إن الزلازل والكارثة المدمرة والدموية التي وقعت في تركيا وسورية في الأيام الماضي، ومن بعد ذلك رؤية المشاهد المأساوية والمحزنة والدمار الكبير والضحايا بعشرات الالاف بين قتيل ومصاب ومئات الالاف بدون مأوى في العراء تحت الامطار والثلوج وفي الطقس تجاوز خمس درجات تحت الصفر، والتي نشاهدها كل ساعة وكل دقيقة في القنوات والاعلام، انها حقا تكسر قلب كل انسان شريف وممن لديه ضمير انساني. وانا لا اجد كلمة وافية تُعبّر عن هذا الشعور بالحزن العميق في قلوبنا تجاه هذه المأساة الدموية… واحيانا تنقطع انفاسنا عندما نشاهد او نسمع أصوات الأشخاص تحت الأنقاض والذين لا حركة لهم ولا استطاعة، و لا يعرفون هل سياتي من سيقوم بإنقاذهم ام عليهم ان ينتظروا لفظ آخر انفاسهم، واخر نبضات قلوبهم ودفنهم تحت الأنقاض والكتل الكونكريتية !!
صحيح ان الكوارث مثل الزلازل والفيضانات، تعتبر من الكوارث الطبيعية وحدثت وتحدث باستمرار على هذا الكوكب التي نعيش عليه، ولكن تطور البشرية وإمكاناتها التكنولوجية الهائلة وإمكانات العلمية الواسعة، بإمكانها ان تقلل من خسارة هذه الكوارث الطبيعية وتقلل من الضحايا عن طريق توفير مشاريع وتخطيط هندسي في مقاومة الكوارث. ليس صعبا ان توفر الإمكانات الاروائية وبناء السدود وتغير مسار المياه او بناء عوائق لنزول المياه الى المدن والقرى الزراعية، وليس صعبا ان توفر الإمكانيات ان تكون المشاريع الهندسية وبناء المنازل والعمارات تبنى وفقا لمقاومتها للزلازل والهزات الأرضية اليومية. ان العائق الرئيسي لا يكمن في عدم وجود الإمكانات والقوى البشرية وانما يكمن في وجود الجشع وطمع حفنة من الرأسماليين والاغنياء والذين لا يهمهم شيئا غير الربح وتراكم الثروة حتى وان كان هذا على حساب المآسي والمعاناة الإنسانية … بالإضافة الى جشع وطمع الرأسماليين وأصحاب الأموال وعديمي الضمير والذي يرفع من وتيرة معاناة الإنسانية من جراء أعمال ومشاريع ربحية لهذه الحفنة الطفيلية، هناك صيحات ونداءات قومية ودينية تطلقها الحركات القومية والدينية حول هذه المأساة الرهيبة والتي تُعرض امام انظارنا. ان النظرة القومية والشوفينية الكردية نالت حصة الأسد في جرح مشاعر عوائل وضحاياه هذه المأساة والإنسانية جمعاء. كون الكارثة وقعت جغرافياً مناطق أكثرهم من الناطقين بالكردية، فكثرت السموم بالمؤامرات ضد الشعب الكردي والمناطق الكردية وحركت ضمائرهم تجاه الضحايا ليس لكونهم أناسا وقعوا تحت الأنقاض وانما كون لغتهم كرديا ومن مناطق كردية! ان دموعهم على الهوية الكردية وليس على الهوية الإنسانية للضحايا. لو كانت هذه الكارثة قد ابتعدت قليلا نحو الغرب او شمالا، لما تحرك مشاعرهم بنفس القدر ولما قاموا بجمع المساعدات الإنسانية للناجين والمشردين لانهم ليسوا من أبناء جلدتهم كما يقولون… حقا إن هذه الحركة وهذه الأفكار، متناقضة مع جوهر وماهية الإنسانية وان منصور حكمت كان محقا عندما قال : القومية عار على البشرية!
وان الإسلاميين والتيار الإسلامي هم ايضا صعّدوا من نفث سمومهم في المجتمع عن طريق الخطابات والدعايات الإسلامية حول غضب الله على الفاسدين وضعيفي الايمان وان هذه عقوبة إلهية لغير المسلمين. ان هذه الخطابات التي لا ترى الضحايا من وجه الإنسانية ولا ترى المأساة والمعاناة البشرية من جراء هذه الكارثة، وانما أرادوا الاستفادة من هذه المأساة الإنسانية لرفع رصيدهم ونفوذهم السياسي. وبرهنت هذه الحركة الدينية أيضا على مدى تناقضاتها مع الشعور والعمق الإنساني…
ان لحسن الحظ لم تلقَ هذه الحركات اذانا صاغية ولم تطغَ اصواتها على ضمير الإنسانية ووجهتْ بمقاومة شديدة من قبل الآخرين في الشبكات التواصل الاجتماعي، بل بالعكس ان الضمير الإنساني هو المحرك لدعم وتقديم المساعدة للضحايا. راينا كيف بدى الحزن العميق لدى الشعوب، في جميع مناطق العالم نحو هذه المأساة وراينا كيف تحاول الشعوب القيام بجمع المساعدات لضحايا هذا الزلزال المدمر وبدون الالتفات للهوية الدينية والقومية واللغوية لضحايا هذه الكارثة، وهذا تعبير عن تجذر الضمير والشعور الإنساني في المجتمعات المعاصرة.
هناك حقيقة، بأن في كل الحروب والكوارث الطبيعية، على الرغم من وجود المآسي والويلات، على الرغم من وجود اعمال الوحشية وجرائم القتل ووجود أفكار مدمرة، ان هناك صوت اخر يسير باتجاه معاكس وهو صوت وضمير الإنسانية. وهناك صوت ترفض الوضع القائم من أساسه وترى التناقض القائم في النظام الاقتصادي والسياسي وترى الحل في إزالة هذه التناقضات عن طريق المواجهة او الثورات… ان طوال تاريخ البشرية كتبت هذه المحاولات الإنسانية بجانب الجرائم القتل والظلم التي حكمت الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى الان.
اليوم مع الكارثة والزلزال في تركيا وسورية، علينا ان نقف بالضد من سموم القومية والدينية والتي تحاول ان تعكر صفو الإنسانية وتحاول ان تستفيد من معاناة الناس لخدمة ارصدة نفوذهم السياسي لا غير، راينا كيف استفادة حزب اردوغان باستلام السلطة بعد كارثة الزلزال عام ١٩٩٩ في تركيا واليوم يكررها حزب اخر او اردوغان نفسه للاستفادة من هذه الكارثة لإدامة السلطة القمعية والدموية لسنوات أخرى. ونرى أيضا كيف تعتاش الأحزاب القومية الكردية والعروبية على نتائج هذه الكوارث لخدمة اجندتهم السياسية. حتى الان تفوقت الأصوات وهي الأصوات المسيطرة والسائدة لتعبر عن عمق هذه الكارثة الزلزالية المدمرة في تركيا وسوريا ألا وهي الأصوات والضمائر الإنسانية.