احمد عبد الستارالمقالات

“تغيير العالم” بين مفهومين

احمد عبد الستار

مرت علينا خلال  الأيام الماضية الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول، الطائرات التي خطفها انتحاريون من تنظيم القاعدة الإرهابي واستخدموها كصواريخ لضرب أهداف مهمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون والطائرة الرابعة أسقطت في حقل زراعي بعيد. ونتيجة الهجمات الدموية هذه قد أدت إلى سقوط ما يقارب من الثلاث آلاف ضحية من الأبرياء، من الموظفين والعاملين في هذه الأماكن.

يكاد يجمع الإعلام البرجوازي الغربي بشكل عام والأمريكي خصوصاً، على ترديد عبارة تكررت على مدى العشرين عاماً الماضية، وهذا العام بطبيعة الحال بأن هجمات 11 أيلول غيّرت العالم وغيّرت أمريكا.

لاكها كل الإعلام الغربي من أقصاه إلى أقصاه من أبسط صحيفة إلى أهم موقع إخباري، وعلى مرور الوقت.  وقبل هذا الحدث المأساوي بعقود مضت مثابرين على ترديدها، حتى غدتْ عبارة “تغيير العالم”، العبارة الأكثر تداولاً تبرز على الفور مع أول سطر مكتوب أو خبر أو حديث  على القنوات التلفزيونية أو على منصات الأنترنت. مستغلين هذه المناسبة بشكل مقصود لإفشائها وإتاحتها بلا حدود.

فما الداعي لذلك؟

مما لا مراء فيه، كثيرة هي الاكتشافات  والاختراعات العبقرية التي غيّرتْ معيشة البشر على الأرض، وجعلت العالم أكثر سهولة وأمان ورفاه، وبسطت مقاومة الطبيعة للإنسان ومن ثم السيطرة على كثير من قوانينها الملتبسة حتى بات من الصعب العيش من دونها، كما هو الحال مع معاناتنا في العراق من الكهرباء المحرومين منها منذ مدة طويلة، أو العيش من دون العجلة أو وسائل الاتصالات وغيرها عدد كبير من الاختراعات والاكتشافات العملية التي منحت حياتنا شكلها الحاضر، في الصحة والتعليم والعمل…الخ.

إلا إنَّ تغيير معيشة الإنسان وعلاقته بالطبيعة، وتسهيل أنجاز العمل، والابتكارات التي تتراكم يومياً، شيء، والمفهوم الذي قاله كارل ماركس حول تغيير العالم كأطروحة أساسية من اطروحات نظريته، شيء آخر.

لقد رأى ماركس من خلال دراساته وبحوثه النظرية الإنسان الماثل أمامه في العالم الواقعي بدمه ولحمه وعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية. لا كما رأته المدارس الفلسفية السابقة عليه، كمفهوم مجرد وغامض. يقتصر نشاطه على التأمل المعرفي والتحليق في فضاء الروحانيات البعيدة عن واقعه العياني، بل ولابد، لكي يتحرر الإنسان برأيه من كل اغتراب، أن يقوم بإثراء عمله بتأمله، وبعبارة بسيطة “ربط المعرفة بالعمل” وهنا هذه، هي الرابطة النوعية المميزة للإنسان بالعالم التي يرى ماركس،  بأن عن طريق نشاطه العياني والعملي يمكن فهم العالم ومن ثم تغييره، ولقد كرس ماركس جل جهده النظري لكشف وتحليل أسباب اغتراب الانسان عن نشاطه العملي، في عالم يقف على رأسه ويكفي إعادته ليقف على قدميه كما يقول لكي يكتسب هيئة معقولة، وملخصها ضياع الإنسان واغترابه في المجتمع الرأسمالي، ولكي يُعاد للإنسان اعتباره الإنساني يجب تحطيم الظروف التي تغربه ويُعيد تشكيلها بما يتناسب مع جوهره الفريد، يغير العالم ليكون في قلبه وضميره الحر.

يسكن الرأسمالية منذ ظهور البيان الشيوعي أواسط القرن التاسع عشر حتى اليوم، رعب لا نظير له، منشأه كون هذا البيان كان بمثابة الباب الرئيس الذي شُرع للنقد المنهجي العلمي؛ لطبيعة النظام الرأسمالي وتحليل سيرورته التاريخية، وما يحمله من آثام وتناقضات تجاه حياة البشر. وإن حالوا إخفاء هذا الرعب تحت شتى الادعاءات والحجج النظرية، ومن ممارسات رعناء ظاهرها عدم المبالاة. إلا أنه يبقى هو السبب الحقيقي والوحيد لقلقهم المتعاظم، لأنه ببساطة مع نقده واقع الرأسمالية فقد شخّص البديل المناسب والملائم للبشرية، غير النظام الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة، وتدمير العالم والحياة على الأرض من أجل الحفاظ على هذا النوع من الملكية.

يتعمد الاعلام الغربي، على ما يظهر من سلوك حرفي مدروس في لعبة تكرار عبارة “تغيير العالم” ، لا يمكن القول بدون داعٍ، بل لأتفه سبب يدعو إلى ذلك، مثل تطوير برنامج ما على الإنترنت أو إضافة زر جديد على الهواتف النقالة، بعدها تضج الفضائيات والمواقع بصخب وتهليل بأن أصحاب الشركة الفلانية المنتجة للحواسيب والهواتف أو البرامج الالكترونية، قد غيّرت العالم. يتحفنا الاعلام بمثل هذه الفتوحات التي تغير العالم يومياً، بلا كلل ولا فتور.

والظاهر يعمل الاعلام الغربي، بنصيحة أو وفق مبدأ : الافراط في استخدام فكرة ما بداعٍ  يستدعيها حقاً، أو بدون داعٍ يجعل منها مبتذلة وفارغة من المعنى، ومثل أي عبارة تكرر استنساخها بلا طائل وباتت باهتة وسطحية، وبالتالي تفقد رونقها ودلالتها الأصلية.

يفقد كل من تتساقط على مسامعه عبارة تغيير العالم المبتذلة إحساسه بقيمة محتواها، وإدراكه لمكافئها الحقيقي. أجيال تطرق مسامعهم ليل نهار لتتساوى بعدئذ عندهم معادلة تغيير العالم بين ما يرمي إليه ماركس ونظريته الشيوعية بإزالة النظام الرأسمالي من الوجود، وما يرمي إليه الإعلام الغربي وطبوله المزعجة، للقضاء حتى على عبارة لم يعُد يتحملها، ولذلك استهلكها وجعل منها ضحية.

عملهم مثل عمل الساحر، الذي يسعى لإعادة إنتاج الظواهر الفيزيائية بالشعوذة. والطبيعة وظواهرها غير عابئة تعمل وفق قوانينها، كذلك القوانين الاجتماعية والاقتصادية تتحرك إلى الأمام رغم كل التغييب والإخفاء المقصود، بما إن هناك عقل اجتماعي يتجه بإرادة نحو تغيير العالم حقيقةً.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى