المقالات

“بوصلة” شيوعية وعمالية في صلب التطورات السياسية (خطاب في افتتاح المؤتمر الرابع للحزب الحكمتي، ايلول 2010)

كورش مدرسي

ترجمة: فارس محمود

إنَّ هذا الموضوع لا يتعلق بالأوضاع السياسية في إيران أو العالم في مرحلة زمنية محددة، بل انه يتخطى وضعية خاصة. فمهما كانت عليه أوضاع العالم، ومهما كانت عليه أوضاع إيران، فان هناك بوصلة أكثر أهمية تأخذنا نحو هذه الجهة أو تلك، وإنَّ هذا الموضوع يتعلق بتلك “البوصلة”.

من الواضح أنَّ عالمنا، لدى طيف واسع من القوى السياسية، لا ينقسم الى رأسمالي وعامل، وإنما الى حسن وسيء، شريف وعديم الشرف، ذي ضمير أو عديم الضمير، إسلامي أو غير إسلامي، إرهابي وغير إرهابي، وأخيراً الى إنساني ومخلوقاتي*. من أجل جلب وكسب البرجوازية، استبدلوا الحكومة العمالية بحكومة إنسانية، حكومة ديمقراطية، حكومة شعبية، حكومة أناس من أصحاب ضمير وغير ذلك، من وجهة نظر هؤلاء، فإنَّ ماركس إذا أراد كتابة البيان الشيوعي، كان عليه أن يكتب: إنَّ تاريخ مدنية البشرية هي تاريخ نضال الإنسانية ضد الحيوانية، تاريخ نضال أولئك الشرفاء ضد عديمي الشرف وغير ذلك، وليس تاريخ الصراع الطبقي، وعليه، تغيير مجمل الشفافية الطبقية للبيان الشيوعي، وتلطيخ الجو وجعله مبهماً وانتقائياً ما بين الإنسانية والحيوانية، وجيّد وسيء، خيّر وشرّير، شعبي ومعادي للشعب.

إنَّ هذا تراجع جدي فرضته الليبرالية البرجوازية على الصعيد العالمي، والبرجوازية الإيرانية في هذه الحالة الخاصة، على قسم واسع من أناس يطلقون على أنفسهم شيوعيين، ومن ثمَ، يتحتم اليوم العودة الى أكثر الخنادق الشيوعية قدماً، أي البيان الشيوعي، والدفاع عنه بوجه كل أشكال “التجديد” و”التدقيق” تلك.

ولهذا، من الضروري رؤية الموضوع من زاوية الاختلافات الأساسية، وعليه، فيما يتعلق بالتطورات السياسية، أضع عناوين بوصفها بوصلة شيوعية.

“إننا”: ليس ثمة “إننا” ما فوق السياسة وما فوق الطبقات:

إنَّ أول خطوة في تقييم التطورات السياسية والبدء في “ما العمل” هو أن نقرّ بأنَّه ليس هناك ما يعني: “إننا” فوق السياسة وفوق الطبقات، وليس ثمة مفهوم مشخص لمفردة مثل “شعب” أو “جماهير” هكذا بصورة عامة، إنّ تلك الـ “إننا” هي كلمة أحد أطرافها الطبقة العاملة أمّا طرفها الآخر فهي البرجوازية، طرف الفلاحين وطرف آخر هي البرجوازية الصغيرة المتخلفة، إنَّ هذه الـ “إننا” المزدوجة المعبرة عن كلا الطبقتين تتحرك بالتوازي وفقاً لمصالحهما الطبقية الخاصة، وبالتالي خطهما وسياساتهما وراياتهما الخاصة.  

إنَّ هذه أول وأكثر التوجهات أساسية في بوصلة الشيوعيين، أي أنَّ فهم هذه الحقيقة يبين لنا، قبل أي شيء آخر، معيار صحة وخطأ سياسة ما، إذ لا يمكن توضيح وتفسير مجتمع وحكومة إيران بالإسلام، ببقايا غير رأسمالية، أو برأسمالية غير مألوفة أو غير عادية أو أي شكل آخر من الرأسمالية فذلك لا ينفي الخصائص والسمات والآليات والمصالح الأساسية لحركة الرأسمال وربحه.

في إيران، ثمة نظام رأسمالي يستند الى قوة عمل رخيصة، وإنَّ مجمل الاختلافات ما بين سياسات التيارات البرجوازية المختلفة هي مجرد اختلاف ما بين أساليب تقسيم ربح الرأسمال بين الأقسام المختلفة للرأسماليين وكيفية تأمين وصيانة هذا النظام وتوسعه.

إنَّ مجتمع ايران هو مجتمع رأسمالي، وإنَّ كل آلية طرح السياسات، وكل الحركات الاجتماعية تتحرك حول هذه الحلقة في المطاف الأخير، إلا أنَّ هذا لا يعني، دون شك، إنَّ ولادة مجمل أشكال الظلم هو النظام الرأسمالي أو انه لا يمكن حلها في إطار الرأسمالية، فالقمع الثقافي، والظلم المفروض على المرأة، وصناعة الدين هي نماذج لأشكال الظلم هذه، ولكن في ايران، وكحال أي نظام رأسمالي آخر، يرتبط إعادة إنتاج أشكال الظلم هذه مباشرة بمصلحة طبقة الرأسمال، وهي البرجوازية، وليس التخلف ولا الطابع الإسلامي يصونا بقاء هذه الأشكال من الظلم ويعيدا إنتاجها.  ليس ثمة قسم من برجوازية إيران نصير الحريات السياسية للطبقة العاملة. ليس ثمة أي قسم من البرجوازية تقدمياً، وإنَّ البرجوازية تعيد إنتاج النزعة الذكورية والدين كل يوم، إنَّ مصلحة الرأسمال تستلزم ذلك، وإن يكن هناك تفاوت في أبعاد تلك الاختلافات.

ينبغي إن تكون أول مهمة للشيوعيين هي أن تتحول هذه الحقيقة الى جزء من الوعي الذاتي للطبقة العاملة، ويخرجوا أسس أشكال الظلم هذه من هالة الوهم البرجوازي، وأنَّ أي شخص لا يستطيع أن يفسر هذه الظواهر هو برجوازي الرؤية، لا يستطيع رؤية البرجوازية أو لديه تصور خرافي عنها، يضع الطبقة العاملة في صف مفاهيم مثل: الجماهير، الشعب، الإنسان وغير ذلك.

في هذا المستوى من الطرح، يكون العالم، ببياضه وسواده، أما برجوازياً أو بروليتارياً. أما أن تكون بروليتاري أو برجوازي. أما أن تكون تحت راية الطبقة العاملة أو تحت راية البرجوازية. ليس ثمة بديل آخر، ينبغي أن يقف كل المجتمع أمام هذا الاختيار. أما أن تنخرط في صف راية العامل أو راية البرجوازي.

وبالبوصلة أو الشاقول ذاته، لا تقسم الجماهير في عالم السياسة والصراع السياسي والطبقي دون شك الى كرد وفرس وترك وبلوش وعرب ومسلمين وسنة وشيعة ومسيحيين ويهود وغير ذلك. إن هذه تقسيمات سياسية اخترعتها البرجوازية لتقسيم الطبقة العاملة فيما بينها. وكما هو الحال دائماً، تسعى البرجوازية في الحرب المستمرة بين الرأسماليين من أجل تقسيم الربح أن تصون العامل الكردي جنب البرجوازي الكردي والعامل العربي جنب البرجوازي العربي والعامل الإسرائيلي جنب البرجوازية الإسرائيلية والعامل الإيراني جنب الرأسمالي الإيراني والعامل الصيني جنب الرأسمالي الصيني وغير ذلك، إن هذه السمة الأساسية للنزعة القومية والتعصب القومي والديني في عالم اليوم، التي ترتكز على تعميق الفرقة في صف الطبقة العاملة، وجمع القوى من أجل إدامة صراعهم مع بعض، ولهذا فأنَّ السؤال ما الذي على الكرد أو جماهير مدينة سنندج أو مريوان أن يقوموا به هو مخادع ومضلل ويخدم إعلان لا طبقية السياسة، في كردستان على العامل إنَّ يقوم بعمل ما والبرجوازية تقوم بعمل آخر، وتختار البقية ما بين هذين الاختيارين.

في الدعاية الشيوعية، في الكثير من الأوقات، تتم مخاطبة الصفوف الطبقية التي يمكن كسبها تحت راية الطبقة العاملة بمسمى الجماهير، ولكن ينبغي أن نكون دقيقين، إذ أنَّ لهذا الأمر حدوداً، فهذا تحريض سياسي من أجل جذب الجماهير المحرومة العريضة أو البرجوازية الصغيرة الفقيرة التي يمكن كسبها لراية الطبقة العاملة، وهذا جزء من تكتيك، وليس هوية أيديولوجية، تكتيك دعوة هذه الجماهير للانضمام لصف الطبقة العاملة وليس تذويب الطبقة العاملة في الجماهير.

*انه تعليق على قيادة الحزب الشيوعي العمالي الإيراني بليدرها حميد تقوائي الذي رجع عقوداً للوراء الى شعبويته ما قبل الشيوعية العمالية، واستبدل شعار “الحكومة العمالية” بشعار غير طبقي وغير اجتماعي وشعبوي واضح بـ”حكومة إنسانية”. المترجم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى