المقالاتسمير عادل

مكانة الإسلام السياسي في سياسة امريكا أمريكا تعوم الصدر في العراق

سمير عادل

حقوق الإنسان والديمقراطية، القانون الدولي، هما المفاهيم الاساسية التي تستند عليه الخطاب السياسي في استراتيجية الأقطاب الدولية المتصارعة لحماية مصالحها وحلفائها وتبرر من خلالها التدخل في قمع الحركات والتيارات المعارضة لها.

الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعتمد نفاقهما السياسي في خطابهما السياسي على حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما تعتمد الصين وروسيا في دوسها على القيم الانسانية بحماية القانون الدولية وشرعية حكوماتها وبغض النظر عن تورطها بجرائم ضد الانسانية.

وعلى اساس هذين المفهومين تسوق تلك الاقطاب “مصداقية” صراعها مع الدول والحكومات لتحقيق مصالحها. وموقع الإسلام السياسي في تحقيق استراتيجية هذين المفهومين هو نسبي وحسب درجة خطورتها على مصالح تلك الدول. فمثلا لم يتقاطع الغرب مع الاسلام السياسي في الحرب الباردة، بل وكان افضل  سلاح واقوى بمرات عديدة  من سلاح ستينغر الذي غير موازين القوى في حرب السوفييت في أفغانستان لصالح الغرب. وبغض النظر عن المحتوى الفكري والسياسي الذي تستند عليها ايديولوجية جماعات الإسلام السياسي الذي يحمل في مجمله  تحقير الإنسان وضرب تطلعاته وامنياته ولا يملك له أية قيمة تذكر في قاموسه، ودمه مهدور أبدا طالما يفكر خارج الصندوق الذي تضعها المنظومة الاسلامية، فالإسلام السياسي كان دوما محل ترحيب لدى الغرب وحلفائه قبل الشرق طالما لا يهدد مصالحها، وكان حليفا قويا له في حربهم الباردة ضد الشيوعية والحركات المعادية للاستعمار والهيمنة الغربية في منطقة الشرق الأوسط. ولم يتقاطع الغرب مع الإسلام السياسي الا مع مجموعة القاعدة،  وهو من دعمها لتكون أداة التعبئة التنظيمية والسياسية والفكرية لتجنيد الآلاف من الشباب وارسالهم الى الحرب في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، وتقاطع ايضا مع دولة الخلافة الاسلامية لأن الأخيرة أرادت تغيير الجغرافيا السياسية واعادت صياغة اتفاقات جديدة  لتقسيم النفوذ السياسي للأقطاب الرأسمالية العالمية التي جاءت في اتفاقية سايكس بيكو وغيرها، وخرجت عن الخطوط الحمر التي وضعها الغرب لها. كما ويجدر بالذكر مساهمة الغرب في دعم وصول الخميني إلى السلطة للالتفاف على الثورة الإيرانية وتفريغها من يساريتها وشيوعيتها عبر الدعم الإعلامي لخطب الخميني و بثها الإذاعي في (بي بي سي) البريطانية و(مونت كارلو) الفرنسية وصوت امريكا، ووصل الدعم الى حد نقل الخميني على متن طائرة خاصة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية الى طهران.  وهكذا وكما قلنا في مناسبة اخرى، كان هدف الولايات المتحدة الامريكية بدعم الإسلام السياسي بعد الثورتين المصرية والتونسية والذي أوصل محمد مرسي واخوان المسلمين وحركة النهضة التونسية للسلطة في مصر وتونس الى السلطة، هو من اجل بناء جدار لصد الحركات الداعية للتحرر والمساواة وفرص العمل والكرامة الانسانية وتحقيق كل أشكال الحريات الفردية والانسانية، التي بالأساس تعني تقويض ارباح الامبريالية العالمية، وايضا تعني تقليص النفوذ السياسي للغرب وهيمنته في المنطقة. وكان مشروع دعم الاسلام السياسي يصب بإعادة تموضع الامبريالية الامريكية ورسم سيناريو جديد للتمدد الأمريكي في المنطقة وشمال أفريقيا من خلال بوابة الإسلام السياسي الذي أوجد اسما لتلطيف وحشيته وهو الإسلام المعتدل. واستطاع الغرب بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من تقديم كل اشكال الدعم  للإسلام السياسي  بعد الثورتين المصرية والتونسية لتحريفها وقلبهما ومن ثم اجهاضهما، حيث قايضت الجماهير المحرومة التي اسقطت أعتى نظامين وهما مبارك وبن علي بالأمان مقابل الحرمان من الحقوق والحريات والمساواة. وجاء هذا الدعم بشكل جلي وواضح من خلال تأسيسها لكل العصابات الاسلامية واعادة سيناريو سياستها أثناء الحرب الباردة في أفغانستان في سورية والمنطقة، حيث فتحت مساجد وجوامع تلك الدول للخطب الاسلامية التعبوية وإرسال الشباب الى سوريا و بمعاونة مخابرات تلك الدول وبالتنسيق مع المخابرات التركية لتنتج بالأخير دولة الخلافة الاسلامية، التي كان قبل اجتياحها ثلث مساحة العراق بعامين، يجلس جون مكين رئيس لجنة التسليح في الكونغرس الامريكي مع  ابو بكر البغدادي زعيمها في الأراضي السورية ليقدم له المشورة والدعم.

واخيرا جاء تسليم افغانستان الى طالبان وهي لا تقل وحشية واجرام بحق الانسانية عن داعش، الا ان الولايات المتحدة الأمريكية عومت الأولى وقامت بتأهيلها للسلطة بينما شنت حربا عالمية على داعش، وكلاهما داعش وطالبان هما من صنيعة الغرب من خلال دعمهما سياسيا وعسكريا وماليا.

ما نريد ان نقوله ان مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية هي يافطات سياسية لتبرير التدخل الأمريكي والغربي إذا ما تعرضت مصالحها للخطر. وأصبحت تلك المفاهيم ادوات ابتزاز الحكومات والدول التي تعارض مصالحها. ولعل اكثر الاحداث إثارة وتكشف عن الوجه المنافق القبيح لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية خلال فصول من تاريخها الدموي هو المكالمة الهاتفية الشهيرة التي جرت بين هنري كيسنجر وزير خارجية امريكا وسوهارتو الرئيس الاندونيسي عندما غطت وسائل إعلام عالمية  المجازر التي ارتكبها الجيش الاندونيسي أثناء انقلابه العسكري على الحكومة الموالية للسوفييت، اذ تفيد الارقام بأنه قتل ما يقارب مليون شخص من الشيوعيين واليساريين ونشطاء عمال ونساء تحرريات اضافة الى اعتقال وسجن الاف، وكان سوهارتو يحاول تبرير ما يحدث في اندونيسيا، ورد عليه كيسنجر بأنه يقدر ذلك، ويتفهم ما يحدث.

وعليه ليس هناك تقاطعات بين الإسلام السياسي والغرب كأنظمة سياسية ومصالح اقتصادية ومالية، بالرغم ان الاول يمثل عصر التراجع الإنساني والوحشية البشرية على جميع الاصعدة، في حين يمثل الثاني ثمرة نضال الانسانية وتقدمها المدني والحضاري. أن الفيصل كما ذكرنا هو المصالح وليست المفاهيم. وتكشف نماذج الإسلام السياسي التي وصلت الى السلطة، عدم وجود أية مشكلة للغرب معها إلا في حدود المزايدة السياسية للاستهلاك الإعلامي لذر الرماد في العيون أمام الرأي العام العالمي حول مصداقيتها على اللافتات السياسية التي تعلقها عن حقوق الإنسان.  فها هي تسلم افغانستان الى طالبان دون ان يرف لها جفن، وتعمل جاهدة على عقد صفقة مع الجمهورية الاسلامية حول الاتفاق النووي وتمددها في المنطقة، وتأسفت من قبل على سقوط الإخوان المسلمين على يد الجيش المصري بسبب اجهاض مشروعها الإسلامي “المعتدل”. ولم تكن لديها مشكلة مع دولة الخلافة الاسلامية الا عندما حاولت تغيير الخارطة الجيو سياسية. واذا ما اخذنا حقوق الإنسان كمعيار لتقييم حركة طالبان والجمهورية الاسلامية في ايران ودولة الخلافة الاسلامية، فأن الاختلاف بينها هي درجة وحشيتها وليس أكثر.

التيار الصدري في السيناريو الأمريكي في العراق:

 لا داعي للتكرار والتحدث عن فشل المشروع الأمريكي في المنطقة الذي تمثل بمشروع الشرق الاوسطي الكبير عبر الغزو واحتلال العراق. وبعد ذلك واجه الغرب عموما تداعيات الثورتين المصرية والتونسية التي حاولت تغيير المعادلات السياسية، لذلك لجأت الى استراتيجية الفوضى الخلاقة التي نادت بها كوندريزا رايس مستشارة الامن القومي في إدارة اوباما، وهي عبر إحداث تعميم الفوضى الامنية في البلدان التي هبت عليها نسائم الثورتين أو الاستفادة منها. وجاء دعم الإسلام السياسي وكل عصاباته وجرائمه  لتحقيق الاستراتيجية المذكورة في سورية وليبيا واليمن.

إن معضلة السياسة الامريكية التي تواجهها اليوم في العراق هي ترسخ النفوذ الإيراني. وكما نعرف ان نفس الادارة الامريكية قامت بدعم المليشيات الموالية لإيران وعلى راسها مليشيات بدر التي يرأسها رئيس تحالف فتح هادي العامري، تحت عنوان الحرب على داعش بالعلن ولكن الحقيقة التي تكمن ورائها جر هذه الميلشيات تحت عباءتها. وبعد فشلها، أي فشل احتوائها وانتزاعها من حض الجمهورية الاسلامية، ألغت قرار التمويل بقرار من الكونغرس الامريكي قبل أشهر لتضع نهاية كذبتها وهي الحرب على داعش.

ان افضل انواع جهاز الحماية للمصالح الامريكية في العراق وبمواجهة المليشيات الولائية هو في اختيار تيار يشترك معها عقائديا وهي الايدلوجية الاسلامية ويتقاطع معها سياسيا في النفوذ والمصالح، ولها قوى ميلشياتية تردعها.

ان التيار الصدري هو افضل الخيارات السياسية أمام السياسة الامريكية، فهو تيار شعبوي قومي بمسحه ايديولوجية اسلامية وله مليشيات ويستمد قوة زعيمه من قوة تاريخ أبيه الذي يعتبر أحد المراجع الاسلامية المنافسة. وفي نفس الوقت ان التيار الصدري بأمس الحاجة اليوم الى الدعم الأمريكي بعد انحسار نفوذه الاجتماعي والسياسي تحت ضربات انتفاضة اكتوبر، فهو الملاذ الأخير للحماية مصالحه الاقتصادية ونفوذه السياسي من المليشيات الولائية التي تسيطر على الحشد الشعبي ولها إمكانيات مالية ولوجستية وعسكرية كبيرة بما لا يقاس مع الامكانات التي تملكها مليشيات التيار الصدري.

وهذا يفسر مواقف الصدر بتأييده لاتفاقية الكاظمي مع السعودية والإمارات ومشروع المشرق الكبير مع الأردن ومصر وتأييده لاتفاقية بايدن-الكاظمي الأخير حول شرعنة جديدة للوجود الأمريكي و بعنوان مختلف في العراق.

وقد نشرت الصحف الامريكية مؤخرا ان التيار الصدري هو البديل الذي تعول عليها ادارة بايدن في انتخابات اكتوبر في هذه المرحلة لمواجهة النفوذ الإيراني. طبعا ان ايران تعرف خطورة ما يشكله التيار الصدري منذ انتفاضة أكتوبر الذي ظهر كتيار يحاول التّصيد في الماء العكر أثناء انتفاضة اكتوبر، حيث استغلت الفرصة للإطاحة بحكومة عبد المهدي الموالية لإيران والمدعومة من المليشيات الولائية. ولم يكن قصف الحنانة في مدينة النجف مقر مقتدى الصدر بطائرة مسيرة في تلك الفترة إلا رسالة للصدر من أجل تعديل موقفه وجره الى خندق المليشيات الولائية.

 ليس مهماً السجل الدموي للمليشيات التيار الصدري في قتل المعارضين والتي كان اخر فصولها هجوم بلطجية المسماة القبعات الزرقاء على المتظاهرين في ساحات وميادين الاحتجاجات امام انظار الكاظمي الذي غض الطرف عما فعلتها تلك المليشيات، ولم يدرجها في خانة “السلاح المنفلت” لأنه وصل الى السلطة بدعم التيار الصدري ولم تسحب منه الثقة بالرغم من تحرشه بالمليشيات الولائية وتجفيف منابع تمويله ومحاولته بإعادة العراق الى “الحضن العربي” لان مقتدى الصدر يقف بالمرصاد لكن من ينال من الكاظمي في البرلمان، وليس مهماً معاداة الصدر للنساء عندما دعا الى فصل الاناث عن الذكور في انتفاضة أكتوبر عندما وجد أن صوت المرأة أصبح عاليا وبات يهدد هويته الاسلامية، وليس مهماً تهشيم رؤوس المثليين بالبلوكات من قبل مليشياته، وليس مهماً حلق رؤوس مخالفيه، وليس مهماً المقبرة  الجماعية في منطقة السدة في بغداد التي تورطت مليشياته بالتطهير الطائفي عام ٢٠٠٦- ٢٠٠٨، وليس مهماً حجم الفساد المتورط به، نقول ليس مهماً (سيفي) أو سجل مقتدى الصدر امام الادارة الامريكية  وتياره طالما إنه البديل الامثل لمواجهة نفوذ المليشيات الولائية واكبر صمان امان لمصالح امريكا في العراق والمنطقة.

مرة اخرى نقول لأولئك الذين ترتجف قلوبهم من الانسحاب الامريكي من العراق، او الذين ما زالوا غارقين  بأوهام بان امريكا السد المنيع للدفاع عن حقوق الانسان في العالم، بأن من وضع الإسلام السياسي على رقاب الجماهير واصبحت جاثمة على صدورها هي نفسها الولايات المتحدة الامريكية، وهي الان تحاول اعادة هيكلة الاسلام السياسي وتمثيله بالتيار الصدري الذي لم يكن اقل اجراما من المليشيات الولائية بحق البشر في العراق، ولم يكن أقل فسادا منها.

إن الحمل الثقيل لا يحمله إلا أهله كما يقال، فالدفاع عن الإنسان وقيمته وحريته، واعادة الكرامة الانسانية الى البشر وانهاء كل اشكال التمييز ضده مرتبط بالتيار التحرري المتجذر في عمق المجتمع العراق، وهو وراء عدم تحويل العراق الى افغانستان اخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى