أن تكونوا خلف القضبان، هذا ما تتطلع إليه جماهير العراق!
(كلمة حول كلمة هادي العامري سيء الصيت في ميسان)
من ضمن الأزمة العميقة والشاملة للإسلام السياسي الشيعي، بلغ التيار الميليشياتي الولائي حداً من التأزم السياسي بحيث لم يبق أمامه سوى اللجوء الى أية أسلحة كانت، حتى تلك التي قد أكلها الصدأ تماماً.
ففي خطاب القاه هادي العامري قبل ايام في تجمع انتخابي في محافظة ميسان، تباكى على عدم تمكن تياره الاجرامي من اعمار مدن الجنوب وذلك لأن “الأعداء” لم يسمحوا لهم بالقيام بذلك لانهم من اتباع الحسين”.
لم يبق أمام هادي العامري لستر مأزقه السياسي وانعدام قيمة تياره السياسية والاجتماعية سوى اللجوء الى الترهات الطائفية المسمومة. لا عتب كثير عليه في هذا. فماذا لدى “المسكين” في “خزينته الفكرية” حتى يبرر الامر، حتى يقول كلاماً ما بوسعه ان يقنع “كم نفر” اشد بلاهة منه؟! ان لخزينته من الهزالة حداً بحيث لم يجد سوى هذه الخرقة البالية المتهرئة طوق نجاة له! يتحدث الكثيرون عن “خرف” العامري، ولكن قبل هذا هو “خرف” افق وهدف حركته السياسية وانزوائها المتعاظم!
لقد نبذ المجتمع في العراق الهوية الطائفية المقيتة منذ سنوات، وتعرت ماهيتها وأهدافها الحقيقية والواقعية وماهية واهداف دعاتها من مثل التباكي على “مظلومية الشيعة” و” 7 قرون من ظلم الشيعة وآل البيت” وابعادهم عن الحكم وغيرها من الترهات. لقد عرفت الأغلبية الساحقة للمجتمع ان مثل هذه المواضيع لا تتعدى سوى قنوات ورافعات للسلطة والهيمنة على الحكم والثروة. وإنهم يعرفون حق المعرفة ان “عاشوراء” و”الحسين” و”الزهراء” و”فاطمة” و” كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء” والمسيرات المليونية لكربلاء ما هي إلا أدوات وأساليب خداع وتضليل الجماهير من اجل تحقيق تلك الأهداف غير المعلنة.
ولكن السؤال المطروح: ما لذي حل بالعامري حتى يلجأ إلى هذه الاسطوانة المشروخة؟! المسألة ببساطة، هذا هو كل ما يملكه من امثال العامري والخزاعي والفياض ومن ورائهم ولي نعمتهم، ولي الفقيه والجمهورية الاسلامية!
رأت الجماهير بأم اعينها النهب الذي قاموا به واللصوصية السافرة. لقد رأت كيف ابتلعوا بيوت وابنية مؤسسات دولة كبيرة وضخمة اثر سقوط النظام الفاشي البعثي وقيّدوها بأسمائهم. لقد رأت مكاتبهم الاقتصادية، “كومشينات” الصفقات والعقود، هيمنتهم على المعابر الحدودية ومواردها التي تصل الى مئات الملايين من الدولارات شهريا، تهريب النفط، السمسرة، تجارة المخدرات، الرشاوي و… حتى بلغ الامر بالحصص من الملاهي والبارات وبيوت البغاء وغيرها، ناهيك عن النهب الرسمي و”القانوني” و”الشرعي” من الدولة ومؤسساتها وأموالها. ان ما نهبوه يعادل ميزانيات عدة دول بأكملها مجتمعة. إنها تكفي لبناء المجتمع وإعماره مئة مرة وليس مرة واحدة.
إن آخر فضحائهم، وليست الاخيرة، حرمانهم من “التصويت الخاص” كسائر المؤسسات المسلحة للدولة، وذلك نظراً لامتناعهم عن تقديم اسماء منتسبي الحشد لصرف البطاقات الانتخابية، إذ أن من شأن ذلك أن يفضح الارقام الواقعية للحشد. حيث ان عشرات الالاف من المنتسبين هي أسماء وهمية تذهب رواتبها لقادة الحشد!! لم يبقوا ثقباً ما لم يسعوا الى التضليل والخداع ونهب الاموال منه! ويأتي العامري اليوم ليتحدث مثل هذا الهراء في خطابه.
والآن يأتي من أمثال العامري للحديث عن “ان الاعداء لم يعطونا المجال لإعمار المدن والاهتمام بها؟!” على من تنطلي هذه الكذبة؟ يرى العامري نفسه هزيلاً، فيظن ان جماهير العراق كذلك. إنه يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره. الجماهير أوعى منه بكثير، عبرته أشواطاً كثيرة.
لا أتحدث عن سجلهم الإجرامي. إذ قتلوا، وهجّروا، ورموا بسجونهم السرية آلاف الشباب ولسنوات دون محاكمة وبالأخص من سكان المنطقة الغربية والمنتفضين بوجههم، فرضوا سياسات التطهير العرقي في الكثير من المدن بحجة “محاربة الإرهاب وداعش”! لم يبق شيء بشع يتصوره احد لم يقوموا بها, يجب أن يُحاكم امثال العامري كما حاكمت البشرية النازية والنازيين.
لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى تبين للجميع الطابع الاجرامي لحشدهم. سعوا لفرض قدسيته على الناس بقدسيته بكل السبل. ولكن، لم تمضِ سوى سنين قليلة حتى تحول الى مبعث سخط وازدراء واحتقار الاغلبية الساحقة للمجتمع التي تطالب اليوم جهاراً بحل الحشد. ليس هذا وحسب، بل تحول محور حركتهم وحضورهم المقبل في البرلمان وشرط تحالفاتهم هو الدفاع عن بقاء الحد الشعبي!! ان يكون الحشد الشعبي ورجالاته منبوذان إلى هذا الحد هو أمر مفهوم جدا، وبالأخص بعد المجازر التي ارتكبها الحشد وميليشياته الاجرامية التي يعرفها الداني والقاصي بـ”الطرف الثالث” حتى ولو لم يصرح بهذا، المجازر التي ارتكبها الحشد بحق شباب انتفاضة تشرين وقتل ما يقارب 800 شاب وشاب معترضين وما يقارب من 25 الف جريح ومعوق، ناهيك عن اعمال الاختطاف والاغتيال و…غيرها.
لم ولن يتطلع احد الى “منجزاتهم” بالإعمار والبناء. إن كل ما هم بارعون به هو القتل والبلطجة والنهب وانعدام المسؤولية السياسية والادبية والاخلاقية. لقد حلت ساعة كنسهم هم وكل القوى التي ساهمت في خلق هذا الكابوس المؤرق للأغلبية الساحقة للمجتمع. فما تتطلع الجماهير إليه فعلاً هو زجهم خلف القضبان.