حول مقترح قانون الكاظمي الخاص بـ “إعادة التجنيد الإلزامي”!
حوار قناة “عالم أفضل” مع فارس محمود
عالم أفضل: لقد تصاعد الحديث عن قانون الخدمة الإلزامية هذه الأيام، إذ طرحه مصطفي الكاظمي أمام البرلمان. إن هذا القانون ليس بجديد، حيث تم طرحه امام عادل عبد المهدي الذي أركنه جانباً. ولكن السؤال هو لماذا يتم طرحه الآن، رغم أن هناك أيام قليلة (بحدود 40 يوم) على انتهاء أعمال هذه الحكومة، إذ من المقرر ان تجري انتخابات في العاشر من الشهر المقبل، اكتوبر-تشرين الاول، وسيتم انتخاب برلمان جديد… لماذا ألآن؟ هل هناك ضرورة سياسية واجتماعية ما تخص المجتمع؟!
فارس محمود: مجازاً، إنها ليست قضية ولا موضوع احد. الأغلبية الساحقة للمجتمع ترسف بالجوع، الفقر المدقع، العوز، الانفلات الامني، غياب الخدمات و…الخ. لا تجد آلاف العوائل سوى النفايات للأسف سبيلاً لإمرار معيشتها، ولا تجد عشرات الآلاف من النساء سوى المتاجرة بأجسادهن من أجل تأمين لقمة العيش لهن ولعوائلهن. بلغت الاوضاع الكارثية للمجتمع حداً من السوء لم تبلغه قط في تاريخ المجتمع المعاصر.
كما انه، أي مقترح القانون، ليس قضية تلك الملايين التي، من أجل إنهاء هذه الوضعية المأساوية والكارثية التي تمر بها، نازلت السلطة المليشياتية ودفعت مئات الضحايا وعشرات الآلاف من الجرحى، ناهيك عن مئات المختطفين على ما يقارب السنة. إن طرح هذا القانون يعكس كم، إن هذه السلطة مفصولة عن المجتمع وحاجاته ومتطلباته! وإنها تتعقب أهدافها الخاصة والضيقة.
السؤال لماذا الآن؟! من الواضح ان الكاظمي، ومن مثله، يعرفون جيداً إن هذا القانون المقترح لن تتم مناقشته في هذه الدورة، وإنما في الدورة المقبلة في احسن الاحوال. بيد أن هناك أهداف واقعية دعائية ينشدها من هذا الامر. فالأيام الراهنة أيام انتخابات، أيام دعاية انتخابية لا لشخصه فقط، رغم عدم ترشيحه لنفسه، بل لتياره السياسي العروبي العراقي، وفي سياق ذلك، أن ينال مكانة في السلطة المقبلة. انه يريد أن يدفع بالحس والشعور القومي والوطني و”العراقي” على صعيد المجتمع بوجه التيار المنافس له، أي تيار الإسلام السياسي الشيعي المليشياتي الولائي والذي يرفع رايته هذه المرة لا العامري ولا الفياض ولا الخزعلي، بل تيار المالكي، دولة القانون. الكاظمي هو طرف من تيار واسع “وطني” و”عراقي”، ومن ممثليه التيار الصدري، الحلبوسي، الحكيم، العبادي، ما يسمى بـ”السنة” إجمالاً ومعهم المرجعية في النجف، بالإضافة الى أمثال أياد علاوي وصالح المطلك وحتى الحزب الشيوعي العراقي وامثالهم،. هذه الخطوة هي دفع لهذا التيار بوجه منافسه الأساسي المذكور.
مثلما حدث الامر مع مؤتمر بغداد الأخير، فالكاظمي يعرف أكثر من غيره أنه، وبوصفه على رأس هرم السلطة التنفيذية والحكومة في العراق، غير قادر على حل مشكلة بين عشيرتين متخاصمتين في البصرة او بغداد او ميسان، فكيف الحال بحل مشكلات اقليمية معقدة وشائكة من مثل السعودية وايران، تركيا ومصر وغيرها! ولكن هدفه المباشر في هذه الأوضاع هو الدفع بالمسار “الوطني”، “العراقي” و”الدور الاقليمي للعراق” و”الثقل السياسي للعراق” و”عودة العراق الى حاضنته العربية” وغيرها بهدف الدفع بهذا التيار ورفع شعبيته ورصيده على صعيد اجتماعي بوجه خصومه، وبالأخص ابان الانتخابات. ولهذا، ليس بغريب ان يهلل مقتدى الصدر لهذا المؤتمر بوصفه “مؤتمر اخوي قبل ان يكون سياسي”! والتي لا تتعدى عبارة انشائية عديمة المعنى والروح، وسمجة!
ولهذا باختصار، ليس لهذا القانون اي صلة او ليس رد على أية معضلة من معضلات جماهير العراق التي لاحد لها ولا حصر ويتعقب اهداف ضيقة وخاصة صرف.
عالم أفضل: بهذا الخصوص، ما هو موقف التيارات وأطراف ما يسمى بالعملية السياسية من هذا الطرح؟!
فارس محمود: مثلما أشرت سابقاً، ورغم إن اطراف العملية السياسية لم تتحدث عن هذا الامر لحد الان، لانهم يدركون انه ليس أولوية اليوم، ولن تتم مناقشته او التصويت عليه الآن او حتى عن قريب، ولكن يمكن تصنيف المواقف من هذا القانون، وحسب المصالح والهوية السياسية للأطراف الى التالي:
تيار قومي عروبي عراقي بصبغة دينية (من أمثال التيار الصدري وغيره) او بغيرها، وهذا ذكرت اطرافه في سؤالك السابق.
ولكن يبقى التيار المليشياتي الموالي لإيران، وفي هذه المرحلة، وبسبب من انفضاح ماهية هذا التيار وشخوصه القيادية نظراً لدورهم الاجرامي واعمال القتل البشعة التي قام ويقوم بها، طأطأ الرأس لأن يقوده اليوم المالكي ودولة القانون، فهو بالضد من مؤسسة الجيش، وسعى دوماً الى التندر والاستخفاف والاستهزاء بهذه المؤسسة وإشاعة الدعايات بالضد من الجيش، واستهانوا بقادته على طول الخط، ويتحدثون بمناسبة او غير مناسبة عن “فشل” هذه المؤسسة وعن ان تسليحهم كحشد ومليشيات افضل من الجيش، وهم في صراع مصالح ومكانة معه. لان أي اقتدار لهذه المؤسسة يقع بالضرر عليهم، ويضع عراقيل وعقبات امام مشاريعهم واهدافهم التي تصب في صالح ولي نعمتهم في ايران. وبالأخص إنهم يعرفون ان للجيش العراقي تقاليد قوية وتاريخ كمؤسسة وحضور على صعيد اجتماعي جراء وجود تيار عروبي عراقي قوي، لن اتحدث هنا عن السجل والماهية الاجتماعية والطبقية لهذا التأريخ. ولهذا، فانهم، لا يريدون اي وجود لهذه المؤسسة، وإن وجدت، فتكون بأحسن الأحوال مؤسسة هامشية، ضعيفة، خاضعة لهم. مثلما هو حال الجيش الايراني امام الحرس الثوري (الباسداران) أو الجيش اللبناني أمام حزب الله مع الفارق طبعاً.
التيارات القومية الكردية باختلاف احزابها وتياراتها وميولها، تقف بوجه اي اقتدار لهذه المؤسسة. انها لا تريد جيش مقتدر في البلد. ولهذا، نراها كثيراً ما تتحدث عن اجرام الديكتاتوريات المتعاقبة وجيوشها والمجازر التي ارتكبت في كردستان العراق وغير ذلك والتي هي مدانة برايي. انها ترتعب من هذه المؤسسة وتخاف منها على طموحاتها وسلطتها وحكمها وثرواتها. ولهذا لا تريدها!
ولهذا، تنظر كل من التيارات المذكورة اعلاه من زاوية مصالحها وصراعاتها وأهدافها السياسية المحددة حصراً.
عالم أفضل: رغم مرور أيام قليلة على طرح الموضوع، شهدنا أن هناك طيف يدفع بهذا الامر، يدافع عنه، يراه خطوة في الاتجاه الصحيح، ويسوّق او يتأمل من او يرى في هذا القانون ضرورة وذلك لأنه “سيقوي اللحمة والروح الوطنية”، “سيعمق مساواة أبناء المجتمع (الاغنياء والفقراء على السواء) في اشتراكهم بخدمة الوطن”، فيما يذهب آخرون الى الحديث عن “تنمية قيم الرجولة وضد ميوعة الشباب والانضباط الضروري لمجابهة متطلبات ومصاعب الحياة” وانتشال الشباب من المخدرات والانحرافات الاجتماعية” و…الخ. ما هو رأيكم بهذه الطروحات؟!
فارس محمود: هناك تصور خاطئ ومقلوب في هذه العملية. إنهم يتصورون، سواء عن وعي أو غير وعي، وأتوقع كثيراً عن وعي، إن بوسع هذا الأمر ان “يقوي اللحمة الوطنية” و”يحسم هوية الدولة العراقية-العروبية” و”بناء عراق قومي ووطني”. أي يحسموا هوية البلد والسلطة عبر هذا السبيل، التجنيد الإلزامي. ولكن حسم هوية البلد تأتي امتداداً وتتويجاً لحسم مسالة السلطة.
اليوم، ثمة تياران متصارعان أساسيان على السلطة: أحدهم إسلام سياسي شيعي موالي لإيران يسعى لتثبيت هوية اسلامية-شيعية-طائفية وفرضها على المجتمع، وهذا تراه في كل ممارسته السياسية والاجتماعية، القوانين التي يسعى لسنّها، والتقاليد التي ينشد إشاعتها، ودعايته ومناسباته الدينية، زياراته، كربلائه، مناهجه الدراسية، أسماء الشوارع وأسماء المولودين الجدد و..الخ. أقر الولائيون المتعطشون للسلطة تعطش حياة أو موت انه لا باس في هذه المرحلة ان يكون المالكي واجهتهم لأن ليس لديهم وجه “ابيض” امام المجتمع. وهناك تيار عراقي ووطني تحدثت عنه يسير في ركب امريكا. إن حسم مصير الصراع على السلطة مستقبلاً هو من يحسم هوية البلد قومية، اسلامية، إنسانية او علمانية أو غيرها ارتباطا بصراع الحركات السياسية والاجتماعية.
يقولون على سبيل المثال ( إذا جعلنا التجنيد إلزامياً، سيتعايش في معسكر واحد احد ما جاء من البصرة وآخر من الانبار وغيرهم من العمارة واربيل ودهوك والموصل، مسيحيين وسنة وشيعة و تركمان و… وستتقوى بهذا النزعة الوطنية العراقية!). اي تصور سطحي وساذج ومغرض هذا؟! فعلى امتداد تاريخ العراق، كان الناس متعايشين وفي سلام. من الذي أتى بالقتل على الهوية؟! من الذي أتى بالصراع السني-الشيعي؟! لم يكن صراع ناس “عاديين”. إنه صراع مليشيات اجرامية والناس “العاديين” هم من كانوا ضحيته! لشدة انعدام أخلاقهم السياسية يرمون بالمذابح والجرائم التي ارتكبوها، والتي كانت كل واحدة تكفي لاعتبار القائمين عليها كمجرمي حرب او جرائم ضد الانسانية، على رأس المواطن في تكريت، والمثنى والديوانية وكركوك!!!! هذا الصراع من خلقه ودفع به ونظّر اليه هم المليشيات وأبواقها ومثقفوها القوميين والطائفيين، وليس الناس العاديين. ولهذا، يجب ان تكتب الجرائم على جبينهم، وليس علي أي جبين آخر!
ولكن لو فرضنا انهم جمعوا “العراقيين من كل العراق في معسكرات أو مخيمات مشتركة”، هل ستٌحل المشكلة؟! أصعباً أن تقام تكتلات وجماعات متناحرة بهويات زائفة ومختلقة داخل المعسكر، معسكر مدجج بسلاح؟!! إذ يكفي ان تكون هناك مصالح قومية أو طائفية لجماعات من امثال الذين في السلطة لتحاك المؤامرات والألاعيب حتى تخلق تكتلات سنية وشيعية وكردية وعربية وتركمانية ومسيحية و…الخ في المعسكرات وتتحول الى حمامات دم. ألم نرى ونجرب هذا من قبل؟!
أما المبرر الذي يتحدث عن تساوى الغني والفقير في الدفاع عن البلد، فنحن ننشد ان يتساوى الغني والفقير في الرفاه، العيش الرغيد، في التمتع بإمكانيات المجتمع وثرواته، بالسفر ورؤية العالم والخ…. إنها كذبة أن يتساوى الفقير والغني في الجيش. فأحدهما يستطيع أن يقدم رشاوي للضباط ويجلس متنعماً في بيته، والآخر ينحجر في ثكنة بائسة، أحدهما تنقله سيارة آخر موديل، والآخر يركض وراء الحافلات في العلاوي والنهضة!…. ليكفوا عن هذا الهراء بصراحة…!
صحيح! ليس لانعدام الضمير حدود! دمّروا الشباب، حطموهم، جعلوهم عديمي المستقبل والغد، بل بلا حاضر ويوم. إذ يومهم غير معلوم، ناهيك عن غد ومستقبل. (إن أحد القرارات التاريخية الحكيمة للكاظمي انشاء صندوق الاجيال!!!). أولاً، ليحل مشكلة “العايشين”، الموجودين، وليفكر بعد ذلك بالأجيال! يمر الشباب بضياع مرعب، لا النهار له معنى، لا الليل له معنى، لا الاستيقاظ له معنى، لا وقت النوم له معنى، فلا عمل ولا دراسة ينهض او ينام في ساعة معينة من أجلها، والآن هم يتحدثون عن “ميوعة الشباب” وهذا المفهوم المتخلف، “الرجولة”! حطّموا الشباب، ويرموا أوزار القضية على كاهل الشباب؟! هل في هذا ذرة انصاف؟! ذرة حقيقة؟! حطّموهم ودمّروهم، ولم يبقوا نهارهم نهار، ولا ليلهم ليل، والان يطرحون “التجنيد الالزامي” بوصفه حل لخلاصهم من هذه الوضعية؟!
عالم افضل: يتحدثون عن ان “قانون التجنيد الالزامي ليس مشروع قتالي فحسب، بل مشروع للنهوض بالشباب ولتطوير البلد واقتصاد البلد، اذ بوسعهم ان يتعلموا مهن واعمال هناك، وبالتالي، يستخدموها في القطاع الخاص او الحكومي وغيره”… وفيما يخص “تطوير الاقتصاد”، يستشهدون كثيراً بتجربة جيش مصر، حيث للجيش مشاريع اقتصادية وشركات خاصة به تقوم بتوظيف الجنود وطاقاتهم و… الخ ماذا تقول عن هذا؟!
فارس محمود: يضحكوا على مَنْ بهذا؟ لماذا عبر الجيش وقناة الجيش يتعلم الشباب مهن واعمال؟! لماذا ليس مباشرة عبر معاهد وجامعات؟! ما الحاجة للتجنيد الالزامي ليقوموا بهذا؟! ولكن قبل هذا وذاك، ينبغي توجيه السؤال للسلطة الحاكمة بكاظمييها وغير كاظمييها: ماذا عملتم لمئات الآلاف من الخريجات والخريجين، حملة الشهادات، والعاطلين عن العمل الذين تظاهروا وقتلتم المئات منهم لحد الان حتى يتطلع أحد ما من “خريج معسكرات تدريب”؟!
يطلبون منا الاستفادة من تجربة جيش مصر، وتجربة مصر هي تجربة التصنيع العسكري بالعراق في الثمانينات. لأوضح تجربة جيش مصر. يخدم الجندي خدمته الالزامية عبر القيام بالعمل في مشروع من مشاريع الجيش الكثيرة، والجيش يسيطر على قدرات اقتصادية هائلة من ثروات المجتمع. يقولون له تعمل لدينا(2-3 ايام في الاسبوع) في مصنع، معمل، محطة وقود ما تابعة للجيش، مقابل راتب عسكري رمزي زهيد لأنه تقضي انت خدمة علم، خدمة إلزامية يجب ان تقوم بها. وبالتالي، الخدمة الالزامية هي منبع خصب لعمالة رخيصة، بأجور لا تصل الى جزء بسيط جداً من أجرة العامل الاعتيادي في ذاك المكان، وبساعات عمل طويلة ويستمر هذا لسنتين او اكثر، وبعدها يأتي آخرون ليحلوا محله.. وهلمجرا!
ان هذا يخلق ارباح خرافية للطبقة البرجوازية وجيشها. ويقولون له اعمل لنا يومين او 3 ايام وبقية الايام لك؟! إنه عمل اجباري بشع ومرهق دون حق الاحتجاج او الاضراب، دون ضمانات وحقوق،… عمل سخرة، عملاً عبودياً حتى يراكموا ارباح طائلة وخرافية للبرجوازية لا يمكن جنيها في اوضاع عادية او مجتمع عادي!
أي إن دعاتنا المحترمون يريدون أن يراكموا ثروات هائلة للطبقة البرجوازية في العراق عبر الإمعان في اضطهادهم كعمال بلباس الجيش، وبحقوق ادنى وبظروف عمل ابشع من وضعية العامل العادية المزرية اساساً. هذا ما تريدوه لشباب العراق؟! هذا طرح برجوازي من أجل خلق تراكم سريع وصاروخي للأرباح والثروات للبرجوازيين، لا أكثر، على حساب سحق الجندي-العامل!
عالم أفضل: يتحدث برنامج الحزب الشيوعي العمالي، “عالم افضل” عن حل الجيش وسائر القوات المسلحة الحرفية”… هل بوسعكم ان توضحوا هذا أكثر؟!
فارس محمود: تُبنى الدول على عمودين، مرتكزين أو ركنين وهما: الجهاز البيروقراطي (الدواويني) والجهاز القمعي بجيشه وشرطته وامنه ومخابراته ومليشياته الرسمية وغير الرسمية. الاول، لإدارة المجتمع واقتصاده ومجمل شؤونه الاجتماعية. والثاني، لإخضاع المجتمع وضمان تسييره عمليات الجهاز الاول بدون “منغصات”.
الجيش والقوى المسلحة في المجتمع ليست سوى أدوات مأجورة للطبقة الحاكمة تم تنظيمها على حساب نفقة العمال والكادحين، مهمتها إخضاعهم، وحماية مصالح البرجوازية والسوق الداخلية للبلد أمام وبوجه تطاولات البلدان الأخرى.
من المؤكد إن الطبقات الحاكمة تسعى إلى حجب المحتوى الطبقي للجيش وتحت مسميات مختلفة من مثل “سور الوطن” وغير ذلك. ولكن الجيش، وفقاً لتاريخ المجتمع البشري، قد تم استخدامه في الحروب الداخلية، في مجابهة وقمع الجماهير المحتجة والمنتفضة اكثر بألف مرة من الحروب على الحدود مع “العدو الخارجي”.
ففي الحالات التي يتفاقم بها الصراع، وتنزل الجماهير بقوة للميدان بحيث تعجز الأجهزة الداخلية “التقليدية” من شرطة وقوات أمن وغيرها عن السيطرة على الوضع، وتسير الأمور نحو انفلات الأوضاع من قبضة الطبقة الحاكمة، يتم انزال الجيش بوصفه قوة أكثر اقتداراً واستحكاماً ومتانة وشراسة لحالات الطوارئ هذه.
وحين تعجز البرجوازية عن كبح جماح الجماهير، تعمد البرجوازية الى الاشارة للجيش أو الإيعاز له بالتدخل وازاحة الحكومة وإقامة حكومة طوارئ أو أحكام عرفية. وهذا ليست حالة فردية أو مقتصرة على بلدان افريقيا واسيا. أذ شهدت هذا أغلب بلدان العالم، ومنه العالم المتقدم. ولهذا، فالجيش جهاز قمعي لهذه الطبقة، للحروب الداخلية ومجابهة “العدو الداخلي” اكثر من الخارجي. ولهذا، ينبغي حله وحل سائر الأجهزة القمعية للبرجوازية، واستبدالها بقوى الجماهير المسلحة للمجالس.
عالم افضل: هل من كلمة اخيرة بهذا الصدد؟
فارس محمود: لدي ملاحظة لم تسنح الفرصة للحديث عنها الا وهي إن أول القرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي هي “الورقة البيضاء”، أي سياسة وورقة افقار الجماهير وتجويعها، وخفضت من قيمة العملة العراقية أمام الدولار وغيرها من سياسات “تقشفية” وسياسات “شد الاحزمة” والتي يقتطعونها من المتقاعدين والعمال ومحرومي المجتمع وذلك بحجة “العجز المالي” والأزمة المالية والاقتصادية” للبلد! السؤال المطروح هنا: لماذا للتجنيد الإلزامي الذي يحتاج الى مبالغ طائلة، هناك أموال. في اوضاع هناك ما يقارب من مليون منتسب للقوى المسلحة المختلفة من جيش وحشد وبيشمركة وقوات تدخل سريع و… بيد أن ليست هناك أموال لوظائف جديدة وتعيين الشباب وغيرها؟! ان هذا يبين كم أن هذه الدولة بعيدة كل البعد عن مصالح الجماهير. ويجب ان ترحل فوراً.