المقالاتفارس محمود

مكاسب انتفاضة جماهير إيران, إلى الإمام تحاور فارس محمود عن انتفاضة إيران!

فارس محمود

الجزء الثاني

الى الامام: تجاه هذه الوضعية، من يوم انطلاق شرارة انتفاضة الجماهير ولحد الان، ما هو رد فعل نظام الجمهورية الاسلامية؟!

فارس محمود: الكذب السمج والصلف هو أول اسلوب يتخذه نظام مثل نظام الجمهورية الاسلامية. في البداية، انكر النظام مسؤوليته عن مقتل مهسا، وتحدث وعرض افلام فيديوية تعرض سقوطها وهي واقفة، اي انها لم تكن السقطة المرتبطة بممارسة عنف على مهسا وأدت إلى وفاتها، وتقرير السلطة كان من السهولة دحضه من الناحية الطبية. ولكن الاوضاع تخطت كثيراً موضوعة مهسا. مهسا لم تكن سوى شرارة فجرت كل الغضب والسخط الموجود في القلوب جراء الفقر والجوع والحرمان وانعدام الحريات السياسية وطفيلية وفساد هذا النظام.

ردود فعل النظام تذكرنا كثيراً بموقف السلطة المليشياتية الحاكمة في العراق من انتفاضة تشرين عام 2019. ان كان قد اطلقوا في العراق على المنتفضين “ابناء البعثيين”، “جماعة السفارات”، “ممولة من امريكا والسعودية واسرائيل” وغيرها، تحدث نظام الجمهورية الاسلامية على ان هذه الحركة “دسيسة” و”مؤامرة غربية” وعن “يد امريكا واسرائيل” والخ. يعني مثلما تحدثنا كثيراً وكما يقال ” أنا صنيعة أمي..”.

وتجاه تصاعد الحركة الاحتجاجية العارمة، سعى النظام في البدء الى التدخل القمعي السافر. ولكنه وجد ان هذا السبيل، وفي ظل بلوغ هذه الحركة هذه المديات، لا يمكن ان يكون اسلوباً فعالاً ومؤثراً، بل انه على العكس قد يجلب مخاطر اكبر، حيث يدفع بغضب الناس أكثر واكثر بحيث من الممكن ان تنفلت الاوضاع وتفلت الامور من ايدي النظام…

وبهدف امتصاص غضب الجماهير، بدأوا بالتراجع إذ ظهرت دعوات من داخل النظام، ما يسمى بـ”الجناح الاصلاحي” وخاتمي نفسه، مفادها (ان بقاء الجمهورية الاسلامية هو أولى من بقاء الحجاب الاجباري) والخ او دعوات لحل هيئة الارشاد على انها زائدة او غيرها…. من جهة اخرى، يراهن النظام كثيراً على الوقت، على ارهاق المنتفضين واستنزاف طاقاتهم الثورية وحماسهم الثوري، وكسب الوقت وغيرها.

بتصوري، ليس بوسع النظام اليوم شن هجمة شرسة ونهائية على المنتفضين. نظام الجمهورية الاسلامية نظام مدجج بالسلاح، قمعي وفاشي، ولديه اجهزة قمعية كبيرة تربت على مجابهة الانتفاضات والثورات وغيرها. ولهذا، فانه بتقديري، لن يلجأ الى العنف السافر والوحشي الا كقرار أخير او ورقة أخيرة له، اي أمام قرار “بقاء او موت” نظامه.

ولكن المسالة الأساسية التي على قادة وناشطي الانتفاضة والهبّة الجماهيرية هي، كي نرفع استعداداتنا ونفرض توزان قوى اخرى بحيث يعجز هذا النظام عن اللجوء الى تلك الخطوة. مثلما حدث مع اسقاط نظام الشاه، حيث لشدة ما كبّلت الانتفاضة في ايران عام 1979 ايادي نظام الشاه بحيث لم يستطع ان يقوم بردة فعل كبيرة. ان ضحايا الثورة لم تتعدَ مئة منتفض. قارنها بانتفاضة تشرين في العراق وستجد الفرق.  ومثلما هو الحال مع ثورة العمال في روسيا في اكتوبر 1917، حيث لم يستطع النظام القيصري، بحكم توازن القوى القائم، من القيام برد عسكري قوي لإنهاء الثورة، وكانت ثورة بيضاء اجمالاً. اي ينبغي على المنتفضين رفع استعداداتهم للارتقاء بانتفاضتهم للإطاحة بهذا النظام القمعي.   

إلى الامام: تحدثت عن ميل ميزان القوى لصالح الجماهير، ما هي مكاسب هذا الميل لحد الان؟!

فارس محمود: خلال هذه المدة القصيرة (شهر تقريباً) من الانتفاضة الجماهيرية والاحتجاجات والتظاهرات، انتزعت الجماهير انتصارات عظيمة يصعب استرجاعها من يدِ المنتفضين. الحجاب، رمز اهانة المرأة وفرض الدونية عليها، قد تم حرقه، هبت آلاف النساء والفتيات في ايران برمي الحجاب وحرقه، وتسابقت النساء والفتيات على ذلك وفرض ذلك كأمر واقع. تراجع النظام ليتحدث عن ان هيئة الارشاد، قل هيئة التدخل في الحريات الفردية والمدنية، بوصفها (مؤسسة زائدة ولا ضرورة لها!!). ومثلما تحدثنا دوماً ان نظام الجمهورية الاسلامية بدون الحجاب لن يبقى! لا يمكن نزع الحجاب وبقاء النظام. لسبب بسيط ان ابسط انتصار تحققه الجماهير سيغريها ويدفعها للانتقال لانتصار لاحق. لن تكتفي الجماهير بفرض منع الحجاب الاجباري وتسكت، ستقوم كل الحركات الاخرى الداعية للحرية والرفاه وضد الاستبداد السياسي و… ما اكثر هذه الحركات في ايران، ستقوم كل منها من ناحيتها بإعداد العدة لمنازلة النظام وانتزاع حرياتها وحقوقها. وان هذه نقطة موت الجمهورية الاسلامية، ولهذا، استماتت من اجل الابقاء على الحجاب طيلة اكثر من 4 عقود، ولا زالت. انها تعرف ان مع ازاحة المرأة للحجاب من راسها، ستزاح الجمهورية الاسلامية ايضاً.

من جهة اخرى، يمكننا رؤية تعاظم  الوحدة والتضامن على صعيد ايران ككل وفرض التراجع على اي نزعات قومية او دينية او اثنية وحتى صنفية. ان تنامي الوحدة الانسانية والحس الانساني المشترك يسحب البساط أمام الجمهورية الاسلامية نفسها، وامام كل قوى المعارضة البرجوازية الايرانية القومية والدينية وغيرها وبدائلها السياسية.

يمكن رؤية الرعب والخوف في عيون هذا النظام، لم يروا مثيلاً له من قبل! ترى ارتعاشة الهلع من راس النظام الى هيئاته ومؤسساته القمعية وحكومته وبرلمانه والالاف الطفيليين من رجالات الدين. هذا من جهة، اما من جهة اخرى، الجماهير غدت اكثر تجربة وخبرة في تكتيكاتها، في حرب الشوارع مع النظام وفي الحرب النفسية على العدو وغيره….

الجماهير في الميدان، تعرف قوتها اليوم اكثر من اي وقت مضى، تعرف جيداً ان زوال هذا النظام هو امر ممكن ومرتبط بإرادتها وقرارها. ان حركة اعادة الخيار للإنسان وإرادة الانسان موجودة في الميدان. ان جماهير ايران تشعر بالانتصار النفسي والمعنوي على هذا النظام، توازن القوى النفسي والمعنوي هو لصالح جماهير ايران الداعية للتحرر والمساواة!

على صعيد التنظيم في المعامل والمصانع والجامعات والاحياء والمحلات وغيرها، شهدنا اتساع التنظيم الجماهيري القاعدي، اشكال تنظيم تستند الى المشاركة والارادة المباشرة للجماهير في تجمعات عامة ومجالس وغيرها. ان تثبيت هذا المكسب والارتقاء بهذه الاشكال التنظيمية وترسيخها هو امر مهم سواء للانتفاضة اليوم او لفرض ازدواجية السلطة وقطع يد النظام هناك وارساء القوانين التقدمية والانسانية والمتطابقة مع حريات الجماهير ومساواتها فوراً.

على صعيد العراق والمنطقة، سنشهد ارتباطاً بهذه الاوضاع، صعود حركات علمانية، مناهضة للدين، ومدافعة عن حقوق المرأة وحرياتها، حركات عظيمة ومقتدرة تستلهم من انتفاضة جماهير ايران. وبوادر هذا الأمر يتلمسه الانسان منذ سنوات. ولكن مع ثورة ايران هذه، سنشهد تغيير كبير في مزاج المجتمعات في المنطقة والعالم حتى في غير صالح الاسلام والاسلام السياسي. على الصعيد العالمي والراي العام العالمي، ستجعل قرن وربط الاسلام والاسلام السياسي في المنطقة نفسه تلقائيا بشعوب بلدان الشرق الاوسط او شمال افريقيا مثلاً هو سذاجة غير مبررة وغير مفهومة. لان الراي العام العالمي رأى بأم عينيه مكانة الاسلام باعين جماهير ايران.

كل هذه المكاسب لن تزول ولن يتم استردادها حتى لو انتهت كل هذه الوضعية. تم تسجيلها وتثبيتها في تاريخ مجتمع ايران وذاكرة المجتمع ولا يمكن حذفه. ينبغي تثبيت هذه المكاسب. انها خنادق ومواطئ قدم مهمة للنزال او النزالات المقبلة مع النظام. ولهذا يجب صيانتها.

الى الامام: ولكن يبقى السؤال مطروحاً الى ان تسير هذه الاوضاع؟ هل سنرى الجمهورية الاسلامية تجهض هذه الانتفاضة كسابقاتها مثلاً ام تبلغ الجماهير المنتفضة مرادها بإسقاط هذه السلطة وهذا النظام؟!

فارس محمود: مثلما ذكرت ان مطلب التغيير والاطاحة بالنظام هو السبيل الوحيد القائم امام المجتمع، امام النساء والشباب والعمال والمحرومين لنيل حياة افضل وأكثر انسانية. جماهير ايران في مستهل هذا الطريق، طريق انهاء عمر الجمهورية الاسلامية.

 ان الصراع قائم ومنازلة جماهير ايران لهذا النظام هو امر واقع. ليس ما يجري على وجه الدقة هو حركة احتجاجية أو مطلبية عادية. ان ما يجري اليوم هو امر يختلف عن كل الحركات السابقة بوجه الجمهورية الاسلامية طيلة اكثر من الاربعة عقود على جميع الاصعدة. انها لحظة من لحظات ثورة هدفها الاطاحة بهذا النظام. يمكن ان تتقدم في مقاطع معينة، ويمكن ان يفرض عليها التراجع، بيد انه مقطع من مقاطع الثورة برأيي.

العلاقة ما بين النظام والجماهير قد تغيرت كثيرا. توازن القوى ما بينهما مال، مع هذه الانتفاضة، بشكل كبير لصالح الجماهير الداعية للحرية والمساواة ولصالح النساء والحركة النسوية على وجه الخصوص. “بسالة” الجماهير بوجه هذا النظام تعاظمت بحد كبير. المرأة اليوم في ايران ومكانتها وحرياتها هي ليست كالأمس، كذلك الحال مع العمال والشباب. وبرأيي المكاسب التي تحققت لحد الان توفر ارضية أكبر وأكبر لانزواء النظام ورحيله غير المأسوف عليه.

من جهة اخرى، الدعم والمساندة العالمية وحتى الاقليمية للحركة الثورية الجماهيرية الداعية لإسقاط النظام في ايران هي في تعاظم مستمر. بالامس فقط تظاهر ما يقارب 100 الف مواطن في برلين الالمانية، ناهيك عن سابقاتها في لوس انجلس وكندا وغيرها، يجعل هذا النظام في وضع انزواء متعاظم على الصعيد العالمي.

بيد ان الاطاحة النهائية بهذه السلطة، من ناحيتنا، مرهون بعوامل اخرى كثيرة من بينها: توحيد وتنظيم الجماهير في المحلات والمعامل والجامعات وسائر المؤسسات والمراكز بكل الاشكال التي تضمن تدخلها بصورة حرة وواعية في الاقرار على امور المجتمع، تسلح القادة العماليين والجماهيريين بافق واستراتيجية واضحين للتعامل مع مراحل الثورة بشكل دقيق ومدروس وراديكالي، اتخاذ السياسات والمواقف والتكتيكات النضالية بشكل دقيق ومدروس (من مثل عدم الانجرار وراء الدعوات الراديكالية لفظاً والخاطئة عملاً الداعية لحمل السلاح اليوم)، وكسب اكبر ما يمكن من القوى لرفد الثورة بالقوى الاجتماعية الحية، وبالتالي، تكبيل ايادي النظام وتطاوله على القادة والناشطين و…. وفي هذا السياق، دعوة الجنود وصغار الضباط في القوى المسلحة وغيرهم من الانفصال عن النظام والانخراط في صف الجماهير الثورية و…غيرها.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى