
مقابلة (الى الامام) مع سمير عادل حول الأول من أيار يوم التضامن العمال العالمي
إلى الأمام: بعد أسابيع قليلة، ستحل علينا مناسبة الأول من أيار، يوم العمال العالمي. كيف تنظرون هذه السنة إلى الأول من أيار؟
سمير عادل: كما هو معروف، فإن هذه المناسبة هي جزء من تقليدنا النضالي الطبقي الأممي العمالي، وعليه جزءاً من تقليدنا الشيوعي العمالي والتقليد النضالي للحزب الشيوعي العمالي العراقي.
ان احتفاءنا بهذه المناسبة السنوية، بالأخص في هذه الظروف يكتسب دلالات أخرى، وهي سياسية واجتماعية وتنظيمية، قد لا تكون قد برزت أو سادت في المراحل السابقة بهذه الدرجة من الحدة. فنحن نشهد اليوم أزمة عميقة تعصر النظام الرأسمالي العالمي، وتحاول البرجوازية بشتى تياراتها تحميل تبعاتها كالعادة على الطبقة العاملة وعموم الكادحين، سواء من خلال سياسة التقشف والتضخم التي كانت تعاني الطبقة العاملة منها أصلا بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبلها تداعيات وباء كورونا، فضلا على توسع مساحة الفقر والعوز والبطالة، بسبب السياسات التي عبرت عنها الإدارة الأمريكية برفع التعرفة الكمركية، وما تلاها من ردود أفعال من الحكومات البرجوازية العالمية التي ستؤثر بشكل مباشر على معيشة الطبقة العاملة. أو على صعيد الحروب التي تعني المزيد من القتل والتهجير والتشرد والدمار، أو التهديد بها من خلال فرض أجواء من انعدام الأمان والعسكرتاريا في المنطقة والعالم، كما نرى في الحرب في أوكرانيا، وتصاعد الدعائية الحربية ضد إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وفي خضم هذه الأوضاع، تكتسب القضية الفلسطينية أهمية خاصة، حيث لا أمن ولا سلام في المنطقة دون إنهاء الظلم القومي على الشعب الفلسطيني، وتأسيس دولته المستقلة، وإفشال جميع سياسات الدولة النازية الإسرائيلية التي تمارس الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتحاول فرض سياستها الإمبريالية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، على المنطقة. تلك السياسات التي تعني المزيد من الحروب والإرهاب والدمار، ومصيرًا مجهولًا لجماهير المنطقة.
أي بمعنى آخر، يضع النظام الرأسمالي العالمي الطبقة العاملة والعالم برمته أمام خيارين: إما الحروب وتبعاتها أو “في أفضل الأحوال” الفقر والجوع والعوز والسياسات العنصرية. إن عالم اليوم يعيش أكثر المراحل قتامة في تاريخ البشرية.
ومرة أخرى، يطل ماركس برأسه، وتعود عبارته الشهيرة التي وردت في البيان الشيوعي مع رفيقه إنجلز: “الطبقة العاملة، بثورتها، لا تخسر شيئًا سوى أغلالها”، تلك العبارة التي بدأت بـ “يا عمال العالم، اتحدوا!”، لتظل صدىً يتردد عبر الأجيال. والتجربة التاريخية تعلمنا مجددًا أن من يستطيع مواجهة بلطجة البرجوازية، سواء كان ممثلها ترامب، نتنياهو، ستارمر، ماكرون، بوتين، أو غيرهم، هو الطبقة العاملة وفقط الطبقة العاملة. فإذا وحدت صفوفها وقالت كلمة الفصل تجاه هذه السياسات، فإن فرائص الطبقة البرجوازية سترتعد. أي نحن ننظر الى الأول من أيار والقوى الكامنة داخل الطبقة العاملة والعالم الذي بامكانها ان ترسيه من خلال هذه اللوحة السياسية.
إلى الأمام: ما هي مكانة تقليد الأول من أيار بالنسبة لكم والحركة العمالية في العراق؟
سمير عادل: طالما ان الظلم والاضطهاد بكل أشكاله وتلاوينه قائما، فان لهذا اليوم مكانته بالنسبة لنا وللطبقة العاملة. طالما هم موجودان، فالنضال ضدهما وضد النظام الذي يخلق هذه الوضعية قائمين. إنه يوم التأكيد على هذا النضال وضرورته وتصعيده وصولاً لقلب المجتمع القائم وارساء عالم يستند الى الحرية والمساواة، عالم الإشتراكية.
إن قلب هذا العالم هو أمر غير ممكن دون طبقة عاملة متحزبة. يُعد الأول من أيار مناسبة لتأكيد على الشيوعية المتحزبة وعلاقتها العضوية بالطبقة العاملة. الشيوعية العمالية، أو بالأحرى شيوعية ماركس، هي تيار أصيل داخل الطبقة العاملة، كما هي الحال مع التيارات العمالية الأخرى مثل النقابية والإصلاحية. يُعتبر تقليد الأول من أيار بالنسبة لنا تجسيدًا لعملنا النضالي اليومي الروتيني طوال السنة بأكملها.
إن إحياء تقليد الأول من أيار بالنسبة للشيوعيين هو نقطة محورية في نضالنا على جميع الأصعدة. ان الطبقة العاملة في العراق، تعرضت لتدمير بنيتها الموضوعية عبر الحصار والحروب وتراجع المدنية. كما ساهمت البرجوازية بشكل فعال عبر القمع والاستبداد في قطع الصلة بين التاريخ النضالي للطبقة العاملة وحاضرها.
إن الأممية العمالية، أو عالمية الطبقة العاملة، هي مسألة هوياتية بالنسبة لنا نحن الشيوعيين كما يخبرنا ويؤكد على كل هذا قادة الحركة الشيوعية والعمالية العالمية من ماركس ولينين وصولاً لمنصور حكمت، قائد الحركة الشيوعية العمالية، من جهة وعقود مديدة من النضال والتجربة النضالية الحية لعمال العالم. الأول من أيار يعبر عن هذه الأممية، ويكشف بشكل صريح وقاطع زيف الحدود والهويات القومية والأديان والعرقية والطائفية، وتظهر البرجوازية في أقبح صورها، حيث تسقط كل محاولاتها لتفتيت الطبقة العاملة ودق الأسافين في صفوفها عبر إعلامها المأجور وصراعاته السياسية وحروبها.
وفي العراق، يكتسب الأول من أيار أهمية كبرى، حيث يفضح القوى البرجوازية بجميع أجنحتها الإسلامية والقومية، ويضع الهوية الطائفية والقومية في سلة المهملات، لتبقى الهوية الطبقية. في الأول من أيار، تتلاشى تلك الهويات الزائفة، وتظهر الهوية الطبقية، لتصبح المواجهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مواجهة طبقية، بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية التي لطالما حاولت إخفاء هذه المواجهة وطمسها.
ومن ناحية أخرى تغدق بالأموال والامتيازات على الممثلين السياسيين لتلك الطبقة مثل تخصيصات مالية مهولة وجوازات دبلوماسية لأعضاء البرلمان وعائلاتهم، وقوانين تقاعدية ومعاشات للأجهزة الأمنية التي تساعد في قمع الاحتجاجات العمالية مثل الحشد الشعبي، فضلاً عن فبركة التهم تجاه المعارضين تحت عنوان نشر “الفيديوهات الهابطة”، وتشريع قانون مكافحة البغاء والمثلية لتصفية المعارضين لهذا النظام السياسي البرجوازي الجائر. وقانون تعديل الأحوال الشخصية التي تسلب الإرادة الثورية لنصف المجتمع وهو المرأة وتحويلها الى أداة طيعة بيد النظام البرجوازي الرجولي والذي يلتقي مع تشريع قانون المناسبات الدينية لترسيخ التقسيم الطائفي في المجتمع وإضفاء هويات دينية وطائفية زائفة لطمس ماهية الصراع الطبقي المحتدم.
ويتضح أن الدولة، بقوانينها وبيروقراطيتها من مستشاري رئيس الوزراء وقضائها، ليست دولة فوق الطبقات أو خارجها، بل هي دولة قمعية لصالح الطبقة البرجوازية. حيث تشرع قوانين لصالحها، إذ تحاول البرجوازية الحاكمة في العراق، عبر ممثليها السياسيين في البرلمان، سن قوانين تحرم الطبقة العاملة من حقوقها، مثل مسودة “قانون التنظيم النقابي” المشين، الذي يمنع تأسيس تنظيماتها المستقلة ويسلب حقها الطبيعي والأساسي في الإضراب والتنظيم والتظاهر دفاعًا عن مصالحها المستقلة. وقد وقفت جميع الاتحادات والمنظمات العمالية المستقلة ضد هذه المسودة التي تعبر عن سياسة صريحة وواضحة للطبقة البرجوازية العالمية في فرض شروط عمل قاسية على العمال، وتحويل العراق إلى بيئة خصبة لجذب الاستثمارات وتحقيق أرباح كبيرة تُدرّ في جيوب الشركات الرأسمالية الكبرى.
إن أكثر ما ترعب الطبقة البرجوازية في العراق، التي تمثلها اليوم أكثر أجنحتها المتعفنة، وهي الإسلام السياسي الشيعي المتحالف مع القوميين العرب الذين يسمون أنفسهم “بعرب السنة” والقوميين الكرد، هو الطبقة العاملة. وصدق ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي في عام ٢٠٠٧، عندما قال في تعليقه على مسودة قانون النفط والغاز: “إن أكثر ما كانوا يخشون منه هو تحرك الاتحادات والمنظمات العمالية ضد المسودة المذكورة”. وقد أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه، عندما نظم عمال مصافي النفط في البصرة والناصرية وبغداد تظاهرات ضد المادة ٤٢ في قانون الموازنة، وتم إسقاطها من الموازنة عندما كانت تهدف إلى رفع أسعار برميل النفط الأسود.
إن من يستطيع المواجهة اليوم هو الطبقة العاملة، وهي القادرة على هزيمة البرامج الاقتصادية وحتى السياسية للطبقة البرجوازية الحاكمة.
إلى الأمام: إذًا، ما هي النشاطات والفعاليات التي ستتم وفق السياسات التي ذكرتموها؟
سمير عادل: أولًا، وهو هدف عام لنا، هو توحيد الطبقة العاملة ككل، كطبقة، ومن هناك العمل على توحيد منظمات واتحادات عمالية ونسوية وتحررية حول لائحة مطالب واضحة تشمل الغالبية العظمى من الطبقة العاملة في العراق لإظهار تيار وصف سياسي واجتماعي مستقل في مواجهة الطبقة البرجوازية وممثليها السياسيين في الحكومة والبرلمان.
ان شعار “لتسقط مسودة قانون الحريات النقابية ” التي تحاول الحكومة تشريعها يكتسب هذه السنة اهمية في مواجهة ما تروج له البرجوازية الحاكمة في العراق، والذي يقابلها: “نعم لحق الإضراب والتنظيم والتظاهر”.
إصدار بيانات واضحة تكشف ممارسات البرجوازية وسياستها تجاه الطبقة العاملة وخططها الجهنمية على مستوى العراق والعالم. وفضلا على ذلك هو اطلاق دعوات لوقوف الطبقة العاملة العالمية ضد كل السياسات البرجوازية التي أشرنا إليها وخاصة فضح خطاب “النعيق الطائفي” والتصدي له. الابراز الاعلامي والدعائي لتقليد الأول من أيار وتعريف الناس بمكانة هذا اليوم التاريخي.
على الشيوعيين تنظيم مناسبات مختلفة في المناطق السكنية والمحلات للتعريف بالأول من أيار، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات في المصانع والمعامل. والمشاركة وتنظيم مسيرات عمالية، شرط أن يكون الشيوعيون جزءًا من التظاهرات العمالية التي تنظمها القطاعات العمالية المختلفة، وأن يعملوا على تقويتها ودعمها، وليس إقامة مسيرات فرقية لاثبات “الذات اليسارية” والتقاط بعض الصور ونشرها لتسجيل موقف، بل إلى تعزيز النضال العمالي الحقيقي من خلال المشاركة الفعالة.
وفيما يخص التضامن مع الطبقة العاملة الفلسطينية، وهو ما يعد جزءاً من اولويتنا اليوم كحزب، ستنظم الجبهة العمالية والموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني مهرجانًا رقميًا، بالإضافة إلى ندوات توعوية حول مكانة الطبقة العاملة في القضية الفلسطينية. كما سنبدأ، من ناحيتنا، في تنفيذ قرار المؤتمر الأول للجبهة العمالية بجمع التبرعات لبناء مستشفى عمالي في قطاع غزة.