المقالات

(الأوهام الدستورية)

مقطع من مقال لينين 

..حين انتقد ماركس”الاشتراكيين الديموقراطيين”البورجوازيين الصغار عام 1848 كان قاسيا بصفة خاصة فى ادانتهم لاستعمالهم المفرط للجمل الجوفاء حول ” الشعب ” واغلبية الشعب بصفة عامة. وانه لأمر جيد ان نتذكر هذا عند تناول الفكرة الثانية , عند تحليل الاوهام الدستورية عن “الاغلبية”.

حتى يمكن للأغلبية أن تقرر فى الدولة بالفعل , فلابد من توفر شروط معينة , احد هذه الشروط التأسيس الجدى لنظام سياسى , شكل لسلطة الدولة , يجعل من الممكن تقرير الامور بواسطة الاغلبية وضمان ترجمة هذه الامكانية الى واقع . هذا شيء .اما المسألة الأخرى فهى ان التركيب الطبقى لهذه الاغلبية والعلاقة الداخلية بين هذه الطبقات داخلها (وخارجها) ينبغى ان تمكنها من جر عربة الدولة بتنظيم وفعالية. يعرف اى ماركسى ان هذين الشرطين العيانيين يلعبان دورا حاسما فى مسالة الاغلبية الشعبية وفى اتجاه شؤون الدولة وجهة تتوافق مع ارادة الاغلبية. ومع ذلك فان الادب السياسى للاشتراكيين الثوريين والمناشفة , وسلوكهم السياسى بالاحرى, يشى بافتقار تام لفهم هذين الشرطين.

اذا كانت السلطة السياسية فى ايدى طبقة تتفق مصالحها مع مصالح الاغلبية , يمكن لتلك الدولة ان تحكم حقا بالتوافق مع مصالح الاغلبية. ولكن اذا كانت السلطة السياسية فى ايدى طبقة تتباين مصالحها مع مصالح الاغلبية , فان اى شكل من اشكال حكم الاغلبية ينحوا الى ان يصبح خداعا او قمعا للاغلبية . وتقدم كل الجمهوريات البورجوازية مئات والاف الامثلة من هذا النوع . وفى روسيا فان البورجوزية تحكم الحياة الاقتصادية والسياسية. ومصالحها , خاصة خلال الحرب الامبريالية تتناقض بعنف مع مصالح الاغلبية. وعلى ذلك فمن وجهة نظر مادية وماركسية , وليس من وجهة نظرحقوقية قانونية شكلية, يجب ان نعرض هذا التناقض , ونحارب الخداع البورجوازى للشعب.

لقد بين واثبت اشتراكيونا الثوريون ومناشفتنا تماما , وعلى النقيض , ان دورهم الحقيقى يتمثل فى كونهم اداة البورجوازية فى خداع الشعب (الاغلبية) , وكونهم وسيط الخداع ومن المسهمين فيه وهذا بغض النظر عن ان هناك افرادا مخلصون من الاشتراكيين الثوريين والمناشفة تتمثل وجهات نظرهم الجوهرية السياسية فى انه يمكن الخروج من الحرب الامبريالية وتحقيق” السلام دون الحاقات وتعويضات”و بدون دكتاتورية البروليتاريا وانتصار الاشتراكية, وانه من الممكن تامين نقل الارض الى الشعب دون تعويض وتحقيق”سيطرة “على الانتاج لصالح الشعب بدون هذا الشرط – فإن هذه الافكار الجوهرية السياسية للاشتراكيين الثوريين والمناشفة (وبالطبع الاقتصادية) هى فى الممارسة,ليست شيئا سوى خداع ذات بورجوازى صغير, او خداع الجماهير(الاغلبية) بواسطة البورجوازية وهو نفس الشئ .

فكرة ولدها الوهم انبثقت من الوضع الاقتصادى الذى تجد فيه الطبقة نفسها.ان البورجوازى الصغيريوجد فى وضع اقتصادى , واوضاع حياته تجعل من المؤاتى ان لايستطيع مقاومة خداع ذاته,انه ينجذب بلاارادة وبشكل حتمى لوهلة نحو البورجوازية واللحظة التالية نحو البروليتاريا. ومن المستحيل اقتصاديا بالنسبة له ان يتابع خطا “مستقلا”.

ان ماضيه يجذبه نحو البورجوازية, ومستقبله يجذبه ناحية البروليتاريا .تقديره الصائب يشده ناحية الاخيرة وتحيزه (اذا ما استخدمنا تعبيرا مألوفا لدى ماركس) يشده ناحية الاولى .

بدون هذا , فان الاغلبية تكون مجرد وهم قد يتجلى للحظة , قد يبرق او يلتمع , قد تصنع ضوضاء وتكلل بالغار , ولكنها محكوم عليها بشكل مطلق ومحتوم بالاخفاق مع ذلك. وهذا , عرضا , ماقاد الاشتركيون الثوريون والمناشفة الى كارثة , كما بينت الثورة الروسية فى يوليو1917.

اضف الى ذلك , فان الثورة تختلف عن الوضع” العادى” فى الدولة وتحديدا لان القضايا التى تتعلق بحياة الدولة يقررها الصراع الطبقى المباشر والصراع الشعبى وصولا الى الصراع المسلح . ولا يمكن ان يكون الامر على غير هذا النحو حين تكون الجماهير حرة ومسلحة. تتضمن هذه الحقيقة الجوهرية انه لايكفى فى وقت الثورة التحقق من “ارادة الاغلبية”- يجب ان تبرهن على انك الاقوى فى اللحظة الحاسمة وفى المكان الحاسم , يجب ان تنتصر . بدءا بحرب الفلاحين فى القرون الوسطى فى المانيا, وعبر كل الحركات والحقب الثورية الكبرى, بما فيها ثورات 1848 ،1871، 1905 راينا امثلة عديدة على ان الاقلية الافضل تنظيما , الاوعى سياسيا والافضل تسليحا تملى ارادتها على الاغلبية وتهزمها.

لقد اكد فريدريك انجلز بصفة خاصة على الدرس الذى ينبغى استخلاصه من التجربة , الدرس الذى يعتبر الى حد معين عاما بالنسبة لانتفاضة الفلاحين فى المانيا فى القرن السادس عشر وبالنسبة الى ثورة 1848 فى المانيا , اى , غياب وحدة العمل والافتقار الى التمركز من جانب المضطهدين نظرا لوضعهم البورجوازى الصغير فى الحياة.إن تناول الامر من وجهة النظر هذه , يؤدى بنا الى نفس النتيجة , اى , انه لايمكن ولاتستطيع اغلبية بسيطة من جماهير البورجوازية الصغيرة ان تحسم شيئا , لأن الملايين غير المتحدة من الملاك الريفيين الصغاريمكن ان يحوزوا التنظيم , والوعى السياسى فى العمل ومركزة العمل فقط (وهو امر لازم للنصر) حين يقادوا اما من قبل البورجوازية او من قبل البروليتاريا.

نحن نعلم ان مشاكل الحياة الاجتماعية فى المدى الطويل تحل بواسطة الصراع الطبقى فى اشد اشكاله ضراوة وشراسة- الحرب الاهلية فى هذه الحرب , كما فى اى حرب اخرى- وهى حقيقة معروفة ايضا ولم يجادل فيها اى احد من ناحية المبدا- فان الاقتصاد هو الذى يقرر.انه لمن النموذجى وذوالدلالة تماما انه بينما لاينكر الاشتراكيون الثوريون والمناشفة , هذا “من ناحية المبدأ” وبينما يدركون تماما الطابع الراسمالى لروسيا اليوم , فانهم لايستطيعون ان يواجهوا هذه الحقيقة برصانه. فهم خائفون من ان يعترفوا بحقيقة ان كل بلد راسمالى , بما فيه روسيا , منقسم من الناحية الاساسية الى ثلاث قوى رئيسية : البورجوازية , البورجوازية الصغيرة والبروليتاريا.الاولى والثالثة معروفة ومعترف بها من الجميع . مع ذلك فان الثانية – والتى تمثل بالفعل الاغلبية العددية ! -لايهتم احد بان يقيمها بواقعية , من الناحية الاقتصادية او السياسية او العسكرية.

الحقيقة لاتنافق . لذا يستنكف الاشتراكيون الثوريون والمناشفة عن ان يتعرفوا على انفسهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى