المقالاتتوما حميد

زلزال تركيا- سوريا: عندما يفاقم النظام آثار الكارثة الطبيعية!

توما احمد

لا يمكن فهم آثار الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا ومعرفة سبب ضخامة عدد الضحايا وحجم الدمار دون معرفة دور النظام الذي يتحكم بالبشرية، في تفاقم الاضرار. لسوء حظ مئات الاف من البشر لقد التقت ظاهرة طبيعية مدمرة حدثت في أسوأ فصل في السنة، وفي أسوأ وقت في اليوم مع قوانين نظام فاسد يحركه منطق الربح ومشلول بسبب الصراع بين القوى والاقطاب الرأسمالية العظمى والذي فرض صراع دموي مدمر على المجتمع السوري لمدة 12 سنة وفي وقت تحكم مجموعة من المجرمين والسيكوباث اكبر قوة امبريالية عالمية تتحكم بهذا النظام، أي امريكا. لقد التقت هذه العوامل معا لكي تؤدي الى وفاة عشرات الالاف من البشر ودمار هائل يصعب على العقل تصوره وان تشعر الملايين من البشر باليأس، والإهمال، والعوز، والغضب.  

        لقد كان الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا ومركزه منطقة نورداجي بالقرب من مدينة غازي عنتاب التركية في الساعة 4.17 بالتوقيت المحلي من صباح يوم الاثنين 6 شباط بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، تبعه زلزال اخر بقوة 7.5 درجة بعد حوالي تسع ساعات ، بالإضافة إلى هزات ارتدادية اخرى. لقد كان من القوة لدرجة أنه شعر به في مناطق بعيدة مثل قبرص، ولبنان وإسرائيل ومصر أي على بعد مئات الكيلومترات.

كما ان الزلزال حدث على عمق 17.9 كيلومترا وهو مستوى ضحل مما يجعل اهتزاز سطح الأرض اكثر شدة ووقع الزلزال عندما كان الكثير من الناس نائمين داخل الأبنية وغير قادرين على اتخاذ قرارات كانت يمكن ان تحميهم من الضرر. وقد رافق الزلزال عاصفة شتوية تشهد انخفاض درجات الحرارة الى 5 درجات تحت الصفر التي تساهم في زيادة الوفيات بين الاشخاص المحاصرين تحت الإنقاض والمصابين ويزيد من معاناة الذين نجو من الزلزال.

رغم ان زلزال بهذه القوة هو حدث نادر ويحدث كمعدل مرة كل قرن، وحدث في اخر مرة عام 1939 الا ان الاضرار والضحايا التي تسبب بها الزلزال رغم ذلك كانت عالية جدا لان البلدين لم يحضرا لمثل هذه الكارثة. لقد فاقم النظام تأثير الزلزال بمئة طريقة وطريقة.

هناك اجماع بأن العامل الحاسم في العدد الهائل من الوفيات هو نوعية البناء. هذه المنطقة وتركيا ككل هي منطقة معروفة بمخاطر زلزالية عالية وكان اخر زلزال قوي يضرب تركيا في عام 1999 ورغم وجود قواعد و قوانين تنظم البناء لمواجهة الزلازل الا انه حدثت مخالفات كثيرة لقواعد البناء الضرورية التي تتعلق باختيار المكان وبتصميم المبنى والمواد المستخدمة ويعتقد بان اتباع تلك القواعد كانت ستقلل الخسائر في الأرواح بمعدل 50% -80%، والكثير من الأبنية التي شيدت بما فيها في السنوات الأخيرة لم تراعي المعاير المطلوبة ولم تستوفِ قانون تصميم الزلازل رغم التحذير المتكرر من علماء الزلازل بأن زلازل ضخمة هو  مجرد مسألة وقت.

السبب ليس الجهل وغياب العلم اي ان العلم لم يصل الى ما هو مطلوب لجعل الأبنية مقاومة للزلازل او أي من المناطق هي اكثر عرضة للخطر بل هو منطق الربح، ومنطق نظام اقتصادي متأزم يحتاج الى الاعتماد على النمو الكاذب والمصطنع في هذا القطاع او ذاك مثل قطاع البناء، ومنطق نظام يحركه  الفساد. ان منطق تراكم الرأسمال والفساد والأزمات التي هي صفات ملازمة للنظام الرأسمالي جعلت مدن واحياء بأكملها قبور لعشرات الالاف من البشر.  يقال بان ستة مليون مبنى في تركيا على الاقل يخالف قواعد البناء. ودأبت الحكومة بالتصالح مع المخالفين في عملية تشهد فرض غرامة مالية على المخالفين مقابل الإبقاء على المخالفة. وقد تقدم أكثر من 100 ألف مخالف في عشر مدن تضررت بالزلزال منذ يوم الاثنين بطلب تصالح مع الحكومة.

رغم ان لتركيا خبرة كبيرة في مجال البحث والإنقاذ ولها واحدة من اكبر قوة الانقاذ في العالم، الا ان جهود الإنقاذ الأولية تأخرت لساعات وحتى أيام في جزء منه بسبب العاصفة الشتوية التي تسببت في تغطية الطرق الرئيسية بالجليد وعطلت المطارات في المنطقة. ولكن جزء كبير من التأخير كان نتيجة ضعف البنية التحتية والاضرار التي لحقت بهذه البنية مثل الطرق نتيجة انعدام المعايير المطلوبة في اقامة البنية التحتية.

وكانت الحكومة التركية التي لها أحلام امبراطورية وتصرف المليارات على الجيش والتدخل في عشرات الدول بما فيها التدخلات العسكرية  بطيئة، عاجزة، و استجابتها للزلزال عشوائية، ومرتبكة ولم تحدث اي عمليات بحث وإنقاذ جدية في الكثير من المناطق والبلدات لساعات وحتى أيام. وكان هناك نقص واضح في المكائن والمعدات وحتى كوادر معينة مثل الكوادر الطبية.

وقد ساهمت الكثافة السكانية العالية في المنطقة في زيادة الخسائر وعدة ملايين هم من اللاجئين السوريين الذين اجبروا على مغادرة البلد بسبب الحرب بين نظام بشار الأسد القمعي والقوى الطائفية المدعومة من الغرب وتركيا ودول الخليج.  فمن بين المتضررين من الزلزال ، ملايين اللاجئين من الحرب السورية في تركيا. اذ ان اكثر من 3000 شخص من الذين فقدوا حياتهم في تركيا لحد الان هم من المهاجرين السوريين.

بسبب ازمة النظام وتمثيل الحكومة لمصالح اقلية صغيرة في المجتمع، تتخلى عن واجبها في الاستفادة المثلى من الموارد، التخطيط، تطوير البنى التحتية، تطوير القابليات الضرورية للاستجابة للكوارث وعشرات المسائل الأخرى، رغم التحذيرات المتكررة التي وصلت حد الملل.

لقد شددت الحكومة التركية على التأكيد بان المسألة هي مسألة ” القضاء والقدر” وطلبت من الناس الصبر. وكان من الإجراءات الاولية التي اتخذتها الحكومة التركية حجب مؤقت لمواقع التواصل الاجتماعي واعتقال الشرطة للنشطاء السياسيين الذين ينتقدون استجابة الحكومة للزلزال.

وفي سوريا، تضررت الكثير من المدن مثل حلب وادلب واللاذقية وحماة وطرطوس وغيرها من الزلزال وكانت اغلب المدن المتضررة من الزلزال تلك التي تضررت من الحرب وفاقمت اثار الحرب تأثير الزلزال بشكل هائل.  وقد ساهمت الأحوال الجوية السيئة في عرقلة جهود البحث والإنقاذ في سوريا ايضا. 

سوريا التي حققت اكتفاء غذائي ذاتي ومستوى عالي من الخدمات بما فيها الخدمات الصحية قبل الحرب شهدت دمار هائل ومئات الاف من الضحايا وملاين من المشردين بسبب 12 سنة من الحرب الرجعية والتي لعب الغرب  دور قذر فيها والتي لم تنتهِ لحد الان اعقبها حصار وحشي من قبل الغرب بقيادة امريكا. اذ كانت الحرب القذرة في سوريا اكثر العمليات السرية تكلفة في تاريخ السي أي أي.  حتى قبل وقوع الزلزال كان حوالي 14 مليون شخص في سوريا بحاجة الى مساعدات إنسانية وكانت البنية التحتية والوسائل الخدمية منهارة، ومعايير البناء ضعيفة بسبب الحرب والحصار. وهناك غياب لأي استعدادات او إمكانات مثل المكائن والوقود والكوادر والخبرات  لمواجهة الكوارث الطبيعية وتوجيه اعمال البحث والإنقاذ وهناك ضعف في الخدمات الطبية لمعالجة الجرحى. 

ويقوم الغرب بإهمال الضحايا في سوريا بشكل واضح. فحتى المناطق الواقعة تحت سيطرة القوى الموالية للغرب لم تتلق أي مساعدات تذكر. وخارطة بالطائرات في اجواء المنطقة بعد الكارثة بينت كيف تم اهمال الضحايا في سوريا بشكل متعمد.

فعندما وجهت سوريا نداء رسميا الى الاتحاد الأوربي طلبا للمساعدة، كان رد المفوض الأوربي بان المفوضية الاوربية ” تشجع” الدول الأعضاء فيه على الاستجابة لطلب سوريا.

رغم ان أمريكا تدعي بان المساعدات الإنسانية غير مشمولة بالحصار، اذ أعلنت الخارجية الامريكية في بيان، الأربعاء، ان العقوبات لا تستهدف المساعدات الإنسانية وتسمح بها في عموم سوريا، وقد يكون هذا الامر صحيحا من الناحية الفنية او على الورق الا ان من الناحية العملية هذا ادعاء سخيف. اذ لا يمكن للسوريين المقيمين في الخارج والأجانب من ارسال النقود الى داخل سوريا ولا يمكن جمع التبرعات للسوريين اذ تمتنع البنوك من التعامل مع سوريا التي طردت من نظام سويفت، وترفض اغلب خطوط الجوية من نقل المساعدات الى المطارات السورية، وتمتنع اغلب السفن من الرسو في الموانئ السورية، اذ لا يمكن استخدام شركات التأمين الغربية المسؤولة عن معظم عمليات تامين السفن في العالم في وقت تقوم إسرائيل بشكل متكرر بمهاجمة السفن المتوجهة الى سوريا من خلال الألغام البحرية. وترفض معظم الدول والشركات والافراد حتى خارج امريكا من التعامل مع سوريا بسبب تهديد امريكا بفرض عقوبات ثانوية على أي جهة تتعامل مع سوريا.

حتى الدول التي ترغب في ارسال المساعدات، عاجزة عن القيام بذلك، فمثلا اشتكت اليونان بانه لا يمكنها إيصال المساعدات الى سوريا بسبب الحصار الأمريكي.

 لقد اكدت الإدارة الامريكية في أكثر من مناسبة بان هدفها هو حرمان النظام من مصادر الغذاء والطاقة ومنع جهود إعادة البناء. وتفاخر اكثر من مسؤول امريكي بان أمريكا تسيطر على ثلث سوريا وهو الثلث الذي هو مصدر النفط والغذاء لسوريا، وكيف انهم تمكنوا من خلال الحصار من منع جهود إعادة البناء والإبقاء على بقية سوريا كركام.

في التاريخ المعاصر، كانت الاعمال العدائية تتوقف عند حدوث كوارث طبيعية، ولكن ترفض أمريكا من الغاء الحصار على سوريا او تجميده بشكل موقت.

رغم وجود ادلة دامغة بان عرقلة جهود إعادة الاعمار بما فيه محطات الطاقة والمستشفيات ومنع البلد من استيراد بضائع مثل الأسمدة الضرورية لتوفير الغذاء تضر بالسكان المدنيين وخاصة الطبقة العاملة والمحرومين وتسبب الألم لهم ولا تحدث تغير في المواقف السياسية للنظام، بل في الحقيقة تقوي هذا النظام، الا ان أمريكا تصر على هذه السياسة الوحشية. هذا على الرغم من ان الحصار في أفضل الأحوال هي عقاب جماعي للجماهير في سوريا على جرائم حكومة الأسد في وقت انها تؤكد بان هذا النظام لا يمثل الجماهير في سوريا.

 يتحدث المسؤولون الامريكيون وكأن الإدارة الامريكية هي مجموعة من السايكوباث والمجرمين، اذ يستمرون في توظيف الزلزال في فرض سياساتهم ويستمرون في حرمان ضحايا الزلزال من المساعدات من خلال التذرع بجرائم الحكومة رغم سخافة هذا العذر.     

فمثلا قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، إن واشنطن ستعمل مع شركائها لتقديم المساعدة في سوريا وليس حكومة الرئيس بشار الأسد وهو يعرف جيدا بان ما من حكومة أيا كانت طبيعتها ستقبل بان يتم تنظيم المساعدات الإنسانية داخل البلد حسب اهواء القوى الخارجية. وحتى الاتحاد الأوربي يقوم بخلق العراقيل دون وجود أي دليل لحد الان بان النظام يمنع من وصول المساعدات الى المناطق المتضررة. فالاتحاد الأوربي يتبع نفس السياسة، اذ قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد سيحتاج إلى ضمانات كافية لضمان وصول المساعدات المقدمة إلى المحتاجين.

في رد على سؤال للصحفي الفلسطيني سعيد عريقات عن سبب عدم اتصال الولايات المتحدة بالحكومة السورية أو التفكير في رفع العقوبات، قال نيد براس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “سيكون الأمر مثيرًا للسخرية ، ان لم يكن له نتائج عكسية ، بالنسبة لنا للوصول إلى حكومة مارست معاملة وحشية على شعبها”. ان قادة يتعاملون مع جماهير بلد يعانون بشكل حاد بسبب كارثة طبيعية ضخمة بهذا الشكل هم مجرمون. ولكن هذا لا يختلف عما قالته مادلين اوليبرايت بان وفاة نصف مليون طفل عراقي هو ثمن يستحق دفعه من أجل إمرار سياساتهم في صراعهم ضد نظام صدام حسين.

ان النظام الرأسمالي بمنطقه، بفساده، بصراعاته وازماته أصبح عاجزا من مواجهة كارثة طبيعية بهذه الضخامة بشكل فعال. والأكثر من ذلك بات يفاقم اثار الكوارث الطبيعية ويساهم في خلق بعضها من خلال الاستغلال الوحشي للمصادر الطبيعية. تستحق البشرية  نظام أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى