“يوم القدس” الذي لاصلة له بالقدس
فارس محمود
بعمل مبرمج ومدروس الى ابعد الحدود وعلى اعلى المستويات في ايران، نظمت المليشيات الطائفية التابعة لنظام الجمهورية الاسلامية مظاهرات ومسيرات في بغداد وبعض المدن العراقية خلال الايلم القليلة المنصرمة. سعت الى ان تحشد فيها اكثر ما يمكن من قواها تحت يافطات عريضة تحمل عبارات: “سنصلي في حرم القدس قريباً”، “يوم القدس” وغيرها. ونشرت وعلقت صور كبيرة لـ”خميني”، “خامنئي”، “سليماني”، “الحوثي”، “اسماعيل هنية” و”المهندس” وغيرهم!! رافقت هذه الحركات الاستعراضية خطابات رنانة ومدوية وهتافات صاخبة تتحدث كلها عن الدفاع عن “القدس” و”الموت لاسرائيل” و”الموت لامريكا والصهيونية” والخ من شعارات لا تسمن ولا تغني عن. جوع
انها حركات وتيارات لاربط لها باي “تحرير” او حرية او اي شيء ايجابي للانسان لا في العراق وايران ولبنان، دع عنك “القدس”. مليشيات مخضبة ايديها بدماء اشرف الناس واكثرهم براءة في المنطقة، وبدماء 700 قتيل ومايقارب من 25 الف جريح ومعوق في انتفاضة العراق. جماعات لاحدود لاجرامهم، لصوص، قتلة، نهابين وبلطجية الى ابعد الحدود. انهم عصارة حثالة المجتمع. مالذي جعل قلبهم يلتسع على جماهير فلسطين، ان لم يكن كذبة؟!
ليس الامر مرتبط بالقدس من الاساس. انه استعراض النفس لطرف فُرِض عليه التراجع في كل زاوية، طرف مهزوم، طرف يريد ان يقول لخصومه امريكا، الكاظمي، التيار القومي العربي المتلفح بعباءة “السّنة”، السعودية والخصوم الاقليميين بانه “موجود” وبانه لازال رقم في الساحة السياسية. انها رسالة صريحة من ايران للقوى ذاتها انها لازالت موجودة. والاهم من هذا كله هذه الرسالة الموجهة لجماهير المنطقة التي نبذتهم باجلى الاشكال. رسالتهم من استعراض القدس مفادها “اننا موجودون”!
استعراض هدفه الرد على التراجع الرهيب الذي تشعر به قوى هذا المعسكر، الجمهورية الاسلامية في ايران و”ولاية الفقيه” و”محور المقاومة” و”الهلال الشيعي” وغيرها. هذا المعسكر الذي تعرض لضربة مميتة متلاحقة ومتزامنة في فترة زمنية قصيرة جدا. فمن جهة تمسك بخناقه حركة احتجاجية جماهيرية ومليونية عظيمة وعارمة في ايران والعراق ولبنان، ويرزح النظام في ايران تحت ضغط حصار اقتصادي خانق وغاشم وتردي اقتصادي وسياسي قل نظيره في تاريخ المجتمع، بالاضافة الى الضربة الماحقة التي تعرضت لها باغتيال سليماني والمهندس بصورة عنجهية ومتغطرسة، والتخبط السياسي العسكري وبالاخص فيما يتعلق بضرب الطائرة الاوكرانية والبارجة البحرية، وتئن المليشيات الحاكمة في العراق تحت ضربات موجعة للجماهير الغاضبة في مدن جنوب العراق، اذ اضرمت النار في مقراتها ومكاتبها ويتراجع نفوذها بشكل رهيب بعد ان انجلت سحابات واسعة حول ماهية هذه المليشيات عن اعين الجماهير، بحد غاب قادة هذه المليشيات عن تبجحهم واستهتارهم وعنترياتهم وغطرستهم السابقة، مختبئين من غضب الشارع، لتطيح بهم ازمة اخرى الا وهي انفكاك فصائل واسعة ورئيسية من الحشد الشعبي وانفصالها وانضوائها تحت “سلطة القائد العام للقوات المسلحة” وسحب السيستاني ليده وعن بقية الحشد الشعبي “الموالي”، الموالي لولاية الفقيه وايران، وغلق المكاتب الاقتصادية لهذه المليشيات، مكاتب الهيمنة على اقتصاديات المدن وبالاخص تلك “المحررة” من ايدي داعش و….
ان هذا المعسكر سيء الصيت الذي تغول في العراق في تراجع متواصل. وان هذه الخطوة الساذجة وعديمة المحتوى هي لرد ماء الوجه واستعراض العضلات لا اكثر. محاولة عقيمة لذر الرماد في عيون الجماهير. والا يعرف القاصي والداني انه تلاعب بعواطف ومشاعر الجماهير واستغفالهم لاهداف لاتمت بصلة بالقدس ولا “تحرير فلسطين” ولا “الصلاة في القدس” وغيرها. اذ لا يتطلع اهل القدس وفلسطين انفسهم لخميني، ولا خامنئي ولا هنية ولا المهندس، لا الاموات ولا الاحياء من هذه القوى المعادية للجماهير.
لقد تلاعبت الحركة القومية العربية وحكوماتها الاستبدادية الفاسدة لعقود مديدة بهذه الورقة. جعلت منها “قضيتها المحورية”، من “القدس عروس عروبتكم”، “القضية المركزية الاولى للعرب”، “كل شيء من اجل المعركة”، وحكمت في ظل هذه الشعارات الكاذبة وقتلت وصفت اعدائها السياسيين، هجّرت ورمت في السجون كل محتج ومعترض على اوضاعه، وقمعت وشاعت الاستبداد السياسي ووأدت كل صوت معارض كلها باسم “فلسطين” و”تحرير فلسطين” و..غيرها من ترهات واكاذيب. لم يعد بوسع احد اقناع جماهير المنطقة بهذه الادعاءات عديمة الاساس والقيمة بعد. فقدت هذه الورقة المحروقة اساساً بريقها نهائياً. ان العودة الى هذه الورقة اليوم ماهو الا دليل على الافلاس السياسي لاصحابها لا اكثر. انه دليل واثبات على ان اصحاب هذا الادعاء فقدوا اي مبرر لادامة وجودهم وسلطتهم وحكمهم للجماهير.
ان انهاء احتلال اسرائيل لفلسطين هو امر تتطلع له جماهير فلسطين التي ذاقت ابشع اشكال الحروب والاقتتال والسجون على ايدي سلطة ودولة قومية ودينية رجعية ومتغطرسة. ان تحرر فلسطين وتشكيل دولة فلسطين المستقلة والمتساوية الحقوق مع اسرائيل هو جزء لا يتجزأ من نضال جماهير فلسطين الداعية للتحرر والمساواة والرفاه وسائر الجماهير والقوى التحررية والمحبة للانسان في العالم.
على العكس من ذلك، ان اول ثمرة لانهاء هذه القضية العادلة وجعلها جزء من التاريخ المرير والكالح للبشرية، اي اقامة دولة فلسطين المستقلة، هو سحب البساط من تحت اقدام كل اشكال اليمين الرجعي العربي والاسلامي من جهة والاسرائيلي من جهة اخرى. سيزيل تحرر فلسطين مبررات تعكز هذه القوى الرجعية وتوظيفها لهذا الماساة لصالح حركاتهم واهدافهم الرجعية والمعادية للجماهير. ان اليمين الاسلامي هو جزء اساسي من هذا المعسكر المعادي لجماهير فلسطين. ان الاسلام السياسي، بمعسكر ولي الفقيه او غيره، جزء من المشكلة وليس حلاً لها ابداً. انه لايستهدف تضميد هذا الجرح الغائر بقدر ما يستهدف توظيفه لصالحه في اهدافه الرجعية في ترسيخ مكانته في السلطة والحكم وتقاسم ثروات المجتمع، لا اكثر.