المقالات

كلمة حول الانشقاق الجاري في الحشد الشعبي!

فارس محمود

“بشرى لجماهير العراق”! هذا مانقله عدد من المتظاهرين في ساحة التحرير بفرح غامر. الحماس يدب بافئدتهم وهم يتحدثون امام الكاميرات: ” لقد انضم الينا اخواننا في الحشد الشعبي، الحشد الشعبي العراقي، الحشد الشعبي المرجعي، ها انتبهوا انه حشد المرجعية، وليس حشد اؤلئك، اي الحشد الولائي التابع لـ(ذولاك)، عادوا الينا اخوتنا، اهلا وسهلا بكم، هذه مكانكم و….”

هذا ما تناقلته وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بالف شكل وشكل على المساعي لنصب جماعات الحشد الشعبي “المرجعي” لخيامها في التحرير.

اكدنا مرارا وتكراراً لايمكن سحق الانتفاضة بالعنف ولا عبر الالاعيب السياسية، بل يستطيعون فقط افراغها من محتواها عبر الاوهام واشاعة الاوهام وغياب افق سياسي واجتماعي واضح وقيادة وتنظيم.

على الجماهير ان لاتبلع طعم “حشد شعبي المرجعية”! ان السؤال الذي يطرح قبله لماذا للمرجعية حشد اساساً؟! لماذا لديها مليشيات؟! السبب بسيط انها طرف في العملية السياسية، لها مصالح اقتصادية كبيرة، لها مشاريع، ميزانيات، اغتنت بشكل خرافي بعد 2003، لها دور وسلطة ومكانة سياسية، رغم سعيها للظهور بانها “فوق السياسة”، “فوق الاحزاب” وانها تترفع عن “مثل هكذا ادوار”، ولهذا، ليس لها مشكلة جدية مع السلطة الحاكمة. ان اختلافها معها ليس اختلاف ماهوي، بل هامشي حول هذه المسالة او تلك. انها صمام امان السلطة المليشاتية الفاسدة.

لنأتي الى موضوعة الانشقاق: ان ما حدث هو انشقاق حاد في صفوف الحشد الشعبي. اذ اعلنت 4 فصائل مليشياتية اساسية موالية للمرجعية عن انشقاقها عن “هيئة الحشد الشعبي” التي يهيمن عليها الجناح المتغطرس والمنتشي بمكاسبه الخيالية بسرعة صاروخية، الجناح لموالي لولي الفقيه والجمهورية الاسلامية في ايران، والمعروف بـ”الجناح الولائي” والاخر موالي للمرجعية، “حشد المرجعية”. انه تطور نوعي كبير.

ان لهذا الانشقاق اليوم اسبابه:

اولا: شعور المليشيات المنشقة بالغبن، التهميش، اللامساواة، “غياب التشاركية” وغيرها. ان اختلافهم وصراعهم على المناصب والرتب، تعيين المسؤولين، الامكانيات التسليحية، والنشاطات الاقتصادية، درجة التدخل في القرارات المتخذة وغيرها. ان هذه المليشيات المنشقة مستاءة من رؤية الحشد وهو “يستولي على كل شيء في البلد”، على النفط، التجارة، الدبلوماسية وتعيين السفراء، تعيين رئيس الحكومة الى الهيمنة على ابسط امور المجتمع. وارتباطا بهذا عمليات السلب والنهب التي يقوموا بها يومياً بالاخص في القطاع النفطي وتهريب النفط والمنافذ الحدودية والاستيلاء على اراض شاسعة ثمينة باسعار بخسة وممارسات لجانهم الاقتصادية و.. و…لم يرضى جناح المرجعية الذي يقوده عمليا الثالوث: الصافي، الكربلائي، ومحمد رضا السيستاني وهو

يرى الامور تسير نحو هيمنة الحشد الولائي على كل مفاصل الدولة.

ثانيا: الاختلاف الاكثر جوهرية هو اختلاف توجهين سياسيين: توجه ولاية الفقيه لنظام الجمهورية الاسلامية، وتوجه المرجعية في النجف، والقائم على اساس الولاية الجزئية او ” ولاية الامة على نفسها” اي بمعنى اخرى تشييع المجتمع من الاسفل عبر تشييع الناخب والمواطن.

ثالثا: سعي جناح السيستاني لفصل صفه عن التيار الاخر وذلك للطابع الاجرامي الشديد لجماعات التيار الولائي ولجرائمهم الفظيعة التي ارتكبوها امام المنتفضين وكذلك في المناطق الغربية. لايريد هذا التيار ان يلحق بسمعته حتى رذاذ من ذلك الاجرام، وبالتالي، تبرئة النفس من جرائم مايسمى بالحشد الولائي. او حتى اذا ساهمت فصائلهم في هذه الجرائم، فيريدوا الظهور باعين الجميع بانهم ابرياء من الجرائم التي ارتكبت على ايدي “الولائيين”! فتيار السيستاني محرج كثيرا من ممارسات الحشد، ويسعى لصيانة سمعته من هذه الممارسات.

رابعا: التوازن على الصعيد الاقليمي والمحلي من حيث اولاً، ان الصراع الامريكي – الايراني، لايسير لصالح الجمهورية الاسلامية، بل على الضد من مصالح ايران وخاصة خلال الاشهر الاخيرة. الحصار الاقتصادي الذي انهك اقتصاد ايران وعمق سخط المجتمع الايراني ضد حكومته. الضربة الموجعة التي تلقتها ايران بمقتل سليماني والمهندس بهذه الطريقة العنجهية والمتغطرسة والمتفوقة، وما اعقب هذا من عدم القدرة على تعويض سليماني ونفوذه وبالتالي ما الحقه من تصدع في صفوف مواليّ النظام.

خامسا: اضافة الى ميزان القوى في العراق، التيارات المليشياتية الموالية لايران هي في تراجع جدي وشديد، والفضل في ذلك يعود لهجمة المنتفضين على التيارات الموالية لايران، اذ الحقت الانتفاضة ضربة قاسية بنظام الجمهورية الاسلامية، وطاردت الجماهير في العراق المليشيات الموالية لايران واحرقت مقراتهم وبيوت مسؤولييهم، ناهيك عن احراق قنصلياتهم في البصرة وغيرها. ويسود جو طاغ بالضد منهم.

واخيراً، اعلان حشد المرجعية هو من اجل سلب اية شرعية “للجناح الولائي” من هيئة الحشد الشعبي، والذي كان قد ولد اساسا بناء على فتوى المرجعية في حزيران 2014، مستثمرا تلك فتوى السيستاني لبناء نفوذه ومنها النفوذ السياسي المستمد من وقوف السيستاني “وراء ظهر” الحشد. ومع سحب ايدي المرجعية عنه، ستفقد غطاء في غاية الاهمية لها. اعلان الانشقاق عنها، يلحق ضربة قاصمة بهيئة الحشد “الولائي”. “الحشد الولائي” بامس الحاجة لدعم السيستاني ليكون غطاءا شرعيا ودينيا لهم. السيستاني هو من لايحتاجهم. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الحديث عن ان هناك 20 فصيل اخر “ساخط” يسعى للانشقاق ايضا من ضمنهم الحشد العشائري في المناطق الغربية، ستلحق هذه الانشقاقات ضربة لايمكن علاجها بالتيارات المليشياتية الموالية لايران ولنفوذ ايران في العراق، ضربة لايمكن مقارنتها الا بسقوط الجمهورية الاسلامية ورحيل ولي نعمتهم مرة واحدة وللابد!

ان هذا الوضع مثالي لتيار السيستاني لفصل صفه وتعقب مصالحه السياسية، ضمان

ادامة العملية السياسية وبدور خاص له، بعيدأ عن “طرف منبوذ” على صعيد اجتماعي واسع. بيد ان صفحة حرية الجماهير ورفاهها هي صفحة اخرى بالضد من كل هذه الاطراف.
المصدر : جريدة الى الامام العدد ١٢ بتاريخ ٢٠٢٠/٥/٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى