بصدد وقف الاقتتال في فلسطين..
إن المواقف السياسية يجب استنباطها دائما من المواضيع الإنسانية وهمومها بالنسبة للطبقة العاملة والتيار الاشتراكي وليس من مواقفنا الثابتة بالضد من الأديان او القوميات او العنصرية.. أي يجب ان يكون مصير الانسان وهمومه وحياته ومعيشته وسعادته، محور مواقفنا. وإن أية مواقف سياسية تجاه أي مسألة معينة يجب اتخاذها في عموم الخسائر، والمكتسبات قد تأتي من بعدها. ومن هذا المنطلق علينا ان نبحث الدمار الإسرائيلي في فلسطين وحركة الحماس.
بعد ١١يوما من القصف الإسرائيلي لقطاع الغزة وتدمير الأبنية والبيوت والشبكات الكهرباء والمياه وتدمير المحلات التجارية وقتل اكثر مئتي شخص من رجال ونساء ومن بينهم 66 طفل. فضلا عن إصابة ما يقارب الألفين جريح، وخلق أجواء من الرعب والخوف وتدمير أحلام عشرات الآلاف من المواطنين في مخططات احلامهم ومستقبل أطفالهم وكذلك خلق الأوضاع المأساوية للفلسطينيين بدون كهرباء وبدون مياه صالحة للشرب وبدون مأوى وجلوس آلاف المواطنين على انقاض بيوتهم.. وبالمقابل حشر المواطنين الإسرائيليين في الملاجئ وزرع الخوف والرعب في صفوفهم وقتل الإعداد منهم نتيجة صواريخ حماس العشوائية للمدن الإسرائيلية .. ان البحث عن الحقيقة والمواقف تأتي من محصلة هذه الأوضاع وتنبأ حدوثها اذا أخذنا ابعاد واهداف الأطراف المتداخلة في هذا الصراع. والان رأينا ماذا حدث وماذا كان الهدف والنتائج من وراء التصعيد والاقتتال والدمار الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين الأبرياء .
منذ بدأ الصراع الأخير وخاصة الأحداث في القدس الشرقية وابتزاز المواطنين الفلسطينيين في محاولة الاستيلاء على بيوتهم وطردهم ومنع المسلمين من أداء مناسكهم في الأقصى. كل ذلك خلق جو من التشنج بين الإسرائيليين والفلسطينيين نتيجة هذه السياسة والتي كانت التيار اليهودي المتشدد أي الجناح اليميني المتشدد الإسرائيلي هو من كان وراء ذلك. والهدف منه كانت أزمته وانعدام افقه السياسي من بعد أربعة انتخابات والتي لم يحصل على مكانة مميزة، ولكي يقضي على حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنبا مع الجنب وانهاء الصراع التاريخي… ومحاولاته السياسية في السنوات الأخيرة فشلت، واراد فرضها بالقوة عن طريق اتخاذ سياسة اكثر تشددا ووحشية وهو التهجير القسري وطرد الفلسطينيين وتدمير بيوتهم وإنشاء مستوطنات في مكانها، ولكن جوبهت خططه بالرد الحازم والاحتجاجات الجماهيرية والتظاهرات في القدس الشرقية، ومن هنا تدخلت حماس بالرد على هذه السياسة ولكن مثل عادة كل الحركات الإسلامية أن يكون ردها إرهابيا وقتل الأبرياء بدون أي حساب من يكن هؤلاء الضحايا. واسقطت الصواريخ على رؤوس المواطنين الإسرائيليين. تواصلت سياسة حماس الفاشلة هذه منذ استيلائهم على السلطة في قطاع الغزة منذ عام ٢٠٠٦ والتي لم تكن من نتائجها شيئا يذكر، سوى الفقر والحرمان لمواطني غزة والبطالة والجوع والاستبداد الإسلامي… وهدفت أيضا إلى شغل مكان التيار القومي العروبي الفلسطيني المتمثل بحركة فتح، وركوب موجة السخط الجماهيري الفلسطيني، لقضيتهم والتي تأزمت كثيرا في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي وقف منحاز كليا مع التيار اليميني المتشدد الإسرائيلي…
ليكن واضحا الان ما هو وقع نتائج هذه السياسة اللاإنسانية من الكوارث والدمار والمأساة بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين؟ وماذا كانت الحصيلة النهائية لهذه السياسة المدمرة؟ ومن كان الضحايا ومن سوف يدفع ثمن كل هذه السياسات؟ بالطبع المواطنون الفلسطينيون بالدرجة الأولى ومن ثم المواطنين الإسرائيليين بالدرجة الثانية . ان من حق كل المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين ان يعيشوا بسلام وامن وبدون خوف وبدون صراع وان تكون علاقاتهم مع البعض جيدة، كأي جيران في دول العالم ولكن نتيجة تأجيج وتشديد الصراع الفلسطيني والإسرائيلي، ستكون الخسارة من نصيب الجانبين ولكن معاناة الفلسطينيين ستكون اكثر مأساوية ودموية. الموقف الإنساني يظهر من هنا!
ان الموقف من ادانة سياسة الدولة الإسرائيلية وأهدافها كانت صحيحة، ولم يقدر كلا طرفي الصراع الأخير نفس الإدانة، بل هدف السياسة الإسرائيلية المتشددة كانت محور البحث ومحور إلقاء الضوء عليه نتيجة خطورة أهدافه ومخططاته ونتيجته الدموية، ولكن ادانة الحماس الإرهابية وصواريخها مدانة أيضا ولكنه ليس محور القضية وانما هو رد الإرهاب الإسلامي على سياسات التيار اليهودي المتشدد وأهدافه… القضية هنا ليس عدد الضحايا من كل طرف و التي هي أيضا موضوع يستحق الوقوف عنده، ولكن الخسائر في عمق هذا الصراع بالنسبة للفلسطينيين بالغة وسوف تبقى جروحه في جسد الفلسطينيين لسنوات طويلة ومؤلمة.
حاولت التيارات الإسرائيلية المتشدد أن تجرب آخر محاولاتها من اجل إنقاذ نفسها من الأزمة وتفاقم الوضع السياسي، لكنها بائت بالفشل وظهرت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الى الأفق من جديد وتحتاج الى حلول مناسبة وإنسانية. والعالم كله تقريبا رأى بأم عينه الى سياسات الإسرائيلية ووحشيتها وهلوكوستها بحق الفلسطينيين ورأى زيف ادعاءاتهم عن حق الرد على أمنه وحماية مواطنيها، والتي انتهت نتيجتها بعدم امن وحماية المواطنين الفلسطينيين بل وزيادة معاناتها ودمارها .. اثبتت الأحداث الأخيرة ان حل القضية الفلسطينية يأتي عن طريق ابعاد التيار اليميني المتشدد من الطرفين عن الصراع ويحل محله التيار المصالحة المتمثلة بحل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية وانهاء هذا الصراع التاريخي.
رأينا مواقف عديدة نصفها كانت من الاشتراكيين والتي كانت منحاز الى احد أطراف الصراع في المحصلة النهائية، اما الى التيار القومي العروبي او الى التيار الإسرائيلي بغلاف الديمقراطية وفي أحيان أخرى بالضد من التيار الإسلامي. كل المواقف لم يكن في حسابها المأساة البشرية والإنسانية ودمار ومعاناة الأجيال المتعاقبة وبقاء هذا الصراع متأججا. ان في اعتماد حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية سوف يسحب البساط من تحت اقدام رجعية الطرفين وتهيئ أرضية لظهور الصراع الأصلي والطبقي في المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني لبناء عالم أفضل يليق بالطرفين.
..