المقالات

الماركسية وتغير المناخ

أرني جوهانسن

ترجمة:حازم كويي

حذر العديد من علماء المناخ من أن العالم سيكون قريباً في حالة تحول،وهذا يعني أنه في نقطة معينة يمكن أن يتجاوز الاحترار العالمي التدريجي حدود النظام البيئي للارض،وهناك إحتمال كبير أن يؤدي ذلك الى أتجاه كارثي لايمكن إيقافه .

ولمنع ذلك،يجب أن تُتخذ قرارات ثورية تستند الى فهم واسع ل(ديالكتيك الطبيعة)،الذي حاول فيها فريديرك إنجلز مع كارل ماركس،في مهمة مشتركة، لجعل ذلك مفهوماً.

العلماء أطلقوا الآن ناقوس الخطر، من أن نقاط التحول هذه يمكن ان تحدث عند ارتفاع درجات الحرارة التي تتراوح بين 1إلى 2 درجة.

وحذر الباحثون،من أن نظام الارض تزداد مشاكله باستمرار، بإنقراض الانواع من خلال الانبعاثات الكيميائية والبيو كيميائية،ونضوب طبقة الأوزون،وتحمُض المحيطات،وإزالة الغابات،وندرة المياه العذبة،وتلوث الهواء.

كل هذا يعني أيضاً أن مايسمى ببحوث علوم الطبيعة هو تأكيد علمي لمحاولات فريدريك أنجلزلإيجاد قوانين حركة الطبيعة في كتبه مثل”أنتي دوهرينغ”(1878)و”ديالكتيك الطييعةوقد شك قبلهُ بعض الفلاسفة اليونانيين القدماء مثل هيريقليس والفيلسوف الألماني هيجل.

وجرت إساءات حول تفسير الأرث السياسي والعلمي لماركس وإنجلز، وكردِ فعلٍ مضلل على إساءة أستخدام ستالين العقائدية للمادية الديالكتيكية.

أعتنق البعض هذا التقليد،بتفسيرات لاأساس لها من الصحة،أعاق كلاً من الصراع العالمي للمناخ ونهضة ماركسية جديدة،والذي بدأ بالتراجع الجدي.

وبدأت جهود أميركية للترويج عن الاشتراكية البيئية لكارل ماركس،وكذلك في اليابان.

أتفق ماركس وإنجلز في وقت مبكر على هذا التفكير الديالكتيكي،الذي حاول هيجل تنظيمه،بعكس العمليات التي تحدث في عالمنا الواقعي المادي للطبيعة والأنسان،وكانت أيضاً طريقة أستخدمها ماركس،بدعم خاص من إنجلز،لإنتقاد الاقتصاد الانكليزي الجديد(الكلاسيكي) وتحليل قوانين حركة الاقتصاد الرأسمالي بالتفصيل،الذي بلغ ذروته في عمل ماركس الهائل حول رأس المال.

أضافة للنضال السياسي، فقد كان كل من ماركس وإنجلز مُتحمسين للاختراقات العظيمة في العلوم،التي تحققت على يد إنجلز خصوصاُ وبدعم ماركس.فقد أراد أن يقارن بالتفصيل مع منطق هيجل الديالكتيكي للفكر،وتركت نظرية التطور لداروين والنظرية الذرية وبيولوجيا الخلية ونظرية الطاقة الفيزيائية للديناميكية الحرارية والهندسة الزراعية إنطباعاً خاصاً.

وبناءاً على طلب إنجلز،قرأ ماركس كتاب داروين “أصل الأنواع”عن تطور الانواع وبالتالي الأصل البيولوجي للبشرية،ودفع هذا إنجلز بهذا الاكتشاف الى مزيد من التفكير في كيفية حدوث الأنتقال الديالكتيكي من الحيوانات الى البشر في كتاب صغير بارع بعنوان”دور العمل في تحول القرد الى أنسان” الذي ضُمن في “ديالكتيك الطبيعة”،أفترض إنجلز أن هذا الانتقال بدأ بتطور اليد مع العمل وتوسع آفاق الانسان مع كل تقدم جديد،فالعمل يتطلب المزيد من التعاون وفي النهاية اللغة.

وأكد إنجلز في ديالكتيك الطبيعة على مفهوم علم الروابط، بأن كل ما هو موجود في حالة حركة مستمرة،لكنه مع ذلك متصل،حتى لو أن الشكل يمكن أن يتحلل ويتغير في مرحلة معينة،وقد صرح في وقت مبكر أن “الحركة هي نمط وجود المادة” ويمكن تلخيصها اليوم على أنها “كل شئ هو طاقة” وتشمل جميع الحركات والتغيرات والعمليات في الكون.

الثابت الظاهرصالح فقط لفترة معينةوتحت ظروف معينة،كل ما ينشأ يمر، لاينطبق على على كل من الطبيعة والأنظمة الأجتماعية،وكما قال الفيلسوف الجدلي اليوناني هيريقليس “لايخطو رجل في نفس النهر مرتين”

في حالة الخلط بين التغيرات التي لاحصر لها،أكد العلم قبل كل شئ وفقاً لإنجلز، ثلاثة قوانين عامة للحركة،تحول الكم الى نوعية،صراع الأضداد،نفي النفي.

لقد وضع ماركس وإنجلز نظرة هيجل المثالية للديالكتيك التي أسماها الفكرة المطلقة،نحو أساسها المادي من خلال شرح كيف تأتي الطبيعة أولاً، وكيف يتأثر الفكر البشري بشكل أساسي،بكيفية عمل الناس ومعيشة حياتهم المادية،والتي هي في نفس الوقت الافكار المهيمنة في عصرنا،فكر الطبقة السائدة.

في تكريم إنجلز، أوضح أستاذ الفيزياء البريطاني ومؤرخ العلوم (جي برنال)،أن الفكرة المركزية للمادية الديالكتيكية هي التحول، أهم مهمة للبحث تتمثل في شرح ماهو جديد نوعياً،والشروط التي تحدد ظهور “هرمية تنظيمية”جديدة، ومن خلالها التقاطعات وتحليل هذه التحولات.

وأستخدم إنجلز مفهومه الديالكتيكي المادي عن الطبيعة لتوضيح الاسئلة التي لم يتم الرد عليها بوضوح من خلال البحث المعاصر، على سبيل المثال،مفهوم أصل الكون من الضباب،وأصل الحياة من العمليات الكيميائية المعقدة،ودور اليد والعمل في خلق الأنسان والأنتقال من حق الأمومة ألى ألأسرة الأبوية ذات الملكية الخاصة.

الطبيعة تطورت من المادة والحركة (المسماة اليوم غالباً بالطاقة)في عدد من المستويات التنظيمية للتركيبات الديالكتيكية المستقرة.من الجسيم الأولي الى الذرة،ومن الذرة الى الجزئ،ومن الجزئ الى الركام الغرواني(مصنوع من مواد دقيقة)،ومن الركام الى الخلية الحية،ومن الخلية الحية الى عضو،ومن عضو الى جسم،ومن جسم حيوان الى مجتمع.

وفقاً لعالم الكيمياء الحيوية ومؤرخ العلوم البريطاني (جوزيف نيدهايم)،فإن “جدلية الأصول” كانت أكثر إسهامات إنجلز الثورية في البحث العلمي الذي ركز عليه.

ويدعي عالم الأحياء التطوري(ستيفن غاي غولد)،الذي ساهم بنفسه في نظرية “التوازن المنقط”،أن إنجلز،على خطى داروين،قدم أفضل مساهمة في نظرية “التطور المشترك لثقافة الجينات”وهذه النظرية هي بالضبط (كيف أن فترات الاستقرار التطوري الطويلة تنقطع أحياناً عن طريق التفرع السريع للأنواع،ومن الأمثلة اليوم في البحث الجيولوجي والمتعلق بالتعريف ب”التفاعلات الديالكتيكية للطبيعة من خلال تدفق المادة والطاقة بين الأنظمة الفرعية للأرض التي تتكون من دورات وعمليات ومجالات الأنثروبوسين أو كابيتالوسين”.

أبحاث المناخ أدخلت اليوم مفهوم ألأنثروبوسين (العصر البشري)كمرحلة بدأ فيها التاثير البشري بشكل خطير في الإخلال بالتوازن النسبي في الطبيعة، الذي كان موجوداً خلال الفترة الجيولوجية الأخيرة،الهولوسين،منذ حوالي 11700 عام.

يؤرخ العديد من العلماء هذا الى فترة مابعد الحرب العالمية الثانية ،بينما يرى آخرون ويفهما الماركسيون،أن جذورها وتأريخها (يمكن تسميتها بالرأسمالية)منذ الثورة الصناعية وتراكم رأس المال.

عالم الأحياء التطوري الرائد في أنكلترا (راي لانكستر)،حذر في فصل من كتابه مملكة الانسان المعنون “إنتقام الطبيعة” مستنداً الى إنجلز،من الكيفية التي يعمل بها الأنسان بشكل متزايد على الإخلال بتوازن الطبيعة بطرق كارثية ،مثال ذلك،من خلال الأوبئة المتقطعة التي يمكن تتبُعها جميعاً.

في سن الثالثة والعشرين،أنتقد إنجلز الأستغلال القاسي للثورة الصناعية في “الخطوط العريضة لنقد الاقتصاد السياسي”1844،التي وصف بؤسها وأوبئتها في عام 1845،ولوضع الطبقة العاملة في إنكلترا،التي خَلُص فيها الى”إنهاءالملكية الخاصة وحده يمكن أن يعني مصالحة الجنس البشري مع الطبيعة ومع نفسه”

في المخطوطات الأقتصادية والفلسفية لعام 1844،وصف ماركس أيضاً الفجوة المتزايدة(الإغتراب)في ظل الرأسمالية بين العمال ووسائل الأنتاج من ناحية،وبين الناس أنفسهم وبين الناس والطبيعة، عندما ينفصل العمال عن الأرض وأن مهمة الشيوعية هي إستعادة وحدة كاملة ومنظمة بشكل معقول بين الأنسان والطبيعة لمستويات أعلى.

قبل وقت طويل من تُحفة ماركس الفنية “رأس المال” أنتقد نظرية القيمة للأقتصاديين البرجوازيين،لأنهم رأوا العمل فقط كمصدر لكل قيمة ونسيان قيمة إستخدام الطبيعة،التي يعتبرونها “هدية مجانية لرأس المال”وهو مايعني أن رأس المال،مدفوعاً بمصالح ربح متنافسة،يُقوض كلاً من العمل والأرض،المصادر الأصلية لكل الثروة.

وكان المسرح مُهيئاً بالفعل لماركس، لِتبني المفهوم الديالكتيكي ل(الصدع غير القابل للشفاء) في التناوب بين الأنسان والطبيعة كصراع غير قابل للحل في الرأسمالية،والذي تطور اليوم الى هاوية لايمكن التغلب عليها.

أكد إنجلز أيضاً على القاعدة الطبقية لإنتشار الأوبئة الدورية ،على سبيل المثال،الجدري والكوليرا والتيفوئيد والأمراض المُعدية الأخرى.

يقول إنجلز في “ديالكتيك الطبيعة” أن الفارق الجوهري بين الحيوانات والبشر، هو أن البشريمكنهم التحكم في الطبيعة وجعلها تخدمُ أغراضهم،واليوم يتردد أصداء تحذيره بقوة أكبر من أي وقت مضى،فلا ينبغي بالتملق لإنفسنا بشأن إنتصاراتنا البشرية على الطبيعة.مقابل كل إنتصار تنتقم منا الطبيعة.

وهو يستشهد ببعض الأمثلة،يتذكر إنجلز أنه “في كل منعطف يتم تذكيرنا بأننا لانتحكمُ في الطبيعة بأي شكل من الأشكال مثل الفاتحين على شعب غريب،مثل شخص خارج الطبيعة،لكننا أيضاً لدينا لحماً ودماً وعقولاً تنتمي الى الطبيعة وتوجد في وسطها،وأن إتقاننا الكامل لها يتمثل في حقيقة أننا نتمتع بميزة على جميع المخلوقات الأخرى في تعلُم قوانينها وتطبيقهابشكل صحيح”

من وجهة نظره أثناء الثورة الصناعية،سارع إنجلز الى رؤية المشكلة الرئيسية المتمثلة في أن “الرأسماليين الفرديين الذين يتحكمون في الإنتاج والتبادل يريدون فقط الاهتمام بالنتائج المفيدة والمباشرة لإفعالهم.في الواقع ورغم هذا التأثير المفيد المتعلق بفائدة السلع المُنتجة أو المُتبادلة ـ يأخذ مكاناً خلفياً،فالحافز الوحيد هو الربح الذي يتم تحقيقهُ من خلال البيع،لانه وبكل بساطة وخلاف ذلك سيتم إخراجهم وبلاهواده من المنافسة.

من أجل تنفيذ هذا التنظيم لعلاقتنا بالطبيعة، فإن استنتاج إنجلز، هو أكثر من مجرد معرفة ضرورية. “إنه يتطلب قلب كامل نمط إنتاجنا السابق وفي نفس الوقت قلب نظامنا الاجتماعي الحالي بأكمله”. إستنتاج يتماشى تماماً مع كلمات ماركس الشهيرة في “رأس المال” وهي”من وجهة نظر الشكل الأقتصادي الأعلى للمجتمع،تبدو المُلكية الخاصة للعالم من قبل الأفراد سخيفة،مثل الملكية الخاصة لشخص لِلآخر،وحتى المجتمع بأسرهِ،الأمة،وجميع المجتمعات في العالم،فهي ليست صاحبة الكرة الأرضية،أصحابها هم فقط المستفيدون منها ويجب نقلها الى الأجيال القادمة،مثل الأب الجيدالذي ينقلها لإولاده”

إذا كانت الرأسمالية قد دفعتنا اليوم الى عتبة أزمة وجود البشرية،فلا يُمكننا بطبيعة الحال الأنتظار لفعل كل شئ على الفورلمنع الوصول الى نقاط التحول الخطيرة.

ولكن من أجل تحقيق النصر وإستعادة التوازن مع الطبيعة،فإن النصر العالمي ضروري لنظام إجتماعي إشتراكي،مُخطط بشكل ديمقراطي جديد،كما أوضحها فريدريك إنجلز وكارل ماركس طوال حياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى