المقالاتريبوار احمد

بصدد حملة روسيا العسكرية على اوكرانيا

(ريبوار أحمد في مقابلة مع جريدة أكتوبر- الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني)

أكتوبر: بعد عدة سنوات من الصراع بين روسيا وأوكرانيا، شرعت روسيا في الرابع والعشرين من هذا الشهر، شباط، بحملة عسكرية على أوكرانيا. إلى ماذا تعزون أرضية واسباب هذه الحرب التي شرعت بها روسيا؟! هل يتعلق الأمر بمطالبة تاريخية تخص عائدية اوكرانيا لروسيا أم خطر محاصرة الناتو لروسيا جراء موضوعة انضمام اوكرانيا للناتو؟

ريبوار أحمد: حتى إذا كانت هناك مطالبة ودعوى تاريخية بهذا الخصوص، بيد أن هذه ليس بوسعها أن تبين الاسباب الحقيقية لهذه الحرب والهجمة الروسية الراهنة على اوكرانيا وتجابه القوى العظمى. وذلك لأن هذه الحرب، في الحقيقة،  جزء من صراع الدول الإمبريالية والعظمى للعالم حول إعادة تقسيم مناطق النفوذ في أوضاع جديدة للعالم. وقصدي من الأوضاع الجديدة للعالم هو إن هذه المرحلة، مرحلة سعي امريكا لفرض نظام أحادي القطب على العالم، قد أصبح من الماضي. إذ برز وضع جديد حيث يضع العالم أقدامه في نظام جديد متعدد الاقطاب. وبموازاة امريكا، فالصين وروسيا وأوروبا و… منهمكون بإبراز أنفسهم كقوى عظمى وينشد كل طرف منهم حصته. وإن لم يظهروا انفسهم  لحد الان على شكل كتلة موحدة، وذات انسجام تام حول قضايا العالم المعاصر، بيد الحرب والصراع واستعراض القوى هو جزء من عملية صياغة عالم متعدد الاقطاب وتثبيته.

إن هذه الحرب المتغطرسة والوحشية الراهنة التي شنت على اوكرانيا هي، في الحقيقة، حرب ما بين روسيا من جهة وأمريكا والناتو من جهة اخرى. إنها حرب تصفية حساب بين هذه الأقطاب الرجعية، وإن ساحة ذلك هي اوكرانيا وضحاياها هي جماهير اوكرانيا العزل. لا يمكن النظر الى هذه الحرب بوصفها حرب أحادية الجانب من قِبل روسيا على اوكرانيا، بل حرب جبهتين رجعيتين عالميتين جعلتا من اوكرانيا ساحة لصراعهما. في هذه الحرب، بقدر ما لروسيا دوراً بوصفها هي من شنت الحرب والهجمة الوحشية، فلأمريكا والناتو ذات القدر والدور، وهما مشاركان ومسؤولان عن خلق هذه الحرب وأرضيتها. حتى إن النظام الحالي في اوكرانيا والذي هو أداة طيعة بيد الناتو مشارك في اندلاع هذه الحرب. وعليه، فهو طرف في هذه الحرب وفي عدم حقانية الحرب من قبل جميع الأطراف. تسعى وسائل الإعلام الغربية أن تبيّن إن روسيا وحدها هي المسبب والمُنَفِذْ الوحيد للحرب. وبهذه الطريقة، تخفي جرائم وإجرام الأطراف الأخرى لتلقيها على جرائم وإجرام روسيا وبوتين. ولكن اذا تمعنا بالأمر، فان هذه الحرب قد أتت بعد تلك الخطوات التي شرعت بها أمريكا والغرب قبل ذلك من اجل تقليم أظافر روسيا واقتطاع أماكن نفوذها. أي بغض النظر عن أين تكن ساحة الحرب وما هو شكل ظهورها، فهي من حيث محتواها وفي الواقع حرب تلك القوى العظمى بوصفها أقطاب عالمية معاصرة في صراع حول مكانتها ومناطق نفوذها.

للتحلي بفهم صحيح حول أرضية هذه الحرب وأسباب اندلاعها، وفي الوقت الذي ينبغي علينا رؤية النزعة العسكرتارية ومساعي استعراض القوى والمساعي التوسعية لروسيا في الأوضاع العالمية الجديدة، علينا ان ننظر للتحركات والسياسات التوسعية للطرف المقابل. ينبغي أن نوجه أنظارنا الى أمر الا وهو إن اوروبا قد اتخذت، ومنذ زمن،  مساراً تباعدياً عن امريكا، وخرجت عن ظل قيادة أمريكا، وتتجه نحو الظهور بوصفها قطب مختلف. كما إن الناتو يسير ايضاً، ومنذ زمن، نحو الضعف، وحتى إن مسالة بقائه هو تحت طائلة السؤال. ولهذا، فإن أمريكا كانت بحاجة كبيرة الى سبيل أو مبرر حتى تبقي اوروبا تحت قيادتها وإحياء الناتو على السواء، ويستلزم ان تعرّف الناتو وتبرزه في أوضاع جديدة. لهذا، كان لها دوراً كبيراً في خلق أرضية هذه الحرب عبر الدفع بموضوعة عضوية اوكرانيا في الناتو ونشر قوات الناتو على مشارف حدود روسيا. في الوقت الذي كانت تنص اتفاقياتهم السابقة على إنه ليس من المفترض ان تُنشر قوى الناتو حول روسيا واوربا الشرقية، جلبت امريكا عضوية اوكرانيا في الناتو. ورغم أن هجمة روسيا وبهذه الابعاد الواسعة لم تكن أمراً متوقعا، حتى بالنسبة لأمريكا نفسها. إذ لو رضخت روسيا لانضمام اوكرانيا للناتو، عندها ستبلغ قوات الناتو حدود روسيا. حتى إذا كان ما متوقع من رد فعل روسيا هو القيام بهجمة محدودة النطاق على بعض مناطق اوكرانيا، فانه يحقق مصلحة امريكا من جانبين: فمن جهة يُحيي الناتو ويجر أوربا تحت جناحها، وكذلك من ناحية تدفع روسيا للحرب وتدفعها للعزلة وفرض حصار اقتصادي وسياسي وتوجيه ضربة اقتصادية لها. ولهذا، كانت أمريكا منهمكة في السنوات الأخيرة بتوسيع قوى الناتو قرب حدود روسيا.

باختصار، بعد إخفاق امريكا وفلكها في فرض عالم أحادي القطب، كانت هناك سنوات عديدة من الصراع من أجل تقسيم العالم  ومناطق النفوذ بين القوى الامبريالية العظمى. إن الحروب والصراعات الاقتصادية والسياسية للسنوات المنصرمة، حروب الشرق الاوسط وليبيا وأفغانستان واليمن المعروفة باسم حروب بالوكالة، السعي لحصار أمريكا للصين في المحيط الهادي هي جميعها جزء من هذا الصراع وجزء من عملية تقسيم العالم ومناطق النفوذ ما بين القوى العظمى. إن ما يجري اليوم هو امتداد لذلك المسار واستمراراً له في اوروبا وفي هجمة روسيا على أوكرانيا. فمن جهة تقف الصين وروسيا وحلفائهما، ومن جهة اخرى، امريكا والناتو وأوروبا. ولكن لم تتشكل، لحد الآن، على شكل كتلة موحدة ومنسجمة وذلك لأنهم ليسوا موحدين من الناحية الاستراتيجية، بل متفقين على بعض القضايا، ومتباينين وحتى معارضين لبعضها الاخر.

اكتوبر: في بيان الأحزاب الشيوعية العمالية بصدد الحرب، تم الحديث عن إن هذا الامر لا يؤدي الى اندلاع حرب عالمية ثالثة أو العودة الى الحرب الباردة، ولكن يُقال إن هذه الهجمة هي مستهل انزلاق العالم نحو مرحلة جديدة من صراعات وعسكرة الكتل! أي معنى للصراعات والمجابهات العسكرية للكتل سوى حرب تعم العالم؟!

ريبوار أحمد: في الحقيقة إن وسائل الإعلام البرجوازية نظمت دعاية حربية واسعة جداً تُبين فيها إن العالم على شفا حرب عالمية، أو ان الوضع يسير نحو العودة الى حرب باردة. تشن لكثير من البلدان الغربية حرباً نفسية على الجماهير، وتدفع الجماهير بصورة غير مباشرة للاستعداد للحرب، وتحل أزمة في اسواق المواد الغذائية، وبالأخص المعلبة حيث يمكن خزنها، وتنفذ. تبالغ وسائل الإعلام الخانعة كثيراً عن قصد وعمد بالدعاية الحربية. إنها تقوم بهذا العمل كي تبين ضرورة خططهم العسكرتارية. وعليه، إنهم منهمكون بسباق تسلح وخلق الأرضية لبرنامجهم ذاك الذي وضعوه على جدول أعمالهم مسبقاً. يقرعون طبول حرب عالمية كي يشيعوا لمرحلة أخرى من العسكرتاريا، يقرعون طبول ضرورة الناتو كي يُحيوا الناتو، وطبول ضرورة جيش موحد لأوروبا كي يشكلوا ذلك الجيش. يقرعون طبول مخاطر حرب عالمية حتى يضفوا حقانية على التسلح والعسكرتاريا وتخصيص عائدات وميزانيات هائلة. ينشد البيان إماطة اللثام عن أهداف هذه الدعاية المضللة.

إن حرب عالمية ثالثة هي امراً ليس مطروحاً، بيد أن النزعة العسكرتارية في طور نيل الشرعية والتفاقم. إن هجمة روسيا على اوكرانيا وهذه الاجواء التي تم خلقها، تعطي روحاً جديدة مرة أخرى للنزعة العسكرتارية المندحرة والتي شرعت عام 1991 بقيادة أمريكا والتي جعلت على وجه الخصوص منطقة الشرق الاوسط بحراً دموياً وأحرق جماهير المنطقة بنار الحرب وتجربة الاسلحة الحديثة وألحق بها دماراً هائلاً. إن هذه المرحلة من الهجمات والعسكرتارية تأتي بعد عقود من الاندحار. فبالإضافة الى إنها كانت عرضة لسخط واحتجاج الجماهير التحررية في العالم، فإنها من الناحية السياسية قد تلقت هزيمة بدرجة إن أمريكا وحلفائها قد تخلّوا عنها وتراجعوا عنها دون أن يحققوا غاياتهم.  بيد ان هجمة روسيا قد ضخت حياة أخرى في النزعة العسكرتارية. وبالتالي، انطلقت الدول البرجوازية العظمى بسباق عسكري ومن حيث الاسلحة المدمرة والعصرية، وخصصوا عائدات مالية كبيرة للعسكرتارية ورهنوا أمان العالم بالسلام والتجييش والمعاهدات العسكرية.

ورغم الصعوبة والاوضاع الكارثية التي تجري في اوكرانيا الآن، فإن هذا الوضع لا يسير نحو اندلاع حرب عالمية، ولا ثمة مثل هذه الحرب في برنامج القوى العظمى. حتى وبالرغم من الوعود التي قطعتها امريكا والناتو لأوكرانيا، وعود تتمثل بحالة شن روسيا هجوم عليها، فإنها ستواجه برد فعل قوي من الناتو وامريكا،  ولكننا نشهد، وبحجة إن اوكرانيا ليست عضواً في الناتو، وفي الحقيقة خشية من امتداد نطاق الحرب وتوسعها، لم تقم بغير الدعم اللوجستي وإرسال الاسلحة والضغوطات الاقتصادية، وقصدي لم تقم باي رد فعل وعمل عسكري. لو عدتم بأذهانكم لعام 1991، وبحجة إزاحة آل الصباح من كرسي حكم الكويت، أي هجوم وتحالف كبير نظموا للحرب ضد صدام! في الحقيقة، كشف مجمل قطب الناتو هذه المرة عن ضعفه. وذلك لأنه يعرف جيداً حقيقة وهي إنه اذا قام بخطوة بحيث توسع مخاطر الحرب في اوربا، ستخرج الأمور عن السيطرة والتحكم ولن يبقى هناك من منتصر. إن القوى والأقطاب العالمية الراهنة تمتلك كلها أسلحة نووية بوسعها ان تدمر الكرة الارضية بصورة تامة، وإذا انخرطت في حرب مباشرة ضد بعض، لن يكون هناك منتصر، وسيكون العالم كله عرضة لمخاطر الدمار التام. ولهذا، فإن حربهم ضد بعض من اجل تقسيم العالم بينهم يكون في الميدان السياسي والاقتصادي بصورة مباشرة، وبصورة غير مباشرة في الميدان العسكري.

أكتوبر: فيما يخص هذا الحدث، تذكر بعض التفسيرات إن هذه الخطوة العسكرية لروسيا هي نتيجة انتهاء عالم احادي القطب بقيادة امريكا وصياغة عالم متعدد الاقطاب والكتل الاقتصادية-السياسية-العسكرية والتي تتحدث كثيراً عن امريكا واوربا والصين وروسيا. إلى أي حد ترى هذه التفسيرات صحيحة؟

ريبوار أحمد: بتصوري، لم تتم صياغة وتشكل عالم ونظام أحادي القطب بقيادة امريكا من الأساس حتى يتم الحديث عن انتهائه اليوم. لقد كانت هذه خطة امريكا، وقد شنت من أجل ذلك الحروب والهجمات. في حرب الخليج الاولى، أراقت الدماء في العراق بحجة احتلال الكويت، ومن الهجمة على افغانستان بحجة الإرهاب، واحتلال العراق وتدميره بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل وصولاً الى حرب سوريا وليبيا واليمن …. هذه كلها مساعي امريكا من أجل فرض نظام عالمي جديد بقيادة أحادية الجانب لأمريكا. بيد أن هذا النظام فشل قبل ان يتشكل عمليا. لقد اخفقت الخطة والسياسة التي اتخذتها امريكا في جميع الميادين من أجل هذا الهدف. تعرضت السياسات العسكرتارية وشن الهجمات أجمالاً للإخفاق والفشل.

ولكن ما أراه هو ان العالم يضع اقدامه في نظام متعدد الاقطاب. إن الحرب الحالية هي جزء من مجابهة الأقطاب والقوى العظمى لعالم متعدد الأقطاب من اجل تقسيم العالم فيما بينهم. ولكن من الضروري أن نذكر إن هجمة روسيا على اوكرانيا مستهل مرحلة جديدة من الهجومات المتغطرسة، مستهل مرحلة جديدة تكون فيها النزعة العسكرتارية والتسلح وحتى الاسلحة النووية بوصفها ضمانة أمان العالم. ومثلما ترون، إن سوق السلاح هو اكثر الأسواق رواجاً وسخونة. إذ يؤكدوا، من جهة، على احياء وتقوية الناتو، ومن جهة اخرى، يتحدثون عن القوات المسلحة الخاصة باوربا. لو تم تخصيص الميزانية المخصصة للسلاح والحرب والقوات المسلحة لحاجات الحياة الإنسانية، كان بوسع المجتمع الانساني، بدون الحرب والسلاح والنزعة العسكرتارية، يرفلا بالسعادة والرفاه. ولكن بدلاً من ذلك، انهم منهمكون بصرف الميزانيات الضخمة للعسكرتاريا وقتل الإنسانية وتدمير بيوت ومعيشة الناس.

اكتوبر: نظراً لفقدان امريكا مكانتها في قيادة العالم، وعلى غرار ذلك، تسير قيادة تحالف الناتو صوب النهاية، أو بالأحرى إن أسس بقاء الناتو قد زالت. تحدثت البلدان الاوربية مرات، بالأخص المانيا وفرنسا، عن قوة عسكرية مستقلة لأوربا. إذا كان الأمر كذلك، لماذا تهاب روسيا توسع الناتو؟

ريبوار أحمد: لا تقتصر المسالة على قلق روسيا من توسع الناتو واقترابه من حدودها فحسب. بل تنشد روسيا فرض وتقوية مكانتها في النظام الجديد للعالم، وتنشد تحديد مناطق نفوذها،. تنشد ان تكون اوكرانيا منطقة نفوذها، وتدار من قبل نظام موالي لروسيا. أو على الاقل نظاماً محايداً. بغض النظر عن وجود الناتو من عدمه، فإن هناك اقطاب وقوى عظمى اخرى، بالأخص امريكا وأوربا، لا يمكن لروسيا أن تقف مكتوفة الايدي وتنظر من بعيد الى اوكرانيا تسير نحو أقطاب اخرى، وتصبح ميدان نفوذ الآخرين، وتخرج من نفوذها. في الوقت ذاته، وفرت هذه الهجمة فرصة لروسيا كي تستعرض قواها، وتثبت إن روسيا هي ليست روسيا ما بعد اندحار الكتلة الشرقية وانهيار جدار برلين، بل احد القوى العظمى للعالم الجديد. إن هجمة روسيا هذه هي خطوة أخرى امتدادا لتدخلها في سوريا من أجل ترسيخ مكانتها في عالم متعدد الأقطاب. إنها تريد أن تقول إنه ليس بوسع أمريكا والناتو فقط، ولا يقتصر الامر عليهما في أن يهجما ويشنا حرباً على أية منطقة بإراداتهما، ليس وحدهما من بوسعهما أن يطيحا بخصومهما عبر شن الهجومات ويغيّرا وينصّبا حكومة موالية لهما. أن هذا ليس حقهم الحصري فقط، بوسعي أنا أيضاً ومن حقي أن اقوم بهذا ايضاً. ولهذا الغرض، جعلت من مسالة انضمام اوكرانيا للناتو حجة وورقة لاستعراض قواها وإبقاء أوكرانيا في إطار نفوذها. ومهما ما يكون عليه الناتو، لا يغير من أمر الا وهو أن قطب أمريكا في السنوات الأخيرة كان منهمكاً بالدفع بقوى الناتو الى مقربة من حدود روسيا. وإن هذا ما كان يبعث على قلق روسيا. كما ينبغي أن لا يغيب عن بالنا إنه كلما وبأي درجة يضعف بها الناتو ويكون وجوده تحت السؤال، فانه ليس بمستوٍ أو وضع لا يمكن حسبان الحساب له وتجاهله. إن هذه الحرب أعطت روحاً جديدة للناتو، حتى ولو لأمد قصير.

اكتوبر: إن هجمة روسيا هي جزء من مسار نزعة العسكرتاريا الذي شرعت به أمريكا في 1991، وقد جلبت هذه النزعة في السنوات الأخيرة الحروب والدمار على جماهير العالم من أوربا الشرقية الى الشرق الاوسط. إن هذا المسار هو مسار متغطرس وسعي لفرض القوى الإمبريالية نفسها على العالم من أجل تقسيم مناطق النفوذ. في الوقت الذي تسخط وتشجب جماهير العالم الحرب والعسكرتاريا وتعاني من وطأة الهجمات الاقتصادية والسياسية للطبقة البرجوازية، ماذا ينبغي القيام به لإنهاء هذه المرحلة؟ هل ان مطلب إيقاف الحرب هو رد على الأمر أم ينبغي اتخاذ سبيل آخر؟!

ريبوار أحمد: قبل ان أتطرق لما ينبغي عمله، أود أن اقول ان مسار النزعة العسكرتارية الذي تحدثتم عنه من 1991 والذي شرعت به أمريكا قد أخفق وانتهى. بيد أن هجمة روسيا هذه على اوكرانيا ستكون مستهل مرحلة جديدة من النزعة العسكرتارية ونفخ الروح مرة أخرى بتلك السياسة وإشاعتها وإضفاء الرسمية عليها. فمن الآن نرى إن الدول العظمى قد سخّنت بصورة سافرة دعايتها العسكرتارية، وتبين للعالم ان أمان العالم مرتبط بالقوى المسلحة المقتدرة والتسلح بالأسلحة المتطورة والحديثة وحتى الاسلحة النووية والعسكرتاريا. إن بوسع نتائج هذه المرحلة الجديدة من العسكرتاريا أن تكون أكثر كارثية مما أن تكون فقط جماهير اوكرانيا ضحية لها. بالإضافة الى جوانب القتل والدمار المرافقة لهذه الأزمة، فأنها أرضية لتنامي النزعة القومية والعنصرية وتصاعد العديد من التيارات والجماعات اليمينية والعنصرية والفاشية والعرقية ومجابهة الغرب والشرق.

اما فيما يخص سبيل الحل، فليس ثمة سبيل حقيقي سوى الثورة العمالية من أجل الإطاحة بمجمل النظام الرأسمالي بحربه ونزعته العسكرتارية وبسلاحه النووي، بأمثال بوتين وبايدن وماكرون. إن السبيل الواقعي هو دخول الطبقة العاملة والجماهير التحررية الميدان ملتفة حول راية وافق الاشتراكية لاستئصال الرأسمالية ومجمل مصائبها وإرساء مجتمع اشتراكي خالٍ من الحرب والسلاح والعسكرتارية وتلك البربرية التي تضع العالم أمام مخاطر الدمار والفناء. إن الرأسمالية فعلاً خطر على بقاء المجتمع البشري نفسه.

فيما يخص “مالعمل؟!” وما من الضروري القيام به كعمل فوري، كلا! ليس شعار “ينبغي إيقاف الحرب” بشعار فعال ومؤثر ويرد على الحالة. كما إنه ليس بشعار صحيح وطليعي. إن هذه الحرب هي جزء من صراع أكبر وأوسع. ينبغي على الطبقة العاملة والجماهير التحررية ان تقف وتهب للميدان ضد مجمل هذا الصراع الرجعي ومجمل أطراف الحرب. “ينبغي إيقاف الحرب” لوحده يعني الوقوف ضد الهجمة  وعمل روسيا، ويُستنتج منه ذلك. ولكن، وماذا عن الناتو وأمريكا والخطط والممارسات القذرة للعسكرتاريا والنزعة التوسعية؟! وماذا عن دور زلنسكي ونظامه اللذان تحولا الى أداة ومُسيّر لسياسات وخطط الناتو وامريكا؟ وعليه، حتى زلنسكي ونظامه اللذان يستعرضان بطولاتهما على حساب دماء شباب اوكرانيا وجماهيرها هم مدانان ومجرمان وذلك لتحولهم الى حلقة بيد الناتو وجعل اوكرانيا ميدان حرب لكلا طرفي جبهة رجعية وتوسعية. ولهذا فان شعار “ينبغي إيقاف الحرب” لوحده يمنح حقانية للناتو، حقانية لانضمام اوكرانيا للناتو.  ولهذا، فبنفس القدر الذي فيه هجمة روسيا غير عادلة ومدانة، فإن النزعة التوسعية للناتو غير عادلة ومدانة، وبالقدر ذاته انضمام اوكرانيا للناتو غير عادل ومدان. وعليه، فإن هبة وحضور الطبقة العاملة والجماهير التحررية للعالم للميدان ينبغي ان يكون ضد كل أطراف الحرب والقتل والعسكرتاريا والسباق التسليحي الذي أقامته الدول العظمى. من الضروري ان تتحول الشوارع في انحاء العالم الى ميدان لرفع الصوت بـ”لا” للحرب والعسكرتاريا واستعراض قوة كبيرة لحركة عالمية مناهضة للحرب والعسكرتاريا والنزعة التوسعية لجميع أطراف هذا الصراع. بوسع الحضور المليوني للطبقة العاملة والجماهير التحررية والمدنية ضد الحرب والغطرسة والسباق التسليحي بوجه مجمل أقطاب وأطراف هذه الحرب والصراع الرجعي، فقط ان يكبل ايادي هذه الغطرسة والاجرام، وأن يضع حداً للبربرية وجرائمهم التي تحل الآن على جماهير اوكرانيا، والتي ستتخطى عواقبها حدود اوكرانيا إذا لم تُلجم، بل وتحل حتى عواقبها بشكل آخر على جماهير العالم كله. إن دور العمال والجماهير الكادحة في روسيا واوكرانيا ضد حرب وعسكرتارية القوى الامبريالية له تأثير كبير دون شك لتبيان إن جماهير هاتين البلدين تصدح بصوت واحد وترتبط بمصير مشترك وليس بينها اي مشكلة او عداء. بالضبط على النقيض من نظامي ذلك البلدان اللذان أصطفا بوجه بعضهما في جبهتي قطبين رجعيين. إن فصل الطبقة العاملة والجماهير التحررية في كلا البلدين لصفوفهم عن النظامين الحاكمين في البلدين بوسعه ان يكون مستهل حضور الطبقة العاملة والجماهير في اوربا والعالم كله للجم العسكرتاريا وسباق التسلح والحرب والدمار.

فيما يخص “مالعمل؟!” أيضاً، وبغض النظر عمّا هو سبب اندلاع الحرب ومن هم أطرافها، وبالإضافة الى الهتاف العالي بـ”لا” للحرب والعسكرتارية، ينبغي، وبدون قيد او شرط، إدانة الهجوم المسلح على المدنيين وتدمير البنية التحتية الاقتصادية والخدمات ومنازل الناس. ينبغي إدانة وفضح جعل المدنيين دروعاً بشرية.  كما ينبغي إدانة الهجمة على التظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحرب والعسكرتاريا. ليس هناك أي تبرير مقبول لفرض الحصار الاقتصادي على جماهير العمال والكادحين وتجويعهم، وهو أمر ينبغي إدانته. ينبغي فضح وإدانة كل أشكال النزعة العنصرية وصدام الجماهير المنتمية للأمم والأعراق والبلدان المختلفة. ينبغي الإعلاء من الوحدة والاتحاد والمصير المشترك بوجه النزعة العنصرية والأثنية والقومية و…. الخ. للطبقة العاملة والشيوعية دور ومهمة طليعية للجم ذلك المسار وحضور حركة عالمية واممية من أجل إدانة مجمل خطط وخطوات جميع الأقطاب والقوى الداعية للحرب وتكبيل اياديهم في الحرب والنزعة التوسعية والسباق التسليحي والعسكرتارية التي شرعوا بها.                              

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى