المقالاتعادل احمد

نفاق واضح لعالمنا اليوم!

عادل احمد

لم يكن نفاق الطبقة البورجوازية العالمية اكثر وضوحا من زماننا هذا، ولم يكن هذا النفاق قد  شعرتْ به حتى اشد فئات البشر فقراً حول العالم، وفي اقصى المناطق النائية اكثر من يومنا هذا، بسبب كثرة الاخبار وانتشار شبكات التواصل الاجتماعية…

حدثت قبل أيام فيضانات واسعة في باكستان ودمرت القرى والارياف والمزارع وقتلت الآلاف من الناس جراء الامطار الغزيرة والسيول الفيضانات على الأراضي الشاسعة وغمرت المدن بالكامل وشردتْ الملايين بحثا عن مكان امن يلوذون بحياتهم… وكالعادة دفع ثمن هذه الكارثة الطبيعية الفقراء من أبناء الطبقة العاملة والكادحة سوى بفقدان ارواحهم او بفقدان ما يملكون من وسائل المعيشة. وان الطبقة البورجوازية الحاكمة في باكستان لم تفعل شيئا من اجل حفظ أرواح الناس ومساعدة المتضررين والذين لا يزال يمكث الكثير منهم  تحت الخرائب وبقايا البيوت المهدمة بدون أكل ومياه صحية، والذي يدمي القلوب، عندما ينادون الى المساعدة ويبكون على مستقبل حياتهم البائسة… فإن حكومة باكستان الإسلامية تذرف دموع التماسيح على ضحايا هذه الكارثة في حين كان بإمكانها ان تقلل من معاناة المتضررين وتقديم الدعم الضروري واللازم اليهم ولكن في الواقع تتنصل عن هذه المهمة بذريعة اقتصادهم  المنهك والتضخم المالي العالمي. ولكن في نفس الوقت لم تقلل من ميزانيتها العسكرية والتي تتنافس مع جاراتها الهندي وتقوم بعسكرة البلاد يوما بعد يوم. وحتى المساعدات الدولية العالمية ومنها الأمريكية والغربية ضئيلة جدا لم يتجاوز عدة ملايين لهذه الكارثة المدمرة.

ان النفاق الأكثر يأتي من الدول الغربية وامريكا وروسيا والتي لم تحرك وجدانهم ابدا ويتفاخرون بتقديم بضع ملايين من الدولارات كمساعدات إنسانية في حين يقدمون المساعدة بعشرات المليارات من الدولارات في حرب أوكرانيا عسكريا والتي لم ينتج منها شيئا بغير الدمار والمآسي لفقراء هذا البلد! ان تبرع أمريكا وحده لحرب في أوكرانيا يقترب من عشرون مليار دولار وتخصيص نفس المقدار في المساعدات العسكرية المستقبلية، في حين اكتفى بتقديم المساعدة الى كارثة الفيضانات في باكستان بخمسة ملايين من الدولارات فقط، والدول الغربية لم تكن اكثر كرما من أمريكا للمساعدات الإنسانية.

أي من الحالتين، مساعدة الفقراء في باكستان للخروج من المحنة بسبب الكوارث الطبيعية والفيضانات أم مساعدة زيلينسكي وجيشه في قتل عشرات الالاف من الجنود الأوكرانيين والروس وتدمير المدن بالصواريخ وجعل الحياة في أوكرانيا جحيما؟! ان لإنقاذ الانسان من محنته يبخلون بالمساعدات، ولكن لتدمير الانسان يجزلون  بالأموال والمساعدات العسكرية الضخمة، اليس هذا نفاقاً وفي اشد حالاته وضوحا؟ اليس هذا دليل على ان الطبقة الرأسمالية العالمية وصلت الى حالة لم تعد تخجل على نفاقها وكذبها المستمر حول حقوق الإنسان والديموقراطية وحقوق الشعوب وما الى ذلك؟ ألم تصل الطبقة البورجوازية العالمية الى نقطة لا تستطيع غطاء وجهها القبيح  وطفيليتها همجيتها للسيطرة وحكمها الطبقي الرجعي؟ ان موت الملايين بسبب وباء كورونا وموت الآلاف بسبب الحرب في أوكرانيا وموت الملايين بسبب الكوارث الطبيعية وموت الملايين بسبب الفقر والجوع في انحاء العالم لا يحرك ضمير الطبقة البورجوازية لكل هذه الضحايا ولكن في الصراعات العالمية بين اللصوص ودفع المجتمع الإنساني الى الفناء مستعدون لأن يهدروا أكثرية الثروات لديهم من اجل البقاء في السلطة …

ان كل هذا النفاق واضح مثل وضوح النهار ونراه يوميا ونشعر به يوميا ونسمع يوميا وحتى نرى الاعلام الغربي أيضا كيف يبث ويصور النفاق في اكثر صوره وضوحا. ان موت الملكة الزابيث في بريطانيا والتي لم تنفع البشرية بأي شيء كيف يتم تضخيم دورها وتاريخها وقصورها والتي اصبح على شاشة كل القنوات والاعلام والشبكات التواصل الاجتماعية في حين عاشت في اكثر القصور فخامة ورفاهية وأوسع الحدائق الغناء وبذل الأموال بالملايين لحفلاتها ومائدتها وسفراتها ويتم تصويرها بانها من اكثر الشخصيات المؤثرة في التاريخ، في حين جميع الشرفاء في العالم والذين يناضلون من اجل حياة افضل للمواطنين لا يقدرون ولا يأتي ذكر اسمائهم وليس هذا وحسب وانما تتم مطاردتهم واعتقالهم وقتلهم او يتم اغتيالهم ليس لأي سبب اخر سوى انهم عبّروا عن انسانيتهم… ان هذا نفاق واضح للطبقة البورجوازية العالمية المعاصرة.

ان كل هذا النفاق وكل هذا التصور الواضح حول عالمنا يدل إلى شيءٍ واضح أيضا وهي ان العالم الرأسمالي وعالم الطبقة البورجوازية، عالم مقلوب ويعكس الحياة والحقيقة وكل شيءٍ بشكل مقلوب ويعكس تناقض هذا النظام مع الطبيعة البشرية ومتطلباتها ويعكس تناقض حكمها مع عصرنا ولهذا يتطلب قلبها راسا على عقب وهذا ما يحتاج العالم ان يوضحه وان يناضل من اجله. ان بقاء واستمرار هذا النظام المقلوب يعني العيش عكس ما يتمنى الانسان، ويبني آماله. وهذا تناقض التاريخ والإرادة الإنسانية وحدها كفيلة بحل هذه التناقضات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى