حول العمل السياسي للطبقة العاملة
كارل ماركس
حديث كارل ماركس في مؤتمر لندن لجمعية العمال الاشتراكيين في يومي 20 و 21 من شهر ايلول/ سبتمبر –1871*
المواطن لورنزو يذكرنا بضرورة التقيد بالقوانين. و المواطن باستليكا يحذو حذوه. في كل من الاحكام العامة و في كلمة الافتتاح، قرأت بان المجلس العام ملزم بتحضير جدول اعمال للمؤتمر من اجل مناقشته. البرنامج الذي اعده المجلس العام للمؤتمر تناول قضية التنظيم في الجمعية، و مقترح فايلانت* متعلق مباشرة بهذه النقطة. لذا، فان اعتراضات لورنزوا و باستليكا لا تمتلك اية ارضية.
في كل البلدان تقريبا، هنالك عدد من اعضاء الجمعية الاممية، يقدمون تصورات مبتورة حول الاحكام التي اقرت في مؤتمر جنيف، يقومون بالدعاية الاعلامية للعزوف عن السياسة، و الحكومات حرصت على ان لا تعرقل هذا الجهود. في المانيا شويتزر و اخرين و لمكافأة بيسمارك حاولوا لجم المسير من اجل سياسات الحكومة. في فرنسا، هذا الامتناع الاجرامي سمح لفافر، بيكارد و اخرين، للاستيلاء على السلطة في 4 سبتمبر، لقد مكنهم هذا العزوف من الوصول الى السلطة. في 18 اذار، اتاح هذا العزوف عن السياسة تأسيس لجنة ديكتاتورية مكونة بشكل واسع من البونابرتيين و المتآمرين، والذين، في الايام الاولى، فقدوا الثورة بسبب عدم تحركهم، تلك الايام التي كان عليهم تكريسها من اجل تقوية الثورة.
في امريكا، في المؤتمر المنعقد في الآونة الاخيرة ( اتحاد العمال الوطني في 7-10 اب/ اغسطس من عام 1871 في بالتيمور) انتهى الى ان يضع على عاتقه المسالة السياسية والمتعلقة بإحلال السياسيين المحترفين بعمال من اوساطهم، و المخولين بالدفاع عن مصالح طبقتهم.
في بريطانيا، ليس من السهل على العمال الدخول الى البرلمان. حيث ان اعضاء البرلمان لا يستلمون اية تعويضات، و على العمال ان يزاولوا اعمالهم من اجل الحصول على لقمة عيشهم، فقد اصبح البرلمان مكانا لا يدخله العمال. و البرجوازية تدرك تماما بان رفضها العنيد لمنح رواتب لأعضاء البرلمان هو الوسيلة لمنع الطبقة العاملة من ان تكون ممثلة في البرلمان.
على المرء ان لا يؤمن على الاطلاق بان وجود العمال في البرلمان امر لا ينطوي على اهمية كبيرة. اذا ما قام احد بخنق اصواتهم، كما في حالة دي بوتر و كاستين، او اذا قام بإخراجهم كما في حالة ما نويل فان العقوبات و الاضطهاد ستترك تأثيرا عميقا على الناس. و لكن، من جهة اخرى، اذا ما تمكنوا من الحديث من منصة البرلمان، كما فعل بيبل و ليبكخنت، فان العالم باجمه سيصغي اليهم. سواء في هذه الحالة او تلك، سنتوافر على منبر مهم للدعاية لمبادئنا. لأعطي مثالا واحدا، في اثناء الحرب الفرنسية- البروسية، و التي جرت في فرنسا، فقد تحدث كل بيبل و ليبكخنت عن مسؤولية الطبقة العاملة في وجه تلك الاحداث، لقد كانت كل المانيا ترتجف، و حتى في ميونيخ، والتي اندلعت الثورة فيها نتيجة و اثر اسعار الشمندر، فقد نظمت تظاهرات عظيمة تطالب بإنهاء الحرب.
ان الحكومات معادية لنا، يجب ان يرد عليها المرء بكل ما اوتي من وسائل في حوزته. ان ايصال العمال الى البرلمان يضاهي الانتصار على الحكومات، و لكن على المرء ان يختار الرجال المناسبين، و ليس توليانس.
ماركس ايد المقترح الذي تقدم به فايلانت، و كذلك تعديلات فرانكليس، لتقر على انها مقدمة، و من اجل تقويتها، التأكيد على ان الجمعية طالبت دائما، و ليس من اليوم فقط، بان على العمال ان يزجوا بأنفسهم في السياسة.
في يوم 21- ايلول:
قال ماركس انه تكلم بالأمس مؤيدا مقترح فاليانت، و هو لا يريد معارضته اليوم. و اجاب على باستليكا بانه في بداية المؤتمر قد جرى الاقرار على ان المؤتمر سيناقش مسألة التنظيم و ليست مسالة المبادئ. و فيما يتعلق بالقوانين، فقد دعا الى ايلاء الاهتمام الى ان التشريعات و الكلمة الافتتاحية، و التي اعاد قراءتها مرة اخرى، من اجل ان يعاد الاطلاع عليها و بشكل كامل.
لقد شرح تاريخ العزوف عن السياسة و قال من الافضل ان لا يترك المرء نفسه نهبا للقلق بسبب هذا الموضوع. الرجال الذي يدعون الى هذا النهج هم خياليون بكل معنى الكلمة، و لكن اولئك الذين يريدون السير على هذا الطريق هم ليسوا كذلك. انهم يرفضون السياسة الى مرحلة ما الصراع العنيف، و هم بهذا، يسوقون الناس على طريق المعارضة البرجوازية الرسمية، التي يجب ان نقاتل ضدها، و في نفس الوقت يجب ان نقاتل ضد الحكومات. يجب ان نزيح الستار عن عن كامبيتا، حتى يكون الناس على بينة من امره. ماركس وافق اراء فاليانت. يجب ان نجيب بالتحدي على كل الحكومات التي تعرض الجمعية الاممية للعقوبات.
ان ردود الافعال ظاهرة في كل انحاء القارة، انها عامة ومستمرة حتى في الولايات المتحدة و بريطانيا، بشكل او باخر.
يجب ان نعلن للحكومات، نحن نعرف بانكم قوة مسلحة موجهة ضد العمال، و باننا سنتحرك ضدكم بطرق سلمية حيث يكون ذلك مناسبا، و سنواجهكم بالسلاح متى ما اقتضت الضرورة ذلك.
ماركس كان موافقا على مقترح فاليانت، و رأى انه بحاجة الى اجراء تعديلات طفيفة، لذلك ابدى موافقته على فكرة اوتين***.
نص القرار المقدم في مؤتمر لندن لجمعية العمال الاشتراكيين في يومي 20 و 21 من شهر ايلول/ سبتمبر – 21-9-1871 النص المقدم مكتوب بخط اليد من قبل فريديريك انجلس
العزوف عن السياسة امر مستحيل. كل صحافة دعاة العزوف عن السياسة تشارك في السياسة، ايضا. ان السؤال متعلق بكيفية قيام المرء بالعمل السياسي واي نوع من السياسة يمكن ان ينهمك فيه. اما البقية، بالنسبة لنا فان العزوف عن السياسة لهو امر مستحيل.
حزب الطبقة العاملة العمالي يعمل كحزب سياسي في اكثر البلدان اليوم. و الامر ليس منوط بنا لنا لإفساده بالادعاء بالعزوف عن السياسة. ان تجربة الحياة الواقعية و الاضطهاد السياسي للحكومات الراهنة تفرض على العمال لتوجيه انظارهم الى السياسة،– سواء لأهداف سياسية او اجتماعية- شاءوا ذلك ام ابوا. ان الادعاء بالعزوف عن السياسة معناه رمي العمال في احضان البرجوازية، وخاصة في اعقاب ما حدث في كومونة باريس، و التي جعلت من العمل السياسي للعمال، هو النمط السائد لهذا اليوم، لذا، فان العزوف عن السياسة لهو امر غير مطروح اساسا.
نحن نسعى الى الغاء الطبقات. فما هي الوسائل لتحقيق هذا الهدف؟ الوسيلة الوحيدة هي السيطرة السياسية للعمال. و لهذا، و حيث ان الجميع و كل واحد يتفق على هذا الهدف، نواجه بالاعتراض بان لا نتدخل في السياسة. ان دعاة العزوف عن السياسة يقولون انهم ” ثوريون” بل و حتى ثوريون ممتازون. الا ان الثورة هي ارقى شكل من اشكال العمل السياسي، واولئك الذين ينادون بها يتوجب عليهم القبول بوسائل تحقيقها، الا و هو العمل السياسي الذي يمهد الارضية للثورة و يزود العمال بمهارة التدريب الثوري و الذي بدونه سيكون العمال بالتأكيد حمقى لفافر و بايتس في صبيحة اليوم التالي للثورة. ان سياستنا يجب ان تكون سياسة الطبقة العاملة، لا يجب ان يكون الحزب العمالي على الاطلاق حزبا ذيليا تابعا لأي حزب برجوازي، بل يجب ان يكون حزبا مستقلا و لديه اهدافه و لديه سياساته الخاصة به.
الحريات السياسية، حق التجمع و تشكيل المنظمات و حرية التعبير عن الرأي و الصحافة، هذه هي اسلحتنا. فهل يتوجب علينا التنحي جانبا، بينما هنالك من يتربص بنا ليخلع اسلحتنا منا؟ يقال ان كل تحرك سياسي من جانبنا يحتم علينا اخذ الوضع القائم بنظر الاعتبار. و على النقيض تماما، و حيث ان الوضع الراهن يوفر لنا سبل مقاومته، فان استخدامنا لتلك السبل لا تعني عدم اخذنا الوضع الراهن بنظر الاعتبار.
ملاحظات:
*مؤتمر لندن للأممية الاولى انعقد بين ايام 17-23 من شهر ايلول / سبتمبر 1871. ومنذ انعقاد ذلك المؤتمر في وقت كانت تشن فيه حملة شرسة ضد اعضاء الاممية، و التي نظمت في اعقاب هزيمة كومونة باريس، كان عدد الحضور من الاعضاء في غاية الارهاق، فقد حضر 22 مندوبا يمتلكون حق التصويت، و 10 مندوبين اخرين يمتلكون حق الكلام و لكن ليس حق التصويت. البلدان التي لم تتمكن من ارسال مندوبيها جرى تمثيلها من قبل سكرتارية المجلس العام. مثل ماركس المانيا و مثل انجلس ايطاليا.
يمثل مؤتمر لندن علامة فارقة في مرحلة نضالية مهمة و التي قام فيها ماركس و انجلس بعمل هائل لوضع اسس حزب عمالي. اقر المؤتمر مشروع قرار حول” العمل السياسي للطبقة العاملة” والذي لم يكن قد ضمن في الاحكام العامة التي اقرت من قبل الاممية في مؤتمر لاهاي. في هذا المؤتمر نظمت العديد من المبادئ التاكتيكية و التنظيمية ذات الاهمية القصوى للحزب العمالي، و التي وجهت ضربة قاصمة للإصلاحية و التعصبية. لعب مؤتمر لندن دورا كبيرا في وضع مبادئ الالتزام العمالي بوجه الفوضوية و الانتهازية.
**- في ذلك اليوم، المندوب الفرنسي ادوارد فاليانت قدم مقترح مؤكدا على عدم فصل السياسة عن الاقتصاد، انها متشابكة بشكل جوهري. لذلك فقد جادل بان على العمال توحيد نشاطاتهم السياسية. البرودونيون في الجمعية الاممية اعترضوا على المقترح.
***- اوتين دعم مقترح فاليانت، الاصلاحات من قبل سيراليير و فرانكل، جرى تحويلها الى المجلس المركزي من اجل المزيد من البحث تحت عنوان( العمل السياسي للطبقة العاملة) صوت المؤتمر على مقترح اوتين.
ترجمة: نادية محمود