الدور الأمريكي في خلق هذه الحرب، ليس أقل من الدور الروسي!
(حوار المنصة الثالثة مع فارس محمود حول حرب أوكرانيا، 7 آذار 2022)
المنصة الثالثة: هناك تفسيرات كثيرة لهذه الحرب منها “ديكتاتورية بوتين”، “غطرسة بوتين” (الصحافة الغربية) أو الدفاع عن الروس وحمايتهم في ” دونيتسك” و”لوغانيتسك” الذي يشكلون أغلبية المواطنين هناك والذين يتعرضون للاضطهاد والتمييز مثلما يتحدث بوتين وسائر المدافعين عن هذا الغزو… فما هي الأسباب الحقيقة لهذا الهجوم والغزو برأيكم؟!
فارس محمود: لنضع هذه الادعاءات جانباً. إنها نموذج بيّن على الخداع والكذب. إن هذا ديدنهم. يخفون الأسباب الحقيقة من أجل حرف أنظار العالم عن المصالح والأهداف الحقيقية التي يتعقبها كل طرف من اطراف الصراع. إذ لم تكن الحرب على العراق مثلاً ذات صلة بـ”ديكتاتورية صدام” و”خطر صدام” ولا “اسلحة الدمار الشامل” و”صلة صدام بالقاعدة”، وتبين ذلك للجميع! بعدها عادوا، وتحدثوا عن أسفهم لـ”خطأ معلومات الاستخبارات”!!!
ان كانت الحرب تجري على الأراضي الاوكرانية، فان أساس القضايا هي في العلاقة ما بين روسيا (والصين) وامريكا والغرب. تكمن أساسها في الاوضاع العالمية الراهنة وميزان القوى العالمي. إذ نشهد انتهاء عالم الاحادية القطبية (الامريكية)، العالم الذي كانت فيه امريكا الآمر والناهي في العالم الذي ينبغي ان يطأطأ الجميع لها رؤوسهم صاغرين. ظهرت الآن اقطاب اقتصادية وسياسية وعسكرية جديدة بحيث وضعت علامة استفهام كبيرة على المكانة المتفردة والخاصة لأمريكا.
فمن جهة، نرى الصين قطب اقتصادي ناهض بقوة ويهيمن بشكل كبير على العالم اقتصادياً. روسيا، من جهة اخرى، ضمدت جراح ما بعد انهيار عالم الثنائية القطبية (الشرق بزعامة القطب السوفيتي-الغرب بقيادة امريكا)، والآن تعود للساحة كقوة عسكرية وسياسية قوية. من جهة اخرى، ترى اوروبا، بقيادة المانيا وفرنسا، انها، وبفضل مكانتها الاقتصادية، لا يمكن ان تبقى للأبد تحت ظل امريكا، وتبحث عن مصالحها المنفصلة عن الاخيرة، ناهيك عن قدرات اقتصادية اخرى مثل البرازيل والهند وغيرها.
ان انتقال العالم من احادي القطب الى متعدد الأقطاب، يطرح إعادة تقسيم العالم، أي ان القسمة السابقة المبنية على معادلات سابقة، لا يمكن لها الاستمرار. وكما جرت العادة، إن إعادة التقسيم الإمبريالي للعالم لا يتم دون حروب وإراقة دماء ومذابح ومصائب وويلات. ورأينا هذا في سوريا، في ليبيا، في العراق، في اليمن، وفي أفغانستان وفي أماكن اخرى من العالم. وفي مجمل المناطق هذه، تلقت امريكا هزيمة سياسية (وحتى عسكرية في قسم منها)، وتراجع نفوذها. وهو ما تريد تعويضه في اوروبا وشرق اوروبا اليوم. إن حالة اوكرانيا لا تشذ عن حالات العراق، افغانستان، سوريا، ليبيا وغيرها!
الاجتياحات والغزوات السابقة تقوم بها امريكا، هذه المرة تقوم بها روسيا! روسيا تقول اليوم، التوازن تغيّر، نحن ايضاً مثلكم كما تقومون بتغيير انظمة، نقوم نحن بذلك ايضاً، تغزون بلدان نحن نغزو ايضاً، تفرضون إرادتكم على الاخرين بالقوة، نفرضها نحن بالقوة ايضاً. ما كان حكراً عليكم، لم يبق كذلك! ما قامت به روسيا، كانت تقوم به أمريكا لما يقارب 80 عام!
يمكن فهم خطوة روسيا في هذا الصراع وهذا السياق. بهدف تطويق روسيا ومحاصرتها، سعت امريكا وتسعى الى ضم اوكرانيا الى حلف الشمال الاطلسي (الناتو). روسيا ترى هذا الامر “خط احمر”. الحكومة الأوكرانية الحالية، حكومة زيلينسكي، موالية للغرب واوروبا. وهو ما لا يرضي روسيا بوتين، روسيا التيار القومي التوسعي، التيار الذي يحن الى أمجاد روسيا والإمبراطورية الروسية بشكلها القيصري او بشكلها السوفيتي.
ولهذا إن وضع اصابع الاتهام على بوتين وحده، بوصفه “هتلر جديد” ينوي اجتياح اوروبا هو خلق دراما كاذبة. إذ ينبغي ان ننظر للوحة ككل. وفي هذه اللوحة هناك امريكا والناتو. نعم، قوة انهارت (الاتحاد السوفيتي السابق) الان تستعيد قواها وتطالب بحصتها، أي لا اكثر من اضافة قوة اخرى تهدد العالم. اما “بوتين يهدد العالم”؟!، العالم مهدد اساساً قبل بوتين من عقود وليس الآن. انه قلب وتزييف للحقائق. كان يقوم بها طرف واحد سابقاً (امريكا) الان انضم طرف اخر. في الحقيقة، إن دور أمريكا في خلق هذا الوضع وهذه المأساة هو كبير، وإن لم يكن بأكثر من دور روسيا، فليس بأقل منه!
المنصة الثالثة: لنتحدث بشكل محدد، ما لذي تتعقبه كلاً من روسيا وأمريكا مما يجري؟!
فارس محمود: ان هدف روسيا من هذه الحرب هو فرض التراجع على امريكا والقطب الغربي في هذه المنطقة، اي إبعاد الناتو والغرب ونفوذ امريكا من اقترابه للحدود الروسية، إبقاءهم بعيداً. فيما تتعقب امريكا شيء اخر الا وهو محاصرة روسيا وتضييق الخناق عليها. من جهة اخرى، تتعقب أمريكا هدفاً مهماً إلا وهو، عبر هذه الخطوة والدفع بموضوعة انضمام اوكرانيا للناتو وخلق اجواء الحرب، هو جر اوربا من خلفها وإبقائها أسيرة نفوذها، وعدم انفضاض أوربا عنها. اي إدامة واستمرار الوضعية السابقة. وبالأخص، ان امريكا ترى بأم عينها كيف ان اوربا قد بدأت منذ زمن بتعقب مصالحها الخاصة بعيدة عن الدور والنفوذ الأمريكي. إذا أتت اوربا تحت المظلة الأمريكية لمجابهة القطب السوفيتي إبان الحرب الباردة، فمع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو، لم ترى اوربا من ضرورة للبقاء تحت المظلة الامريكية وبقيادة وزعامة امريكا والناتو. ليس هذا وحسب، بل مع انهيار حلف وارشو انتفت الحاجة لبقاء الناتو نفسه، ناهيك عن تقويته وضم بلدان إليه!
فعبر تخويف أوربا ورفع فزاعة “الدب الروسي” و”ديكتاتورية بوتين” و “الخطر الروسي” و…غيرها، تنشد امريكا اقناع أوربا بالبقاء تحت مظلتها، وأن تُقنع أوربا إنها لا زالت بحاجة الى امريكا والجيش الامريكي الذي هو عملياً الناتو نفسه. بيد أن أوربا تسير في مسار تباعدي عن أمريكا، تبحث عن مصالحها بصورة مستقلة عنها، ولهذا تتحدث عن الجيش الاوربي وضرورة أن يكون لأوروبا جيشها المستقل والخ. تدفع فرنسا بوصفها قوة سياسية مهمة والمانيا بوصفها قدرة اقتصادية قوية في اوربا بهذا المسار. أي مسار ان تنخرط دول أوربا موحدة وراء القيادة الالمانية-الفرنسية.
ولكن، من غزو روسيا لأوكرانيا، حققت أمريكا أحد أهم أهدافها. أمريكا كانت تريد هذه الحرب وكانت تدفع زيلينسكي لعدم التفاوض مع روسيا او التنازل امامه، وقد حل الهجوم والغزو عليها كـ”نعمة من السماء”. إذ مرة أخرى جمعت أوربا خلف ظهرها، وتعاظم التأييد لبقاء الناتو ودور أمريكا… الان نرى بسهولة إن الراي العام الأوربي قد مال بقوة لصالح بقاء الناتو الذي تزايدت شعبيته والايمان بضرورة بقائه بوصفه “رادع لبوتين” و”مطامح امثال بوتين” الذي يتم تصويره اليوم من قبل الاعلام الغربي بوصفه “هتلر روسيا” او “هتلر جديد” يهدد اوربا والعالم. ليس هذا فحسب، بل ان البلدان التي وضعت نفسها بعيدا عن الناتو طيلة كل هذه العقود المديدة، نرى انها بدأت تفكر بالانضمام للناتو، إذ تشير استطلاعات الراي في بلدان مثل فنلندا والسويد على إن كل مواطن من أثنين يميل الى انضمام بلده الى الناتو!! لكن حتى هذا الميلان وهذا “المكسب الامريكي” فهو عابر ومؤقت برأيي، وسترجع عملية التباعد من جديد.
المنصة الثالثة: بالمناسبة، فيما يتعلق بأوروبا، يمكن رؤية تناولات أو تعاملات مختلفة من قبل بلدان أوربا تجاه ما يحدث في هذه الأزمة. ما هو تفسيركم لذلك؟!
فارس محمود: رغم سعي أوربا لأن تظهر كقطب واحد إلا إن ليس بالضرورة ان تتطابق مصالح بلدانها في كل خطوة، فكل طرف يتعقب مصالحه المستقلة بالمطاف الأخير. ان حكومات هذه البلدان هي الهيئات السياسية الممثلة لمصالح الطبقة الحاكمة، البرجوازية، في بلدانها. وباختلاف مصالح هذه الطبقة وحاجاتها واهدافها في كل بلد، تتخذ الهيئات السياسية الممثلة لها توجه ما.
يجب أن نفرّق بين مرحلة ما قبل الأزمة، وما بعدها. لنتحدث قبل بدء الازمة، او مع الايام الاولى لاندلاعها. مثلاً، لألمانيا مصالح اقتصادية قوية مع اوربا، إذ تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي لتسيير اقتصادها، ولهذا لا تميل الى تشديد الصراع مع روسيا، على العكس تؤمن ان التشدد يدفع ببوتين نحو التشدد، والضرورة تقتضي هضم روسيا و إن كبح جماحها يتم عبر التقارب مع روسيا. فيما يتعلق بفرنسا، فلها الاستراتيجية ذاتها مع فرق بسيط يتعلق انها ليست بوتيرة المانيا، ابطأ كثيراً واقل حماسة بكثير. فيما بريطانيا، لها موقف اخر يختلف كلياً. إذ يتطابق مع المشروع الامريكي والتوجه الامريكي. وهكذا الحال مع بقية البلدان من مثل إيطاليا وإسبانيا والسويد والدنمارك وغيرها.
ولهذا نرى استراتيجيات مختلفة تستند الى عوامل مختلفة وتطلعات مختلفة تعكس مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة ورؤيتها.
ولكن مع الأيام الأولى للازمة، راينا توحد اوربي قوي تقريباً مؤيداً لأمريكا والناتو وداعي للتشدد بوجه روسيا من حيث فرض العقوبات الاقتصادية الغليظة التي اوصلت الروبل الى نصف قيمته وتوجيه ضربة مدمرة للاقتصاد الروسي والعون التسليحي والمالي والدعم السياسي لحكومة زيلينسكي. وبرأيي، حققت أمريكا اهم اهدافها، جر اوربا ورائها وتنامي قيمة ومكانة الناتو الامريكي مرة أخرى.
المنصة الثالثة: انقضى اكثر من اسبوع على شن روسيا لحربها، السؤال المطروح هو الى أين تسير الاوضاع؟ هل هذا سيجر الأمور لحرب بعيدة أو طويلة المدى؟ حرب عالمية ثالثة مثلاً؟
فارس محمود: بتصوري، كان هناك تصور واسع إلا وهو إن هذه الهجمة ستكون لفترة قصيرة، إذ يقر الجميع وحتى القادة الغربيين بأن أوكرانيا لا تستطيع ان تقاوم كثيراً، وتحدثوا عن اقل من اسبوع، ويتعاملوا مع هذا الامر كأمر واقع. ويتحدث المسؤولون الغربيون، وفي مقدمتهم بايدن نفسه، بأن إذا تخطت روسيا اوكرانيا وأعتدت على دول الجوار الذين هم اعضاء في الناتو، سيتدخل الغرب والناتو بحكم اتفاقيات الناتو. أي بمعنى آخر، إن الغرب لا يتدخل بالوضع الاوكراني من الناحية العسكرية ويسعى جهده من اجل ان لا تتحول اوكرانيا الى لقمة سائغة لدى روسيا.
ولهذا السيناريو الأمثل لروسيا هو الإطاحة بحكومة زيلينسكي وتشكيل حكومة بديلة عنها موالية للروس وإنهاء ملف اوكرانيا وانضمامها للناتو وإبعاد الناتو من حدود روسيا. ولكن هذا السيناريو ليس بسهل التحقيق في ظل مسار الأوضاع.
من جهة اخرى، في خطاب بوتين قبل ايام مر بشكل عابر على قضية دون ان يفصح تفاصيلها، وهي قضية تكشف الطموحات التوسعية للتيار القومي الروسي الذي يقف على راسه بوتين اليوم. اذ تتمثل الاستراتيجية الروسية بالتالي: في حالة تشكيل حكومة موالية للروس في اوكرانيا ووجود حكومات موالية لروسيا في كازاخستان وبيلاروسيا، يمكن تشكيل حلف يكون نموذج مصغر عن “اوربا الشرقية” بقيادة روسيا. إن الطموحات القومية الروسية غير خافية على أحد. هذا طموح قريب لبوتين، كم ينجح في هذا المسعى هو أمر آخر.
وإذا تعقد الأمر، بتصوري، روسيا على استعداد لتخفيض سقف مطاليبها، وتدخل في مفاوضات مع الحكومة القائمة بهدف إجبارها على القبول ببعض الشروط وفي مقدمتها سحب طلبها بالانضمام الى الناتو والقبول بهذا “الخط الأحمر” الروسي.
أن اي حديث عن حرب عالمية ثالثة برايي غير واقعي على المدى المنظور او للدقة في هذا السياق بالأخص انطلاق شرارة هذه الحرب من أوربا نفسها. ليس لكل الاطراف هذا الاستعداد لاتخاذ خطوة كبيرة مثل هذه. وبالأخص، في ظل الازمة الخانقة التي تعاني منها الرأسماليات العالمية والتناقضات العميقة التي تواجهها على صعيد اجتماعي واسع، ناهيك عن تسلح اغلبية هذا الدول بهذا الحد من التدجج النووي وغيرها. ولكن كل شيء يأتي ووارد على أيدي الرأسمالية.
المنصة الثالثة: ما هو موقفكم من الحرب الجارية الآن؟!
فارس محمود: إن هذه الحرب، سواء من الناحية الإنسانية او السياسية، هي رجعية الى ابعد الحدود. بوسع المرء ان يلقي نظرة ويرى قتل الابرياء، الدمار، الخوف والهلع الذي ينتاب مجتمع اوكرانيا والمنطقة عموماً خوفاً من اتساع رقعة الحرب والصراع. بوسعه أن يلقي نظرة الى موجات التشرد والنزوح الجماعي لأناس ابرياء لا ذنب لهم في كل ما يجري، أناس لا حول لهم ولا قوة يغطون في قلق وحيرة عميقين. ففي اليوم الاول فقط نزح ما يقارب 100 الف انسان من اماكن سكنهم الى مناطق غرب البلاد كي يكونوا في اماكن أكثر أماناً، وترك مئات الالاف اوكرانيا من الاساس. ناهيك عن الغلاء وارتفاع اسعار الوقود والطاقة في اوربا التي تغط في الثلوج الآن وارتفاع أسعار المواد الغذائية في عالم يشهد اساساً غلاء فاحش وفقر كبير.
زد على ذلك ما تتركه الحرب من دمار مادي ومعنوي قل نظيره. إنها تغيّر قيم المجتمعات، تطلق العنان لكل القيم الرجعية من قومية ودين وتردي معنوي وقيمي. تفقد المجتمع سمات مجتمع، وبالتالي، تفتح الأبواب مشرعة امام كل القيم غير الاجتماعية والمناهضة لتقدم المجتمع ورقيه. لاحظنا جميعاً تصاعد النزعات القومية والفاشية، راينا المسؤولين الغربين ووسائل الاعلام الغربية وقد وضعوا ديمقراطيتهم و شعارات “حقوق الإنسان” جانباً لتفوح منهم رائحة عنصرية نتنة. راينا تعامل الشرطة والجيش مع ملوني البشرة، مع ذوي “العيون غير الزرقاء” و”غير الشعر الاشقر”!!
رأينا كيف تحول تيار قومي فاشي وحكومة فاسدة ومعادية للجماهير المبتلات بالفقر والجوع والبطالة وزيلينسكي نفسه الذي يصوره الاعلام الغربي بين الجنود وفي الثكنات بوصفه “مقاوم” و “بطل قومي”، الى ممثل جماهير اوكرانيا. إنه ليس بطلاً قومياً. انه بطل سياسات الناتو. قدم خدمة تاريخية لأمريكا والناتو. ان رفع الاعلام الاوكرانية والنفخ بالأحاسيس القومية في التجمعات والتظاهرات لاتضيف قطعة رغيف للعامل والكادح الاوكراني. اصبح هذا الفاسد الفاشي بطلاً قومياً للبلد. فأي تراجع قد تم فرضه على المجتمع البشري؟!
المنصة الثالثة: ما هو سبيل حلكم…؟!
فارس محمود: الحرب لم تكن حتمية، ليست أمراً لا مناص منه. إن سببها قبل ان تكون “النزعة المغامراتية” لبوتين، هي المنافسة والصراع الامبريالي العالمي. بإمكان حكومة تستند الى الجماهير في اوكرانيا، حكومة هدفها الرد على حاجات ومتطلبات المجتمع، حكومة ليست موالية لهذا الطرف او ذاك، حكومة لا تمثل خطر على هذا البلد او ذاك، لا تنتمي لهذا التحالف الامبريالي او ذلك ان تحول دون خلق هذه الوضعية من الاساس. كان بوسع حكومة زيلينسكي ان تقوم بهذا وتطوي الصفحة كاملة. كان بوسعها ان تكون كسويسرا أو النمسا واخرى غيرها من بلدان أوربا ليست أعضاء في الناتو، ويحل المشكلة. ولكنها، اي حكومة زيلينسكي، ذات أهداف اخرى لا تتعلق بمصالح جماهير اوكرانيا وروسيا.
يجب إيقاف هذه الحرب فوراً وانسحاب القوات الروسية فورا وبدون اي قيد او شرط. كما يجب ان يترك الناتو المنطقة. وجود الناتو وأمثال الناتو هو نفسه مبعث انعدام الأمان في المنطقة. يجب حل الناتو وكل الاحلاف العسكرية…لا يجب ايقاف هذه الحرب، بل انهاء مجمل النزعات الحربية والعسكرتارية التي تقوم بها كل هذه القوى الامبريالية المتصارعة.
ليرفعوا نزعتهم العسكرتارية من فوق رؤوس جماهير المنطقة، ويدعوا الجماهير في اوكرانيا وروسيا ان تقرر المصير السياسي والاقتصادي للبلدان! عندها لن يكون هناك مجال لخيار الناتو ولا للقسر الروسي. عندها سنرى الصف المقتدر والاممي لعمال وكادحي روسيا واوكرانيا والمنطقة كيف يطيحوا بالحكام خدمة الرأسمال وبترسانتهم النووية وتجار الحروب والاسلحة. عندها سنرى كيف تحوّل الجماهير المتضررة من الحروب والعسكرتارية، الجماهير ذات المصلحة المشتركة والواحدة، هذه الثروات التي تبذرها البرجوازية على التسليح وسباق التسلح، على ايدي الطبقة العاملة، الى سبل لرفاه الانسان وحريته وسعادته وامانه في المنطقة والعالم.