يتم تصوير الاحداث الحالية في فلسطين من قبل الحكومة الإسرائيلية وقادة الغرب واعلامه والدول العربية وحتى بعض قوى الإسلام السياسي كأنها حرب بين حماس وإسرائيل، في حين ان الواقع يشير الا انها لا تتعدى اعمال قتل جماعية تقوم بها الدولة الإسرائيلية وجيشها ضد الفلسطينيين. يجب ان لا ننسى ان الاحدث الحالية هي ليست حرب بين دولتين ذات سيادة، بل حملة تقوم به دولة تمتلك واحدا من اقوى جيوش العالم ضد جماهير لا حوله ولا قوة لها ولم يكن لها دولة يوم من الايام. ان ارقام الضحايا على الطرفين، تعكس هذا الواقع، اذ قتل لحد اليوم 222 فلسطينيا بينهم 63 طفلا و37 امرأة و16 مسنا إضافة الى 1500 جريح. في حين قتل 12 مدنيا في إسرائيل بينهم طفلين وفلسطينيين واغلبهم في المناطق المهمشة من إسرائيل حيث لا يمتلكون الملاجئ مثل الاحياء الاخرى. ولم تتمكن حماس من الحاق الأذى باي جندي او شرطي إسرائيلي. ان المدنيين في قطاع عزة الذين هم ضحايا العنف الإسرائيلي، ليس بإمكانهم منع حماس من إطلاق الصواريخ في حين بمقدور دولة إسرائيل حماية نفسها بشكل فعال من خلال القبة الحديدية وعدم استخدام قوة مفرطة وبشكل عشوائي والرد بشكل لا يتناسب مع التهديد التي تشكله صواريخ حماس وهو عمل يرتقي الى جرائم حرب.
لقد كانت إسرائيل كالعادة سبب اندلاع موجة العنف الحالية. فهناك حملات منذ أشهر من قبل منظمات إسرائيلية من خلال المحاكم لطرد عدد من العوائل الفلسطينية في حي شيخ الجراح حيث يسكنون منذ ان طردوا من أراضيهم في حرب 1948. لقد أدت هذه المحاولات الى مواجهات شبه يومية بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية. لقد ازداد التوتر بعد الاشتباكات التي حدثت نتيجة مسيرات اليمين الإسرائيلي في القدس الشرقية تخليدا ليوم العودة وهو الاحتفال بتاريخ احتلال اسرائيل لهذا الجزء من القدس. تبعت هذه الاحداث قيام الشرطة الإسرائيلية بغارة على مسجد الأقصى أدت الى جرح المئات من الفلسطينيين. وهناك حوالي 350 ألف فلسطيني في القدس الشرقية يعيشون في أوضاع مماثلة، أي في وضع معلق وتحت تهديد الطرد.
لقد وجدت حماس كقوة يمينية مغرقة في الرجعية، فرصة في هذه الاحداث للاستفادة من مظالم الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية وخاصة ان الفلسطينيين اليوم هم أكثرا يأسا من أي وقت اخر، فقامت بأطلاق الصواريخ على المدن في الجنوب الإسرائيلي بشكل عشوائي وهو عمل يرتقي الى جريمة حرب. فكالعادة تستفيد القوى اليمينية على الجانبين المتمثلة بالحكومة الإسرائيلية وحماس والجماعات الإسلامية الأخرى من هذه الاحداث التي يدفع ثمنها الأبرياء على الجانبين.
ان الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها هو مرائي لان الحكومة الإسرائيلية نفسها تعترف بانها تستخدم قوة مفرطة وبشكل متعمد في هذه المواجهات. ان الحل هو الوقف الفوري لحملة إسرائيل، ولحد الان إسرائيل هي العائق امام وقف إطلاق النار اذ ان حتى شروط حماس لا تتعدى إطلاق سراح كل المعتقلين، سحب الجيش من مسجد الأقصى وعدم طرد العوائل الفلسطينية من بيوتهم وهي شروط معقولة. ان ما يشجع الحكومة الإسرائيلية على عدم القبول بوقف إطلاق النار هو دعم الحكومة الامريكية غير المشروط لها.
ان الاحداث الحالية هو سبب اخر يجعل حل قضية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بشكل نهائي مسالة ملحة. ان أفضل حل لهذا الصراع لايزال هو حل الدولتين. ان الحديث عن تقوية اليسار في إسرائيل بحيث يمكنه حل هذه القضية من خلال إقامة دولة يتمتع فيها الفلسطينيين بحقوق متساوية هو حل غير واقعي. ان المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع منقسم على نفسه واليسار بما فيه يسار الوسط دع جانبا التيار الاشتراكي والشيوعي منهار. ان الدولة وأجهزة الجيش والشرطة هي بيد اليمين. هذا اليمين مستفاد من بقاء هذه القضية غير محلولة حيث يدين في جزء من قوته الى بقاء حالة العداء والتهديد. يقضي استمرار هذه الاوضاع على ما عليها، على أي إمكانية لتقوية اليسار على الجانبين، فهذه الأوضاع تدفع كل المجتمع نحو اليمين. ليست صدفة ان اليسار على جانبي هذا الصراع ضعيف للغاية. ان حل هذه القضية سيؤدي الى تقوية اليسار وليس العكس. يقف اليمين الإسرائيلي بشدة ضد حل الدولة الواحدة بشرط ان يتمتع فيها الفلسطينيين بحقوق متساوية، لذا فان الحل الوحيد الموجود في عرف اليمين الإسرائيلي هو طرد الفلسطينيين من أراضيهم وفرض امر واقع جديد يتغير مع مرور الوقت وبقاء هذه القضية غير محلولة. استمرار هذه القضية بدون حل يزيدها تعقيدا ويجعل مسالة حل الصراع أكثر صعوبة. في حين، ان حل الدولتين هو حل يتمتع بدعم الكثير من القرارات الدولية والكثير من الدول والقوى حول العالم ويمكن العمل عليه الان. ان القضايا العالقة امام حل الدولتين هي اقل من العوائق امام حل الدولة الواحدة بكثير. ان ما يقف حائل امام هذا الحل بشكل أساسي هو مرة اخرى الدعم غير المشروط الذي تقدمه الحكومة الامريكية لدولة إسرائيل. لذا يجب فضح موقف الحكومة الامريكية واجبارها على وقف دعمها بما فيه الدعم العسكري غير المشروط. ان حل هذه المعضلة سوف يساعد في اضعاف القوى اليمينية على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني وانهاء دوامة العنف.