لقد بات موقف اليمين البرجوازي من وباء كورونا واللقاحات ضد هذا الفيروس والكم الهائل من المعلومات المضللة التي ينشرها أنصع مثال على وقوف اقصى اليمين ضد العلم عندما تتطلب مصالحه السياسية هذا الامر، حتى إذا كان هذا يعني الاضرار بسلامة ومصير المجتمع البشري بأكمله. فرغم ان ارقام الوفيات حول العالم نتيجة الوباء تدحض بشكل قاطع الادعاءات حول عدم خطورة فيروس كورونا ورغم ان الإحصاءات الواردة من الدول التي سجلت معدلات عالية من التلقيح مثل امريكا وبريطانيا تقدم دليل لا لبس فيه بان اللقاحات تقلل خطر الإصابة بالفيروس والدخول الى المستشفى والوفاة نتيجة الفيروس بشكل كبير، ورغم اثبات سلامة اللقاحات وخاصة اللقاحات التي استخدمت التقنيات الحديثة والتي اثير حولها اكبر قدر من المعلومات المضللة بعد تلقيح مئات الملايين من البشر حول العالم، يستمر اليمين في حملته لنشر نظريات المؤامرة و المعلومات المضللة في هذا الصدد. بات يطلق على وباء كورونا وباء غير الملقحين نتيجة الفرق الكبير التي تحدثها اللقاحات. ففي أمريكا مثلا، من جهة أصيب ما يزيد عن 36 مليون انسان بهذا الفيروس وتوفى منهم اكثر من 626 الف شخص ومن جهة أخرى استلم اكثر من 193 مليون شخص على الأقل جرعة واحدة من اللقاح و لم تسجل الا حالات نادرة جدا من احداث سلبية خطيرة. لذا فان كل الادعاءات التي نشرها اليمن حول الفيروس واللقاحات ومختلف العلاجات هي غير مدعومة بالدلائل، بل تم دحضها بشكل قاطع في فترة قصيرة جدا، ولكن رغم هذا تكافح السلطات والكادر الصحي في الكثير من الدول في اقناع السكان بضرورة التطعيم ضد الفيروس. ان الشكوك والجدال حول اللقاحات ومقدار المعلومات الخاطئة والمضللة التي تنتشر تولد قدر هائل من الإحباط. وتتعاظم هذه المشكلة في المجتمع مع تعاظم دور اقصى اليمين.
الغائب في كل هذا هو الكشف عن الطبيعة الطبقية لهذه الحملة المضللة والتي تشكل خطر كبير على البشرية. في الغالب ينظر الى سبب انتشار هذه المعلومات المضللة وجود وسائل التواصل الاجتماعي او قلة الوعي الصحي والعلمي او وجود عدد هائل من المجانين في المجتمع، ولكن في الحقيقية ان لهذه الظاهرة اسباب طبقية. ان معاداة العلم هي من اجل مصالح اقتصادية وأحيانا تصبح وسيلة من الوسائل الايدولوجية لليمين لحشد الجماهير. لليمين تاريخ طويل من معاداة العلم مثل انكار مخاطر التدخين، مخاطر السكر المكرر، الافراط في اكل اللحوم والمنتجات الحيوانية والتغير المناخي، ومعاداة التلقيح بشكل عام، والترويج للطب والعلاجات البديلة. ولكن يبقى الموقف من هذا الوباء مثله مثل انكار التغير المناخي، واحدا من أكثر مواقف اليمين ضد العلم خطورة على حياة البشرية. ان الفرق بين انكار تغير المناخ وبين الموقف من الوباء هو ان الأكاذيب التي ينشرها اليمين تجاه الوباء تنفضح ويمكن دحضها في وقت قصير نسبيا.
ان الازمة الاقتصادية العميقة التي يواجهها النظام الرأسمالي وخاصة منذ ازمة 2008 والفشل الاقتصادي والسياسي للأحزاب التقليدية، أحزاب يمين ويسار الوسط قد فسحت فرصة لبروز اقصى اليمين. في نفس الوقت، من وجه نظر البرجوازية لهذا اليمين دور مهم جدا في مثل هذه المرحلة حيث يواجه كل النظام أزمات عميقة. ولذلك نجد بان المجتمعات الرأسمالية بما فيها الدول الغربية المتقدمة مثل امريكا تعج بمليشيات اقصى اليمين مثل “ثري بيرسينتجيرز” و”اوث كييبيرس” و”برواد بويز” و”بوغالو بويز” و”امريكان كونتنجنسي” ومئات المنظمات اليمينية الاخرى. تلجأ أحزاب وقوى اقصى اليمين التي تقف ضد معظم حقوق الطبقة العاملة مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وتقديم الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية، وحقوق النساء والأقليات وتدافع بقوة عن اقتصاد سوق الحر وعدم المساواة في المجتمع الى الترويج لقضايا ايدولوجية وسياسية لحشد الدعم لنفسها وللأحزاب التي تؤيدها.
اذ يقوم اقصى اليمين بتشجيع كل الانقسامات والتعصبات في المجتمع على أساس العنصرية وكراهية الأجانب والنزعة المحلية والقومية والذكورية. ويمثل محاولة جعل المهاجرين الذين يهربون من اوطانهم نتيجة سياسات الحكومات الغربية اليمينية كبش الفداء وتحمليهم مسؤولية إخفاقات النظام الرأسمالي اهم ركن من اركان سياسة هذه القوى. كما ان تقسيم البشر على أساس الدين والطائفة هو سلاح مهم بيد هذه القوى ليس في دولة مثل العراق الذي يُحكم من قبل ميليشيات طائفية او الهند تحت حكم ناريندا مودي وحزبه فحسب، بل حتى في أمريكا مثلا. ويقوم عادة بالترويج للرجل القوي الذي يمكنه القضاء على الفساد والمخدرات والمحسوبية وتجاوزات الدول الأخرى وقد وجدنا نماذج لهم مثل دونالد ترامب وبولسنارو وناريندا مودي، واوربان ورجب طيب اردوغان وغيرهم. ويروج هذا اليمين ضد حقوق المرأة وضد حقوق الشرائح الأخرى مثل مثلي الجنس في المجتمع. تعتبر رفض عالمية حقوق الانسان والانتقائية في الدفاع عن حقوق الانسان واحدة من مميزات هذه القوى. ولا يعترف اقصى اليمين حتى بالكثير من الحقوق والحريات التي توفرها الديمقراطية الليبرالية تحت حجة الدفاع عن حقوق الأغلبية في المجتمع. يتعايش هذا اليمين على نشر رواية يمينية مفادها انه ليس لا يمكن: الوثوق بالحكومة والمؤسسات الحكومية فحسب، بل بالمؤسسات الرسمية بما فيها المهنية ومن ضمنها التي تمثل من الإنجازات المهمة للبشرية مثل المنظمات الصحية ومؤسسات البحث العلمي وتشن حملة لتشوية سمعة هذه المؤسسات.
وتحول مسائل جانبية في المجتمع مثل حق حمل السلاح الى قضايا أساسية. يعتبر تشكيل ميليشيات مسلحة شكل مهم من اشكال التنظيم لهذا اليمين والتي تلجأ الى ممارسة الإرهاب في الكثير من الأحيان.
ان نشر نظريات المؤامرة حول تغير المناخ هو وسيلة أخرى للحشد السياسي والذي يتماشى مع مصالح الرأسماليين الذين ينظرون الى القوانين والضوابط اللازمة لمكافحة الاحتباس الحراري عوائق جدية امام تراكم الرأسمال.
ان نشر نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة التي تستند على سوء قراءة متعمدة للمنشورات العلمية او التي لا تستند على أي دليل حول الوباء واللقاحات التي تشجع الشك في إجراءات الصحة العامة التي تحد من انتشار الوباء ومخاطره وتضخيم فوائد العلاجات الصحية البديلة مثل هيدروكس كلوركوين وصولا الى نشر أفكار سخيفة مثل كون اللقاح وسيلة لزرع شريحة تتبع او طريقة لتغيير الحمض النووي هي جزء من عملية الحشد من قبل اقصى اليمين وهي جزء من حزمة تشمل كل الأمور التي ذكرناها.
يجب النظر الى نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة تجاه الوباء واللقاحات ليس كأفكار مزعجة، بل كجزء من دعاية ايدولوجية وسياسية خطيرة مرتبطة أحيانا بقضايا مصيرية بالنسبة للبشرية. يجب النضال ضد الحملة الحالية لأقصى اليمين بصدد الوباء واللقاحات ليس كحملة منعزلة بل باعتبارها جزء من حزمة من الأفكار و الممارسات الرجعية لهذا اليمين التي تهدف في النهاية الى اخضاع البشرية ولفت الأنظار عن أزمات واخفاقات النظام الرأسمالي. في نفس الوقت، يبقى هذا اليمين الرجعي القوة الاحتياطية التي يزج بها الى الواجهة من قبل البرجوازية في فترات الاستقطاب الطبقي الحاد، وعندما تكون البرجوازية وحكمها تحت خطر حركة عمالية واعية ومقتدرة. على الشيوعيين في العراق توضيح هذا المحتوى الطبقي الرجعي للحملة المعادية للتلقيح ضد كوفيد-19.