لعبة عض الاصابع تجري على قدم وساق بين دعامتي حكومة عبد المهدي، وهي الجناح السياسي لمليشيات الحشد الشعبي المتمثل بالفتح ودولة القانون والجناح الاخر الذي يمثله الصدر والعبادي والحكيم. وبانتظار من يصرخ اولا، فاذا صرخ الاول فستنهار الحكومة، واذا صرخ الثاني فسيبقى عبد المهدي ولكن ملفوف الرأس يلملم جراحه. ولا يخفى بأن توسع رقعة الاحتجاجات الجماهيرية يزيد من سخونة اللعبة، ويضفي مشهد الالم التراجيدي على اللاعبين الاصليين. وليست الهجمات المسلحة التي قامت بها مليشيات التيار الصدري على عدد من مقرات الاحزاب الاسلامية ومليشياتها وخاصة عصائب اهل الحق الا جزء من تلك اللعبة مستغلة الاحتجاجات لتسجيل نقاط لصالحها. وقد كشفت جريدة “الاخبار” اللبنانية المقربة من حزب الله اللبناني عبر تقرير لها قبل ثلاثة ايام عن تورط سرايا السلام في تلك الهجمات، هذا ما عدا شهود عيان من المتظاهرين اكدوا عن ماورد في صحة التقرير المذكور. وتأتي تصريحات مقتدى الصدر في نفس السياق عندما دعى الحشد الشعبي الى عدم التورط في قمع الاحتجاجات تنفيذا لاوامر الحكومة، ففي الحقيقة ان الحشد الشعبي ومكتب امن الحشد متورط حد النخاع في قتل المتظاهرين منذ اندلاع التظاهرات في بداية هذا الشهر واكدتها نفس الصحيفة المشارة اليها في تقريرها، الا ان مقتدى الصدر يحاول خلط الاوراق وتحريف الانظار عن ماهية الصراع المحتدم بين جناحه المسلح وبين مليشيات الحشد، والخشية من اندلاع صراع مسلح مفتوح لا تحمد عقباه.
وعليه هناك مشهدان سياسيان مطروحان امامنا، واقصد نحن الصفوف المليونية من العمال والطلبة والمعلمين والعاطلين عن العمل الذي نرفع راية الاحتجاجات من اجل تحقيق حياة حرة وكريمة. المشهد الاول هو اتفاق القوى الاسلامية الشيعية بجميع اجنحتها على انقاذ سفينة الاسلام السياسي من الغرق، ويشترط هذا، اتفاق الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية في ايران على انقاذ هذه السفينة وبغض النظر عن كمية التنازلات التي يقدمها كل طرف للاخر، وخاصة اذا ادركنا ان ايران بحاجة الى لجم الفوضى باي ثمن في العراق لانه المتنفس الاقتصادي الكبير لها في ظل حصار اقتصادي وحشي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية عليها، وبحاجة ماسة الى الاسواق العراقية. اما المشهد الثاني فهو عدم الاتفاق بين تلك الاطراف فتذهب الى قلب الطاولة على الجميع واعادة سيناريو سوريا، اي عسكرة الاحتجاجات وبالتالي فرض التراجع على الجماهير والالتفاف على مطالبها، وتصبح موضوعة المقايضة الامن والامان مقابل بقاء سلطة فاسدة وقمعية.
وبالمناسبة فان الاطراف الحكومية والمليشيات الداعمة لها، واقصد جناح ايران، فهي تروج وتبث الافلام والوثائق بأن من يحرض الجماهير للخروج الى الشوارع ضد حكومة عبد المهدي هو الجيوش الالكترونية للولايات المتحدة الامريكية بسسب فتح معبر البو كمال مع سورية وتوقيع الاتفاقية مع الصين بقيمة ٥٠٠ مليار دولار، وكما تقول ايضا ان حكومة عبد المهدي تدفع ثمن الدفاع عن سيادة العراق واستقلاله. وبغض النظر عن صحة هذه المزاعم من عدمها، تعترف هذه المليشيات بشكل غير مباشر وبحماقة بأنها من ترتكب المجازر بحق المتظاهرين وتحت عناوين كاذبة وخادعة وغبية في نفس الوقت، وفي زمن انقشاع غبار ترهات السيادة والاستقلال. فالجيوش التركية وقادة الحرس الثوري الايراني يصولون ويجولون في العراق، ويقتلون المعارضين ومع هذا يتبجحون بالحديث عن السيادة. ومن جهة اخرى يريد هذا النوع من الاعلام الغبي التعامي عن جرائم وفساد كل اطراف العملية السياسية وخاصة سلطة الاسلام السياسي الشيعي طوال اكثر من عقد ونصف. فالجوع والبطالة والفساد هي وراء اندلاع شرارة الاحتجاجات وبغض النظر من الذي اشعلها.
اين نقف نحن، اين تقف الجماهير من هذين المشهدين؟ هذه المسألة مرهونة بقدرتنا، بقدرة كل القوى الجماهيرية. فأذا كنا منظمين وبدرجات عالية بأمكاننا ان نضيف مشهد سياسي جديد ونفتح صفحة جديدة في العراق. ان نقطة ضعفنا في غياب التنظيم، ولكن نقطة قوتنا هي في لفظ الجماهير للتيارات والقوى الاسلامية المتواجدة في السلطة وخاصة التيار الشعبوي والبرجوزاي الصغير الذي يقوده التيار الصدري. وهذا هو السر كما قلنا في كلمتنا بأن دعوة الصدر الى حماية المتظاهرين، لانه فشل بالسيطرة على الاحتجاجات كما كان في احتجاجات ٢٠١١ و٢٠١٥ ولذلك قام باستعراض مليشياته عشية التظاهرات. وبينت التجربة انه استخدمها لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين .
ومن خلال هذا العمود ندعو الى توحيد كل القوى من النشطاء والفعالين واشكالهم التنظيمية في الاحتجاجات والاتحادات والمنظمات العمالية والنقابات المهنية والمنظمات اليسارية من اجل دفع الاحتجاجات الجماهيرية الى الامام والحفاظ على زخمها وتحييد القوى الامنية او على الاقل تقليل القمع الحكومي وتفويت الفرصة في عسكرة الاحتجاجات، لتحقيق الامن الامان واطلاق كل اشكال الحريات وضمان بطالة او فرصة عمل. انها خطوة نحو قلب كل المعادلة السياسية في العراق وبزوغ فجر جديد.