المقالاتتوما حميد

فيروس كورونا، فضيحة رأسمالية اخرى!

توما حميد

الجزء الاول

انتشار فيروس كورونا هو من الاحداث التي تفضح النظام الرأسمالي وتكشف عدم انسانيته وهشاشته كنظام اقتصادي. في البداية، يجب الاشارة الى ان السلالة الحالية من فيروس كورونا الذي يسمى  (SARS-CoV-2 )  والذي يتسبب في مرض كوفد -19 تعود الى اسرة كبيرة من فايروسات كورونا.  كان الفيروس الحالي معروف ويصيب الحيوانات، ولكن الجديد هو انتقاله الى البشر في نهاية عام 2019. يصعب، لاسباب علمية هي ليست موضوع هذا المقال التنبؤ بسلوك هذا الفيروس، الا ان الواضح لحد الان هو انه سريع الانتشار بين البشر. فبعد ظهوره في مدينة ووهان في مقاطعة هوبي الصينية، سرعان ما انتشر الى الاجزاء الاخرى من الصين والى كل قارات العالم. ان المعلومات التي نعرفها لحد الان تشير الى ان  82% من المصابين تظهر عليهم أعراض طفيفة فقط، وتبلغ نسبة الذين يمرضون بشكل خطير 6%. من جهة اخرى، تبلغ نسبة الوفيات بسبب الفيروس بين 1-4% حسب المعطيات المتوفرة وهي نسبة اكبر من نسبة الوفيات التي يتسببها فيروس الانفلونزا الموسمي. ولكن ربما تكون نسبة الاصابات الطفيفة اكبر من 82% والوفيات اقل من النسب المعلنة عنها لان الكثير من الاصابات لايتم الابلاغ عنها او لاتكتشف. مع هذا فان احد الاحتمالات الممكنة هو ان يؤدي الفيروس الى وفاة عدد كبيرمن البشر. لنذكر ان فيروس الانفلونزا الموسمي تسبب في 500 الف وفاة حول العالم في  2019 مثلا.

بنظري، يجب عدم التهوين او المبالغة على السواء من خطورة هذا الفيروس الصحية على المجتمع، ويجب التحضير والعمل على اساس اسوا الاحتمالات، ولكن لايوجد مبرر للهلع. والاهم هو عدم الانجرار وراء نظريات المؤامرة سواءا تلك التي تدعي بان هذا الفيروس هو من انتاج هذه الحكومة او تلك او هذا الرأسمالي او ذاك، او تلك التي تدعي بانه بدعة برجوازية الهدف منه تصريف البضائع. وكاي ازمة، تكون مصلحة قطاع برجوازي في تفاقم الازمة، ولذلك قد تشارك في نشر الهلع. ولكن هذا لايعني بان الفيروس مؤامرة  او بدعة. 

 لقد تم في الواقع خلق هلع من الفيروس، غير مبرر على الاقل لحد الان في الكثير من المناطق، وللاعلام دور كبير  في هذا. وهذا الهلع من الفيروس وطريقة التعامل معه ليسا ذا صلة بخطورة الفيروس على حياة وصحة البشر والاضطراب الذي قد يحدثه في حياتهم بقدر خطره على الاقتصاد الرأسمالي الهش ومعدل النمو الاقتصادي وارباح الرأسماليين، وبالاخص، خطورته على  اسواق الاوراق المالية وخطر حدوث ازمة اقتصادية عالمية. فالطبقة الرأسمالية تقيّم مثل هذه الاحداث  من زاوية تاثيراتها على الاسواق وارباح النخبة المالكة. فمثلا قد يموت عدد كبير من البشر، ولكن اهم واول اجراء تسعى اليه ادارة ترامب مثلا هو خفض نسبة الفائدة من اجل ادامة فقاعة الاسواق المالية. كما ان من مصلحة قسم من الرأسماليين، كما قلنا، خلق هلع لان هذا يؤدي الى زيادة الطلب على منتجاتهم. كما ان الاعلام يستفاد من هذه الازمات لزيادة عدد القراء او المستمعين او المشاهدين. وهناك سبب اخر للاهتمام بالفيروس، وهو ان الاغنياء غير محصنين من الاصابة به، بعكس المشاكل والامراض الناتجة عن الفقر.  

 رغم وجود غموض حول طريقة انتقال هذا الفيروس من الحيوانات الى البشر الا ان في  الكثير من الحالات التي تتحور فيها مثل هذه الفيروسات الحيوانية لتصبح قادرة على اصابة الانسان تكون بسبب ممارسات تتعقب منطق الربح في تربية الحيوانات، كما حدث مع وباء “سواين فلو” وغيرها.

التأثيرات الاقتصادية:

رغم صعوبة التنبؤ، قد تكون للفيروس تاثيرات هائلة على الاقتصاد العالمي. اذ تشير التوقعات بانه سوف يمحي 1% من حجم النمو في الاقتصاد العالمي لهذه السنة. وقد الحق فيروس كوفد -19 بالفعل ضرر واضح بالاقتصاد العالمي  لحد الان. اذ ادى الى انخفاض حاد في السفر والتنقل، مما يعني انخفاض في ارباح قطاع السياحة من فنادق ومطاعم وقطاع الطيران والمواصلات الاخرى. كما اثر على التجارة، التصنيع، الشحن، قطاع التكنولوجيا والسيارات، واصاب سلاسل التوريد العالمية باضطراب كبير.

والسبب الاساسي لهذا التاثير لحد الان هو تأثر الاقتصاد الصيني بشكل كبير بسبب الاجراءات الصارمة التي قامت بها الحكومة الصينية للحد من انتشار الفيروس. فالاقتصاد الصيني هو بالفعل محرك الاقتصاد العالمي.  لقد تم غلق الاف المعامل  وعشرات الملايين من العمال هم قيد الحجز الصحي في الصين بشكل موقت. هذه الاجراءات  ابطئت  الاقتصاد الصيني، وسيكون لهذا الامر تأثير ملموس على الاقتصاد العالمي الهش. فاليوم، يشكل الاقتصاد الصيني 19.3% من حجم الاقتصاد العالمي، ويشكل النمو الاقتصادي الصيني ثلث حجم النمو للاقتصاد العالمي، وتمثل الصادرات والواردات الصينية 10% من حجم الصادرات والواردات العالمية، والصين مزود اساسي لقطع الغيار لكل العالم. كما تعتبر اكبر مصدر للسياح حيث يسافر 150 مليون صيني الى الخارج سنويا.  

التأثيرات الاقتصادية على الطبقة العاملة:

رغم ان معظم الحديث يدور اليوم حول سبل ضمان استمرار العمال بالانتاج والزبون بالشراء من اجل حماية الاقتصاد، يبقى الهم هو الحفاظ على الارباح، وليس رفاهية الجماهير. فرغم ان العامل هو العمود الفقري للانتاج ، فان الهم الاساسي هو ليس حماية العامل من الاصابة وحمايته من الناحية الاقتصادية في حال غيابه عن العمل بسبب الاصابة او العزل الصحي للمدة المطلوبة، وهي اسبوعين، و اثار هذا الوباء على اوضاع الطبقة العاملة وظروف عيشها والاجراءات التي يتوجب اتخاذها لدعم هذه الطبقة. الحديث  يتركز على وضع البورصات و اسعار الاسهم.  

ان حجم تأثير هذا الوباء كأي ازمة كبيرة على المجتمع يختلف على اساس الطبقات، اي يكون اكبر على الطبقة العاملة.

بدءاً، ان احتمال انتشار الفيروس بين الفقراء في المناطق المكتظة التي ليس للفرد القدرة على الالتزام بالعادات الصحية والحصول على اللوازم الضرورية بهذا الشأن هي اكثر من انتشاره بين الاغنياء. 

كما ان تفشي فيروس كورونا يدفع الكثير من الشركات الى تسريح العمال بشكل وقتي او دائمي، وتخفيض الأجور وفرض الإجازات القسرية  دون أجور. كما تطلب السلطات الصحية في مناطق معينة من العمال البقاء في البيت للحد من انتشار المرض. كما ان بعض العمال يجبرون على البقاء في البيت للاهتمام باطفالهم عندما تغلق المدارس والروضات. هذا في وقت، حتى في الدول المتقدمة والغنية، فان قطاعات كبيرة من العمال لايحصلون على اجازة مرضية مدفوعة الاجر.

تعني مسالة  عدم الذهاب الى العمل، أو عدم ارسال الاطفال الى المدرسة  لمدة اسبوعين بالنسبة للعمال  الذين يحصلون على اجور قليلة مشاكل كبيرة مثل التاخر في دفع الفاتورات والايجارات ورسوم رياض الاطفال والخ. اذ يحتاج العمال إلى كسب أجر، وخاصة ممن يكسبون اجور منخفضة، ويتطلب هذا منهم في كثير من الأحيان أن يكونوا حاضرين جسديا في  العمل، اذ لايمكن لنسبة كبيرة من العمال القيام بوظائفهم في المنزل، بما في ذلك عمال الوجبات السريعة والفنادق أو سائقي سيارات الأجرة وعمال المتاجر والعاملين في قطاع الزراعة.

 في امريكا مثلا، لايحق لـ 73% من العاملين بدوام جزئي الحصول على إجازة مرضية مدفوعة الأجر ولو ليوم واحد. ان هذا الامر يجبر العمال على العمل حتى عندما يصابون بالمرض كما حدث مع  أنفلونزا الخنازير  عام 2009 ، مما يؤدي الى اصابات اضافية هائلة. كما ان 80 مليون عامل امريكي يجدون صعوبة حياتية بين اجر واجر، وان اكثر من ستين مليون امريكي لايمكنهم تدبير 500 دولار في وضع طاريء، فكيف يمكنهم البقاء بدون راتب لاسبوعين؟؟

ان ماتقوم به الحكومات  وخاصة الادارة الامريكية هو العمل على استقرار الاسواق عن طريق خفض سعر الفائدة وتقديم بعض الدعم للمؤسسات الصحية. ولكن ليس للحكومات حتى في الدول المتقدمة، خطة لدفع الاجور للعمال وخاصة ذوي الاجور المنخفضة في حال غيابهم عن العمل. كما ليس هناك اي  حديث عن توفير مصاريف العلاج  للعمال الذين ليس لهم رعاية صحية او المهاجرين وخاصة غير الشرعيين في دول مثل امريكا. 

البقية في العدد المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى