المقالاتفارس محمود

-سن التكليف الشرعي- اسم رمزي لانتهاك حقوق الاطفال!

فارس محمود

لا يوجع قلب احزاب السلطة المليشياتية الاسلامية والطائفية الحاكمة جوع الناس، ولايؤرق بالهم فقرها، عملها، خدماتها، غدها ومستقبل اطفالها، لا شيء يربطها بحاجات الناس ومطاليبها سوى القسر العقائدي الديني والقومي والطائفي واسلمة المجتمع.

ففي مدرسة ابتدائية جُمِعَ كل طلبتها الصغار في الساحة المدرسية، اطفال بعمر الزهور، يتطلعون ببراءتهم للفرح واللعب والمتعة والحياة، يأتي “الكبار”، يأتي من بين أولئك الذين يجثمون على صدور المجتمع ليرمون بهم صوب عالم اخر، لايفهموه، لايستوعبوه، لاربط لهم فيه، واجمالاً ليس عالمهم.

اتت خفافيش الظلام التي لاربط لها بفرح، ولابانسانية، ولابحقوق، ولابحريات، ولابتمدن وجمعتهم في الساحة المدرسية، لتوزع عليهم الحجاب وذلك لبلوغهن ما اسموه بـ “سن التكليف الشرعي”، اتت عضو البرلمان (سوزان السعد) هذه لتقوم بهذا العمل الذي هو من ضمن حملة تقوم بها احدى الجمعيات الاسلامية والتي تتلخص بإهداء المحجبة حجاباً والباس غير المحجبة حجاباً وتلقي عضو البرلمان هذه في اذن الفتاة الصغيرة كلمات اكبر من عمرها هي مزيج من “النصح”، التحذير و الترويع بـ”جهنم”، هذا الجهنم الذي تراه الناس من اليوم (وليس ذلك اليوم المزعوم!) بألف شكل وشكل!

وبالطبع، ليس بوسع الطفلة ان تقاوم، ان تقول شيء، ان تعترض، فعالم الكبار، والمدرسة والمديرة والمنظومة الاستبدادية والمتخلفة التي تقف ورائهم هم “الصحيح”، وفق ذهنها، ولايمكن عدم اطاعتهم، ناهيك عن اغضابهم! انهم يتعكزون على ضعف الطفل، على عدم قدرته على المقاومة، على استغلال عدم فهمه لواقع الامور، وعدم بناء، او بالأحرى اكتمال، منظومة فهمه الفكرية والعاطفية والمعنوية.

كل هذا يتم في مدرسة ابتدائية، من المفترض انها مركز رسمي وحكومي! بعد 8 سنوات من حكم “دولة القانون”، تأتيك منظمة اسلامية وتدخل على المدرسة وتفرض اجندتها على الادارة التي تستقبلها بترحاب ملبد بالخوف، كما لو انه ليس هناك مديرية تربية، كما لو ان ليس هناك وزارة تربية، كما لو ان ليس هناك تقاليد معروفة وقديمة بعدم تدخل اي جهة او طرف بمسار رسمي وحكومي، ناهيك عن كون هذا المسار هو مدرسة وميدان تعليمي له ضوابطه الصارمة على امتداد تاريخ العراق الحديث؟!!!! وتأتي بعضو برلمان ما ليوزع الحجابات على الاطفال، وكانه على قول المصريين (وكالة من غير بواب)! من اين اتت هذه المنظمة وعضو البرلمان بكل هذا الحق ليفرضا اجندتهما على الاطفال؟! عن اية دولة، وعن اي قانون يتحدثون اذن؟! هذه دولتهم وهذا قانونهم بعد 8 سنوات من عمر سلطتهم المقيتة ويأتون اليوم للحديث عن “انتخبونا” وانتخبوا “دولة القانون”؟! على من لايعرف ان يعرف ماهية هذه السلطة التي جعلت العراق مرتعاً للمليشيات والعصابات الاجرامية وللنهب والسلب السافرين وانفلات يد المليشيات على المجتمع.

ولكن هناك سؤال ماهي مكانة مثل هذه المنظمات بالنسبة للسلطة. انها احد اركان السلطة، انها احد مؤسسات تقوية اركان السلطة، انها ادوات “مافوق حكومية” لتثبيت السلطة، السلطة المليشياتية الاسلامية والطائفية في المجتمع. انها مؤسسات تتلقى اموال طائلة من السلطة ومن غير السلطة من اجل هذا الهدف، ومن اجل اسلمة المجتمع التي هي من اولويات الكتل الاسلامية الطائفية الحاكمة. ولهذا، فان التوهم بها على انها منظمات “مستقلة” تهدف الى “نشر الدين” و”تعاليم الدين” و”ان يسير المجتمع وفق تعاليم الدين” هو توهم كارثي. انها جزء لايتجزء من السلطة. ان “دولة القانون” هي “دولة قانون” سلطتها. تدوس على كل قانون يضع الاشواك في طريق سلطتها، وتدعم كل مايرسخ سلطتها وتوجهاتها. فالقانون. انه قانون سلطتهم وترسيخها فقط!

ليس ثمة شيء اسمه “سن تكليف شرعي”! هناك اطفال وهناك بالغين! وحدود اعمار كل منهم معروفة على صعيد عالمي. الاطفال اطفال لادين لهم، لاطائفة، لاقومية، لاعقيدة ولا ايديولوجيا، ولادخل لهم بعالم السياسة. ليس هذا وحسب، بل على اي مجتمع سليم ان يصون ابعاد الاطفال من عالم “الكبار” هذا. الفرح والاستمتاع بالحياة، واكتشاف الاشياء وفق ارقى الاسس العلمية، التعلم، تكوين وصياغة رؤية سليمة وواعية للعالم تستند الى اخر المنجزات العلمية هي مايجب ان يتلقاه الاطفال في المدرسة والمجتمع. انها حقوق الاطفال في المجتمع. انها واجبات المجتمع ودَيْنُ عليه تجاه الاطفال.

ان مفهوم “سن التكليف الشرعي” هو الاسم الرمزي لإقحام الطفل في عالم الكبار، حرمانهن من عالم “الاطفال” وذلك الحد من “اللامسؤوليات”، من البراءة والفرح واللعب، اقحامهم لدخول عالم دونية المرأة، العمل المنزلي البليد، الاغتصاب “الشرعي”، واعدادهن (قل قسرهن!) على عالم اخر.

ان اي مسعى لفرض اية ايديولوجيا كانت على الاطفال هو غسيل دماغ بكل ما للكلمة من معنى. نعم، غسيل دماغ. والاخير هو جريمة سافرة بحق الطفل والطفولة وينبغي ان يدان مرتكبوه باشد اشكال الردع والعقوبات. ليس من حق “الكبار” التطاول على “الصغار”، ليس من حقهم فرض عالمهم وافكارهم على عالم الصغار. انه استغلال لـ”صغر” الاطفال في الوقت الذي ينبغي حمايتهم وصيانتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى