الثالوث الجهنمي لحكومة السوداني؛ الافقار وقمع الحريات وأسلمة المجتمع
نشر الأوهام بأنه بطل تخفيض الدولار، وإشاعة أجواء قمع الحريات الذي دشن بزوبعة إعلامية كبيرة حول القاء القبض على أصحاب “الفيديوهات الهابطة” وتفعيل قانون منع او حظر بيع واستيراد المشروبات الكحولية، وضرب المتقاعدين المسنين في تظاهرات طالبوا بزيادة معاشاتهم، وانتهاء بتحويل شهر رمضان الى فرصة لإعادة انتاج أسلمة وافقار المجتمع، هو الإيقاع الذي تسير عليها فتوحات حكومة محمد شياع السوداني.
تبدء فتوحات السوداني بإعلانه تخفيض سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي ليكون ١٣٢٠، الا ان الوقائع تبدد الأوهام التي تنشرها الحكومة، فسعر صرف الدولار ظل يتراوح بين ١٥٥-١٦٠ الف دينار مقابل كل ١٠٠ دولار. وكي يحبك السوداني، ذره للرماد في عيون الجماهير المحرومة في العراق التي اكتوت بنار التضخم جراء ازمة النظام الرأسمالي العالمي والحرب الأوكرانية الى جانب انخفاض قيمة الدينار بقرار حكومي، راح يروج بأنه يبيع الدولار بالسعر الرسمي المعلن للمسافرين العراقيين، وكان حال العراقيين من اليسر والرفاهية الى الحد الذي يمكنهم بالاستجمام خارج بلادهم، وليس ما تبينه حياتهم وأرقام وزارة التخطيط والمنظمات الدولية بان ما يقارب من نصف سكان العراق يعيشون في خط الفقر، فهل هناك مشهد يثير السخرية اكثر من هذا، ويعتبر السوداني بطل هذه الكوميديا السوداوية.
ان السؤال البسيط الذي يُطرح هنا، لماذا لم تنخفض قيمة الدولار بعد كل هذه الزوبعة الإعلامية واطلاق الدعايات الكاذبة، بأن الوفد العراقي يجتمع مع ممثلي الخزانة الامريكية في إسطنبول، وان الوفد العراقي غادر للقاء ممثلي الخزانة الأمريكية في واشنطن، وبان الإدارة الامريكية راضية على أداء الحكومة العراقية بمكافحة تهريب العملة.. الخ من تلك الترهات، والنتيجة ان سعر صرف الدولار بقي على حاله في الأسواق، وفقدت رواتب ومعاشات العمال والموظفين اكثر من ٤٠٪ من قدرتها الشرائية وقيمتها السوقية.
وهنا لا بد من التأكيد، ان تخفيض سعر قيمة الدينار العراقي غير مرتبط بتهريب العملة الى ايران، انما مرتبط بقرار المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي وقع العراق معها لأجراء “إصلاحات” اقتصادية بما تتلاءم مع مستلزمات ربط العراق بالسوق الرأسمالية العالمية، وأولها جلب الاستثمارات الرأسمالية العالمية الى السوق العراقية يقابله دفع معاشات ورواتب واجور زهيدة للعاملين في الميادين التي تستثمر فيها تلك الأموال، مستفيدة من عامل فرق العملة.
وكان من المفترض رفع سعر صرف الدولار الى١٦٠٠ لكل دينار في عهد حكومة الكاظمي، الا انه ارجٍأ القرار الى الحكومة التي تأتي بعدها كي لا تثير غضب وسخط الجماهير.
اما الفتوحات الأخرى لحكومة السوداني، فهي على صعيد الحريات و يجدر التذكير بها، فأولها هي تدشين عهد حكومته بالضجة الدعائية المفتعلة عن القاء القبض على مروجي ما يسمى ب(الفيديوهات الهابطة)، وعلى الرغم من ان محكمة التمييز نقضت الاحكام الصادرة بحق المتهمين المذكورين التي وصلت حكمها مدة سنيتن بالسجن بعد الحملة السياسية التي نظمت ضد تلك الاحكام الجائرة، الا ان نفس الموضوع بقدر انه يكشف عن الوجه القمعي لكل المنظومة السياسية الحاكمة في العراق بما فيها ذراعها التنفيذي، حكومة السوداني، بنفس القدر ان اختلاق موضوعة نشر “الفيديوهات الهابطة” تعبير عن سياسة قديمة روج لها النظام البعثي الاستبدادي في العراق وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي من اجل الهاء الجماهير وتحريف انظارها عن السلطة البعثية التي جاءت عبر الانقلاب العسكري التي كانت بحاجة الى ترسيخها وتثبيتها، فمرة ذهبت الى افتعال ازمة فقدان البيض في الأسواق وأخرى افتعلت ازمة الدجاج ومرة الزجاجيات… الخ وبموازاتها افتعلت قضية (أبو طبر) الشهيرة لنشر الخوف والهلع في المجتمع، و تعتبر قضية “الفيديوهات” الهابطة هي إعادة للسيناريو النظام البعثي السابق.
ويتغير شكل القمع الا ان استراتيجيته تبقى نفسها، وهي ترسيخ تلك السلطة الميليشياتية التي تهاوت على اثر ضربات انتفاضة اكتوبر، فتظاهرة للمتقاعدين تقمع بهراوات الشرطة ومكافحة الشغب ويضرب متقاعدين مٌسَنّين وصلت اعمار بعضهم الى ٧٠ عام، ولتكتمل حلقة الاحكام والاقفال على ذهن الجماهير، كي لا تحلق بعيدا وتفضي الى نتيجة مفادها ان حكومة السوداني وكل العملية السياسية عليها بشد رحالها، ذهبت الى تفعيل قانون حظر بيع واستيراد المشروبات الكحولية الذي صوت عليه البرلمان عام ٢٠١٦ في عهد حكومة حيدر العبادي، لتوجه ضربة أخرى للحريات الفردية.
بيد ان كل هذا المسار سواءً على الصعيد الاقتصادي او على الصعيد الاجتماعي يبقى ناقصا دون أيديولوجية تخلق الذرائع في فرض هيمنة هذه السلطة الميليشياتية التي تسمى بحكومة السوداني لترسيخ مكانتها، “فكل شيء من اجل معركتها”، فشهر رمضان فرصة مناسبة لإعادة انتاج الأسلمة على المجتمع العراقي. فهي لم تكتف بتعطيل الحياة بالمناسبات الدينية طوال السنة، وغلق الشوارع وسرقة ما في جيوبنا نحن العمال والكادحين سواءً على شكل ضرائب او تخصيص موازنات لوزارة الأوقاف والشؤون الدينة التي تتجاوز اكثر من ٢ مليار دولار سنويا وسرقة أموال الخدمات، فبعد قضية “الفيديوهات الهابطة” تأتي اطلاق يد وزارة الداخلية لاعتقال أي شخص يمسك سيجارته بيده او حتى عامل بناء يأكل اثناء عمله كما نشرت في فيدويهات على شبكات التواصل الاجتماعي، ففرض الالتزام بالطقوس الدينية ومن لون واحد ضاربة بعرض الحائط كل الانتماءات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية لأفراد المجتمع وممارسة حقوقهم بحجة شهر رمضان هو مساعي سافرة لإعادة سيناريو البعث الذي كان يفرض نفس السياسات القمعية منذ نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. الا ان هذه المساعي لا تقف عند هذا الحد، وكي تنشر الفقر بما يتلاءم مع سلاح الدين للمسك بخناق المجتمع، ذهبت الحكومة الديمقراطية الموقرة بقيادة السوداني وعلى خطى البعث، بغلق المطاعم والمقاهي وكل ما له صلة بالطعام، راميا الاف من العمال في سوق البطالة، وكان العراق ينقصه اعداد من العاطلين عن العمل. وهكذا فان الفقر والحرمان مرتبط بالأسلمة، فدونهما لا يقوم أي قائم للأحزاب الإسلامية والأحزاب القومية التي تتعكز على الدين.
وأخيرا اذا ما جردنا السوداني القادم من حزب الدعوة الاسلامي ومرشح المليشيات وقتلة المتظاهرين من الهالة الإعلامية التي يحيط نفسه بها، ونخرس الابواق الدعائية التي تعزف لصولاته وجولاته في باريس وبرلين وإسطنبول، والمقابلات التي يجريها مع وسائل الاعلام المختلفة لتسويق زمجرته بمكافحته للفساد، فأنه لا يحمل في جعبته اكثر مما حمل جعبة كل حكومات المليشيات التي تشكلت منذ غزو واحتلال العراق.