لعبة نكز الخواصر بين إيران وإسرائيل، إلى أين؟
من المعروف والذي بات من بديهيات سياسة النظام الإيراني الجوهرية والثابتة، انتهاج إجراءات ” تصدير الثورة”، المنهج السياسي الذي عمل على إتباعه في المنطقة، النظام الإيراني بعد استتباب السلطة الدينية في إيران في نهاية سبعينيات القرن الماضي. وأبرز نتائجه الدموية المباشرة؛ الإصتطام بنظام لا يقل وحشية عنهم، نظام صدام والشروع في حرب امتدت لثمان سنوات، أدت إلى مقتل مئات الآلاف من الطرفين وطحن البلدين وتدمير اقتصاداهما.
الحرب هذه، وغض النظر عن الطرف الذي أشعلها، فأن النظام الإيراني هو من أدامها وجعلها تستمر كل هذه السنوات، وكانت القيادة الإيرانية برأسها المقدس المتمثلة في زعامة الخميني الروحية، سعيدة بهذه الحرب، وكأنهم ينتظرونها منذ الأزل. والخميني هو الذي صرح بعد مسك مقاليد سلطته التي لا يتسرب إليها النقد والشك موضحا معنى تصدير الثورة: ” لا يعني تصدير الثورة إننا نتدخل في شئون الدول الأخرى… ولكن من أجل الإجابة عن أسئلتهم بشأن معرفة الله”. والمعنى واضح هو تصدير النموذج الإيراني إلى المنطقة كواجب ديني، عبر شتى الوسائل من الحرب الفاشلة مع العراق، إلى أكثر الوسائل خسةً وعجرفة.
ودناءة الطبع هذه، يصفونها بتباهٍ على إنها “دهاء” يتميزون به عقائدياً وسياسياً، وهي في الحقيقة خبرة يتميزون بها، في تمرير مصالحهم الخاصة، بأساليب غير صريحة.
كما نرى ذلك في إنشاء جماعات مسلحة وحتى جيوش خارج الأراضي الإيرانية، فيما يُعرف في الإعلام بالأذرع الإيرانية، مثلما تدعم بقوة الجيش السوري من أجل مصالحها السياسية، والحشد الولائي في العراق والحوثيين في اليمن وحماس والجهاد الإسلامي وحركة الصابرين الجديدة في غزة، وحزب الله في لبنان الذي يتخذ موقعاً مهماً عند خاصرة إسرائيل.
وهذه التشكيلات والجماعات، التي أنشأتها أو دعمتها إيران، لم تكن في الحقيقة، من أجل “المقاومة” للوجود الأمريكي أو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وإنما من أجل مواجهة غرمائها في معرض منافستها للسيطرة وبسط النفوذ وبالتالي لتصدير الثورة في المنطقة.
نقول دناءة الطبع، لأنها (إيران) تدرك عن سابق تصميم ودراية، في سلوكها هذا قد سببت بإلحاق الدمار من قتل للآلاف وإصابات لا تعد ولا تحصَ بين جماهير شعوب هذه البلدان، وانهيار اقتصاداتها وبنيتها التحتية، وتشريد السكان، وتعطيل للحياة العامة والإنتاج والعمل، وإبعادها عن قضاياها المصيرية …وها هو العراق الذي يأن تحت سلطة الأحزاب الموالية لإيران منذ ما يناهز العقدين، والدمار الذي لحق باليمن بسبب استهتار الحوثين، والخراب الكبير الذي لحق بسوريا، في جزء منه وجود قواعد إيرانية تتعرض يومياً للقصف الإسرائيلي، وشق الصف الفلسطيني وارتهان قسم منه لجانب إيران، من دعم حماس والجهاد في غزة وإبعادها عن صلتها بالضفة الغربية والقضية الفلسطينية ككل واحد، ولبنان الذي شارف على الانهيار، والقول لغالبية اللبنانيين” بأن الحزب استغل كل مقدرات لبنان الاقتصادية والمالية بسيطرته على الحكومة واستخدام موارد الوزارات لتنفيذ مصالح إيران والنظام السوري.”
وفي غمرة سعيها لتحقيق حلمها الامبراطوري، وإلى جانب انتشارها الأخطبوطي وما يتركه من آثار مكلفة على المنطقة وعلى اقتصادها، تجهد لاهثة لبناء ترسانة نووية. سخّرتْ لهذا المشروع كل إمكانات ومقدرات البلد، وحسب ما يقدر المعنيون بهذا الشأن خسائر إيران بمئة مليار دولار أمريكي لحد الآن، نتيجة العقوبات وضياع ثروتها النفطية وتوقف الاستثمارات الخارجية، وتأثر إنتاجها السلعي الداخلي بالحصار ونتائجه المدمرة على جماهير إيران المكبلة بالجوع والقمع.
تكابر إيران وتنازع جاهدة لإنتاج هذه القنبلة، رغم كل الخسائر الباهظة التي تتكبدها من خلال العقوبات، وتكاليف إدامة أذرعها وتعزيز قدراتها العسكرية على حساب معيشة وخبز وأمان حياة الملايين، والحرب المستترة مع إسرائيل بتبادل حرق السفن والقصف بالطائرات المسيرة…كل هذا المنهج غير الحكيم والمدمر لكي تفرض الأمر الواقع كما تظن على إسرائيل وأمريكا، ويُحسب لها الحساب كند إقليمي، وسلطة متنفذة على خارطة وحدود إمبراطورتيها المزعومة، التي تحلم بإرسائها.
مثلما تتصرف إيران دائماً بخبث ودناءة، يتمتع خصومها بأساليب لا تقل عنها خبثاً وتخطيط ماكر، ومواجهة الإصرار والعناد بالمثل. تَعمد إسرائيل إلى قصف الأهداف إيرانية بدون كلل، سواءً أكانت في دير الزور لمستودعات الذخيرة داخل الأراضي العراقية على مرأى ومسمع الحكومة العاجزة، وضرب مواقع ومستودعات داخل الأراضي السورية، بشكل يومي تقريباً، بالصواريخ والطائرات المسيرة، وكذلك تقصف مواقع استطلاع ومراكز قيادة ومستودعات ذخيرة وأنفاق، أقامها حزب الله عند الحدود أو داخل أراضي لبنان فيما أطلق عليه أحد قادتها خاصرة إسرائيل، كحرب بالوكالة على الطريقة الإيرانية الخرقاء.
لم تجهد إسرائيل كثيراً، في البحث عن محل تنطلق منه لإثارة خاصرة إيران.
كانت أذربيجان الواقعة شمال غرب إيران بحدود ما يقارب من 300 ميل، لقيتها للتموضع والانطلاق للتدخل والتخريب من خلال هذه التموضع، الذي جاء بطلب من حكومة صديقهم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، للمساعدة في الحرب التي تستعر بين فترة وأخرها مع أرمينيا.
أمريكا، وبالخصوص إسرائيل لم تبخل قطعاً بمساعدة أذربيجان، بل لبتْ على الفور نداء طلب المساعدة ومدت الأخيرة بكل وسائل الدعم العسكري واللوجستي، وفي طبيعة الحال بتقنيات الرصد والتجسس، الوسائل التي ستستفيد منها إسرائيل في حربها المستترة مع إيران، وحسب تصريح مسؤول إيراني بأن الطائرات المسيرة التي ضربت منشأة ” نطنز” كانت قادمة من أذربيجان.
زادت في الآونة الأخيرة حدة شكوك ومخاوف إيران من التواجد الإسرائيلي، في أذربيجان، الى حد قيامها بتدريبات واستعراضات عسكرية مع حدودها، ومنحتها اسماً ذا مغزى خاص “المنتصرون في خيبر” ومعركة خيبر، وقعت في بداية الدعوة الإسلامية مع اليهود في الجزيرة العربية، وكان الانتصار الساحق آنذاك للمسلمين. نقلت إيران قطعات عسكرية ضخمة لهذه الحدود وقد فتحت جبهة جديدة انتقلت من الشرق الأوسط إلى هذه المنطقة التي بدأت تسخن.
الغرب على العموم يعمل بدأب وإخلاص للحيلولة دون تملّك إيران لسلاح نووي، فهم ليس بحاجة إلى ند نووي، وحليف للصين وروسيا أنداد الدول الغربية ومنافسيهم للسيطرة على النفوذ في هذه المنطقة وكل منطقة أخرى. وتُعد إسرائيل اليد الضاربة لبسط السيطرة وقمع كل مخالف لمصالح وخطط الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط بالذات، كمنطقة حيوية لا غنى عنها.
وعليه وعلى الأرجح سوف تُمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، مهما كلف الثمن ومهما كانت النتائج أو الوسائل التي يتم اتخاذها لضمان هذا الأمر. وحلم الطغمة الحاكمة في إيران في بسط إمبراطورية تتمتع بقوة نووية وهيبة عسكرية، لم يكن سوى كابوس يجثم على صدور جماهير شعوب المنطقة وجماهيرها هي إيران، ولا ندري من دقة النسبة التي تشير الى ما يقارب من خمس إلى ثمان ملايين مواطن إيراني يقتاتون على القمامة وفتات الطعام، وهل هؤلاء وغيرهم من ملايين المنطقة هم بحاجة إلى الإجابة لمعرفة الله على طريقة الخميني، أم بحاجة إلى دولة تضمن كرامتهم الإنسانية، وتبعد عنهم كل أوهام طائفية ودينية، وإنفاق الأموال من أجل الخبز والتعليم والصحة …بدل إنفاقها وحرقها في مشاريع لا تعود إلا بالخيبات والدمار.