في الذكرى الرابعة لانتفاضة أكتوبر التيار المهزوم والتيار الثوري
تمر علينا الذكرى الرابعة لانتفاضة أكتوبر، ومازالت الأماني والآمال والأحلام الواقعية ترنو نحو، تلك الانتفاضة العظيمة التي هزت سلطة الإسلام السياسي بكل قدراته وامكاناته من أموالنا المسروقة والمنهوبة ومن المليشيات المدعومة محليا، وإقليميا.
وكان بطل تلك الانتفاضة، التيار الوطني الذي استطاع أن يقوض ويفرغ محتوى الانتفاضة ويوجه نصال نضالها بدلا من إسقاط تلك السلطة الجائرة التي عبثت بحياة ومعيشة البشر في العراق منذ ان جاءت تحت حراب الحرب والغزو والاحتلال، نحو “إيران” باعتبار ان سبب رحى المأساة ودوامة الفقر والعوز وتطاول المليشيات هي “ايران”. الهدف كان طمس ماهية الصراع الطبقي وماهية الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق والتي يمثلها اليوم سلطة الإسلام السياسي الشيعي، والتعمية على كل سياسات النظام الرأسمالي العالمي الذي مثله بالأمس الاحتلال واليوم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشركات الرأسمالية العالمية التي جاءت الى العراق في قطاع النفط والغاز والكهرباء والسمنت، وتؤيدها كل القوى القومية بعروبيها وكرديها والإسلامية المتواجدة في العملية السياسية، والتي شكلت تحالف باسم تحالف إدارة الدولة الذي شكل حكومة السوداني.
وصعد على اكتاف تلك الانتفاضة الكاظمي ومزماره والثعابين التي كان يراقصها، كما صرح في أيامه الأولى الى وسائل الاعلام الامريكية عندما قام بزيارته الميمونة الرسمية الأولى الى واشنطن.
اليوم ذلك التيار، أي التيار الوطني يلعق مرارة هزيمته، وسلم نفسه او الراية التي رفعها الى الأحزاب والجماعات التي فرضت الانتفاضة التراجع عليها بعد اسقاط حكومة القناصين التي مثلها عادل المهدي. ونصبت حكومة السوداني التي أوكلت المهمة لها بتنفيذ البرنامج الاقتصادي لحكومة سلفه الكاظمي وهو فرض الضرائب على الخدمات والتمسك بتخفيض العملة المحلية وعدم التوظيف في القطاع العام إضافة الي تصفية الاخير، وتشريع قوانين تنال من معيشة العمال والموظفين من اجل تهيئة الظروف والارضية لأغراء أصحاب الشركات العالمية واسالة لعابهم من اجل جذب اموالهم، وتصفية ذكريات واثار انتفاضة أكتوبر ومطالبها وردم ساحة كل الجرائم التي اقترفت بحق متظاهري انتفاضة أكتوبر في ساحات التحرير والخلاني وثورة العشرين والحبوبي وام العروسة ..الخ.
وقد كتبنا حينها في مقال بعنوان (هزيمة الانتفاضة ام هزيمة اوهامها)، وهناك قلنا أي قبل اكثر من ثلاثة سنوات، وقبل تتويج الكاظمي “بطلا” قوميا للانتفاضة، ان من جمع بيضه في سلة التيار الوطني هو من انهزم وليست الانتفاضة التي حملت في رحمها عراق خالي من الإسلام السياسي والقوميين والطائفيين، عراق الحرية والامن والأمان والمساواة والعيش الكريم. فها هي كتل الامتداد واشراقة كانون وباسم خشان ينعمون بخيرات ذلك التيار في البرلمان ولا يتعدى نشاطاهم غير الجعجة الإعلامية والمحاولة لاستفادة من الوقت للحصول على الامتيازات مثلما اتحفنا عراب الامتداد الذي كانت المرجعية تقف خلفه وخلف جماعتها علاء الركابي؛ بأنه على استعداد للتحالف مع الفاسدين من اجل خدمة العراق! بينما يحصي الجناح الاخر منه أي من التيار الوطني من جماعة الكاظمي والتيار الصدري خسائره السياسية والاجتماعية، ويحاول الأخير عبثا اصطياد اشباح دون كيشوت للعودة الى المشهد السياسي، مرة عن طريق اطلاق الفتاوى ضد المثليين، ومرة استغلال مسالة حرق القرآن وحرق بناية السافرة السويدية وأخرى المطالبة بتدريس منهج تياره في الجامعات والمعاهد وهكذا دواليك.
بيد ان الذي نريد التنويه اليه في الذكرى الرابعة لانتفاضة اكتوبر، ان من انهزم في هذه المرحلة هو التيار الوطني، ويعني هزيمة الأوهام التي نثرها في صفوف الجماهير واعتلى على اكتافها، وان المطالب التي رفعت في الانتفاضة من انهاء سلطة الإسلام السياسي وميليشياتها وفسادها ونهبها، واقامة دولة علمانية غير قومية وغير ودينية تعرف البشر في العراق وبغض النظر عن انحدارهم القومي والديني والطائفي والعرقي على أساس الهوية الإنسانية، والمساواة التامة بين المرأة والرجل وفرصة عمل مناسب او ضمان بطالة، ما زالت كامنة في صدور عشرات الملايين من جماهير العراق.
ليس بأماكن لا حكومة السوداني وقبلها الكاظمي ولا اية حكومة بإطفاء شمعة انتفاضة أكتوبر في نفوس جماهير العراق التي قررت انهاء عمر الإسلام السياسي وسلطته التي تمثل اكثر حثالات الطبقة البرجوازية عفونة، لان مشكلة الأخيرة في بنيتها، وهي متأزمة من قمة راسها إلى اخمص قدميها، وان رؤوسها متناثرة في الدول الإقليمية والعالمية مرتبطة بسياسات واجندات.
وعلى الجانب الاخر هناك مرحلة جديدة في تاريخ العراق الحديث وهي نمو الاعتراضات والاحتجاجات العمالية التي تجتاح المصانع والمعامل وخاصة في القطاع الخاص من اجل تحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، إضافة الى انتشار الفكر الاشتراكي ونزعة المساواة في صفوف الجيل الجديد بعد انتفاضة أكتوبر وخاصة في صفوف الشباب سواء كانوا اناثا ام ذكورا.
وبالرغم من كل محاولات تشييع المجتمع عبر السرف والبذخ على المناسبات الدينية وتضخيم الاعداد المشاركة وإقامة المواكب والولائم بمناسبة عاشوراء، وعلى الجانب الاخر هناك منافسة قوية من طرف من يصنفون انفسهم “بالسنة” الذين لا يملكون لسوء حظهم غير المولد النبوي والاحتفاء بالسنة الهجرية، للحماية والحفاظ على التصنيف الطائفي السني، وكل ذلك للبقاء في المعادلة السياسية التي تساوي المحاصصة الطائفية للسلطة، الا ان راية التحرر والمدنية والعلمانية تشق طريقها، وان الصراع الطبقي الذي حاولت كل الأحزاب القومية والطائفية طمسها تطفو على السطح، سواء على شكل احتجاجات عمالية كما اشرنا او الحركات الاحتجاجية الأخرى.
في الذكرى الرابعة لانتفاضة أكتوبر، ان ما تحتاجها الحركة الاحتجاجية المستمرة بأشكالها المختلفة وفي الميادين المتعددة سواءً؛ العمالية او النسوية او في توفير الخدمات او في تحقيق الحريات والدفاع عن مدنية المجتمع، هو تسليحها بالأفق الثوري، وان أي اصلاح لهذا النظام والعملية السياسية سواء من خلال نشر الأوهام في إعادة مسرحية جديدة للانتخابات وهذه المرة انتخابات مجالس المحافظات او في البهلوانيات الإعلامية والدعائية للسوداني وحكومته في “حربها على الفساد ومحاربة السلاح المنفلت وحل المليشيات” هو ضرب من الخداع ونشر الأكاذيب المظللة لحماية النظام السياسي القائم، وهو محاولة لبث الروح في سلطة الفساد والافقار واطالة عمر أدارة ازمتها المزمنة والتي تتفاقم كل يوم.