المقالات
أخر الأخبار

لن تسيروا وحيدين!

همام الهمام!

كتب ابن خلدون، أحد اهم علماء الاجتماع في التاريخ قبل أكثر من ستة قرون (ان المغلوب مولع ابدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر احواله وعوائده …) والاسلام السياسي في العراق خير مثال على صحة هذه المقولة وانه خير خلف لإسلافه. فنفس الاشخاص الذين هم في سدة الحكم منذ 2003 والى الان إما كانوا مطاردين سياسياً او مسجونين سياسيا على يد نظام البعث. وتطبيقا للمقولة أعلاه فهؤلاء الاشخاص هم احرص الناس على اسكات الرأي المعارض لهم إما بالتهديد والوعيد او الاعتقال والاخفاء القسري وصولا الى الاغتيال كحل نهائي.

الجبوري وحريجة ومهلهل وغيرهم!

في فتره وجيزة مضت، اعتقلت القوات القمعية للسلطة المدون (ياسر الجبوري) في مطار بغداد بحجة “انتقاده للسلطة والتشهير بها”، وحوكم بالسجن لستة أشهر! وأُعتقل حيدر حريجة في قضاء الفهود في الناصرية إثر انتقادات وجهها لقائمّقامية الفهود نظراً لتردي الاوضاع والبطالة والفساد! كما حوكم احمد مهلهل بالسجن مدة عام بتهمة الاشتراك في احراق بناية محافظة البصرة عام 2018. ان هذه الاحداث ليست متفرقة ولا تحدث مصادفة. ببساطة نظراً لكون هؤلاء الثلاثة من فعالي انتفاضة تشرين 2019! بل هو انتقام مُبيَّت لسلطة الاسلام السياسي من فعالي الانتفاضة الذين وجهوا صفعة لهذه السلطة، اذ كل ما تحسس أزلام هذه السلطة وجههم يذهب بالهم صوب منازلة المحتجين على حكومة القناصين ولي ذراع إيران وفرض التراجع عليهم.

تحويل ما هو سياسي وعام واجتماعي الى شخصي، تكتيك مفضوح!

 ان تهمة حريجة هي “التشهير بقائمّقامية الفهود شخصيا والإساءة لها”، ولكن لا أحد يستطيع ان يدلنا عن الامر الشخصي في انتقاد القائمقامية وتنصلها التام عن الخدمات والفقر والجوع والبطالة وانعدام الخدمات!! كما ان كل فعالي الحركة الاحتجاجية في البصرة يعلمون جيداً ان اسعد العيداني، محافظ البصرة، هو اليد الخفية في اصدار هذا الحكم، كون احمد مهلهل انتقده وسمّاه بالاسم. وقد يضاف الجبوري الى القائمة كونه اعتقل بدون مذكرة، وليس بعيداً ترتيب التهمة ذاتها له.

 ان أصل مسالة تحويل الامور من سياسية الى شخصية صرف هو لمنع تسمية الاشياء بمسمياتها، ومنع محاسبة الاشخاص ووضع قدسية معينة لمن يحمل منصب سياسي. ان تكون مسؤولاً وذو منصب حكومي يعني ان تتعرض للنقد والمحاسبة والسؤال كونك لديك مهمة عليك ان تؤديها، فالمنصب ليس ارث تحتفظ به ولا يحق لاحد محاسبتك علية. هذا من جهة، ومن جهة اخرى فهي هجمة ممنهجة على حرية التعبير التي لم نحصل عليها بالمجان. فلأجل حرية التعبير لوحق أكثر دعاة التحرر والمساواة والرفاه، وسجن أنبل الناس وسالت أنهر من دماء أغلى الناس عبر التاريخ.

والأهم من هذا كله، ما الغريب في اتهام من أمثال العيداني او قائمقامية الفهود او محافظ المثنى او الموصل بأنهم “فاسدين”؟! أجديد هذا على المجتمع؟! الكل يعرف انهم يتصارعون على المناصب لا لأهليتهم ولا الى حرصهم على تلبية حاجات المجتمع، بل لأنها طريقهم للثروة والنهب.  ان أزلام هذه السلطة يعترفون بألسنتهم على ان السلطة القائمة هي “سلطة فاسدة”، وبأن “العملية السياسية بنيت على الفساد” و”اسكت عني وأسكت عنك!” وبالعراقي العامي “ضملي واضملك”، هم من تحدثوا عن الكومشنات وعن “كلنا فاسدين” وغيرها! ليس هذا فحسب، “تدبغ جلدهم” وأصبحوا لا تهمهم اتهامات من مثل هذه.

ان هذه السلطة، وبدلاً من أن تذهب وتتعقب هذه التهم وترى مدى صحتها وتحاسب الجناة، تقوم هي نفسها باعتقال من يتحدث عن الفساد. انه عالم مقلوب فعلاً. انهم يعتقدون بأنهم بهذه الطريقة سيخيفون ويرعبون المجتمع، ولكن إذا كان ثمة شيء تبينه هذه الحملة الممنهجة، فهو ضعفهم وهلعهم هم وليس المجتمع.

 وهنا دعوني اورد مقطع مطول نوعاً ما للرفيق فارس محمود حول حرية التعبير (ان اي مسعى للجم حرية الرأي والتعبير، وتحت اي مبرر كان فهو مدان. ان حرية التعبير هو مكسب للبشرية حققته نتيجة نضالات تاريخية شاقة ومريرة. انه فرض الطبقات “الدنيا” على الطبقات “العليا”. انها حرية “الأدنى” امام المحدوديات التي يفرضها “الأعلى” كي يديم “علوه” وبقائه “أعلى”. … انه اسلوب الطبقات السائدة لمنع الاخرين من المساس بها، وبالتالي، الابقاء على سلطتها ومكانتها.

ومثلما ذكرت ان هذه الحالات ليست فردية ولا شخصية، بل انها حملة للقمع والاستبداد السياسي، لقمع المعارضين لهذه السلطة وتياراتها المليشياتية. انها محاولة ممنهجة لإخراس المجتمع. بيد ان هذا أمر في غاية الصعوبة عليهم. لن يستطيعوا لجم المجتمع عبر هذه الاساليب. 

وعليه، فان الدفاع عن هؤلاء الاشخاص او غيرهم ممن يقولوا كلمتهم، بغض النظر عن ان كانت صحيحة أو خاطئة، هي أولوية وواجب، ويجب الدفاع عنهم بشتى الاشكال الممكنة من مثل تشمير المحامين الداعين للحرية والحقوق الاساسية للإنسان عن سواعدهم في الدفاع عنهم وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والتعبير عن الاحتجاج وان تتحول هذه القضية الى قضية اجتماعية بأعين المجتمع. اذ الدفاع عن حرية الرأي والتعبير هو دفاع عن حقنا نحن. لقد اتينا ونأتي للحياة ونعيشها مرة واحدة، ولهذا فان علينا ويجب ان تتوفر الفرصة كاملة لنقول ما نود قوله في هذا المجتمع وفي حياتنا القصيرة، وان لا يحرمنا أحد من هذا الحق لأي سبب ومبرر كان.

تقدم الجبوري وحريجة ومهلهل وغيرهم الميدان بشجاعة، ولا ينبغي ان نتركهم وحدين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى