سمير عادل -عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي ورئيس تحرير جريدة “الى الامام” – في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الشيوعية العمالية والاسلام السياسي.
في البداية نشكر “الحوار المتمدن” على اتاحة الفرصة لنا في فتح هذا الحوار مع القراء الاعزاء. ونود ان نقول ايضا من الصعب اختيار اي موضوع للحوار في ظل تحولات عظيمة وكبيرة وخطيرة تحدث على حياة البشر في العالم. في مرحلة تحاول الطبقة البرجوازية العالمية ليست في صياغة معادلات سياسية جديدة عبر اعادة تقسيم العالم بطرق بربرية ووحشية فحسب بل ايضا في صياغة مفاهيم ومقولات جديدة وطبع العالم والمجتمعات البشرية وقولبته على اسس تتناسب مع تلك الوحشية والبربرية. لقد استطاعت البرجوازية وبحق ان تقايض الجماهير، اما الافقار والعوز وقمع الحريات او الامن والامان. لقد امست “الحرية”، “المساواة” “الرفاه” مقولات من الكماليات، بعد ان تحول العالم الى مسرح للقتل والجريمة الوحشية، واجبار الناس في كل مكان على تقديم تنازلات من حريتها ورفاهها من اجل العيش فقط والبقاء على قيد الحياة بشروط مجحفة.
لقد اخترنا عنوان “الشيوعية العمالية” وهي عنوان حركتنا،ولم اختر، الشيوعية، كي نفصل بين شيوعية ماركس وشيوعية لينين، الشيوعية التي تعلمناها من الأيديلوجية الالمانية والبيان الشيوعي والرأسمال، عن الشيوعية التقليدية، الاحزاب الشيوعية التقليدية، التي هادنت وتهادن الدين،وتطأطأ رأسها امام كل الترهات والخرافات الاسلامية بعنوان “التراث” وان الظروف ليست جاهزة الان، وعلينا ان لا نقفز فوق الواقع. لقد شوهوا حتى ما قاله ماركس حول الدين ” بأن الدين افيون الشعب- نقد فلسفة الحق لهيغل”. لقد قرأنا وفي نفس هذا الباب “حوار مع كاتب” كيف ان أحد الذي يعرفون أنفسهم بواحد من قادة الحركة الاحزاب الشيوعية وتحديدا اذا لم تخني الذاكرة من السودان، بتشويه مقولة ماركس اعلاه حول الدين وحيث يقول عنها انها ليست صحيحة ومفبركة. او الذهاب ابعد من ذلك في عقد الصفاقات مع الاحزاب والقوى الاسلامية تحت مبررات اكثر من سخيفة وهي من اجل المصلحة الوطنية والابتعاد عن الحزبية الضيقة، كي تصبح بالأخير ذيل للأحزاب الاسلامية او في افضل الاحوال تنظم طواعية تحت جناحها،وهي في الحقيقة محاولة فاشلة بدأتها هذه الاحزاب منذ أكثر من نصف قرن في لوي عنق الماركسية وموقفها من الدين وتفريغها من محتواها الثوري كي يتناسب مع فِصال الاسلاميين. بينما القوى الاسلامية لم تٌكًيّفْ اي من مقولاتها مع الشيوعيين والماركسيين وظلوا يروجون ضدهم بأنهم “ملحدين”وهم هكذا بالفعل ولكن بطريقة يحاولون تخويف المجتمع منهم، ويمارسون الجنس مع اخواتهم وينشرون الفساد في المجتمع، للتغطية على محتواهم الطبقي المعادي للطبقة العاملة وتقديسهم للملكية الخاصة ومعادة لكل ما هو انساني.
لقد اخترناعنوان الموضوع اعلاه، لأنه يتمحور حول مستقبل وافاق البشرية ويحدد الافاق النضالية بكل الوسائل ضد الاسلام السياسي الذي بات يهدد مستقبل انسانية.فاذا كان صعود الفاشية والنازية والتاتشرية والريغانية المعادية حد النخاع لمحتوى وفلسفة وجود الانسان وقيمته، فأن الاسلام السياسي ليس اقل معاداة للمحتوى الانساني. وإذاكانت الفاشية والنازية والريغانية والتاتشرية، تبين بأن البرجوازية وفي منافستها وازمتها الاقتصادية،لن تتمكن من الصمود الا بأبراز مخالبها وانيابها لغرسها في جسد العامل، المرأة، الطفل الشاب، المسن، وتسلب كل مكتسباتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى استعداد لشن الحروب الدموية، كي تتمكن من الاستمرار واعادة انتاج الرأسمال والمحافظة على ارباحها،لتعبر ازمتها باقل الخسائر، فأن الاسلام السياسي هو تعبير عن اكثر التيارات البرجوازيةانحطاطا على الصعيدالفكريوالسياسي والاجتماعي والاخلاقي في هذه المرحلة التاريخية. ان الفاشية والنازية والديمقراطية والليبرالية والاسلامية والقومية هي خيارات وبدائل البرجوازية في كل مرحلة تاريخية من حياة النظام الرأسمالي، وتطرحها البرجوازية حسب حاجتها السياسية والاقتصادية وتناسب القوى في المجتمع. ان اكثر التيارات البرجوازية انسانية ومتحضرة ومتمدنة هي الليبرالية، لكن البرجوازية لن تقدمها كبديل الا في حالة توزان القوى ليس لصالحها. صحيح ان التقاليد الليبرالية والديمقراطية ترسخت في المجتمعات الغربية، وليس من السهل اقتلاعها، لكن البرجوازية دائما لها وسائلها في تقويض تلك التقاليد ومقايضتها امام الامن والامان، مثلما حدث بعد اعقاب جرائم الحادي عشر من ايلول في واشنطن ونيويورك التي تمر ذكراها علينا، ومثلما حدث في فرنسا اعقاب جريمة “تشارلي ايبدو” ليخيم على العالم قانون واحد في مصادرة الحريات، وهو قانون مكافحة الارهاب.
ان النقد الشيوعي العمالي الى الاسلام السياسي، ينبع من هذه الزاوية، من زاوية نقد فكري سياسي واجتماعي واقتصادي طبقي. انه لا ينظر الى الاسلام السياسي من زاوية النقد الليبرالي ولا من زاوية النقد الديمقراطي، بل ينظر اليه بأنه عدو طبقي، لا يختلف عن الفاشية والنازية، لا يختلف عن القومية ولا يختلف عن بقية التيارات البرجوازية الاخرى. الا ان ميزةالاسلام السياسي هي واحدة من أكثر التيارات البرجوازية همجية، ويحاول بكل وسائل القرون الهجرية والوسطى وما تنتجها التكنلوجيا الحديثة من وسائل التعذيب والقتل بتثبيت نفسه ويجد مكان مرموقا بين صفوف التيارات البرجوازية الاخرى.
بات الاسلام السياسي اليوم معضلة حقيقية امام البشرية وخاصة في مجتمعاتنا الشرق الاوسطية. انه يطبع عصرنا بطابعه، مثلما طبعت الفاشية والنازية النصف الاول من القرن العشرين. ان نضالنا ضد الاسلام السياسي يختلف كليا عن محاربة الانظمة الغربية له الى جانب الحكومات الفاسدة في العالم العربي. ان تلك الانظمة لا ترى في الاسلام السياسي عدو لها بل تعتبره طرح وبديل في معالجة الازمات الاقتصادية والسياسية التي تعانيها الانظمة الرأسمالية في عدد ليس قليل من مناطق الشرق الاوسط، وترى بوجوده سلم امان لإنقاذ مشاريعها هي. الم تقدم ادارة اوباما الدعم المالي لحملة محمد مرسي الانتخابية في مصر لتسيطر على شمال افريقيا ومنطقة الشرق الاوسط عن طريق الاخوان المسلمين “الاسلام المعتدل”، الم تدعم بكل الامكانات العسكرية أكثر الانظمة متخلفة ورجعية ووحشية في السعودية وقطر، الم تعتبر في مرحلة ما جبهة النصرة فرع القاعدة في سورية من المعارضة المعتدلة في سورية، وكذلك تعتبر بنفس المعيار احرار الشام وجيش الفتح ونور الدين الزنكي الذي ذبحوا طفل بتهمة الخيانة من المعارضة المعتدلة وتقدم كل اشكال الدعم لها. الا تعتبر تركيا حليفها اللدود وهي التي قدمت الدعم اللوجستي والعسكري لعصابات داعش لتأسيس كيانهم الجغرافي المعروف بدولة الخلافة الاسلامية، الم تكن الولايات المتحدة الامريكية من الدول الاربعة الاولى في العالمالى جانب باكستان والامارات والسعودية تعترف بحركة طالبان عندما دخلت كابول عام ١٩٩٦، لكن سرعان ما سحبت اعترافها تحت ضغط المنظمات الحقوقية.
ان النضال ضد الاسلام السياسي، هو نضال ضد أحد بدائل البرجوازية المحلية والاقليمية والعالمية لإعادة تقسيم العالم. ان الطائفية هي احدى العناوين البارزة للإسلام السياسي، وليس أكثر من وسيلة فكرية وسياسية واجتماعية في الصراع الاقليمي. ان البرجوازية في قطر والسعودية وتركيا والجمهورية الاسلامية في ايران وبدعم الاقطاب الدولية، لا يبغون اسباغ المجتمعات والبلدان باللون الطائفي وتفريق البشر فيها على اساس الطائفة وسلب هويتها الانسانية، واشعال حرب اهلية طائفية في كل مكان فحسب، بل تحاول ايضا وفي خضم صراعها على اعادة تقسيم مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي، بتقسيم البلدان والمجتمعات الى كيانات طائفية، مثلما يحدث الان في العراق وسورية. ولذلك ان النضال ضد الطائفية يتم من خلال النضال ضد الاسلام السياسي، ضد الاسلام المعتدل والمتطرف، ضد اسلام الازهر الحكومي واسلام الجمهورية الاسلامية الجعفري، ضد اسلام السعودية، وضد اسلام عصابات داعش السني، ضد الاسلام المهادن الغربي، وضد الاسلام الذي تلتحف بها القوى القومية العروبية الجديدة كما في العراق وسورية لتكيف نفسها مع صعود نجم الموديل الطائفي.
ان ضمان نجاح نضالنا وانتصارنا يكمن في تصعيد النضال على جميع الاصعدة الفكرية والسياسية والاجتماعية وفي مرحلة ما حتى العسكرية ضد الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني.. ان احدى نقاط ضعف حركتنا الى الان ومعضلة كل القوى التحررية التي تناضل من اجل السلام والحرية والرفاه، بأنها لم تدرك الى الان اهمية ومكانة النضال المسلح ضد التيارات الاسلاميةعلى الاقل في النموذج العراقي والسوري. وفي نفس الوقت وعي خطورة الانضمام تحت مظلة القوى البرجوازية الاخرى في النضال ضد التيارات الاسلامية التي لا تختلف في محتواها عن محتوى الطبقي للإسلامالسياسي بكل فصائله دون استثناء. وأنها لن تتردد ابدا اي القوى البرجوازية التي تصنف نفسها بعلمانية او ليبرالية او قومية بعقد الصفقات السياسية معها على سبيل المثال وليس الحصر كما حدث في عهد السادات، عندما ابرم صفقة مع الاخوان المسلمين بأن الشارع لإخوان المسلمين والسلطة له، او كما حدث في تأييد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي تحت عنوان حماية الثورة، او كما تحدث مع مليشيات الحشد الشعبي التي لا تقل معاداة للإنسانية عن عصابات داعش، او كما يحدث اليوم في سورية مع نظام البعثي السوري بذريعه انه نظام علماني ويقف شوكة في عين اسرائيل وانه جزء من محور المقاومة.
واخيرا مثلما ذكرنا ان الصراع مع الاسلام السياسي هو صراع على جميع الاصعدة،ونود ان ان نؤكد على الميدان الاجتماعي حيث ليس اقل اهمية عن الميدان العسكري او الفكري او السياسي، انه صراع بين التقاليد المتمدنة والتقاليد الرجعية، علينا، ان نولي هذه المسالة جانبا مهما. فالملا او شيخ الجامع الذي هو احد الدعاة والمعلمينوابواق العصابات الاسلامية ولكن بشكله الهادئ والوجه “النوراني”، اينما يذهب، وفي اي بيت يدخل، وفي اي محل يتسوق، ينفث سمومه، اذا رأى طفلة غير محجبة دعاها الى الحجاب، وطلب من اهلها بإلباسها الحجاب، اذا حضر دعوة غذاء يلزم صاحب الدعوة بالفصل بين الذكور والاناث على مائدة الغذاء، وهكذا يفعل في الجامعات والمدارس يدعو بالفصل بين الذكور والاناث، اذا راى شاب لا يدخل الجامع حثه بالدخول والصلاة، اذا وجده غير صائم في رمضان وبخه بكل قوة ويوجه له النصيحة، اذا وجد شاب يلبس جينز او له قصة شعره حديثة، نهره ونصحه وأستهزئبه، اذا رأى الشباب لا يتوشحون السواد في يوم عاشوراء وصفهم بأعداء الحسينلإرعابهم وتخويفهم وارغامهم على التوشح بالسواد، اذا رأى امرأة غير محجبة في رمضان حتى ولو كانت في بيتها تنشر الغسيل او تغسل الباحة الامامية للبيت،وهو يمر صدفة بالطريق، وبخها ويطلب من زوجها او اخيها او ابيها بمعاقبتها. الخ. انهم يحشرون انوفهم في كل المسائل الاجتماعية الصغيرة والكبيرة في المجتمع لتثبيت تقاليدهم.وعلينا جذم تلك الانوف بمجابهتهم بنفس اساليبهم. علينا كشيوعيين وعلمانيين وتحررين ان نعي الالة الدعائية لهؤلاء الافاقين، وعلينا ان نفعل مثلما يفعلون ونجابههم بتقاليدنا المتحضرة، وعلينا ان ندخل في نقاشات معهم، وعلينا ان نفعل العكس في بيوتنا وفي مناطقناومحلات سكننا، وعلينا توبيخهم والزامهم لحدودهم وعدم التدخل، وحتى في بعض الاحيان تأديبهم. ان السؤال لماذا هم يشعرون بحقانيتهم،في حين هم حاملي سيف الافقار والقمع والظلام، بينما الحقانية معنا نحن حاملي مشعل الحرية والمساواة؟
ان فصل الافاق النضالية على جميع الاصعدة هو ضمان الانتصار على الاسلام السياسي. وبالانتصار على الاسلام السياسي في اية بقعة او اي مكان ستمني البرجوازية بهزيمة لاحدى بدائلها الرجعية في المنطقة. ان حسم مصير الاسلام السياسي سيكون في منطقتنا مثلما قلنا قبل سنتين وفي مقالنا المنشور على نفس هذا الموقع “بين الاسلام المعتدل والاسلام المتطرف” كما حسم مصير الكنيسة والمسيحية في الغرب التي لم تقل وحشية عن الاسلام السياسي اليوم.