دخلت أمريكا الى أفغانستان واحتلتها قبل عشرين سنة بحجة الحرب على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر! واستطاعت ان تجمع حولها في هذه المهمة حلف ناتو العسكري. وكانت حصيلة هذه المهمة إقصاء حركة طالبان الإسلامية الإرهابية عن السلطة وإحلال أطراف إسلامية وقومية أخرى مكانها. وقتل آلاف من أبناء افغانستان وكذلك من الجنود الأمريكيين والبريطانيين والكنديين وانفاق مئات المليارات من الدولارات لهذه المهمة. واليوم انسحبت أمريكا ومعها الحلف ناتو من أفغانستان وتركت ورائها الصراع العسكري بين طالبان والحكومة الأفغانية القائمة بمساعدة أمريكا. وتمت هذه العملية باتفاق وصلح مع حركة طالبان .
واليوم وبعد عشرين سنة من هذه العملية ، تعود المعادلة الى مكانها السابق أي الصراع على السلطة بين الأطراف المتحاربة ، طالبان من جهة وبقية المجاهدين من جهة أخرى. وسوف تعود ومعها الحرب والاقتتال وكذلك بروز جماعات اكثر وحشية لقتل الناس وفرض أجواء الحرب والقتال مرة أخرى على الشعب الأفغاني … فقط بشرط واحد وهو تغير مكانة أمريكا وفشل سياساتها واحدة تلو الأخرى، وفقدت مكانتها العالمية كقوة عسكرية بلا منازع بعد بروز اقطاب عالمية أخرى وخاصة الصين والتي على مشارف بان تصبح اعظم قوة اقتصادية على الإطلاق وإمكانية ان تصبغ القرن الواحد والعشرين بمقدراتها الاقتصادية العالمية، وان تغير كثير من معالم النظام الرأسمالي العالمي، بهيمنتها التي لا تقف عند حد…
قلنا قبل عشرين سنة بان “الحرب على الإرهاب” ما أعلنته أمريكا ليس شيئا الا حرب بين أطراف الإرهاب, بين إرهاب الدولة بقيادة أمريكا وبين إرهاب الإسلام السياسي من اجل الصراع على السلطة ولا شأن له بعقاب القاعدة أوطالبان الإسلامية بحق المواطنين، وانما هي تقليم أظافر الأطراف الإسلامية العاملة خارج مصالح أمريكا والدول الغربية ومعاقبتها لكي تتلاءم وتتوافق مع مصالح هذه الدول الإمبريالية … واليوم يتسنى لنا ان نرى ما قلناه قبل عشرين سنة عن أفغانستان والحرب على الإرهاب وما أعلنته أمريكا. كيف كنا على صواب في دقة تحليلنا السياسي ومعرفة الأوضاع السياسية العالمية بعد 11 سبتمبر ومعرفة الأطراف الداخلة في هذا الصراع، معرفة طبقية وعمالية والتي كنا وحيدين تقريبا داخل جميع الحركات الاشتراكية العالمية نؤمن بهذا التحليل بعد ان وقف اليسار العالمي الى جانب الإسلاميين بالضد من الإمبريالية الامريكية بتبريراته السخيفة والسفسطة الانتي- الإمبريالية … وهكذا تعود الأوضاع في أفغانستان مرة أخرى تحت طاولة وحكم الإرهابيين الإسلاميين المتأقلمين سياسيا بان لا تمتد أياديهم الى المصالح الامريكية في المنطقة واكثر من هذا بان تخدم مصالح أمريكا في المستقبل…
ان تكرار هذا السيناريو على العراق ممكن ووارد أيضا. ان الصراع الأمريكي والإيراني في العراق والمنطقة قد يتطلب أمور كهذا أيضا اذا وصلت الى مكان بان تصبح القوة الإسلامية الشيعية الموالية لإيران عائقا امام سياسات الامريكية وخاصة في صراعها مع الصين وروسيا في الشرق الأوسط والمنطقة الى نقطة المواجهة المباشرة… فان ترك العراق يأتي بإرجاع القوميين العرب وفي مقدمتهم بقايا الحزب البعث الفاشي الى السلطة، قد يكون من احد الأمور الممكنة. نحن نرى بوادر من هذا النوع تقريبا وخاصة مساعدة أمريكا لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي والتيار القومي الناشئ بعد الانتفاضة أكتوبر، قد نلمح الرجوع الى هذا السيناريو من قبل أمريكا في العراق. ان تاريخ صعود جميع التيارات الإسلامية الشيعية الى الحكم في العراق جاء بمساعدة أمريكا بعد احتلال العراق ويمكن أيضا الاستغناء عن خدماتها بنفس الطريقة…
وفي كردستان العراق قد يحدث تغييرا سياسيا أيضا على الرغم من الاستقرار السياسي النسبي بالنسبة لأمريكا والذي يتجسد باعتماد حكومة إقليم بكلا الجناحين الطالباني والبرزاني على أمريكا ولكن هذا لن يدوم اذا تغيرت معادلة القوة واذا تغيرت سياسة أمريكا تجاه العراق والمنطقة. فلا إقليم كردستان يبقى ولا الصيغة الحالية في الحكم تبقى مثلما لم يبقى أي شيء بعد احتلال العراق وسقوط البعث… كل هذا يبقى على مدى وصول الصراع الى نقطة حرجة.
ان الدرس الذي واجب ان نتعلمه هو عدم تلاقي مصالح أمريكا والغرب والدول الإمبريالية مع مصالح الجماهير من العمال والكادحين والفقراء في اي بقعة من العالم بل وبالعكس متعاكسة. لا الحرب على الإرهاب في أفغانستان ولا الحرب بالضد من الديكتاتورية والاستبدادية في العراق كانت تخدم الجماهير المحرومة، بل وتفاقم الأوضاع نحو الأسوأ … وهذا ما نتوقعه دائما من مصالح الدول الرأسمالية .
ان التوقع من سياسات أمريكا والدول الغربية هو توقع غير صحيح ومخيب للآمال ولهذا لا يمكن التصديق لا بحججهم ولا بمبرراتهم السياسية وانما علينا ان تتعقب مصالحهم ومكاسبهم الحقيقية في كل عملية وليس مصالح ومكاسب الجماهير العمالية والكادحة. وان الاعتماد يجب ان يكون فقط على ارادتنا وقوتنا الموحدة والتي تعكس مصالحنا ومكاسبنا … ان تجربة أفغانستان بعد عشرين سنة ورجوعها الى أحضان طالبان والمجاهدين الإسلاميين، تجربة حية تمر امام اعيوننا ويجب ان نستخلص الدرس من هذه التجربة وان نتعلم كيف نبني مستقبلنا بأنفسنا وبعيداً عن أيادي الإمبريالية وأسيادهم في المنطقة. وان لا نبني أحلامنا بتوهمات وانما بواقع حالنا وبواقع إمكاناتنا وبواقع تجاربنا…