المقالاتهدى سمير

العراق : صعود الأحزاب الإسلامية وأزمة الأخلاق في المجتمع.

هدى الجابري

ما أكثر ما تعلمنا عن الصدق والاحترام والتسامح واباءنا وامهاتنا، للحد التي بُليت بها ألسنتهم من تذكيرنا في العطف على الصغير واحترام الكبير. وان السرقة من السيئات وإن الكذب يفقد الاخرين ثقتهم بنا. تربينا ان الام مدرسة  تربي الاطفال وتُحترم ولها قيمة في داخل المنزل وخارجه وان المرأة إنسان. وكنا بارين بالذين نحبهم و نتوجس من كل شيء نقول او نفعل لان ضمائرنا الفتية كانت تساءلنا بلا رحمة عن الخجل وتجنبنا السقوط في اعين الاخرين. لقد قالوا الدين يعلم الاخلاق، لكن اكثر وقت أصبح الناس فيه بلا اخلاق حين تصاعد المد الديني وانتشرت احزاب الاسلام السياسي و حين ادعى سياسيو الدين وجلاوزته في الدولة العراقية واحزابها الاسلامية السياسية ان الدين يعلم الاخلاق.

المفاهيم الأخلاقية لم تأتي مع الأديان أبدا لكنها وضعت لتنظيم المجتمعات قبل أن يكون هناك دين أو قانون.  ما أتت الأديان بالأخلاق، بل الاعراف الاجتماعية والادبية التي تبناها الإنسان وحافظ عليها ليؤسس لحياة اجتماعية أفضل له كأفراد و كمجموعات. الا ان الاخلاق متغيرة ونسبية بحسب السلطة الحاكمة أو المسيطرة اقتصاديا. فالثقة والصدق والأمانة مفاهيم ثابتة ولكن يمكن أن تتغير إذا أُريد تغييرها بحسب حاجات  الطبقة الحاكمة. فكانت أخلاق احزاب الاسلام السياسي المبنية على النهب والفساد والقتل والارهاب هي الاخلاق التي بعثت وغرزت في جسد الأجيال الجديدة

الأحزاب الإسلامية السياسية التي تتشدق بالدين وقيم الدين الاخلاقية لم تُعلم الاخلاق بل أمعنت في اضطهاد وإفقار المجتمع فضاعت الاخلاق وتاه الناس بين تعاليمهم التي تدعي الأخلاق وبين افتقارها للأخيرة. ادى وصول احزاب الاسلام السياسي الى السلطة، الى شيوع أدنى درجات انعدام الأخلاق.  فالقوى السياسية التي أمسكت بالسلطة السياسية والاقتصادية في المجتمع ما بعد 2003 قائمة ومبنية ومؤسسة على الفساد والارهاب والاحتيال. لذلك ارسلت هذه الطبقة الحاكمة والتي مثلتها كل أحزاب الاسلام السياسي الأخلاق الى حضيض لا يبدو له قرار على المدى القريب.

أرسلت احزاب الاسلام السياسي الأجيال الجديدة إلى منحدر اللا أخلاق الذي ليس من السهل العودة منه دون التخلص منها. هذا الجيل الذي تربى على قنوات الاحزاب الدينية التي تبث الرعب والتوعد أكثر مما تبث التحضر والتطور واحترام الانسان. قنواتهم التلفزيونية التي كل يوم تصدح بزواج الاربعة، وارضاع الكبير وزواج المتعة والمسيار والمرأة سلعة وانتم مُلاكّها، باسم القوامة وباسم الولاية . أخلاقهم التي أباحت لهم سرقة  كل مصادر الطاقة  والموارد الطبيعية  ودفع  الخمّس والزكاة منها. ماذا علمت هذه الأحزاب الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت تحت عباءاتها غير السرقة والنصب والاحتيال والابتزاز والاغتصاب والجهل؟ كل عهود العراق التي مرت ما سمعنا عن زنا المحارم وانتشاره بالقدر الذي أرسل نظامهم القمعي والارهابي والطائفي أفراد المجتمع إلى أن يصبحوا وحوش كاسرة حتى على فلذات أكبادها وأصبحت قصص الاغتصاب والمخدرات مواضيع مكررة ليس لها آخر.  

ادعاءاتهم الاخلاقية بالرجوع الى الدين لتصحيح الاخلاق انما فضحت لا اخلاقهم. اثبتم ان الاخلاق مسألة  نسبية وانهم قادرون على صياغتها بحسب مقتضيات محاصصتهم الطائفية ومصالحهم الاقتصادية. فسادهم ونهبهم وأيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من الفقراء والجوعى  اخترقت كل مفاصل الدولة العراقية وسممت المجتمع الذي لا يخجل اليوم من الكذب والنهب والاعتداء على الاخر.

لقد سمعنا وسمعنا الكثير وحفظنا الاكثر من ترهاتهم وغباءهم أن الدين يقوَّم الاخلاق وحين اعتلوا منابر الحكومة السياسية والبرلمان ومنابر الجوامع قد ذهبت الاخلاق أدراج الرياح. وتلك نماذج من  أخلاقهم التي اتوا بها، زواج المتعة والمسيار ، زواج الاطفال، الحجاب، اللطم في الشعائر الدينية، مضاجعة الميتة، المفاخذة، زواج الأربعة، حضانة الأب وعائلته للطفل، سرقة أموال الدولة لأنها” اموال سائبة” و ليست ملكا لأحد. كانت اخلاقهم هي الاجرام بلا حدود. لم يكذب ماركس حين قال أن الأخلاق مسألة نسبية وأن الأخلاق هي أخلاق الطبقة الحاكمة. طبقتهم الحاكمة لم تمتثل لأية قوانين انسانية او حتى متحضرة فقد ارسلوا المجتمع الى مستنقع الهاوية.  وربّوا جيلا جديدا لا يعرف معنى الصدق ويبرر السرقة ولا يحترم الاختلاف او يحترم الانسان. تخرَّج من تحت عباءة حكومتهم الدينية  جيلا يقتل بدون ان يحاكم، يكذب ويتفاخر، يسرق ويبرر، يغتصب ويمجد، يأكل لحم اخيه ويشعر بلذة النصر والتفوق. رّبوا جيلا  اميا غير متعلم وبكل اسف يشبه ” السائمة ” التي تمشي وراء راعيها ولا تدري ان في الاخر هو من يبيعها أو يذبحها ليجني منها الأرباح.

لذلك لا معنى لمقولات هرئة من قبيل أن الناس تحتاج الى الدين لتتعلم الأخلاق وخاصة أن العالم يتقدم وبتقدمه يتهذب ويفرض المفاهيم الإنسانية ويتبناها الاطفال قبل الكبار، لكن إسلامهم السياسي واحزابهم أسقطوا الأخلاق إلى هاوية سحيقة مظلمة  من النهب والإرهاب والاستهتار بحياة  الإنسان تحتاج اجيالا للخلاص من اثارها بعد الخلاص منهم ومن احزابهم الإسلامية الفاسدة والارهابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى