مَنْ “تجاوز” على مَنْ؟!
كلمة حول ماساة تدمير “بيوت” عشرات العوائل الفقيرة
ان المجتمع اليوم، تحت حكم السلطة المليشياتية الطائفية البرجوازية الحاكمة، هو مجتمع المصائب والماسي التي لاحد لها ولا حصر. دمرت هذه السلطة وقواها كل شيء. لم تبقي في هذا المجتمع اسم لرفاه، لقيم، لاخلاقيات، لـ”ضمير”، لانسانية، لاي شيء.
ان قيم هذه السلطة وقواها المليشياتية، وقوى الاسلام السياسي تحديداً، ومجمل ممارستها وريائها وكذبها ونفاقها تبعث على القيء والغثيان فعلا. النهب؟! نهبت مئات المليارات بغضون عقد ونيف من الزمن، الجوع والفقر؟! حدث ولا حرج، اكثر من نصف المجتمع يغط تحت خط الفقر. دمروا مدنية المجتمع، احيوا “تعدد الزوجات”، “القانون الجعفري” وقوانين اغتصاب الفتيات، و”المتعة” وغيرها من ممارسات معادية للمراة والطفولة ولابسط المعايير الانسانية. و لم يبلغ تاريخ العراق هذا الحد من التردي. لا مكان لثقافة، لتحضر، لمدنية، لا… لاي شيء! الدعارة، تجارة اعضاء الجسد، اللهاث وراء التطوع في المليشيات والقتل في الجبهات، تجارة البشر، المخدرات، ملاه تديرها جماعات الاسلام السياسي او لها حصة من عائداتها، الحاج فلان صاحب صالات القمار وشبكات طويلة للدعارة، نهبوا الاثار وهربوها… بايجاز لم يبقوا شيء منحط ووضيع واجرامي لم يقوموا به!
لم يكتفوا بافقار الناس لحد لجوئهم للنفايات ليخمدوا جوعهم واملاقهم، لم يكتفوا باجبار العوائل الفقيرة على ارسال ابنائها لجبهات قتالهم من اجل السلطة والثروة، وبالتالي استغلال زوجات “الشهداء” بـ”زواج المتعة”، لم يكتفوا باجبار النساء على بيع جسدهن من اجل اعالة اطفالهن، لم يكتفوا بحرمان هؤلاء الناس من اي ضمانات في بلد يطفوا على بحار من نفط، هاهم يذهبون بجرافاتهم من اجل تدمير “بيوت”، قل “عشوائيات”، قل “خرابات”، قل فقط سقف ليهجعوا تحته لايحميهم من حر ولايبعد عنهم مطر او برد، بحجة “التجاوز”. ابتلعوا بلداً باكمله، ثروات بقدر كل ثروات تاريخ العراق القديم والحديث، ويتحدثوا عن “تجاوز” اناس من المفترض ان يكون لهم سكن وسكن لائق!! اي صفاقة وصلف هذا!
اناس لامعيل لهم، ان اسعفهم الحظ ياكلون “وجبة”، يقضون اسابيع باكملها على الخبز والشاي واللبن او طماطة فقط!!هل يجد احد كلام يستطيع وصف ماساة هؤلاء الناس؟! اناس مذهولين، يلطمون، يعفرون رؤوسهم في التراب، لايعرفوا ماذا يفعلوا. ان انطباق السماء على رؤوسهم افضل من الوضع الذي هم فيه الان. وتاتي عصابات النهب بقرار “حكومي”، ويتحدثوا عن “دولة” و”قانون” يجب ان يراعى! اغلب اطفال هذه العوائل هم “شهداء” ومعوقي الحشد، وان 90% منهم هم من تلك العوائل. مرروا بهم مشاريعهم من اجل السلطة والثروة ورموهم مثل الكلاب (كلي اسف لاستخدام هذا التعبير)، ولكن مثلما يقولوا هم انفسهم “وضع الكلاب افضل منا بكثير”!
بعد هذا وذاك، يتحدثون عن انهم اتوا لـ”نصرة شيعة علي”؟! ويتحدثوا عن “ظلم الشيعة”، و”ظلم مناطق الجنوب”، وينظمون المسيرات حول “الحسين ثورة على الظلم والاستبداد”؟!! بيد ان مايسموهم بـ”شيعة علي” هم في اكثر مراحل التاريخ سوءاً وهدراً للكرامة! مثلما هو معروفاً دوماً انها شعارات ذر الرماد في العيون، شعارات الاوهام هذه، التي للاسف انطلت على اقسام واسعة من الناس في وقتها، هي من اجل صياغة هوية “كاذبة” باسم الطائفة من اجل وصول هذه الجماعات للسلطة والحكم تحت اسم الطائفة والشيعة وغيرها من هويات مزيفة ومعادية الى ابعد الحدود للجماهير.
ان الدرس الاساسي الذي ينبغي ان نتعلمه هو ان هذه الحكومة هي حكومة طبقة، تتعقب مصالح واغتناء طبقة باي ثمن كان، الطبقة البرجوازية. ان المجتمع طبقات، وهناك حكومة ودولة هدفهما الاول والاساسي والوحيد حماية مصالح تلك الطبقة الغارقة في الجشع. الجوع والفقر وقتل اطفالنا بجبهات القتال هو من نصيبنا، والترف الخرافي وجمع الثروات الطائلة من نصيبهم. انها ليست حكومة “اناس فاسدين”، بل حكومة طبقة فاسدة، راسمالية وبرجوازية متقيحة. لكونهم برجوازيين، هم فاسدين. الفساد فساد طبقة.
بالامس، هب رجالات المرجعية ومالكييهم تباكياً على “قدسية كربلاء” التي “انتهكتها” شابة عازفة لالة الكمان نوّرت المدينة فعلاً، ولكن لم نسمع احد ينبس ببنت شفة حول ابسط حقوق هؤلاء الناس، حقهم بالبقاء في بيوت الصفيح هذه! بلعوا السنتهم التي ضجوا العالم بها سنين طويلة!! ان هذا خير مؤشر على ماهية هذه الجماعات واين تقف. الفاسدون وناهبوا ثروات المجتمع ورجالات الدين في خندق واحد، خندق طبقة برجوازية، خندق معادي للجماهير. ان كان دور رجالات الدين تاريخياً يستند الى نيل الفتات من الطبقات الحاكمة عبر تبرير الظلم والاستغلال ودفع الناس لعدم التفكير بواقعهم والانصراف لامور “جنة” موعودة، وبالتالي، تخديرهم واطالة عمر السلطات والطبقات الحاكمة، فانها في عراق اليوم شريكة في الجرم، جرم السلب والنهب والخداع والتضليل، بايديها حصة كبيرة من ثروات المجتمع ومراكزه الاقتصادية.
لم “تتجاوز” الناس على احد، بل ان السلطة المليشياتية من تجاوزت على شعور الاغلبية الساحقة واحساسها ووجودها وحياتها لاكثر من عقد ونصف.
ان وجود هذه القوى واستمرارها جاثمة على صدور الناس لايعني سوى الدمار التام للمجتمع، عدم بقاء المجتمع كمجتمع واضمحلاله. ازفت اليوم، واكثر من اي وقت مضى، ساعة كنس هذه القوى المليشياتية البرجوازية الحاكمة. كل دقيقة اضافية يبقون فيها، يعني تعاظم المصائب والويلات. لم يبق سبيل امام جماهير العراق التحررية والداعية للمساواة، محروميه وكادحيه، نسائه وشبابه سوى ان يوحدوا انفسهم، ينظموها للاطاحة مرة وللابد بهذه القوى. ان اردنا حياة تكون فيها للطفولة معنى، للرفاه معنى، للقيم والكرامة الانسانية معنى، للحرية والمساواة معنى، ينبغي ان تطوى هذه الصفحة الاشد كلحة في كل تاريخ المجتمع.