توما حميدجديد المقالات

حول حيادية وموضوعية الاعلام الغربي!

توما حميد

الجزء الثاني والأخير

…كما يقوم الاعلام بخلق عالم أخلاقي مقلوب راسا على عقب. فمثلا عندما توفى دونالد رامسفيلد وهو مجرم حرب وسايكوباث معروف، يقول الاعلام الغربي ان دونالد رامسفيلد خدم بحرص وبمهنية عالية وفي أقسى الأحوال يقول الاعلام، ان الحرب على العراق وأفغانستان كان انحراف في مسار شخص مخلص ومتفاني وذكي.  اذ لم نسمع من وسيلة إعلامية رئيسية ان وصفت دونالد رامسفيلد بمجرم حرب. بل في الحقيقة في فترة الحرب كان الاعلام يتحدث عن ان دونالد رامسفيلد هو اكثر رجل جاذبية جنسيا. وعندما تفاخر وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيرلسن  حول فعالية الحصار الاقتصادي ضد كوريا الشمالية بدليل ان الصيادين الكوريين يموتون في البحار نتيجة عدم توفر الوقود يمكنهم من العودة الى الساحل لم يقل شخص في الاعلام الرسمي بان هذه جريمة ضد البشرية وليس مصدر فخر. وسبب هذا مفهوم، اذ لا يستطيع الاعلام وضع مجرمون مثل جورج بوش ورامسفيلد وتيرلسن تحت طائلة السؤال لان هذا يضع كل المؤسسة الحاكمة في الغرب وخاصة أمريكا تحت السؤال.

كما يتحدث الاعلام ليلا نهارا عن سؤء الوضع الاقتصادي في فنزويلا مثلا دون ان يذكر ان القسم الأعظم من الصعوبات الاقتصادية في هذه الدولة او في كوبا هي بسبب الحصار الاقتصادي. ويكرر الاعلام الغربي بان العالم كله ضد روسيا والصين في صارعهم الحالي مع الغرب، في حين ان القصد من العالم والمجتمع الدولي هو عدد محدود من الدول اي أمريكا، كندا اوروبا، استراليا، نيوزلندا، اليابان وربما كوريا الجنوبية.

 وفي الوقت التي تمتلك فيه امريكا اكثر من 800 قاعدة عسكرية حول العالم ووظيفتها الأساسية هي احتواء الصين ومحاصرتها عسكريا والتحرش بها في البحر الصين الجنوبي، يتحدث الاعلام الغربي ليلا نهارا عن السلوك العدواني للصين. وفي الوقت الذي فيه عدد السجناء في أمريكا مقارنة بعدد السكان اكبر ب 6-7 مرات من عدد السجناء في الصين مقارنة بالسكان يصف الاعلام الأمريكي الصين بوطن السجون. ويتحدث الاعلام الأمريكي بالذات مرارا عن قمع الصين لمسلمي الايغور، في حين ان امريكا قتلت اكثر من 6 مليون انسان في اخر عشرين سنة في بلدان مثل أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا بشكل مباشر او غير مباشر. وكجزء من هذا العالم المقلوب يحرص الاعلام على تغليف الحروب بخلاف تقدمي وغطاء انساني، أي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية.

ان الدور الذي يلعبه الاعلام هو نابع من مصالح الطبقة البرجوازية. قبل كل شيء يجب ان يكون واضحا بان عدم المساواة في الدول الغربية قد وصل الى مستويات قلما شهده التاريخ وخاصة في المجتمع الأمريكي. في مجتمع مقسم الى قلة تتحكم بثروات المجتمع واغلبية معدومة في وقت يتمتع المجتمع بحق التصويت العام يكون من الصعب منع الجماهير من التصويت ضد مصالح الأقلية المالكة والحاكمة. لذا يقوم هؤلاء الرأسماليين في شراء الاعلام والسياسيين والعملية السياسية برمتها. ويقوم الرأسماليين بالسيطرة على الاعلام بشكل كلي. ففي أمريكا او بريطانيا او استراليا ودول اخرى مثلا هناك ترتيب معين لملكية الاعلام لا تسمح بان يكون حرا او ديمقراطيا. ففي أمريكا مثلا تتحكم خمسة شركات احتكارية ب 90%  من وسائل الاعلام الخبرية. وعلى سبيل المثال، ان جيف بيزوز الذي هو ثاني اغنى شخص في العالم وهو رئيس شركة امازون وهي واحدة من اغنى الشركات ولها عقود ضخمة مع الحكومة الامريكية هو صاحب اهم جريدة في أمريكا، اي واشنطن بوست.

 من جهة اخرى وسائل الاعلام هي أيضا مؤسسات احتكارية ربحية ضخمة وتعتمد على تمويل الرأسماليين والشركات الاحتكارية الأخرى من خلال الإعلانات لذا لا يقوم الاعلام بمعاداة الممولين بما فيهم شركات تصنيع السلاح والأدوية، بل يحرص على تعظيم الأرباح لأصحاب وسائل الاعلام والموليين. وتتحكم المؤسسات الاعلامية بأموال هائلة وهي ايضا تقوم بالمشاركة في تمويل الحملات الانتخابية للسياسيين الذين يدورون في نفس الفلك. فشبكة اخبار سن ان ان كانت ثامن أكبر شركة احتكارية في حجم التبرع لحملة هلاري كلنتون التمهيدية في 2016.  كما ان الترويج للحرب والاستقطاب العالمي ومعاداة أعداء حقيقين او وهمين يزيد من جمهور وسائل الاعلام.

  يقوم الاعلام بخلق توافق كلي حول الاحداث بوسائل كثيرة، اذ تعتمد معظم وسائل الاعلام على نفس مصادر المعلومات مثل السي أي أي او البنتاغون، او المؤسسات الاقتصادية والسياسية او حتى الشخصيات. فمن مثلا لا يتذكر اعتماد الاعلام على المعلومات التي قدمها احمد جلبي في الترويج للحرب على العراق.  ويحرص الصحفيين ووسائل الاعلام على نشر أكاذيب السي أي أي  والبنتاغون لأنها هي مصدر للمعلومات ومصدر لطبيعة القرارات وطريقة التفكير في المؤسسات الحاكمة، ويحرص الى عدم نشر أي شي لا يخدم رواية السي أي أي او البنتاغون لأن هذا سوف يحرمهم من الوصول الى مصادر المعلومات  ويؤدي الى توقف تمديد وسائل الاعلام بالمعلومات او تفقد الفرصة لمقابلة القادة والشخصيات النافذة والمطلعة على الاحداث والسياسات. وتقوم مؤسسات مثل ألسي أي أي بحملات منظمة لتغذية الاعلام بالروايات الرسمية، بل ان السي أي أي حتى قام بتجنيد صحفيين معروفين للترويج لوجهات نظر هذه المؤسسة بدأ من الخمسينيات في عملية تسمى اوبريشن موكيننغ.

من جهة أخرى تتبادل نفس الشخصيات الأدوار بين المؤسسات الحكومية ووسائل الاعلام وهيئات إدارة الشركات الاحتكارية والمؤسسات البحثية.  فعناصر من الأف بي أي والسي أي أي ووكالة الامن الوطني وجنرالات الجيش يصبحون محللين لدى وسائل الاعلام وأعضاء في هيئة إدارة شركات احتكارية. فمثلا رئيس السي أي أي السابق جون برينان عمل محلل استخباراتي لدى محطة أن بي ٍي. كما ان محطة سي ان ان وظفت مدير الاستخبارات الوطنية السابق جيمس لابير ورئيس ألسي أي أي السابق مايكل هايدن. كما عمل جاك كين محلل لدى فوكس نيوز وهو نائب اركان الجيش الأمريكي السابق.

ويقوم الاعلام كما قلنا بتفادي واهمال وحرف الإنظار عن القصص والقضايا التي لا تخدم الرواية الرسمية. كما تحرص وسائل الاعلام بمقاطعة الآراء التي لا تماشي الرواية الرسمية حول القضايا الرئيسية مثل الحرب، وإذا شاذ صحفي معين عن الرواية الرسمية والتوافق الرسمي سوف يقمون بضرب مصداقيته وتهميشه وهناك امثلة كثيرة جدا مثل أرن ماتى وغرين غرينود وماكس بلومينثول وغيرهم. كما تؤدي الأجواء السائدة بالصحفيين بفرض راقبة ذاتية، من اجل المحافظة على الموقع ومصدر الأموال. وتتفاعل كل تلك العوامل الى درجة بحيث لا يصل أحد الى المواقع المهمة في الاعلام الغربي اذا لم يثبت مؤهلات للكذب والتضليل. بالتالي تؤدي هذه الامور الى خلق بيئة واجواء تتغذى على وتغذي رواية معينة تصل حتى الى نشر قصص خيالية مثل “شبح كييف الذي أسقط عشرات الطائرات الروسية”، او “المعزة الاوكرانية التي فجرت مصيدة مفخخة أدت الى مقتل أكثر من أربعين جندي روسي”.

في مجال الحرب والتدخلات الغربية في الدول الأخرى بالذات، يكون الاعلام الغربي مطيع بشكل مثر للريبة للسياسة الخارجية الامريكية والغربية. ويلعب دورا مهما في اقناع الأمريكيين في شن حروب منظمة لا تعرف النهاية لقتل الابرياء وهو اليوم بصدد لعب دورا مهما في خلق دعم لحرب باردة جديدة. والاعلام عنصري وانتقائي في الموقف من الحروب ومعاناة الانسان. فبينما يتحدث الاعلام ليلا نهارا عن الجانب الإنساني للحرب في أوكرانيا، يقوم الاعلام بتفادي أي شيء يعكس الجانب الإنساني للحرب في اليمن مثلا. يعتبر الضحايا في أوكرانيا ذا قيمة ويعبر عن تفهم وتعاطف من معاناتهم في حين ان الضحايا في اليمن او فلسطين هم اقل قيمة، واقل جدارة بالتعاطف. وهناك عنصرية وازدواج المعايير للتعامل مع المهاجرين من سوريا او العراق او أفغانستان مقارنته مع المهاجرين من أوكرانيا.

لهذا فان كل الذي يقال عن الاعلام الغربي كونه اعلام حر ومستقل وموضوعي هو وهم وهو جزء من عملية التحميق التي لانهاية لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى