أبحاث وموضوعاتتوما حميد

مناقشة التقرير الأخير لهيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، بحث في تفاصيل التغير المناخي

توما حميد

الجزء السادس / القسم الأول

يرتبط تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ارتباطا مباشرا بمتوسط درجة الحرارة العالمية؛ وقد ظل تركيز هذه الغازات ومعها درجات الحرارة العالمية يرتفع باطراد منذ قيام الثورة الصناعية. ان ثاني أوكسيد الكربون الذي يمثل نحو ثلثي غازات الدفيئة، في معظمه نتاج حرق الوقود الأحفوري. لقد تسبب النشاط البشري من خلال انبعاثات غازات الدفيئة بالفعل ب 1,09 درجة مئوية من الاحترار وبتغير واضح في المناخ بحيث بات اليوم أكبر تحدي يواجه البشرية ونحن الآن في مفترق الطرق. وقد جاء هذا التقرير ليؤكد هذا الواقع.  لقد أخفق النظام الرأسمالي بشكل كامل في القيام بأي عمل مؤثر لحد الان للتصدي لهذا التحدي. ان منطق الإنتاج من اجل الربح قد تغلب على كل ما هو ضروري لمواجهة التغير المناخي والآمال ضعيفة بان يقوم النظام من خلال آلياته بالكثير دون ان يُجبر من خلال نضال جدي من قبل البشرية التي يهمها مصيرها ومصير الأجيال القادمة أكثر من أرباح حفنة صغيرة من الرأسماليين وممثليهم السياسيين.

في البداية يجب التأكيد بان الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ محافظة وتميل الى التخفيف من التقديرات. اذ فاق معدل التغيرات المناخية توقعات هذه الهيئة في كل تقرير من التقارير الخمسة السابقة التي نشرت منذ 1990. حيث أصبح من الواضح بان الاحترار العالمي نتيجة فعالية البشر أسوأ ويحدث بسرعة أكبر مما توقعته هذه الهيئة، وهناك ادلة بان الأمور سوف تكون أسوأ بكثير من التوقعات التي وردت في هذا التقرير. ان توقعات الكثير من العلماء اكثر قتامة من توقعات هذه الهيئة. ان عمل هذه الهيئة يتأثر بالإجماع الذي تسعى الى تحقيقيه وبالضغوطات السياسية التي تمارس عليها.

يؤكد التقرير التقييم السادس بان الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة لحد الان هي اقل بكثير مما يتطلبه العلم للحد من الزيادة في درجات الحرارة في هذا القرن دون درجتين مئوية ناهيك عن الهدف المنشود المتمثل في اقل من 1,5 درجة مئوية. ويقول ان الحد من الاحترار الى 1,5 درجة مئوية يتطلب تخفيضات فورية وكبيرة ومتزايدة باستمرار في انبعاثات غازات الدفيئة.

يبين التقرير بأن الإجراءات البشرية لا تزال لديها القدرة للحد من تغير المناخ وتحديد مسار المناخ في المستقبل ودرء أكثر نتائج التغير المناخي تدميرا.  اذ لاتزال هناك كوة تصغر بشكل سريع لتجنب أسوأ الاحتمالات نتيجة لاحترار كارثي الذي قد يقضي على الحياة بشكلها المألوف، ولكن هذا يتطلب إجراءات راديكالية على مستوى العالم. ان مستقبل البشرية وربما كل اشكال الحياة على هذا الكوكب تعتمد على الخيارات التي يتم الإقرار عليها الان. ويعتبر العقد الحالي وربما السنوات القليلة القادمة حيوية حيث يتعين على البشرية خفض الانبعاثات بشكل جذري ليكون لها أمل في المحافظة على مستقبل يتم فيه المحافظة على المجتمعات البشرية المدنية المعاصرة التي تعمل بشكل طبيعي.  بعض ما سيحدث في المستقبل لا رجعة فيه، ولكن الكثير مما سيحدث يعتمد على ما سنقوم به الان وفي المستقبل. ويلمح ان كل يوم من التأخير في العمل يجعل المشكلة أسوأ وأكبر. وسوف تأتي بعض فوائد خفض انبعاث غازات الدفيئة مثل جودة الهواء بسرعة، في حين ان درجات الحرارة العالمية سوف تستغرق 20-30 سنة لكي تستقر.

ووفقا للتقرير فإن درجة حرارة السطح العالمية سوف ترتفع حتى منتصف القرن على الاقل الى 1.5 درجة مئوية او أكثر فوق مستويات 1850-1900 في ظل جميع سناريوهات الانبعاثات التي تم النظر بها. اذ لم يعد من الممكن تجنب هذه الزيادة.  اذ يقول في إطار السيناريوهات التوضيحية الخمسة، في الأجل القريب (2021-2040)، من المرجح جدا أن يتجاوز مستوى الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية في  ظل سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المرتفع جدا، و من المرجح أن يتجاوز في إطار سيناريوهات انبعاثات غازات الدفيئة المتوسطة والعالية. وهو أكثر احتمالا من عدمه تجاوزه في إطار سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة، واكثر احتمالا من عدمه ان يتم الوصول اليه في إطار سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة جدا.

اي انه يمكن في إطار سيناريو واحد من مجموع السيناريوهات الخمسة عدم تجاوز عتبة 1.5 درجة وهذا السيناريو هو خارج متناول يد البشرية بدون شك. ولكن حتى هذا السيناريو يعني مآسي بشرية هائلة، فحتى 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي، ستكون هناك موجات حرارة متزايدة ومواسم دافئة أطول ومواسم باردة أقصر، وحرائق ، وجفاف وفيضانات واعاصير بشكل غير مألوف.

ان بلوغ او تجاوز الاحترار العالمي درجتين مئويتين هي بمثابة كارثة.  ولكن حسب التقرير هناك سيناريوان من مجموع خمسة سيناريوهات التي بالإمكان ان تتفادى ارتفاع درجة الحرارة أكثر من درجتين.  وهي السيناريوهات ذات انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة والمنخفضة جدا وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنخفض إلى اجمالي الصفر حول أو بعد عام 2050،  متبوعا بمستويات متفاوتة من اجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السلبية. اذ يقول التقرير في ظل سيناريوهات انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة جدا والمنخفضة، من غير المرجح جدا او من غير المرجح  أن يحدث تجاوز الاحترار العالمي درجتين مئويتين.

يقول التقرير بالمقارنة مع 1850-1900، من المرجح جدا أن يكون متوسط درجة حرارة السطح العالمي خلال الفترة 2081-2100 أعلى بمقدار 1.0 درجة مئوية إلى 1.8 درجة مئوية في ظل سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة جدا الذي تم النظر فيه، وبمقدار 2.1 درجة مئوية الى 3.5 درجة مئوية في السيناريو المتوسط وبمقدار 3.3 درجة مئوية إلى 5.7 درجة مئوية في ظل سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المرتفعة جدا.

وهكذا حتى في ظل السناريوهات التي تشهد انبعاثات منخفضة ومنخفضة جدا ستبقى درجة الحرارة مرتفعة حتى القرن المقبل وسيكون لهذا الامر عواقب هائلة.

وهناك فرق كبير مع كل جزء صغير من درجة مئوية من الاحترار العالمي. فكل جزء من درجة يتم تجنبها، يعني تفادي الكثير من المعاناة و حماية مئات الالاف من الأرواح وسبل عيش الملايين وحماية الكثير من الانواع والنظم الايكولوجية. اذ ان التغيرات في النظام المناخي تصبح أكبر في علاقة مباشرة مع زيادة الاحترار العالمي، وهي تشمل زيادات في وتيرة وشدة الحرارة القصوى، موجات الحر البحري وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف الزراعي والإيكولوجي في بعض المناطق والأعاصير المدارية الشديدة.

فمثلا، ان تواتر وزيادة في شدة احداث الحرارة القصوى على اليابسة التي كانت تحدث كمعدل مرة كل عشر سنوات تحدث الان 2.8 مرة (زيادة 180%)  وتحدث 4.1 مرة (زيادة 310%) عند 1.5 درجة مئوية و5.6 مرة (زيادة 460%) عند درجتين و9.4 مرات (زيادة 840%)  عند أربعة درجات. في حين ان احداث الامطار الغزيرة التي كانت تحدث مرة كل عشر سنوات تحدث الان 1.3 مرة ( زيادة 30%)  ، وسوف تحدث 1.5 مرة  (زيادة 50%) عند 1.5 درجة و 1.7  ( زيادة 70%) عند درجتين و 2.7 ( 170%) عند 4 درجات. واحداث الجفاف التي كانت تحدث مرة كل عشر سنوات تحدث الان 1.7 مرة ( زيادة 70%)  في حين ستحدث 2 مرة (100%)  عند 1.5 درجة و2.4 مرة ( زيادة 140%) عند درجتين  و4.1 مرة ( زيادة 310%)  عن 4 درجات. وسوف تزداد الأعاصير الاستوائية بمعدل 10% عند 1.5 درجة مئوية و 30% عند اربع درجات مئوية.

وقد تم المقارنة بالذات بين 1.5 و 2 درجة مئوية من الاحترار، فوجد بانه هناك فرق كبير في شدة وتواتر الحوادث المناخية الشديدة والمفرطة مثل موجات الحر وهطول الامطار والجفاف والحرائق وتوفر المياه والمحاصيل الزراعية وارتفاع مستوى سطح البحر. اذ تحذر لجنة الأمم المتحدة ان تحديد الاحترار العالمي ب 1.5 درجة مئوية يعني تقليل عدد البشر الذين يتعرضون الى المخاطر المتعلقة بالمناخ والى الفقر بما يصل الى عدة مئات من الملايين بحلول2050.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى