بصدد “انسداد العملية السياسية”!
تضج وسائل الإعلام في العراق بما يسمى “انسداد العملية السياسية”. إنه الشغل الشاغل اليوم لكل القوى والتيارات السياسية الميليشياتية الحاكمة في العراق، ليس هذا وحسب، بل وفّر الفرصة لكل المتحذلقين والمتفذلكين والمتملقين الذين يعتاشون على الدفاع عن هذه الجبهة او تلك، أولئك المتبخترون الذاتويون ذوو الاحاديث المنمقة الذين يتحفونك يومياً بأحاديث ممجوجة وبعيد كل البعد عن الحقيقة، أساتذة التزييف من حملة الشهادات وغيرهم!!
لقد أوهموا المجتمع في وقتها، واحتووا انتفاضة تشرين عبر اختزال مطالبها من “كلهم يعني كلهم”،أي كنس الطبقة السياسية الحاكمة بكل قواها القومية والطائفية والمليشياتية، ومطالبها الخاصة بتوفير الخدمات، العمل، تحسين المعيشة، مناهضة الفساد وغيرها إلى “إقالة عادل عبد المهدي” وانتخابات مبكرة” و”تعديل قانون الانتخابات” وغيرها من أمور لا تمت بأية صلة بالمطالب الحقيقية للجماهير.
وها هي تمر ما يقارب 7 أشهر على الانتخابات وليس في نهاية النفق أي ضوء يشير إلى تشكيل الحكومة!! فما حكمة “انتخابات مبكرة”؟؟ إن يتوقف “تشكيل الحكومة” لأشهر مديدة ومديدة !! ليس قصدي أني اتطلع من “تشكيل الحكومة” شيء ذي فائدة! بعد كل هذه الاعوام والتجارب والحكومات، لا أعتقد ان ثمة من يتطلع شيء من الحكومة أو السلطة القائمة في العراق، اللهم الا إن كان مستفيداً وله مصلحة في هذا السلطة او إنسان أتى من كوكب آخر.
بيد إن مهزلة “الديمقراطية” في العراق تبعث على الضحك والحيرة فعلاً. إذ بلغ الصراع أوجه ما بين طرفين: التيار الصدري و”الإطار التنسيقي الشيعي”، “صراع كسر عظم” مثلما هم يطلقوا عليه. ما أن ظهرت نتائج الانتخابات، حتى تحالف التيار الصدري مع الحزب الديمقراطي وتيار الحلبوسي بوصفه تحالف “عابر للطائفية”، “تحاف وطني” بهدف تشكيل “حكومة أغلبية وطنية”. وهمشت هذه الخطوة الجماعات “الشيعية” الأخرى والذين معظمهم من الولائيين، وهرعوا الى “الإطار التنسيقي”، كإطار لتوحيد قواهم بوجه التيار الصدري. و ها هم يرفضوا تحالف الثلاثي (الصدر-البرزاني-الحلبوسي) ويؤكدوا على “المرجعية الشيعية” والعودة الى “الإطار” واتفاق البيت الشيعي” والعودة الى “الشيعة” بوصفهم “المكون الاجتماعي الأكبر “وغيرها، ويضعون العصا في دواليب عجلة التحالف الثلاثي.
وبالمناسبة، أن قصد هذه الجماعات المنبوذة من مقولة “الشيعة” و”المكون الاجتماعي الأكبر” هو ليس تمثيلهم لعشرات الملايين الذين اقحموا عليهم هذه “الهوية” لأغراض ومصالح سياسية معروفة. على العكس إن اغلبية جماهير تلك المناطق في وسط وجنوب العراق هي من حرقت مقراتهم وطردتهم شر طردة، والجماهير نفسها من لاحقت عربات مسؤوليهم بالحجارة والسباب! إن هذه الجماعات الاجرامية لا تمثل سوى أنفسها.
بلغت الامور من الهزالة حداً بحيث يمكن تسميتها “ديمقراطية البلطجة”. يمانع “الاطار” هذا التحالف (تحالف الاغلبية) ويحيكون المؤامرات ضد أطرافه بهدف إفشاله، وآخرها تبرئة علي حاتم السليمان ورافع العيساوي، أو تعميق الصراع الكردي-الكردي، قل الاتحاد الوطني بوجه الحزب الديمقراطي والبارزاني. تصدّوا، بوصفهم “الثلث المعطِّل”، لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل التحالف الثلاثي للحكومة. يقول لهم الصدر: (أذهبوا وشكلوا أنتم الحكومة وانا اذهب للمعارضة!)، يردوا عليه ان يترك تحالفه وينظم اليهم و”نوحد البيت الشيعي”، يقول: لا أشكل حكومة معكم، يردوا: يجب ان تشكلها!! بعبارة عامية لا أشكل الحكومة الا معك، “غصباً”! هل سمعتم بمثل هذا من قبل؟! إنها ديمقراطية البلطجة فعلاً!!
أما فيما يخص مقولة “المعارضة”، فهي لا تتعدى أكثر من كذبة وسذاجة. ليس ثمة شيء اسمه “معارضة”. فالبرلمان ليس البرلمان البريطاني او الالماني! تعرف إن هناك حكومة وهناك معارضة، هناك حكومة وهناك حكومة ظل، وإن آليات كل شيء واضحة ومعلومة. إن السلطة في العراق هي سلطة مليشياتية. على قول القيادي في الاتحاد الوطني (حتى لو حققنا مقعد واحد، فنحن الاتحاد الوطني، نحن في مكاننا، ولا نسلمها!)، والشيء ذاته ينطبق على ما يسمى بالعملية السياسية الجارية. أي باختصار، يعرف الجميع أن يكون أحد ما في المعارضة، معارضة غير معلومة الملامح والحقوق والحدود، يعني أن يُحرم من السلب والنهب والسيطرة على مقدرات المجتمع والثروات والسلطة والمناصب الحكومية وكل شيء!! فكلهم يعرفون إنها كذبة. وحتى حين يستخدمها الصدر، اي حين يقول شكّلوا الحكومة، وأنا ابقى في المعارضة، هو يعرف وهم يعرفون إنه سيخلق لهم الإزعاجات تلو الإزعاجات، لا أكثر! وإلا، فهو ليس بأحسن منهم! لا برنامجه “الاصلاحي” معلوم، ولا في برنامجه أي تغيير جدي. فالجميع يعرف إن أراد الصدر محاربة الفساد فعلاً، فالفساد في تياره بصورة لا تقل عن غرمائه وخصومه.
إنهم في أزمة. بيد إنها أزمتهم. أزمة حفنة من تجار الحروب والفاسدين وناهبي المال العام وفارضي الاستبداد السياسي. إنه استبداد جماعات مليشياتية وبلطجية عديمة القيمة والضمير والإنسانية ولا ربط لها بإقامة مجتمع عادي ومتعارف عليه، بآليات اجتماعية وقانونية وسياسية معروفة ومحددة ، ولا ربط لها بأي تغيير واقعي وحقيقي. إذ كلنا رأينا كيف أعتقل خطيب حسينية، علي الموسوي، وكيف أحرق بلطجية التيار الصدري مكتباً للصرخي ودمرت وأحرقت الكثير من الحسينيات لا لشيء الا لأنه قال رأياً حول القبور في أحد خطب الجمعة، فقط رأي!! ليس هذا وحسب، بل نعته مقتدى الصدر بالمجرم دون أن يعرف أحد لماذا هو “مجرم”؟!! وفق اي نص قانوني او … تم تعريفه على هذا الأساس؟! لا أحد يعلم. علماً إن الموسوي لم يأتي بشيء “من جيبه”، بل تحدث عن هذا، قبله، رجالات الشيعة، وفي كتبهم!!!
إنهم ينشدون دفع المجتمع للاقتتال والحروب من أجل مصالحهم. (كتب أحد قادة سرايا السلام على تويتر بما معناه (انتظرونا قادمين!!)، وهي رسالة صريحة موجهة للولائيين بالحرب وقرع طبول الحرب! أما فيما يخص الولائيين، فلا يعرفوا سوى لغة القتل والاغتيالات والحروب وحمامات الدم. أنهم، كلا الطرفين، ومن أجل مصالحهم الضيقة والخاصة، على استعداد لإفناء المجتمع، وليس خصومهم فحسب!
إنها أزمتهم… إن قضيتنا هي قضية أخرى؛ خلاص المجتمع من كل قوى ما بعد 2003، القوى التي لم تجلب سوى المصائب والويلات على المجتمع. وإرساء مجتمع حر ومتساوي يستند الى الإرادة والتدخل الواعي للجماهير المليونية المنظمة صفوفها في مجالس واتحادات وجمعيات، لترسيم برنامج يضمن الحياة الكريمة ويكفل مستقبل لائق بالبشر في العراق.