المقابلات

مقابلة جريدة (إلى الأمام) مع سمير عادل حول سياسة الحزب تجاه الانتخابات والتباين بين شعاره (لا للانتخابات…ولا للعملية السياسية) وسياسة المقاطعة

إلى الأمام: وضح الحزب الشيوعي العمالي العراقي موقفه مما سميت بالانتخابات المبكرة التي ستنظم في شهر اكتوبر المقبل، والسؤال الذي يدور اليوم: ألا يتطابق موقفكم مع موقف الأحزاب والقوى السياسية التي أعلنت مقاطعة الانتخابات مثل مقتدى الصدر وجماعة اياد علاوي وصالح المطلك والحزب الشيوعي العراقي ومجموعة اخرى؟

سمير عادل: ليست هناك اية مقارنة بين موقفنا وبين مواقف الاحزاب والقوى البرجوازية التي ذكرتها. هناك فرق بين أن تدعو الجماهير الى انهاء عمر العملية السياسية عبر  تنظيم حركة جماهيرية واسعة وتسليحها بأفق إنهاء سلطة الإسلام السياسي والقوى القومية الداعمة لها وإحلال بديلها المنبثق منها، وبين سياسة المقاطعة في هذه المرحلة التي اعلنتها عدد من القوى السياسية، ونعتبرها أي المقاطعة سياسة برجوازية انتهازية بامتياز. المقاطعة تعني الجلوس في البيت، تعني انتظار هؤلاء المجرمين واللصوص في اعادة المشهد السياسي علينا، تعني اتخاذ موقف اللامبالاة تجاه ما تحوكه هذه القوى الفاسدة خلف الكواليس. والانتخابات أياً كانت نتيجتها حتى لو قاطعتها ٩٥٪ من الجماهير، فالقوى الفاسدة تعتبرها شرعية. علينا تحويل يوم الانتخابات الى انتفاضة اكتوبر جديدة، ونقول لهم (لا للانتخابات.. لا للعملية السياسية). 

إن المعضلة الأساسية في انعدام الأمن والأمان وانفلات عيار الميليشيات وتفاقم اوضاع الفقر والبطالة والفساد والهجمات المنظمة على الأبراج الكهربائية وافتعال حوادث أحراق المستشفيات والاغتيالات…الخ هي سببها العملية السياسية. ودون انهاء عمر العملية السياسية وترحيل هذه الجماعات المتسلطة بقوة المليشيات على رقاب الجماهير الى كهوف العصر الحجري فلا حديث عن أي امن واستقرار وحتى الحد الادنى للمعيشة في مجتمع يتوفر فيه ابسط مقومات الحياة الادمية.

إلى الأمام: ولكن كيف إن المقاطعة هي سياسة برجوازية انتهازية في هذه المرحلة، الا تفصل اكثر لنا كي يكون واضحا عند المتابع؟

سمير عادل: أن جميع القوى التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات هي جزء من العملية السياسية، وجزء فاعل ونشط في إضفاء الشرعية على العملية السياسية منذ تأسيسها وإرساء دعائمها من قبل الاحتلال. فبدءاً من مجلس الحكم الذي غالبية المقاطعين لها هم كانوا أعضاء فيه، ومرورا بحكومة علاوي وثم الجعفري وانتهاءً بالمالكي والعبادي وعبد المهدي وأخيراً الكاظمي. وجميع تلك القوى تشعر بأن نتائج الانتخابات المقبلة لن تحسن من حظوظهم ولا من سهمهم بالسلطة. ولذلك اتخذت سياسة المقاطعة من أجل ممارسة الضغوط لتحسين فرصها ونيل نصيب أكبر. خذ على سبيل المثال مقتدى الصدر وتياره، فكان حتى قبل فترة يطالب برئاسة الوزراء، وأوعز لجماعته بتحسين ادائهم السياسي وعقد سلسلة من الاجتماعات مع خطباء الجمعة التابعين له وهيئته السياسية وعبر اطلاق الفيديوهات والخطب والاستعراض الميليشاتي الميداني، الا انه وصل الى نقطة بأنه سيخسر حتى ما كان ما يستحوذ عليها في الانتخابات القادمة، لذلك أعلن مقاطعته للانتخابات. وبالمناسبة وكالعادة فهو اضاف لغط على موقفه حيث ما زال ما يشاع ان شخص مقتدى لا يشارك في الانتخابات بينما تياره سيشارك، وفي نفس الوقت تقول دعايات أخرى بأن تياره يقاطع الانتخابات، وهذه الضبابية بالموقف هي خطة انتهازية للعودة عن موقفه في حال وجد المشاركة في الانتخابات ستحافظ على امتيازاته. نفس الشيء ينطبق على علاوي والمطلك والشيوعي العراقي، فنصيبهم سيكون أقل بكثير من الانتخابات السابقة. وهناك عامل اخر يلعب دوره هو عزوف الجماهير عن الانتخابات، وتحاول هذه القوى على التناغم والتماشي مع مزاج الجماهير، فهي عبر إعلان المقاطعة تريد لجم انحسار المد التنازلي لها على الصعيد السياسي والاجتماعي، وفي نفس الوقت تقديم براءة ذمة مزورة للجماهير بأنها بريئة مما الت اليها الاوضاع السياسية والامنية. انها تداعيات الانتفاضة عليها بالرغم من كل النتائج التي وصلت اليها الانتفاضة، لقد قامت بتعرية كل القوى السياسية المقاطعة وغير المقاطعة ووضعتها في وضع لا يحسد عليها، لذلك تحاول القوى المقاطعة لإنقاذ ما يمكن انقاذها في الزمن الضائع.

إلى الأمام: يمكن أن نقول حتى تصريحات ممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت تصب بأن الانفلات الامني وسيطرة المليشيات لا توفر مناخا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟

سمير عادل: على طول تاريخ العراق منذ إرساء العملية السياسية بحراب المارينز الامريكي لم يكون هناك مناخ لإجراء انتخابات نزيهة، وامثال بلاسخارت والسفير الأمريكي والبريطاني في العراق وممثل الاتحاد الأوروبي كلهم شهود زور على جميع الانتخابات التي نظمت في العراق. وعلى سبيل المثال أنهم أضفوا الشرعية على انتخابات ايار ٢٠١٨ بالرغم لم تشارك أكثر من ٨٠٪  من جماهير العراق في الانتخابات وتم تزوير فاضح فيها وعندما كشف امرها وطلب التحقيق حرقت الصناديق الانتخابية. ومع هذا اعترفت تلك المؤسسات المنافقة بالانتخابات وشرعيتها. أما حديث بلاسخارت اليوم وعدد من المؤسسات الامريكية، عندما تصرح مثل هذه التصريحات لأنها تعرف ان الانتخابات لن تجلب الى السلطة غير نفس القوى السياسية التي تتقاطع معها، وليس أمامها أي بديل آخر.

بعبارة أخرى ان جميع القوى المحلية والعالمية البرجوازية متورطة حول موضوعة (الانتخابات) في العراق. الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة هللت لإجراء انتخابات مبكرة. ونفس الانتخابات هذه سواء كانت مبكرة التي تفصل بمدة ٧ أشهر عن إجراء الانتخابات بموعدها الأصلي فالنتيجة واحدة. على العموم لو أجريت هذه الانتخابات في اكتوبر، فأن فرص اعادة انتاج المليشيات ونفس قوى الاسلام السياسي الفاسدة هي أكبر من القوى المعارضة لها بزعامة الكاظمي-الصدر-العبادي . ان استراتيجية نشر الفوضى الامنية التي تمارسها القوى الموالية لإيران نجحت بإعادة المشهد او الاجواء الانتخابية في ايار ٢٠١٨، حيث فشل الكاظمي في حل المليشيات أو احتوائها، وتقويض النفوذ الايراني عبر تقويض نفوذ تلك المليشيات، ولم يستطع أن يحرز موطئ قدم واحد على الصعيد الأمني والقانوني والقضائي ولا حتى على الصعيد السياسي. بل واكثر من ذلك ان استعراضاته المسرحية اصبحت محل سخرية لدى الجماهير، فهو يحاول بين الحين والآخر تقمص أدوار بهلوانية فارغة، مرة يقوم باعتقال احد قادة المليشيات مثل مصلح  وغيره ويثير الضجة الاعلامية حوله وبعد ذلك يطلق سراحه خلف الكواليس، ومن جهة اخرى يشارك بمراسيم تأسيس الحشد الشعبي الذي اذاقه الأمرين و مرغ انفه بالتراب، او  يعلن انه شكل لجنة عليا لمحاربة الفساد مثل سلفه عبد المهدي وقبله العبادي، ويتم القاء القبض على الموظفين من  الدرجة الخامسة او السادسة بتهم الفساد في حين يغض الطرف عن وحوش الفساد مثل العامري والحكيم والفياض والخزعلي والمالكي والخنجر و الحلبوسي وابو مازن، ويبرر كل ذلك ودون اي خجل وحياء انه حقن الدماء ومنع انزلاق العراق بالوقوع بالحرب الاهلية. ان فشل الكاظمي  هو ما جعل هذه الانتخابات ورطة بالنسبة للقوى المقاطعة والقوى البرجوازية الدولية. ان شخصا مثل نوري المالكي المتورط بجرائم ضد الطائفية وعمليات فساد كبرى وسياسته في سقوط الموصل، عندما يدعو الى تمسك بالانتخابات ولا يقبل التأجيل ولا يعلن المقاطعة، فيعني يعاد انتاجه وإنتاج كل من امثاله. ان السلطة البرجوازية في العراق التي يقودها عراب سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مصطفى الكاظمي تغط في ازمة سياسية عميقة، وان الانتخابات سوف تعمق تلك الازمة، لان الوضع الاقليمي والدولي لن يسمح في انتاج اية معادلة سياسية سواء كانت مرجحة لطرف الجمهورية الاسلامية او لطرف امريكا.

إلى الأمام: اذن ما هو البديل السياسي الذي تطرحونه؟ أليست الانتخابات هي البديل، اليس البرلمان الذي تنتخبه الجماهير هو البديل السياسي؟

سمير عادل: الانتخابات هي آلية وليس بديل. علينا قبل كل شيء تشخيص المعضلة السياسية في العراق.  المعضلة السياسية هي الصراع على السلطة السياسية. البرجوازية بجميع اجنحتها لم تستطع ومنذ غزو واحتلال العراق حسم مسالة الصراع على السلطة. القوى الغائبة في الصراع المذكور هي الطبقة العاملة والجماهير المحرومة التي تشكل الغالبية العظمى من المجتمع العراقي. ان انهاء هذه المعضلة لن يتم عبر الانتخابات التي تنظمها نفس القوى المسببة لكل المآسي التي نعاني منها في العراق. وقد جربت الجماهير حظوظها وفرصها في عدة انتخابات، وكل مرة تزداد اوضاعها سوءا وقتامة على الصعيد الخدمي والمعيشي والامني والاستقرار السياسي. بل على العكس تماما فكل الانتخابات كانت لصالح تدوير نفس القوى الطفيلية والتمادي اكثر واكثر في ظلمها وفسادها. آن الأوان لوضع حد لهذه الأوضاع.

اما حديثك عن البرلمان، فالبرلمان ليس قدر الجماهير، انها صناعة برجوازية بامتياز وطبعت ذهن الجماهير بها، ليس في العراق فحسب، بل على صعيد العالم برمته. وقد تحدثنا مرارا وتكرار حول الاوهام التي تنشرها البرجوازية عن البرلمان، هناك اشكال اخرى للحكم، وعلى سبيل المثال تجربة تجمع المهنيين في السودان الذي احدث ازدواجية واضحة بالسلطة، فطرف يمثله العسكر والاخر يمثله تجمع المهنيين. على العموم ان المسالة الملحة اليوم هي انهاء هذه السلطة الحاكمة المقيتة، انهاء عمر العملية السياسية، بدل من مقاطعة الانتخابات والجلوس في البيت علينا تنظيم حركة لطرد هذه الجماعات الجاثمة على صدورنا منذ غزو واحتلال العراق. والسلطة التي نبغيها وعلى الجماهير ان تعيها هي سلطتها ومنبثقة منها وليس برلمان للصوص والحرامية تشرع قوانين معادية لها. إن توازن القوى وابداع الجماهير هي من تطرح اشكال مختلفة للسلطة. ولجماهير العراق تجربة بالرد على الانتخابات، وكانت في تموز ٢٠١٨ اي بعد شهرين فقط من انتخابات ايار من نفس العام، حيث اشعلت احتجاجات عظيمة في جميع مدن الجنوب وبعد شهرين وتحديدا في ايلول هرب المحافظ واعضاء مجلس المحافظة في البصرة، وهربت المليشيات وحرقت مقراتهم الا انها لم تبادر في ادارة المحافظة، مما اعطت فرصة للقوى المليشياتية بترتيب نفسها والعودة الى السلطة في المحافظة. علينا تنظيم نفس الحركة الجماهيرية العظيمة المشار إليها وتحت شعار (لا للانتخابات… لا للعملية السياسية).

بالنسبة لنا نطرح المجالس الجماهيرية او اللجان الجماهيرية البديل السياسي او شكل السلطة، الجماهير في المحلات والمناطق والمصانع والجامعات والدوائر الحكومية وغير الحكومية تختار ممثليها، وتشكل هيئة ممثلية لإدارة السلطة في العراق، وتضع على عاتقها تحقيق الحرية والمساواة والأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى