المقالاتسمير عادل

بين تراجيديا ومهزلة المشهد السياسي العراقي

سمير عادل

اقتحام المنطقة الخضراء من قبل جماعة الصدر ولمرتين متتاليتين خلال اسبوع واحد، وتواطؤ القوات الأمنية لحكومة الكاظمي توضح بشكل لا لبس فيه، بأن الصدر وتياره لن يتمكنوا الى ما لا نهاية بلعب دور سيارة اسعاف لإنقاذ العملية السياسية، والمضي دائما لاحتواء الاحتجاجات والتظاهرات التي تضرب معظم القطاعات في المجتمع من أجل فرص العمل وتوفير الخدمات وتحت عنوانها الرئيسي الإطاحة بسلطة الاسلام السياسي، وتتخللها في جوانب عديدة منها النزعة المعادية للنفوذ الإيراني وميليشياتها المنضوية تحت عباءة الحشد الشعبي.

قبل يوم واحد فقط من الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء من قبل جماعة الصدر، فتحت القوات الامنية النار على تظاهرة الخريجين في محافظة السماوة بسبب مطالبتهم بفرص عمل، وتم جرح أكثر من ٤٠ شخص واعتقال عدد منهم. وفي نفس ذلك اليوم تم فتح النار على تظاهرة العاطلين عن العمل في محافظة ميسان امام شركة بتروجاينا النفطية، في حين اقتحمت جماعة الصدر المنطقة الخضراء بكل سهولة واستقبال القوات الامنية لهم بكل اريحية اذا لم نقل استقبالا حارا. واكثر ما يثير السخرية بنفس القدر من الحنق، ينفي الكاظمي اتهامات الاطار التنسيقي بتواطئ قواته وفتح المجال لجماعة الصدر للعبث في مبنى مجلس النواب، وقال انه يلتزم بالحيادية والاستقلالية!!!.

هذا المشهد الذي حدث يوم اقتحام جماعة الصدر للمنطقة الخضراء يعود بنا الى ايام انتفاضة اكتوبر، الانتفاضة التي صعد على اكتافها مصطفى الكاظمي الى سدة رئاسة الوزراء، ويومها قال انه سيحاكم قتلة المتظاهرين، والى يومنا هذا لم يعتقل اي من المجرمين الذين تلطخت اياديهم بدماء من طالب برغيف خبز وكرامة، له ولأسرته. وابعد من ذلك ان قوات الكاظمي الامنية وبالتنسيق مع القبعات الزرق التابعة للصدر كما حدث يوم الاقتحام، مع فارق واحد، هو الهجوم على المتظاهرين في ساحات التظاهرات في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وبابل لإطفاء جمرة انتفاضة اكتوبر الى الابد.

الطريق مفتوح امام جماعة الصدر للعبث بكل شيء بما فيه قتل المتظاهرين في الساحات المذكورة من قبل ميليشياتها، لانهم اصحاب مشروع سياسي يجد الكاظمي نفسه شريكا معه، وكذلك ان اقتحام المنطقة الخضراء مناورة لتمديد من عمر حكومته الى أجل مسمى. وايضا يستمد الكاظمي قوته وسطوته ضد المطالب العادلة للجماهير ويجد داعما لورقته البيضاء ومشاريع وزير ماليته التي رفعت من معدلات الفقر في العراق الى اضعاف قياسا قبل وصوله الى السلطة ناهيك عن رفع معدلات البطالة الى اكثر من ٤٠٪ وليس هناك أي بصيص أمل في تحسن الاوضاع المعيشية للجماهير. أما الطريق مغلق أمام متظاهري انتفاضة اكتوبر الى بوابة المنطقة الخضراء وليس اقتحامها، لانهم طالبوا برمي كل جماعة الاسلام السياسي خارج المجتمع وخارج الزمن واعادتهم الى كهوف العصر الحجري، لانهم رفعوا شعار (شلع قلع..والي كالي وياهم) اي يعني الصدر نفسه، لانهم طالبوا بمحاكمة قتلة المتظاهرين وكل الفاسدين بما فيهم وزراء الصدر الذين اوصلوا جماهير العراق منذ تشكيل حكومة الجعفري عام ٢٠٠٥ حتى يومنا هذا الى الفوضى الامنية والسياسية والى الافقار المدقع، والى تحويل العراق الى ساحة حرب تتبضع فيها المخابرات الاقليمية والدولية وكل أشكال العصابات والمليشيات، الم يعلن الطب العدلي قبل يومين في بيان رسمي باستقباله ٦٠٠ جثة في شهر حزيران فقط!!!

إذا كان التعامل السياسي الذي أقل ما يوصف بازدواجية المعايير من قبل حكومة الكاظمي مع المتظاهرين  الذي يصب في تراجيديا سياسية بالمعنى المطلق للكلمة، الا انه في الجانب الهزلي منه (بأن من يكذب ينسى ما يقوله)، فالصدر أعلن عن انسحابه من العملية السياسية كي لا يكون عائقا ويفتح المجال للقوى السياسية الاخرى بما فيها الاطار التنسيقي الموالي لإيران في تشكيل الحكومة حسب تصريحاته عندما اوعز باستقالة نوابه من البرلمان. لكنه سرعان ما نسى ما قاله، ليحرض جماعته برفض ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة من قبل الإطار التنسيقي. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه في مقالات سابقة من ان التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر لا يمكنهم القفز على العملية السياسية وألا سيكونون امام خيارين احلاهما مر. الأول مواجهة اقصائهم سياسيا ويعني الاستحواذ على امتيازاتهم المادية التي كان يحصل عليها عبر وزرائه والمناصب الخاصة وبالتالي سيخسر من نفوذهم الاجتماعي وتقوض قاعدة مليشياتهم التي تمول من تلك الامتيازات وعمليات النهب والسرقة وكل اشكال افساد، أو الدخول في تطاحن مليشياتي مع اخوته الأعداء في ما يسمى بالبيت الشيعي للحفاظ على ما يمكن الاحتفاظ به فيما لو خرج بشكل نهائي من العملية السياسية. وكما قلنا ايضا ان الصدر في ورطة من امره التي هي ورطة مشروعه السياسي الذي أراد عبر آلية تشكيل حكومة الاغلبية في تنفيذه. وفي نفس السياق فأن الصدر ليس وحده في ورطة بل ان الاطار التنسيقي وكل قوى العملية السياسية في مأزق لا يحمد عقباه. وليس اعتذار قاسم الاعرجي عن ترشيحه لمنصب رئاسة الوزراء والذي كان أوفر حظا من السوداني  الا تعبير عن ذلك المأزق، فحكومة توافقية تكون في افضل احوالها مثل حكومة عادل عبد المهدي التي ذهبت ولم تعد، وعندما سقطت لم يسمع لها اي صوت. وكل ما قيل حول تسريبات المالكي سواءً أكانت مؤامرة ضد المالكي او اي شيء اخر باتهام الصدر بالجبن، فلم تكن أكثر من بالونة اختبار لرد فعل الصدر الذي فهم منها الاطار التنسيقي بتشكيل حكومة على هواها دون اعتراض الصدر عليها. الا ان الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن الاطار التنسيقي وقائد الحرس الثوري في بغداد اسماعيل قاآني، الذي رد الصدر باقتحام قلعة صنع القرارات المشبوهة التي كانت دائما معادية لمصالح جماهير العراق. وكان تمرير الورقة البيضاء واحدة من تلك المشاريع التي صوتت عليها جماعة الصدر اضافة الى تمرير كل الحكومات، التي نفخت جيوب الفاسدين وتغول المليشيات و باتت استحالة خروجها من بوابة تلك القلعة التي تسمى بمجلس النواب حتى عبر صناديق الاقتراع.

بيد ان المهزلة لا تكمن فقط عند تلك الحدود، بل عندما يذهب طرف خاسر في الانتخابات بتشكيل الحكومة، وهي سابقة لم تحدث حتى في الدول العريقة بالديمقراطية. وهذا يدل على الاحترام والتقدير الذي يكنه النظام السياسي في العراق لكل من يشارك في الانتخابات لحد تثمين الخاسرين واعطائهم الفرصة لتشكيل الحكومة. أليس هذا مهزلة قل نظيرها في العالم ويستحق الضحك على هذا المشهد بملء شدقينا.

مرة اخرى توضح لنا هذه اللقطات من المشهد السياسي على أن الانتخابات كذبة كبيرة، وليس الغرض منها إلا لتداول السلطة بين القوى المليشياتية، وان الصراع على السلطة السياسية هو صراع بين جماعات لها مليشيات مجرمة وهي وراء اقتحام المنطقة الخضراء دون اي عناء او مواجهة امنية من قبل دولة القانون التي يريد ترسيخها الكاظمي، تلك الدولة التي تفتح نيرانها على كل من يطالب بالحرية والمساواة وعيش كريم.

مرة اخرى نؤكد ان هذه الجماعات المتحاربة فيما بينها على السلطة السياسية سواءً أكانت جماعة الصدر او الاطار التنسيقي، هم أنفسهم ابطال الحرب الطائفية، ابطال القتل على الهوية، ابطال التغيير الديموغرافي، ابطال اعادة النساء الى البيوت، ابطال تهشيم رؤوس المثليين بالكتل الكونكريتية، ابطال السرقة والفساد، ابطال الاخفاء القسري في الطب العدلي في بغداد، ابطال فرض مشاريع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهم مستعدون للإشعال حرب اهلية جديدة فيما بينهم وإدخال المجتمع العراقي الى فوضى امنية من اجل السلطة وامتيازاتها المالية والسياسية، وإطعام ميليشياتهم على حساب الجماهير. إن الطريق الوحيد لإنقاذ العراق من هذه العصابات هو في انتفاضة جديدة اخرى تطرح بديلها هي، وهي حكومة ثورية مؤقتة. فلا حكومة توافقية او حكومة الاغلبية او انتقالية او طوارئ وانقاذ بإمكان انقاذ جماهير العراق من دوامة صراع هذه الجماعات التي فُرضت علينا بحراب الاحتلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى