المقالاتوسام شاكر

ملاحظات نقدية عن انتفاضة اكتوبر أخطاؤها ونواقصها

وسام شاكر

مقدمة
ليس النقد هدفا بذاته ولذاته انما يقصد به التقويم واصلاح الاخطاء ، كل ماكتب عن انتفاضة  تشرين او على الاقل في معظمه كان يدخل في باب التمجيد والتعظيم وخلق الاوهام في صفوف شباب الانتفاضة وتحميلهم من الصفات والافعال الخارقة مالم يكن له علاقة بالواقع الفعلي .ليس في نية هذا الاسهام النقدي انكار تضحيات الشباب وبطولاتهم امام وحشية  الالة القمعية بكل اطرافها الواضحة والخفية والتي لازالت حتى اللحظة تقوم بدورها القذر من اجل تصفية وانهاء الانتفاضة وتقويض اهدافها المشروعة والعظيمة .

هذا الاسهام  النقدي هو محاولة للخروج من خطاب العاطفة والوهم الى خطاب العقل والفهم  الخروج من الوقائع الجزئية الى الكشف الاشمل لاخفاقات وعثرات  الانتفاضة  وكبواتها .الخروج من الفوضى الى التنظيم ومن التشتت الى تكوين رؤية واضحة عما كان وعما ينبغي ان يكون .

  • 1-البحث عن الزعيم والقيادة : ورث العقل العربي والعراقي خاصة ، في اللاوعي الجمعي منذ ايام الجاهلية مسألة البحث عن الزعيم المعصوم والقائد الاوحد الذي يخاطب الجماهير بلغة العواطف ويحرك مشاعرها ويعبر عن صبواتها وعذاباتها زعيم نموذجي مثالي منزه عن الاخطاء نظيف اليد والسريرة ، هذا البحث يستعيض عن القيادة الجماعية والابداع الجماعي للجماهير باختصار ذلك في شخصية واحدة من طراز مثالي متفرد لا وجود لها الا في الخيال الجمعي للجماهير المضطهدة ، في الحقيقة ان شباب الانتفاضة باطروحاتهم المستمرة حول ترشيح رئيس وزراء مستقل وقوي ونزيه من خارجهم لا من بينهم يتصف بتلك الصفات المثالية لم يجدوا احدا من هذا الطراز يختصر رغباتهم الدفينة والمكبوته في واقع عراقي مريض مصاب بالشلل السياسي والكساح الاجتماعي والمليء بالاوهام والخرافات والاحقاد الطائفية المذهبية العرقية المناطقية والقومية وعنف المليشيات المسلحة .
  • 2-ظل المنتفضون حتى الان بلا قيادة فاعلة ومؤثرة وان صح وجود قيادات خفية لا تريد الاعلان عن نفسها فان تلك القيادات فشلت في تقديم برنامج للحد الادنى واقعي ومدروس وممكن التحقيق والتطبيق ، كل ما قدم من برامج لا يعدو ان يكون مبادرات شخصية او حزبية محدودة لمتتمكن الجهات التي طرحتها من جعلها بوصلة هادية تحظى برضى جميع الجماهير المنتفضة التي تتنازعها اهواء متعددة شخصية ، توجهات سياسية وايديولوجية متناقضة بلغ بعضها حد البساطة والاتكالية .بل بلغ  الحد بعدد واسع من الناشطين الى انكار الحاجة الى مثل تلك القيادة وضرورتها بل زعموا بان كل ناشط من المنتفضين قائد  اي  هو قائد في مكانة .واخيرا لا اخرا اختصر البعض مسالة القيادة بشعار غارق في العمومية والغموض هو ( الوعي قائد ) ولا افهم المقصود هنا بالوعي هل  يقصد بالوعي هو ضرورة اسقاط ورحيل الطبقة السياسية الحاكمة الحالية طبقة الفساد والمحاصصة ورموزها ومليشياتها ؟؟ ام شيء اخر. غياب القيادة الجماعية الواعية والثورية ادى الى مجموعة  اخطاء وخطايا : انعدام التنظيم والبرنامج والرؤية الواضحة لكيفية العمل النضالي وطريقة تصعيده واهم وسائله الكفاحية .
  • 3-التنظيم ضرورة تاريخية لان حركة معينة لا تستطيع ان تحقق اهدافهاوان تهزم خصومها الا اذا تجاوزتالعفوية التي تعني عدم القبول باي شكل من اشكال التنظيم وبالتالي غياب البرنامج الواضح المتدرج الذي يترجم خطوات الانتفاضة ومراحلها حتى تحقيق النصرالنهائي الناتج العرضي لغياب التنظيم هو التشتت والبعثرة وغياب الرؤية السياسية الواضحة . بالتنظيم يتم تجاور الارتجال والمواقف الانية وردود الافعال العاطفية ازاء كل حدث سياسي مفاجيء .وبوجود رؤية برنامجية ناتجة عن رؤية سياسية بأهداف الحركة ومستقبلها وبالتنظيم يمكن مواجهة عنف السلطة والقمع والاندساس والتخريب .
  • 4-جاءت فكرة رفض التنظيم من قبل المنتفضين كرد فعل على فساد الاحزاب السياسية المشاركة في السلطة ونهبها للمال العام وامتلاكها للمليشيات المسلحة التي تمارس القمع والخطف والارهاب .منذ انشاء العملية السياسية الطائفية والقومية فان ابرز مظاهر فساد احزاب الاسلام السياسي والاحزاب القومية هو تعطيل التنمية والبناء وتدمير البنى التحتية والاستحواذ على المال العام بجميع اشكالة .
  • 5-ارقى شكل من اشكال التنظيم الجماهيري الشعبي العمالي ..كما قدمت لنا تجارب التاريخ والثوارات العالمية هو : المجالس . ظهرت المجالس العمالية والجماهيرية والشعبية في روسيا ثورة1905 و 1917 في المانيا وهنغاريا وايطاليا 1919 وفي العديد من الاقطار المجالس شكل ديمقراطي للتنظيم الجماهيري خارج الاحزاب السياسية او بمشاركتها الجزئية .
  • 6-تتشكل المجالس الجماهيرية بالانتخاب المباشر من قبل الجماهير، اثناء الاوضاع الثورية ، تمتد من محلات السكن واماكن المعيشة واماكن العمل والمدارس والجامعات والمصانع والمعامل كما على الصعيد العام للبلاد يربطها من الاسفل الى الاعلى مجلس مركزي ينتخب من بين اعضاءه مكتبا تنفيذيا يمثل كل المدن المنتفضة ويكون له سلطة توجيه القرار السياسي وتحديد المواقف تجاه الحكومة. ، ويمارس الرقابة والضغط الدائم على سلطة الحكومة، من اجل تحقيق مطالب الجماهير المنتفضة. علماً بأن التغيير الجذري سيعتمد في آخر المطاف على حسم ازدواجية السلطة بين سلطة المجالس الجماهيرية الشعبية الثورية والسلطة الطبقية للبرجوازية الحاكمة. حتى الان للأسف ماتزال الانتفاضة بلا هيكل تنظيمي مجالسي موحد يوحد رؤيتها السياسية وافاق نضالها ومجابهتها للقمع والخطف المنظم السلطوي المليشياتي .
  • 7-ماتزال الانتفاضة بلا برنامج موحد يمثل رؤية مشتركة لجميع المحافظات المنتفضة والسبب هو غياب التنظيم والقيادة تتغير المطاليب بين فترة واخرى وتتناقض احيانا بسبب اندساس عناصر مليشياوية مختلفة ابرزها تيار مقتدى الصدر ومجاميع من انصار المرجعية والعشائر وعناصر مدفوعة من السلطة الحاكمة .
  • 8-الاتكال على العاطفة الدينية : هناك تشوش كبير داخل صفوف شباب الانتفاضة وتصورات سياسية متناقضة في كثير من الاحيان وهناك قطاعات كبيرة من المنتفضين في ساحة التحرير وبقية المدن تنتظر خطب المرجعية في كل جمعة وتعول عليها بينما في الحقيقة ان المرجعية بالرغم من بعض المواقف الايجابية الا انها تدعم من طرف خفي النظام الطائفي القومي الحالي وتقدم توجيهات اخلاقية لإصلاح النظام لا تأبهه لها كثيرا الاحزاب الحاكمة التي لا تعنيها غير مصالحها الطبقية بل هي في كثير من الاحيان تتعكز على توجيهات المرجعية من اجل التسويف وخداع الجماهير المنتفضة ومن اجل كسب المزيد من الوقت .
  • 9-التمجيد الاعلامي المكثف من قبل قنوات فضائية معينة ( الشرقية مثلا ) للانتفاضة والمنتفضين خلق كثير من الاوهام لدى المنتفضين وزرع بين صفوفهم تصورات غير واقعية واعتقاد انهم على وشك الانتصار على نظام المحاصصة الطائفية المافيوي بينما كان النظام يمارس القمع المنظم من قوى مختلفة حكومية ومليشياوية سميت بالطرف الثالث وكان البرلمان في نفس الوقت يناقش مشاريع قوانين لتغيير قانون الانتخابات وتغيير قانون المفوضية وامور اخرى بقيت حبرا على ورق وبهدف الخداع وامتصاص ارادة المنتفضين الذين يطرحون موقف كنس كل الطبقة السياسية الحاكمة ورموزها وعمليتها السياسية وهو مطلب رغم اهميته وعظمته الا انه يبدو طوباويا امامطبقة حاكمة مدججة بالسلاح والمال ومنتفضين سلميين لا يملكون وسيلة فعالة لفرض ارادتهم.التمجيد له وجهان ايجابي وسلبي من جهة فهو يدفع للحماسة والاصرار ويعزز الارادة الثورية ومن جهة اخرى يمكن ان يخلق الاوهام حول حجم ودور المنتفضين وقدرتهم على الحسم .
  • 10-اختراق الانتفاضة والنتائج التي سببها : لقد اضعف اختراق الانتفاضة والتحكم فيها من قبل عناصر تيار مقتدى الصدر كثيرا ، في البداية اظهر انه يدعم المنتفضين وارسل عناصر من ذوي القبعات الزرق لحمايتهم كما يزعم وبعد اختراق المنتفضين والتعرف على الناشطين والفعالين قام باحتلال المطعم التركي – مقر المنتفضين والنشطاء – ومارس تيار الصدر اساليب خبيثة للقمع منها الوشاية بالمنتفضين وتهديدهم بالسلاح ثم استخدام السلاح الابيض لارهابهم وتقطيع اوصالهم وقتلهم في احيان اخرى وقد اضعف ذلك كثيرا من قوة وارادة الناشطين رغم كل ما قيل عن الصمود او البقاء في الساحات وفي بقية المدن حدث نفس السيناريو بل اسوأ في الناصرية والبصرة وغيرها … وفي اللحظة الراهنة لا يملك المنتفضون اية وسائل فعالة للوقوف بوجه القمع والاندساس وخطف وقتل الناشطين مما يبين ان اهم اسباب هذا الضعف هو عدم وجود قيادة موحدة وعدم وجود تنظيم متين يجمع كل الناشطين في المدن وعدم وجود خطة او برنامج للمواجهة ، وفوق هذا وذاك لم تعد الاساليب السلمية مجدية امام وسائل القمع الهمجي والاجرامي المختلفةولا ندري كيف سيجدد الناشطون وسائلهم الدفاعية واساليبهم في المواجهة في الوقت الذي يتساقط المزيد من الشهداء في الخلاني والتحرير والناصريةوقد ذكر لنا احد الناشطين زار الناصرية مؤخرا والتقى بعدد من فعالي الانتفاضة ان المنتفضين لا يعرفون ماذا يفعلون امام وحشية القمع وهم يصرون على البقاء في الساحات وتقديم المزيد من التضحيات .
  • 11-من اهم نقاط ضعف الانتفاضة هو غياب دور ميداني فعال للقوى السياسية المعارضة للنظام وخاصة قوى اليسار فهذه القوى في غالب الاحيان اكتفت بالتوجيهات واصدار النشرات والبيانات التي لم يكن لها تاثيرا فعالا على المنتفضين وتصوراتهم السياسيةفابرز الناشطين كانوا في الغالب يطرون افكارا ليبراليةوتصورات مثالية ويرفضون الاصغاء الى اصوات الاحزاب الثورية النظيفة بل يرفضون كل شكل من اشكال الحزبية والتحزب مما افقدهم دعم واسناد قوى سياسية مهمة كانت تدعوهم باستمرار للتنظيم ورص الصفوف وهكذا بقوا بدون ارضية تنظيمية واسعة مما تسبب في الغموض والتشوش وعدم تحديد اهداف واقعية واضحة تتناسب مع التحديات التي تواجهها الانتفاضة .
  • 12-واخيرا نقول ان انتفاضة تشرين حركة جماهيرية عظيمة وكبيرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق الحديث تضم طيف واسع من الجماهير الكادحة والمعطلة والمحرومة حركة طرحت مطاليبا واهدافا كبيرة وعظيمة منذ انبثاقها قبل اكثر من اربعة اشهر وحتى الان انها تعبير راقي عن حيوية الشباب والجماهير الثائرة في العراق ضد الفساد والطائفية والاستبداد وهي تحمل مشروعا كبيرا وعظيما لعراق مدني ديمقراطي متحرر من كل اشكال التبعية والوصاية الخارجية والاستبداد الطائفي – القوميقدمت الجماهير خلالها آلاف الشهداء وعشرات الالاف من الجرحى والمعاقين وما تزال مشروعا مستمرا للتضحية والفداء على مذبح الحرية …ونحن حينما ننتقد اخطاء ونواقص الانتفاضة التي رفض العالم ( الحر ) التضامن معها ودعمها فانما نريد لها ان تتجاوز العثرات والاخطاء وتحث الخطى الثورية في طريق النجاح وتحقيق الاهداف ولا نريد ان نزايد على المنتفضين او نملي اهدافا وبرامج عليهم فهم وحدهم من يرسم البرنامج والهدف ولكن ندعوهم الى التبصر ومراجعة الذات وتجديد اساليب الكفاح وزخم الانتفاضة ورسم اهداف واضحة ممكنة التحقيق وانتخاب قيادات واعية وصلبة وثورية وانشاء تنظيم شامل وموحد يكون رافعة لتحقيق الانتصار في نهاية المطاف .

وسام شاكر

       4 /3/ 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى