قانون الاحزاب السياسية ,,, خنق للحرية السياسية ومنع لتاسيس الاحزاب
11/10/2015
انون الاحزاب السياسية،
خنق للحرية السياسية ومنع لتأسيس الأحزاب
إن قانون الأحزاب السياسية الذي أقره مجلس النواب العراقي يوم 27 آب 2015 هو توجه سياسي وقانوني واضح لمنع تشكيل أحزاب سياسية مخالفة للعملية السياسية الراهنة ودستورها، وخرق فاضح لحق الأفراد في التعبير وتأسيس الأحزاب وحرية النشاط السياسي. إنّه قانون حدد اطاره مسبقاً لصالح الأحزاب السياسية الحاكمة، لمصلحة سياساتها وأفكارها وتقاليدها. القانون المقرر،خلاصة لرؤية الاحزاب الاسلامية والقومية الحاكمة لإدارة المجتمع وتصورها لمكانة الانسان ودوره في تغيير المجتمع وتأثيره على أوضاع اجتماعية وسياسية.
ليست هناك، بالأساس، حاجة الى اصدار قانون خاص بالأحزاب السياسية. ثمة عدد من الدول في العالم لم تسن قانون الأحزاب، حيث أن تقاليدها في ممارسة العمل السياسي، بحرية نسبية، جعلتها في غنى عن اصدار قانون كهذا. فإذا تم اصدار هذا النوع من القوانين لأسباب ما في بلد معين، على هذا القانون حماية وتطبيق حق وحرية الأفراد في التنظيم وحق ممارسة حرية الرأي والتعبير بشكل جماعي، بدون أي تدخل من قبل السلطات أو أية أطراف أخرى. إن الشرط الوحيد الضروري، فيما يخص حرية تأسيس الأحزاب وممارسة نشاطها السياسي، هو عدم تعارض برنامج ونشاطات أي حزب مع حقوق وحريات الانسان الأساسية ومساواته.
إن جعل الشروط السياسية من نمط الالتزام بـ “الدستور” و”الوحدة الوطنية ” و”التداول السلمي للسلطات “، كما هو وارد في قانون الأحزاب السياسية في العراق ليس سوى خرق لهذه الحقوق الأساسية لعمل الأحزاب. إنه فرض قالب سياسي مسبق وشروط سياسية غير ضرورية على تأسيس الأحزاب. إن هذه القوالب والشروط تعطي الذرائع للسلطات بعدم منح الرخصة لتأسيس أحزاب معينة أو منع عملها لاحقاً حتى وإن توفرت فيها هذه الشروط أثناء تقديم طلبها بالرخصة. إن أحد المبادئ الأساسية لحرية العمل السياسي وحرية تشكيل الأحزاب هو حق الأحزاب والتنظيمات لتغيير دستور البلاد، وليس إلزامها بالتخلي عن هذا الحق كما هو وارد في هذا القانون.
رؤية الأحزاب الحاكمة الاسلامية والقومية في العراق تتمركز في الدستور الذي هو بالأساس موضع الخلاف فيما بينهم والذي يطلب تعديله أكثر من تيار وحزب سياسي حاكم وخصوصا الاسلاميين منهم. إن الطابع المميز للدستور العراقي، هو اسلاميته وطائفيته ومذهبيته وتقسيم العراق عبر الفدراليات الاثنية والعرقية والطائفية، الدستور الذي تم تتويجه على الصعيد السياسي والاداري بسياسة المحاصصة التي يعاني منها العراقيون جميعاً. حدود رؤية الأحزاب الحاكمة ومن ينوب عنها في البرلمان لتشريع قانون الأحزاب السياسية لا يتعدى حدود الدستور. وبالتالي فإن قانون الأحزاب السياسية يرى كافة الأحزاب السياسية في قالبها الاسلامي والقومي، رؤيته لا تتعدى هذا الاطار، وبهذا يكون قانوناً لتنظيم وحرية الأحزاب الاسلامية، وهامش منه للأحزاب القومية. في الوقت نفسه هو قانون لمنع الحريات السياسية ونشاط الأحزاب العلمانية واليسارية والشيوعية. المادة الثامنة –الفقرة الاولى- في القانون، تؤكد على ” أولاً: عدم تعارض مبادئ الحزب أو التنظيم السياسي أو أهدافه أو برامجه مع الدستور.”. ليس هذا فحسب، بل تشترط أن لا يكون أحد مؤسسي الحزب “السبعة” مخالفاً أو معارضاً للدستور الراهن وفق المادة نفسها في الفقرة الرابعة. كما ويشترط هذا القانون توفر “التعددية السياسية” بالشرعية الدستورية كما جاء في المادة الثالثة-الفقرة الاولى. إن إطار “التعددية السياسية والحزبية “وفق هذا القانون مرهون بإطار سياسي وفكري محدد سلفاً لصالح الاسلام السياسي بالدرجة الاولى وبعده القوميين العرب والكرد، وهذا بحد ذاته رؤية لبناء الأحزاب السياسية ليس وفق متطلبات تطور المجتمع البشري المعاصر والصراع السياسي الطبقي الجاري فيه، بل وفق تاريخ الصراع الطائفي والقومي في العراق.
على الرغم من محاولة المشرعين إخفاء المحتوى الاسلامي والقومي للأحزاب الحاكمة والعملية السياسية برمتها، لكنهم فشلوا في مسعاهم حيث تؤكد المادة الخامسة –فقرة 2- الآتي: ” لا يجوز تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي”. هنا يجتنب المشرعون استخدام كلمة التعصب الديني ضمن القائمة ولا يؤكدون على ممنوعية الأحزاب الاسلامية التي تتبنى التعصب الطائفي. في بلد مثل العراق الذي يعاني من مآسي حكم تيارات الاسلام السياسي الطائفية، وحيث مارست مختلف أحزاب هذه التيارات التعصب الطائفي بدرجات مختلفة، فمن الضروري أن يشير القانون الى ممنوعية تلك الأحزاب. فبدل كل ذلك يدرج المشرعون كلمة “التكفير” في القانون لمنع الجماعات الاسلامية الارهابية، في حين أن تلك الجماعات من أمثال القاعدة وداعش وغيرها، هي بالأساس جماعات ارهابية تحمل برنامجاً سياسياً فاشياً وتجسد بالأساس أشد أشكال التعصب الديني والطائفي. فليس هناك حاجة لادخال مفهوم ديني مثل “التكفير” لغرض منع هذه الجماعات الارهابية.
فضلاً عن المحتوى الرجعي لقانون الأحزاب السياسية وخرقه الفاضح للحرية السياسية، فإنه يعج بالتناقضات المختلفة وبمسائل وإجراءات ادارية وفنية ملتوية تحدّ من تشكيل الأحزاب السياسية وحرية عملها، وتعيق خصوصاً تأسيسَ الأحزاب الجديدة وحصولها على الإجازة القانونية. هذا فضلاً عن اقحام المشرعين لقائمة طويلة من “الأحكام الجزائية” والإجراءات القانونية في بنود هذا القانون ضد الأحزاب ومن يمثلها، والتي تعيق عملياً حرية العمل السياسي للأحزاب. كما وإن إطار هذا القانون يجعل الحصولَ على إجازة قانونية للأحزاب السياسية مهمةً شاقةً من ناحية الإداريات وتوفير الوثائق ومتطلبات القانون.
نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي نرفض هذا القانون ونعترض عليه وندعو كافة الأحزاب والتيارات العلمانية واليسارية والتحررية، وجميع الأفراد التقدميين والتحررين والاتحادات العمالية والمنظمات الجماهيرية المدافعة عن الحقوق والحريات المدينة والفردية والسياسية، للوقوف بوجهه والنضال في سبيل إلغائه. كما وندعو الجميع إلى العمل على تشريع قانون جديد للأحزاب السياسية يؤمن حرية التنظيم والحريات السياسية على أكمل وجه. كما ونناشد الأحزاب التحررية والتقدمية والاتحادات العمالية في العالم أن تكون سندا مؤثراً في هذا المسعى.
الحزب الشيوعي العمالي العراقي
9 أكتوبر 2015