبلجيكا والسويد ودانمارك. وبغض النظر اذا كان النظام السياسي تحت نفوذ الدول الامبريالية او لا، الا انه لا ينفي واقع وحقيقة الشكل البرجوازي للسلطة في العراق.

وبعد اعدام فهد ورفاقه يقر الكونفرس الحزبي الثاني المنعقد في 1956 ما اقره فهد في ميثاقه الوطني والنظام الداخلي للمؤتمر الاول حيث يقول في وثيقة بعنوانفي سبيل تحررنا الوطني والقومي“( ان ما يواجه بلادنا الان وقبل كل شيئ ضرورة تحويل السياسة القائمة من سياسة التعاون مع الاستعمار وتوافق مع الصهيونية وانعزال عن حركة التحرير العربي الى سياسة وطنية عربية مستقلة. ولذلك ان مهمة الانتقال الى الاشتراكية وتحويل السلطة السياسية الى ايدي العمال والفلاحين وحلفائهم ليست هي المهمة التي تواجه حركتنا في الظرف الراهنالاشارة اليها في كتاب سعاد خيري وزكي خيريدراسات في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي). التشديد منيوهو ما يؤكد عليه نفس المصدر بأن موضوعة السلطة السياسية ليست دكتاتورية الطبقة العاملة ولا الثورة الاشتراكية كما اكد عليه في الميثاق الوطني والكونفرس الحزبي الاول والمؤتمر الوطني الاول. واكثر من ذلك ان شعار الذي خط به المؤتمر الوطني الاول للنظام الداخليقووا تنظيم حزبكم، قووا تنظيم الحركة الوطنية“. اي كان تقوية الحركة البرجوازية وقيادتها هي المسألة المحورية والشعار المركزي والاستراتيجي للحزب. وليس شعارصيانة الجمهوريةالتي رفعها الحزب الشيوعي بعد انقلاب تموز 1958 الا تكملة وامتدادا وتتويجا للشعارقووا تنظيم الحركة الوطنيةالتي وصلت قواها السياسية الى السلطة.

وهكذا يمضي الحزب الشيوعي العراقي في سياساته لتحقيق اهدافه التي تتلخص بالتحرر الاقتصادي والسياسي المطلق من النفوذ الامبريالي الغربي، فبعد سنوات من دعوات الى تشكيل تحالفات جبهوية ومنذ بداية تأسيسه توصل في عام 1957 الى الانظمام في تشكيل اول جبهة مع بقية الاحزاب البرجوازية بما فيها القوميين والليبراليين والعسكر والتي سميت بجبهة الاتحاد الوطني لاسقاط النظام الملكي بقيادة العسكر الممثلين السياسيين الجدد للبرجوازية الوطنية الذين فشلوا بالسيطرة او الاحتفاظ بالسلطة في انقلابين 1936 و1941.

واذا ما دققنا في الخط السياسي للحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وحتى انقلاب 14 تموز 1958، فهو خط مستقيم وليس فيه اية تعرجات، وبعكس ما يدعي الاخرين من الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي العراقي او تركوا صفوفه، بأن الحزب الشيوعي العراقي انحرف عن خطه السياسي. وليس هذا فحسب بل فبعد تحول العراق من الملكية الى الجمهورية، كشف الحزب الشيوعي العراقي عن نفسه بشكل واضح وجلي في دفاعه المستميت عن حكومة عبد القاسم وبالضد من مصالح الطبقة العاملة. وحتى رفع شعارصيانة الجمهوريةفي تلك الفترة يوضح ان قضية السلطة السياسية حسمت بالنسبة اليه مثل سائر بقية الاحزاب البرجوازية، بمجرد انتقال السلطة الى ايدي البرجوازية الوطنية، او البرجوازية التي تحررت من الكتلة الاسترلينية وحلف بغداد والتي تمثلت كما اشرنا بالعسكر.

 ان شعار الدفاع عنصيانة الجمهوريةكان شعارا استراتيجيا بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي بالرغم من تعرض الطبقة العاملة الى ابشع انواع التنكيل سواء في غلق اتحادها عام 1959 او في اعتقال ونفي نشطاء العمال وقادتهم او بعدم تطبيق قانون العمل بالرغم من جميع المؤاخذات عليه وفرض العسكرتارية والدكتاتورية على المجتمع وجو من الارهاب وزيادة ساعات العمل وتقليل الاجور. ويورد كتابثورة 14 تموز 1958 في العراق وسياسة الحزب الشيوعي العراقيلحسقيل قوجمان ويؤكد عليه كتاب دراسات في تأريخ الحزب الشيوعي العراقيزكي خيري وسعاد خيريعلى غض النظر عن الممارسات التي تعرض اليها الطبقة العاملة وخاصة غلق الاتحاد العام لنقابات عمال العراق بقرار من عبد الكريم قاسم اذا يقولوكان رد فعل الحركة العمالية السياسية والنقابية مذهلا حتى للبرجوازية كما صرح اكثر من ممثل لها فقد باتت البرجوازية الوطنية ليلة صدور القرار بغلق الاتحاد في اشد حالات القلق والخوف من رد فعل العمال الذي ستقوم بها الحركة العمالية الجبارة التي ارعبت الاستعمار والرجعية والبرجوازية الوطنية، واذا بالقيادة السياسية والنقابية تتحمل الضربة حرصا على صيانة الجمهورية ووحدة الصف الوطني!! ”  فشعارصيانة الجمهوريةاي الجمهورية البرجوازية، يعني الدفاع عن الدولة البرجوازية ومكتسباتها. وليس هذا فحسب بل دفع الحزب الشيوعي العراقي الطبقة العاملة في العراق في زيادة الانتاج تحت عنوان الشعار المذكور بعد انقلاب تموز وتشجيع القطاع الخاص دون التفريط بحقوق العمال والنظر الى القطاع العام بشكل ايجابي طالما تحرر من الاستعمارالتشديد مني– ” وفي كتابتاريخ الحركة الثورية في العراقسعاد خيريويورده ايضا حسقيل قوجمان في كتابه المشار اليهوكانت نداءات الحزب الشيوعي والمكتب التنفيذي لنقابات العمال الذي تشكل في الشهر الاول من الثورة توجه نضالاتهم في حراسة الجمهورية وزيادة الانتاج فندفع العمال بحماس لزيادة الانتاجوتورد ايضامقتطف من اتحاد الشعب الصادرة في بغداد 2/6/1959 من مقال بعنوان الطبقة العاملة تدحض الادعائات بانخفاض الانتاج ما يلي: لقد تزايد الانتاج في معمل فتاح باشا الذي يشتغل ليل نهار وازدادت مبيعات معمل الجمهورية للغزل والنسيج التي بلغت في اذار مارس الماضي حتى الثالث والعشرين منه (102000) دينار  مقابل (71000) لشهر نيسان. وعدد المقال العديد من معامل البرجوازيين التي زادت انتاجها للبرهنة على ان اتهام العمال بتخفيض الانتاج لا اساس له من الصحة.”

خط اب امتداد امين لخط الحزب الشيوعي العراقي الرسمي:

ويستمر نفس الخط السياسي ليقول في تقرير اللجنة المركزية في ايار 1964 بعد الانقلاب العسكري الخامس (الانقلاب الاول عام 1936 والثاني في 1941 والثالث في 14 تموز 1958 والانقلاب الرابع في 8 شباط 1963) حيث دفع الحزب الشيوعي العراقي ثمنا غاليا في خضم الصراع بين الاجنحة البرجوازية الوطنية على السلطة السياسية في الانقلاب العسكري الرابع بقيادة القوميين والبعثيين،  وفي محل تقيمه للانقلاب الخامس الذي قاده العسكر من جديد ضد البعث ومليشياته اي بعد انقلاب 8 شباط 1963 اي بعد 9 اشهر في تشرين الثاني يقول التقرير المذكورفبدون اطلاق للاحزاب المعادية للاستعمار لا يمكن تصور ديمقراطية حقيقية في البلاد) و( ينبغي لاية حكومة معادية للاستعمار في العراق تكون لها سياسة ومواقف صريحة واضحة تجاه الاحتكارات النفطية.. اننا نعتبر ان هذا الموقف هو اكثر المسائل حساسة) ويمضي تقرير اخر لاجتماع اللجنة المركزية في اب من نفس العام ليقول لنا ( ينظر الاجتماع الكامل للجنة المركزية الى انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 كحركة ازاحت كابوس الحكم الفاشي والحرس القوميعن كاهل الشعب وخلقت ظروفا افضل لنضال القوى المعادية للاستعمار من اجل صيانة الاستقلال الوطني وتغيير سياسة العراق الرسمية واعادته الى ركب التحرر العربي). وما سمي بخط ابالذي نجد اسطره التي اشرنا اليها والذي كتبت عنه عشرات المقالات والدراسات والتقارير النقدية واعلان البراءة منه، هو نفس الخط السياسي الذي بدئه فهد بالرغم من تنصل العديد منه. فكان خط اب المتمثل بالسكرتير الجديد عزيز محمد الذي انتخب بعد انقلاب 1963 تقيمه لحكومة عارف العسكرية بأنها حكومة وطنية وعقدت صفقة سياسية بين عبد السلام عارف وجمال عبد الناصر الذي كان يقود الحركة القومية العربية ضد الاستعمار، وبدأت الحكومة التي كان يترأسها يومها العسكري عبد السلام عارف بأعادة النظر مع الشركات النفط الاجنبية حيث يؤكد تقرير ايار للجنة المركزيةاعادوا الحياة لقانون رقم (80) لسنة 1961 بشأن تأميم  99.5% من مناطق الامتيازات البترولية وصادقوا على تأسيس شركة النفط الوطنية..) ويليه تقرير شهر اب الذي سمي السياسة التي صاغتها اللجنة المركزية بخط اب وقال فيهالى عدم وضع الديمقراطية السياسية كشرط التعامل الايجابي مع النظام في العراق، مبررا ذلك بأن الديمقراطية السياسية ستكون حصيلة لتطور الاوضاع العربية وضغطها على العراق” ” دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي“. يستمر خط اب حتى شددت حكومة عارف من سياستها القمعية في المجتمع، ليعود الحزب الشيوعي العراقي عن سياسته ويعلن عن معاداته للحكومة عارف كما حدث في الانقلابين العسكريين في 1936 و1941 الذي اشرنا اليهما في البحث.

 ان اي مراقب ينظر بشكل موضوعي الىخط ابكما سمي فيعتمد في بوصلته على الاتجاه البرجوازي الوطني والمعادي للاستعمار ولا يختلف عن الخط الذي قاده سلام عادل عندما دافع عن شعارصيانة الجمهوريةاو يختلف عن سياسات فهد منذ تاسيس الحزب الشيوعي العراقي في شعارهقووا تنظيم الحركة الوطنيةوحتى اعدامه. بيد ان الزوبعة التي اندلعت حول خط ابعقود على تاريخ الحزب الشيوعي العراقيعزيز سباهي) ليس مصدرها وجود خط شيوعي يدافع عن الطبقة العاملة ويعمل على انهاء العمل المأجور والقيام بالثورة الاشتراكية، ولا بتقييم حكومة عارف بأنها حكومة برجوازية سواء كانت وطنية او غير وطنية ويجب الاطاحة بها وانشاء سلطة اشتراكية، بل يعود الى رفض الانصياع الى حل الحزب الشيوعي مثلما وافق الحزب الشيوعي المصري على حل نفسه في تلك الفترةصعود الناصريةوالدخول في الاتحاد العربي الاشتراكي. لم يأت ذكر كلمة واحدة عن المحتوى الطبقي لحكومة عارف البرجوازية والمعاددية حتى العظم للطبقة العاملة لا في تقارير اللجنة المركزية بعد خط اب  ولا في اي بيان رسمي للحزب.

ان الصراع بين اجنحة الحزب الشيوعي العراقي لم يكن يوما صراع بين تيار اشتراكي عمالي وبين تيار برجوازي وطني مع الاخذ بنظر الاعتبار وجود صف من العمال الشيوعيين والقادة الاشتراكيين الا انهم لم يكونوا ابدا مستقلين بافأقهم ولم يكن لديهم خط سياسي مستقل وواضح بل كانوا في افضل الاحوال تحت تأثير التيار الوطني الديمقراطي، نقول ان الصراع بين تلك الاجنحة هو الصراع على شكل الحكومة وماهيتهاالوطنيةومدى قبولها للدخول بالحلف المناوئ للكتلة الغربيةالكتلة  الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتيومدى استساغتها لوجود الحزب الشيوعي العراقي على الساحة السياسية او حصتها من السلطة، وكذلك على طريقة التعامل السياسي مع الحكومة، هل باسلوب سلمي وتعميق ردايكاليته عن طريق تقديم النصائح والارشادات والمشورات والتظاهرات، مثلما كان يفعل فهد تجاه انقلاب بكر صدقي او انقلاب مايس 1941 او الوزارات المتعاقبة في العهد الملكي او اسلوب العنفالانقلابات العسكرية“. وكان اكبر انشقاق شهده الحزب الشيوعي العراقي هو في عام 1967 وانقسم الحزب الى قيادة مركزية ولجنة مركزية، وكان محور الخلاف الاصلي مع كيفية التعاطي مع حكومة عبد الرحمن عارف، وانقسم الى جناح سوفيتي وهواللجنة المركزية وجناح صينيماويالقيادة المركزية. ولذلك لجأت القيادة المركزية الى اسلوب الكفاح المسلح وهو الاسلوب الماوي للاستيلاء على السلطة التي سحقت تمردها المسلح في منطقة الاهوار. ولذلك كان التخطيط للانقلابات العسكرية من قبل الحزب واحدة من الاساليب السياسية للوصول الى السلطة الى جانب العمل الجيفاري او الفدائي او ما سمي بالانصار. وهذا الاسلوب هو اساليب البرجوازية للوصول الى السلطة وليس لها اية علاقة بالاشكال والاساليب النضالية للطبقة العاملة للاطاحة بالسلطة البرجوازية. ومنها كان ينبع تأييد الحزب الشيوعي العراقي لجميع الانقلابات العسكرية في بدايتها، وسرعان ما تغيير بوصلتها حسب تعاطي الحكومات المنبثقة من تلك الانقلابات مع القبول بوجود الحزب الشيوعي العراقي.

وهكذا وفي مشروع برنامج الحزب الذي اقره في الكونفرس الحزبي الثالث في 1967 وتحت عنوانالمسيرة التاريخية المجية للثورة العراقية، نحو جمهورية ديمقراطية ثورية تحت قيادة الطبقة العاملة لانجاز الثورة الوطنية الديمقراطية والشروع بالثورة الاشتراكيةالتشديد منييؤكد من جديد على الثورة الوطنية الديمقراطية التي لم يقل لنا الحزب الشيوعي العراقي متى يزف موعد انتهائها! فالبرجوازية كانت في السلطة منذ العهد الملكي واصبحتوطنيةحتى النخاع بقيادة العسكر بعد انقلابه في 14 تموز 1958؛ حيث الغت التعرفة الكمركية وجميع الضرائب على قطع الغيار والمواد الاولية التي تدخل في المشاريع الصناعية والشركات الانتاج الصناعي. ورفع شعار زيادة الانتاج من اجل عيون البرجوازية الوطنية في عهد حكومة قاسم من قبل الحزب الشيوعي العراقي، ومنح 202 قرضا من قبل المصرف الصناعي وتصاعدت ارباح شركات المشاريع الصناعية 60-70% وبلغت قيمة القروض (302.205) مليون دينار عراقي ( ثورة 14 تموز عامها الاوللجنة كتابة ثورة 14 تموز)، وازدادت مصانع القطاع العام من 158 الى 212 مصنع ( القطاع العام صباح الدرةوزادت السلطة البرجوازية في قمع الطبقة العاملة وغلقت اتحادها وزادت من ساعات عملها وقللت من اجورها وعطلت تنفيذ قانون العمل. وفي عهد حكومة عارف كما اشار نفس تقرير اللجنة المركزية في ايار من عام 1964 تم تأميم شركة النفط الوطنية واعادت قانون الامتيازات 99.5% للشركات العراقية. ومع هذا يصر الحزب الشيوعي العراقي بأن الثورة الوطنية الديمقراطية لم يتم انجازها. الا ان الحقيقة التي تقف خلفها او خلف التنظير حول عدم اتمام الثورة الوطنية الديقراطية هي الاستمرار بقيادتها السياسية للبرجوازية الوطنية دون اي منازع من جهة وذر الرماد في عيون الطبقة العاملة من جهة اخرى لجرها خلفها.

وان الفارق بين خط اب وبعده هو عاد عن سياساته التصالحية مع عارف، لكنه استمر على النهجالوطنياي بأتجاه نفس البوصلة الفكرية والسياسية ليتم التحالف مع حزب البعث ويأسس معه الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1973. وقد التقى البرنامج السياسي والاقتصادي للحزب البعث مع المنهاج الوطني وجميع مقررات الكونفرنسات الحزبية ومؤتمره الوطني. اي ان الاسس المادية للتحالف الجبهوي توفرت اكثر من اي وقت مضى. والتقى الحزبان الشيوعي العراقي والبعث الاشتراكي على ارضية واحدة وهي معاداة الامبريالية وتأميم النفط وتشييد بنية تحتية للنهوض بالبرجوازية الوطنية التي فتحت الافاق السياسية والاقتصادية العظمية امامها وحيث لم تحصل على اية فرصة سانحة لها منذ العهد الملكي. وكانت مجانية التعليم ومحو الامية وبناء شبكة الطرق والجسور وتأسيس العشرات من المصانع والمعامل الكبيرة في جميع المجالات والميادين وتطوير الزراعة على اساس المكننة الحديثة وتوفير الات الزراعية وبناء السدود وتشييد مشاريع الري ومنح القروض للمشاريع الصناعية والاعفاءات الكمركية..الخ كان عرس البرجوازية الوطنية التي اقيم بحضور الحزبين.

وكانت الدكتاتورية السافرة للبرجوازية الوطنية التي قادها البعث هي الشكل السياسي الوحيد للقضاء على التشرذم السياسيي الذي ساد في صفوف البرجوازية  منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة وقيام اول انقلاب عسكري عام 1936، والاستمرار بترسيخ الاستقرار السياسي لتطوير السوق العراقية وتأمين ارتباطها بالسوق الرأسمالية العالمية. ولعب الحزب الشيوعي العراقي مع حزب البعث دورا كبيرا في توفير مستلزمات الدكتاتورية السياسية، فكان سكوته على قمع البعث لاضرابات عمال الزيوت النباتية في 5 تشرين الثاني في 1968، واضفاء الشرعية على كل جرائم البعث عن طريق الدخول بتحالف استراتيجي مع البعث و الموافقة على تمرير ورقة العمل التي قدمها البعث عام 1976 وبحضور صدام حسين الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس الجمهورية وكانت تنص على رفع الانتاجية في المصانع والمعامل وقمع اية حركة اعتراضية توقف من عملية الانتاج، وهي اي الورقة المذكورة امتداد لسياسة وشعارصيانة الجمهوريةالتي رفعها الحزب لاشيوعي العراقي بعد انقلاب تموز 1958، وبعد ذلك قمع الحرية السياسية حيث ايد الاجواء القمعية التي اشاعها البعث بعد مسيرة خان النص وايد بشكل سافر اعدام المعارضين الاسلاميين الذي قادوا تلك المسيرة  بحجة ضرب معاقل الرجعية وعملاء وجواسيس الدول الاجنبية.

ويمضي الحزب الشيوعي العراقي في تقييمه للجبهة الوطنية مع البعث حيث يقول في تقريره في المؤتمر الوطني الرابع عام 1986  “ان الخطأ ليس في موضوعة التحالف انما في استراتيجية التحالف…” التشديد منياي ان الحزب لم ينحرف قيد انملة عن خط فهد فهو يؤكد من جديد على التحالف البرجوازية الوطنية. ان السياسة التي انطلق منها الحزب الشيوعي العراقي هي من نفس الخط السياسي وهي، ان البوصلة كانت تؤشر على ان حزب البعث حزب برجوازي وطني ضد الامبريالية وضد الاستعمار وعليه يجب التحالف معه بعد انقلاب تموز 1968 كما كان خط اب 1964 عندما قيم حكومة العارف بأنها حكومة وطنية طالما عانق رئيسها جمال عبد الناصر وخروشوف الرئيسي السوفيتي انذاك واصدرت عدد من القوانيين المناهضة للنفوذ الاقتصادي الامبريالي في العراق.

وتجدر الاشارة هنا، ان الفارق بين تحالف الشيوعي السوريتيار خالد بكداش وحزب البعث القائم حتى الان وبين الحزب الشيوعي العراقي والبعث، هو ان الاول بقى في جبهة وطنية ليس بسبب السلوك الشخصي لنظام الاسد كما يحاول ان يسوقه الحزب الشيوعي وسائر القوى البرجوازية حول سلوك صدام حسين الدكتاتوري، بل يعود الى ظروف موضوعية وهي وجود دولة اسرائيل على الحدود مباشرة وبحاجة الى جبهة برجوازية متراصة لتقف ضدها تحت عنوان جبهة ضد الامبريالية والكيان الصهيوني، في حين في العراق لم تكن تلك الظروف موجودة. اي بعبارة اخرى ان الاستفراد بالسلطة السياسية وقيام نظام دكتاتور في العراق كان حاجة ملحة للبرجوازية الوطنية العراقية بنفس القدر كان ابقاء الحزب الشيوعي السوري في تحالف مع البعث السوري حاجة سياسية املتها الظروف السياسية في كلا البلدين.

وحالما تنتهي الحاجة الملحة لوجود الحزب الشيوعي العراقي في مسار صعود البرجوازية الوطنية، ويحل محله حزب اكثر جرأة واكثر حسما في القيادة السياسية وحسم مصير السلطة السياسية للبرجوازية الوطنية اي حزب البعث، يُقّصى الحزب الشيوعي العراقي عن السلطة السياسية، ويسدد له ضربة سياسية قبل ان تكون امنية عن طريق تحقيق جميع برامجه الاقتصادية والسياسية وشعاراته منوطن حر وشعب سعيدمن قبل البعث، ليتحول بعدها الى حزب من الطراز الاول معارض للدكتاتورية  –التشديد منيبعد ان كان حزب معادي للاستعمار. ويمضي باسليبه النضالية القديمة وهي تشكيل التحالفات او الدعوة لتشكيل التحالفات الجبهوية ولكن هذه المرة ضد الدكتاتورية وليس ضد الاستعمار والامبريالية. فيدخل في تحالف سمي بالجوداي الجبهة الوطنية الديمقراطية مع القوى القومية البرجوازية الكردية ثم معجوقداي الجبهة الوطنية القومية والديمقراطية في عقد الثمانيننات ومرورا بالتسعينات لينتهي حتى غزو و احتلال العراق عام 2003، ليدخل هذه المرة في مجلس الحكم عن طريق امينه العام او سكرتيره الاول للجنة المركزية حميد مجيد موسى. وهو مجلس قومي وطائفي ليشرعن شكل السلطة السياسية التي هي محاصصة قومية وطائفية. وليس هناك اي انحراف كما يدعي اكثر الراديكاليين المنتقدين للحزب الشيوعي العراقي. ان مجلس الحكم كان جبهة سياسية اسسه الاحتلال لاضفاء الشرعية على غزوه للعراق. وكان شعار اسقاط الدكتاتورية هو النتيجة الفعلية لتشكيل مجلس الحكم.

*****

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اذن تعرض الحزب الشيوعي العراقي الى القمع ومنع كل نشاطاته اذا كان لا يرمي الى اسقاط السلطة البرجوازية ولم يتحدث في اية فقرة من ادبياته او مشاريع قراراته في ميثاقه الوطني ومؤتمره الاول الى اسقاط الملكية كأضعف ايمان. والجواب يعود الى عاملين وهو انقسام العالم الى معسكرين، معسكر الاتحاد السوفيتي الذي دار في فلكه جميع الاحزاب البرجوازية الوطنية والحركات المعادية للاستعماروالامبريالية الغربية وكانت الاحزاب الشيوعية من ضمنها، والعالم الامبريالي الغربي والذي سمي بالعالم الحر او العالم الديمقراطي. وان احتدام الصراع والعداء بين هذين العالمين كان الحزب الشيوعي العراقي ضحية تخندقها مع المعسكر الشرقي وتبني سياساته. والعامل الاخر كان الحزب الشيوعي العراقي يمثل اقصى يسار البرجوازية الوطنية وسعى في خطابه السياسي على صعيد الوثائق والقرارات والدعاية والتحريض وعقد التحالفات الجبهوية الى تقليل نفوذ البريطاني والغربي واخراج العراق من براثنه السياسية والاقتصادية. اي بشكل اخر نقولها، كان الحزب الشيوعي العراقي مدافعا صلدا عن البرجوازية الوطنية، وسعى بكل قواه على تأمين المستلزمات الضرورية لتأمين سوق الراسمالية المحلية ومرتبطة بالسوق الراسمالية العالمية. في كتابخصائص تطور الانظمة الرأسمالية التابعةالفصل الرابعاسطورة البرجوازية الوطنيةمنصور حكمتيصف البرجوازية الوطنيةعلى الصعيد السياسي تعادي الديكتاتورية سواء كانت دكتاتورية نظام الراسمالية التابع للامبريالية او بوصفها البناء الفوقي السياسي للنظام شبه الاقطاعيشبه المستعمر او نظام الانتاج ما قبل الراسمالي،(شكل الانتاج الاسيوي). ولذلك في التحليل النهائي تطالب بترسيخ الرأسمالية الكلاسيكية وترسيخ الديمقراطية والنظام الجمهوري، وتطور الثقافة والتقاليد القومية والوطنية والاستقلال الاقتصادي والسياسي والثقافي عن الامبريالية.” واذا ما دققنا في جميع طروحات الحزب الشيوعي العراقي ومنذ تأسيسه على يد القادة الاوائل فهد وحازم وصارم وحتى تأسيس الجبهة الوطنية في عام 1973 ، فأن وصف منصور حكمت يتطابق عليه بشكل كلي حول تمثيل الحزب الشيوعي العراقي بشكل نقي ومخلص لا يعتريه اية شائبة للبرجوازية الوطنية.

اليسار والدعوة الى التحالفات:

لقد كانت مواقف الحزب الشيوعي العراقي من موضوعةالاحتلالهي سياسة انتهازية صرفة ولم تختلف عن سياسة حزب الدعوة من حيث المحتوىلقد اتخذ موقفا فضفاضا وغير واضحا. فهو من جهة لم يوافق على الاحتلال بشكل مباشر الا انه لم يتخذ موقفا صارما ويتخذ سياسات عملية لمواجهة الاحتلال. وليست المسألة مرتبطة بخيانة مبادئ فهد كما يحاول ان يصورها منتقدي الحزب الشيوعي العراقي، بل نابع من مسالتين، هو ان موديل البرجوازية الوطنية التي التحفت برداء الماركسية والاشتراكية من قبل الاحزاب الشيوعية السوفيتية، قد ولى زمنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وتحول الى موديلالديمقراطية، وان المعطيات الواقعية والمادية للراسمالية الامبريالية اصبحت عالمية، ولم يبق شيء من البرجوازية الوطنية تذكر لا على صعيد البرنامج السياسي سوى رفع رايةالديمقراطيةولا على صعيد البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يعيه بشكل واضح الممثلين السياسيين الامس للبرجوازية الوطنية . اي ما نريد ان نقوله لم يواجه الحزب الشيوعي العراقي مخاض عسيرا كي يغير طريقه ويضفي على هويتهالشيوعيةالصفة الديمقراطية ويتخذها منهج له، بالرغم كانت الشيوعية راية خافته اللون حملها في خضم انتصارات ثورة اكتوبر الاشتراكية وصداها في العالم. اما الجانب الاخر هو النضال ضد الديكتاتورية كما اشرنا. فأسقاط الدكتاتورية التي حلت حلصيانة الجمهوريةودون اي محتوى طبقي تحول الى بوصلته الرئيسيه ومحور عمله السياسي والاجتماعي. ولذلك ان الاحتلال اسقط النظام الدكتاتوري، وهذا ما تطابق مع سياسته. وخلال كل مراحل عمله بعد الاحتلال اراد تسويق نفسه بطلا وطنيا وفوق الطوائف في معممة الصراع الطائفي والقومي في العراق. وكان هذا هو سر التقاءه مع تحالف علاوي الذي اجتمعا على برنامج اصلاحي ديمقراطي قومي محلي، وهو العودة من جديد الى تشكيل التحالفات الجبهوية وعلى نفس الاسس السابقة. وبعد فشل هذا التحالف من الوصول الى السلطة ذهب الحزب بعد تركه التحالف المذكور ليشكل تحالف جديد وهو التحالف المدني وعلى نفس الاسس السابقة التي جمعتها مع قائمة العراقية التي قادها علاوي، ورفع هذه المرة شعارالدولة المدنيةالتي امسى بعد ذلك الجامع بينه وبين التيار الصدري ليشكل تحالف سائرون. وقد تحدثنا بالتفصيل عن المحتوى الطبقي والسياسي لذلك التحالف واسباب التحالف فيالحركات الاحتجاجية بين الدولة المدنية والدولة العلمانيةمجل المد عدد 7″.

*****

ان اكثر المقولات التي اثارت الاشكالات هي مقولةاليسار“. وان هذه الاشكالية تنبع من كونها لا تنظر اليها من ناحية المحتوى الطبقي لتلك المقولة من قبل التيارات الاشتراكية والشيوعية. وهكذا يصنف كل مجموعة وكل حزب وكل تيار على انه يساري وبغض النظر عن تمثيله الطبقي على صعيد التكتيكات السياسية والشعارات والمواقف السياسية بحيث يخدم بالتالي دفع نضالات الطبقة العاملة الى الامام والحفاظ على استقلاله الطبقي والسياسي ووضع الفواصل دائما وابدا بين افاقه وافاق الطبقات الاخرى وبالتالي الوصول الى السلطة. وليس هذا فحسب، بل هناك احزاب واطراف احتلت موقع اليسار منذ تاريخ طويل ولم يتزعزع تصنيفه من الموقع الذي احتله بالرغم من كل انتهاج كل السياسات اليمينة والرجعية المعادية للطبقة العاملة وعموم المجتمع.

 ليس هناك يسار على العموم، بل هناك تصنيفات طبقية ويجب الاخذ بها. هناك يمين ويسار في الطبقة البرجوازية كما هناك يمين ويسار في الطبقة العاملة. وكان الحزب الشيوعي العراقي في مراحل تأريخية معينية يمثل يسار الطبقة البرجوازية وفي مراحل اخرى مثل يمين الطبقة البرجوازية او في افضل الاحوال وسطها.

بيد ان المشكلة لا تكمن في فهم مقولة اليسار وحدها، بل بالدعوة التي تشكيل التحالفات الى حد توحيد اليسار وكأنها منظمات واحزاب ذات لون واحد ومحتوى طبقي واحد وافاق واحدة. وتاتي هذه الدعوات دائما من الذين انشقوا عن المنظمات والاحزاب اليسارية الام اذ جاز التعبير او الاصلية، وبعد فترة معينة يدعون الى تحالف او توحيد اليسار، والسؤال هو لماذا انشقوا عن منظمات الام ثم بعد ذلك الدعوة الى توحيدها؟.

ان الارضية السياسية التي تستند عليها ذلك الطيف من اليسار هي ارضية البرجوازية الصغيرة التي ترى ضعف حركتها نابع من خلال ضعف نفسها كأفراد ولا تنظر الى نفسها كطبقة انتفى دورها وانتهت تاريخيا، من خلال ايجاد نفسها وحيدا على شكل افراد، وتحسب دائما قوة اليسار من زيادة عدد افرادها. ووهكذا بسبب عدم احراز طبقتها اي ثقل اجتماعي وبالتالي ليس لها ثقل سياسي، فهي ينظر الى قوتها بمعزل عن طبقتها وهي حصيلة جمع افراد بشكل جبري. ان موضوعتها مع الطبقة العاملة كما يصفه منصور حكمت بأنها تتكون من افراد فقراء ومساكين ويستحقون الشفقة، كما تنظر الى نفسها. وعليه فأن افراد هذه الطبقة تنظر الى كل شيء بمنظار احاديتهم وفردانيتهم ونرجسيتهم وسخطهم على واقعهم الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي السياسي. لذلك انه لا ينظر الى العمال كطبقة اقتصادية واجتماعية وان مفاتيح المستقبل معها. ومن هنا تأتي دائما الدعوة الى توحيد اليسار. ويسود مفهوم الحزب الشيوعي العراقي حول التحالفات الجبهوية في صفوف افراد اليسار الداعي الى المساواة وهم اول الناس الذي انشقوا عن منظماتهم الاصلية.

ويطرح علينا سؤال دائما وكي يكون جوابه خاتمة لهذا البحث، هل الحزب الشيوعي العمالي العراقي، يتخذ موقفا سلبيا من التحالفات؟ والجواب ليس هناك في منظومتنا الفكرية والسياسية مقولة التحالفات الجبهويةبيد اننا نسعى مع كل القوى الداعية للتحرر والمساواة في تنسيق عمل من اجل تحقيق ما يصب في مصلحة الحرية والمساواة والرفاه في المجتمع. وعليه لدينا تجربة غنية لحركتنا في كردستان العراق بالدفاع عن الحرية السياسية دون قيد او شرط، الوقوف بوجه الاغتيالات السياسية، الدعوة ضد تجنيد الاطفال، تقوية حركة المساواة بين المرأة والرجل، تشريع قانون عمل انساني..الخ.

ان ايادينا مفتوحة ابدا مع اية حركة او قوة او منظمة تحررية وتقدمية من اجل تحقيق الحرية والمساواة والرفاه في المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى